اقتياد رجل البوليس المتهم إلى قسم البوليس قيام الضابط بتفتيشه بعد اعترافه بأن ما معه ليس مملوكاً له.
الحكم كاملاً
أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الأول - السنة التاسعة - صـ 54
جلسة 20 من يناير سنة 1958
برئاسة السيد حسن داود المستشار، وبحضور السادة: محمود إبراهيم إسماعيل، ومصطفى كامل، وإبراهيم عثمان يوسف،ومحمد عطية إسماعيل المستشارين.
(12)
طعن رقم 1712 سنة 27 ق
تفتيش. اقتياد رجل البوليس المتهم إلى قسم البوليس. قيام الضابط بتفتيشه بعد اعترافه بأن ما معه ليس مملوكاً له. هو تفتيش صحيح.
متى كان رجل البوليس باعتباره من رجال السلطة العامة قد أيقن بحق لظروف الحادث وملابساته أن من واجبه أن يستوقف المتهم ويتحرى أمره، فلما ثارت شبهته فيه رأى أن يستصحبه إلى قسم البوليس، واعترف المتهم أمام الضابط بأن ما في الحقيبة ليس مملوكاً له فقام بتفتيشه فإن الدفع ببطلان التفتيش لا يكون له محل.
الوقائع
اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه: بصفته موظفاً عمومياً "تمورجي بمستشفى القصر العيني" - استولى مع آخر مجهول بغير حق على مال للدولة "العقاقير الطبية" المبينة بالمحضر من متعلقات مستشفى قصر العيني. وطلبت من غرفة الاتهام إحالته إلى محكمة الجنايات لمحاكمته بالمواد 111 و113 و118 و119 من قانون العقوبات، فقررت الغرفة بذلك. ومحكمة جنايات القاهرة قضت حضورياً عملاً بالمواد 113 و118و119 من قانون العقوبات بمعاقبة محمد حمودة فارس بالأشغال الشاقة لمدة ثلاث سنين وتغريمه مبلغ خمسمائة جنيه مصري وعزله من وظيفته.
فطعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض... إلخ.
المحكمة
... حيث إن مبنى الوجه الأول من أوجه الطعن أن الحكم المطعون فيه قد أخطأ في تطبيق القانون إذ قضى برفض الدفع ببطلان القبض على الطاعن وتفتيشه. ذلك أن هذا الدفع يقوم على أن من قام بالضبط هو رجل بوليس من غير مأموري الضبط القضائي ولم تكن الجريمة في حالة تلبس بها حتى يمكن القول إنه كان يحق له القبض على الرغم من كونه ليس من مأموري الضبط. وحاصل باقي الأوجه أن الحكم قد شابه قصور في التسبيب وفساد في الاستدلال فضلاً عن إخلاله بحق الطاعن في الدفاع. وتفصيل ذلك أن الحكم دان الطاعن استناداً إلى أنه قد اعترف بالجريمة في محضر جمع الاستدلالات على الرغم من أن الطاعن قد بين للمحكمة أنه اعتراف باطل لا يعتد له في الإثبات إذ كان وليد إجراءات غير صحيحة في القانون، وكذلك استند الحكم إلى أقوال شهود الإثبات على الرغم من تناقضها ثم التفت عن طلب الطاعن إعلان رجل البوليس رمضان أحمد جاد دون بيان سبب لعدم الاستجابة إلى هذا الطلب، كما التفت عن دفاعه المستند إلى أن الصلة مقطوعة بينه وبين الصيدلية التي سرقت منها العقاقير الطبية فلم يرد على هذا الدفاع وفضلاً عن ذلك كله فقد خالف الحكم القانون إذ سلم العقاقير المضبوطة إلى مستشفى قصر العيني دون أن يتبع في ذلك الإجراءات التي نص عليها القانون.
وحيث إنه يبين من الاطلاع على الحكم المطعون فيه أن واقعة الدعوى التي حصلها هي أن الطاعن وهو تومرجي بمستشفى قصر العيني استولى على عقاقير طبية من صيدلية المستشفى "ووضعها في حقيبة من الورق وبعد انتهاء عمله في الساعة 6.30 من صباح يوم 13 من أغسطس سنة 1956 حمل هذه الحقيقة وانصرف من المستشفى بأن خرج من بابه الخلفي المواجهة للبحر ولكشك متعهد الجرائد المدعو كامل أحمد الدهان ولما كان لهذا الأخير معلومات بحصول سرقات من المستشفى وشاهد المتهم (الطاعن) أثناء خروجه حاملاً الحقيبة اشتبه في أن يكون بداخلها أشياء مسروقة وأبلغ عسكري البوليس رمضان أحمد جاد الذي كان يقوم بالمرور بدركه بشارع قصر العيني في هذا الوقت، فاستوقف العسكري المتهم وسأله عن اسمه وصناعته وعما يحمله في الحقيبة ولما علم أنه يشتغل تومرجي بمستشفى قصر العيني وأن ما معه عقاقير طبية اشتبه في أن تكون مسروقة فأحضره إلى قسم البوليس وهناك فحصت الحقيبة، فوجدت بها العقاقير المسروقة وضبطت وسلمت إلى مستشفى قصر العيني وقد قدر ثمنها بمبلغ 29 جنيهاً 300 مليم، ثم قال الحكم أن هذه الواقعة ثابتة على المتهم ثبوتاً كافياً مما شهد به شهود الإثبات ومنهم كامل أحمد الدهان ورجل البوليس رمضان أحمد جاد ومن اعتراف الطاعن بمحضر ضبط الواقعة بأنه خرج من الباب الخلفي للمستشفى ومعه الحقيبة وعلل وجودها معه بأنه عثر عليها في مصعد مهجور بالمستشفى دون أن يتبين ما بها. ثم تناول الحكم بعد ذلك دفاع الطاعن فقال "ولما كان خروج المتهم من المستشفى في هذا الوقت المبكر يحمل حقيبة مما يدعو إلى الشبهة... فلما استوقفه العسكري وسأله عن وجهته وصناعته وما يحمله وكانت إجابته تدعو إلى الريبة وطلب منه اصطحابه إلى القسم لعرض أمره على الضابط فتوجه معه المتهم واعترف أمامه بحمله الحقيبة وأنه عثر عليها أي أنها ليست ملكه، فاستيقاف العسكري للمتهم والاستعلام منه عن صناعته ووجهته وعما يحمله ثم اشتباهه فيه وطلبه من المتهم التوجه معه إلى القسم لا يعتبر من أعمال القبض والتفتيش بل هو من أعمال وظيفته بصفته من رجال المحافظة على الأمن إذ هو مجرد استيقاف دعت إليه حالة الشبهة التي ثارت في نفسه وبحق من الظروف الملابسة لحالة المتهم". ثم تحدث الحكم بعد ذلك عن اعتراف الطاعن لضابط البوليس فقال "حيث إن اعترف المتهم بعد ذلك للضابط بأنه عثر على الحقيبة بالمستشفي فحملها وخرج بها منه هو من الدلائل الكافية على أن ما يحمله مسروق مما يجيز لمأمور الضبط القضائي القبض عليه وتفتيشه عملاً بالمادة 34 من قانون الإجراءات الجنائية وبذلك يكون الدفع في غير محله ويتعين رفضه. وحيث إن المتهم اعترف بأن الحقيبة والعقاقير المضبوطة التي فيها ليست ملكه فلا يمنع القانون رجل الضبط القضائي من أن يسلم هذه العقاقير إلى مالكها" - ولما كان يبين ما تقدم أن الحكم المطعون فيه قد حصل واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية للجريمة التي دان الطاعن بها وأورد على ثبوتها في حقه أدلة صالحة لأن تؤدي إلى النتيجة التي انتهى إليها وكان الحكم قد رد على ما دفع به الطاعن بشأن بطلان القبض والتفتيش رداً سائغاً وصحيحاً في القانون في قوله إن رجل البوليس باعتباره من رجال السلطة العامة أيقن بحق لظروف الحادث وملابساته أن من واجبه أن يستوقف الطاعن ويتحرى أمره، فلما ثارت شبهته فيه رأى أن يستصحبه إلى قسم البوليس. ولما كان تفتيش الطاعن بعد ذلك بواسطة الضابط قد تم بعد اعترافه بأن ما في الحقيبة ليس مملوكاً له، فإن ما ينعاه الطاعن على بطلان التفتيش لا يكون له محل، ولا محل كذلك لما ينعاه على الحكم المطعون فيه من أخذه بأقوال الشهود رغم تناقضها إذ الأمر في ذلك مرده إلى حرية المحكمة في تقدير الدليل والتناقض في أقوال الشهود بفرض قيامه لا يعيب الحكم ما دام قد استخلص الإدانة من أقوالهم بما لا تناقض فيه. لما كان ذلك وكانت المحكمة ليست ملزمة بتعقب الطاعن في مناحي دفاعه الرد على جزئياته، إذ الرد على هذا الدفاع مستفاد دلالة من أدلة الثبوت التي أوردها الحكم، ومن ثم فنعي الطاعن على الحكم في هذا الشأن لا يعدو أن يكون جدلاً موضوعياًَ في تقدير الدليل مما لا يجوز الخوض فيه أمام هذه المحكمة.
وحيث أن ما ينعاه الطاعن من أن المحكمة لم تستجب إلى طلبه سماع شهادة رجل البوليس رمضان أحمد جاد فمردود بأنه يبين من الاطلاع على محضر جلسة المحاكمة أن الدفاع عن الطاعن وكذا النيابة اكتفيا بسماع شهادة الشهود الحاضرين وبناء على ذلك أمرت المحكمة بتلاوة أقوال من لم يحضر من الشهود ثم ترافع الحاضر عن الطاعن طالباً الحكم ببراءته مما يستفاد منه أنه قد تنازل عن سماع أقوال الشاهد الذي طلب سماعه فليس للطاعن من بعد أن ينعي على المحكمة عدم استجابته إلى طلب لم يصر عليه ولم يتمسك به. أما ما ينعاه الطاعن على إجراءات التحقيق من أن ضابط البوليس قد خالف ما يقضي به القانون بشأن تسليم المضبوطات فنعى لا يفيد منه الطاعن إذ أن القانون لم يرتب البطلان على المخالفة من جهة ولأن الطاعن لا يدعي ملكية العقاقير المضبوطة أو أنه كانت له صفة في حيازتها.
وحيث أنه لذلك يكون الطعن برمته على غير أساس ويتعين رفضه موضوعاً.
ساحة النقاش