التلبس حالة تلازم الجريمة ذاتها بصرف النظر عن شخص مرتكبها.
الحكم كاملاً
أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الثاني - السنة 16 - صـ 384
جلسة 19 من أبريل سنة 1965
برياسة السيد المستشار/ عادل يونس نائب رئيس المحكمة، وبحضور السادة المستشارين: أديب نصر، ومحمد محمد محفوظ, ومحمود عزيز الدين سالم، وحسين سامح.
(79)
الطعن رقم 177 لسنة 35 القضائية
( أ ) مواد مخدرة. جريمة.
جريمة إعداد المحل وتهيئته لتعاطي الجواهر المخدرة. استقلالها عن جريمة إحراز المخدر بقصد التعاطي. اختلافها عنها في مقوماتها وعناصرها الواقعية والقانونية.
(ب) تلبس. جريمة.
التلبس: حالة تلازم الجريمة ذاتها بصرف النظر عن شخص مرتكبها. قيامها في جريمة. صحة إجراءات القبض والتفتيش في حق كل من له اتصال بها سواء أكان فاعلاً أم شريكاً تقدير الدلائل على صلة المتهم بالجريمة المتلبس بها ومبلغ كفايتها يكون بداءة لرجل الضبط القضائي تحت رقابة سلطة التحقيق وإشراف محكمة الموضوع. مثال.
1 - جريمة إعداد المحل وتهيئته لتعاطي الجواهر المخدرة جريمة مستقلة عن جريمة إحراز المخدر بقصد التعاطي وتختلف كل منهما عن الأخرى في مقوماتها وعناصرها الواقعية والقانونية بحيث يمكن أن تنهار إحداهما بتخلف كل أو بعض أركانها القانونية دون أن يؤثر ذلك حتماً في قيام الثانية.
2 - من المقرر أن التلبس حالة تلازم الجريمة ذاتها بصرف النظر عن شخص مرتكبها ومتي قامت صحت إجراءات القبض والتفتيش في حق كل من له اتصال بالجريمة سواء أكان فاعلاً أم شريكاً، وتقدير الدلائل على صلة المتهم بالجريمة المتلبس بها ومبلغ كفايتها بداءة لرجل الضبط القضائي تحت رقابة سلطة التحقيق وإشراف محكمة الموضوع - ولما كان الثابت من مدونات الحكم المطعون فيه أن الضابط لم يقبض الطاعن ويفتشه إلا عندما تحقق من اتصاله بجريمة إحراز المخدر المتلبس بها لوجوده في مجلس واحد مع المتهم الثالث - صاحب المقهى - الذي شوهد يتعاطى الحشيش وعلى صورة تنبئ عن أن الغاية من المجالسة هي المشاركة في التعاطي وهو استخلاص سائغ أقرته عليه محكمة الموضوع ورأت كفايته لتسويغ القبض والتفتيش فهذا منه صحيح. ولا تثريب على الحكم إذا هو عول في الإدانة على الأدلة المستمدة من تلك الإجراءات.
الوقائع
اتهمت النيابة العامة الطاعن وآخرين بأنهم في يوم 26 أكتوبر سنة 1963 بدائرة قسم أول طنطا محافظة الغربية: (أولاً) المتهمون الثلاثة: - أحرزوا جوهراً مخدراً (حشيشاً) وكان ذلك بقصد التعاطي وبدون تذكرة طبية وفى غير الأحوال المصرح بها قانوناً. (ثانياً) المتهم الثالث: - أعد وهيأ دكاناً لتعاطي الجواهر المخدرة فيه - وطلبت من مستشار الإحالة إحالتهم إلى محكمة الجنايات لمحاكمتهم بالمواد 1 و2 و34/ 1 - 3 و36 و37 و42 و47 من القانون رقم 182 لسنة 1960 والبند 12 من الجدول رقم (1) فقرر بذلك. ولدى نظر الدعوى أمام محكمة جنايات طنطا دفع الحاضر مع المتهم ببطلان القبض والتفتيش لأن الجريمة لم تكن في حالة تلبس. وقضت المحكمة المذكورة حضورياً في 12 ديسمبر سنة 1964 عملاً بالمواد 1 و2 و37/ 1 و42 من القانون السالف الذكر مع تطبيق المادة 17 من قانون العقوبات بمعاقبة كل من المتهمين الثلاث بالحبس مع الشغل ستة أشهر وبتغريمه خمسمائة جنيه ومصادرة الجوهر المخدر والمضبوطات وردت على الدفع بأنه في غير محله. فطعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض... إلخ.
المحكمة
حيث إن مبنى الوجهين الأول والثاني من الطعن هو أن الحكم المطعون فيه إذ دان الطاعن بجريمة إحراز جوهر مخدر بقصد التعاطي قد شابه قصور في البيان وانطوى على خطأ في تطبيق القانون وإخلال بحق الدفاع، وفى تفصيل ذلك يقول الطاعن إن المدافع عنه دفع ببطلان إجراءات القبض والتفتيش تأسيساً على أن المتهم الثالث في الدعوى هو الذي شوهد وحده يدخن في "الجوزة" التي قيل بأن رائحة الحشيش كانت تنبعث منها وأن من شأن هذا تعيين الجريمة المتلبس بها وتحديد فاعلها بما يمتنع معه امتداد إجراءات التحقيق إلى غيره من مجالسيه، ومع ذلك فإن الحكم المطعون فيه رد على هذا الدفع بما لا يصلح لتفنيده واعتمد على الدليل المستمد من التفتيش على الرغم من بطلانه. هذا فضلاً عن أن الحكم لم يعن بالرد على ما أثاره المدافع عن الطاعن - الذي أنكر ضبط المخدر معه - من أن ثمة خلاف بين ما قرره شهود الواقعة من أن قطعة الحشيش وجدت عارية بجيب الطاعن وما ثبت من تقرير التحليل من خلو هذا الجيب من أي أثر لمادة مخدرة مما يؤكد كذب أقوالهم ويشكل في نفس الوقت قصوراً في التسبيب وإخلالاً بحق الدفاع يعيب الحكم ويستوجب نقضه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه حصل واقعة الدعوى في قوله إنها "توجز في أن الملازم أول سعد اللبان وكيل مكتب مكافحة المخدرات بطنطا كان يمر في نحو الساعة العاشرة من مساء يوم 26/ 10/ 1963 م بدائرة قسم أول طنطا ومعه الشرطيين السريين الجبيلي أحمد الشوربجي وعلام شديد عامر لجمع تحريات عن متجري الجواهر المخدرة الذين يترددون على المقاهي والغرز المقامة لمناسبة المولد الأحمدي فلما أن اقتربوا من كوبري كفرة الخادم بدائرة القسم اشتموا رائحة احتراق الحشيش ثم شاهدوا غرزة مضاءة بكلوب ومصباح على مسافة أربعة أمتار تقريباً ينبعث منها دخان فقصدوها ولدى دخولهم ألفوا صاحبها السعدني محمود السعدني المتهم الثالث يمسك بجوزة مشتعلة يدخن منها وشموا من رائحة الدخان المتصاعد منها رائحة احتراق الحشيش وقد جلس في مواجهته كل من محمد إبراهيم أبو العلا الشهير بفتحي وبجانبه جابر محمد البهي أبو كامل المتهمان الأول والثاني، فقام الضابط بضبط الجوزة وتولى تفتيش ثلاثتهم فثر بجيب البنطلون الأيمن للمتهم الأول (الطاعن) على قطعة كما عثر بالجيب الأيمن لبنطلون المتهم الثاني على علبة ثقاب بها قطعة أخرى ثبت من تحليهما أنهما من جوهر الحشيش، وقد اعترف له كل منهما بإحرازه ًلما ضبط معه بقصد التعاطي, كما اعترف المتهم الثالث بملكيته للجوزة". وساق الحكم على ثبوت الواقعة لديه بالصورة المتقدمة أدلة مستمدة من أقوال شهود الإثبات ومن تقرير المعامل الكيماوية بمصلحة الطب الشرعي ومن اعتراف المتهم الثاني بتحقيق النيابة وأورد مؤدى هذه الأدلة بما يتطابق مع ما حصله في الواقعة. ثم عرض الحكم للدفع المبدي من الطاعن وزميليه ببطلان القبض والتفتيش لحصولهما بغير إذن من النيابة دون أن تكون الجريمة متلبساً بها ورد عليه في قوله "وحيث إنه قد ثبت من أقوال وكيل مكتب مكافحة المخدرات ومرافقيه أنهم قد شموا رائحة احتراق الحشيش وهى تنبعث من الغرزة عندما كانوا على مسافة أربعة أمتار تقريباً منهما فلما أن دخلوها وجدوا صاحبها المتهم الثالث يمسك بالجوزة ويجالس المتهمين الأولين وشموا رائحة احتراق الحشيش من الدخان المتصاعد منها ومن ثم تكون الجريمة متلبساً بها فإذا ما قام رجل الضبط بالقبض على المتهمين الأولين بعد قبضه على صاحب المقهى كان هذا الإجراء منه صحيحاً في القانون على أساس ما رآه من اتصالهما بجريمة إحراز المخدر بجلوسهما في الغرزة بذات مجلس المتهم الثالث الذي شوهد في حالة تلبس بالجريمة وهو يتعاطى الحشيش من الجوزة ومن ثم يكون إجراء القبض عليهما وتفتيشهما صحيحاً بدون حاجة إلى إذن من النيابة ويكون الدفع في غير محله متعين الرفض". وما خلص إليه الحكم فيما تقدم صحيح في القانون ذلك بأنه من المقرر أن التلبس حالة تلازم الجريمة ذاتها بصرف النظر عن شخص مرتكبها ومتى قامت في جريمة صحت إجراءات القبض والتفتيش في حق كل من له اتصال بها سواء أكان فاعلاً أم شريكاً، وتقدير الدلائل على صلة المتهم بالجريمة المتلبس بها ومبلغ كفايتها يكون بداءة لرجل الضبط القضائي تحت رقابة سلطة التحقيق وإشراف محكمة الموضوع. ولما كان الثابت من مدونات الحكم المطعون فيه أن الضابط لم يقبض على الطاعن ويفتشه إلا عندما تحقق من اتصاله بجريمة إحراز المخدر المتلبس بها لوجوده في مجلس واحد مع المتهم الثالث - صاحب المقهى - الذي شوهد يتعاطى الحشيش وعلى صورة تنبئ عن أن الغاية من المجالسة هي المشاركة في التعاطي وهو استخلاص سائغ أقرته عليه محكمة الموضوع ورأت كفايته لتسويغ القبض والتفتيش فهذا منه صحيح ولا تثريب على الحكم إذا هو عول في الإدانة على الأدلة المستمدة من تلك الإجراءات. لما كان ذلك، وكان ما أثاره المدافع عن الطاعن من خلو جيب هذا الأخير من أي أثر لمادة الحشيش في سبيل الوصول إلى القول بكذب الشهود مردوداً بأنه لا يعدو أن يكون من وجوه الدفاع الموضوعية المتعلقة بتقدير الأدلة والتي لا تستوجب من الحكم رداً صريحاً ما دام الرد مستفاد من الحكم بالإدانة استناداً إلى الأدلة السائغة التي بينها الحكم. لما كان ما تقدم، فإن الوجهين الأول والثاني من الطعن لا يكون لهما محل.
وحيث إن مبنى الوجه الثالث من الطعن هو أن الحكم المطعون فيه انطوى على تناقض في التسبيب ذلك بأنه أورد بصدره ما يفيد اقتناع المحكمة بأن الطاعن كان يدخن الحشيش في المقهى ثم عاد وأثبت في مقام التدليل على تبرئة المتهم الثالث - صاحب المقهى - من تهمة تسهيل التعاطي أن مجرد وجود المتهمين الأولين معه وهو يدخن الحشيش في (الغرزة) لا يفيد أنه أعدها وهيأها لتعاطي المواد المخدرة.
وحيث إن الدعوى الجنائية رفعت على الطاعن وآخرين من بينهما المتهم الثالث صاحب المقهى بأنهم أحرزوا مخدراً بقصد التعاطي وبأن المتهم الثالث وحده أعد وهيأ مكاناً لتعاطي الجواهر المخدرة فيه، وبعد أن بين الحكم المطعون فيه واقعة الدعوى في شأن التهمة الأولى بالصورة المتقدمة وساق الأدلة على ثبوت هذه التهمة في حق المتهمين الثلاث عرض للتهمة الثانية المسندة إلى المتهم الثالث في قوله. "وحيث إنه بالنسبة للتهمة الثانية المنسوبة للمتهم الثالث وهى إعداد وتهيئة مكان لتعاطي الجواهر المخدرة فيه حسب تصوير الاتهام فإنه يشترط لقيام هذه الجريمة عناصر ثلاث أولها إعداد المكان وثانيها إطلاق الدخول إليه لمن يشاء وثالثها أن يكون الفعل متسماً بسمة الاستغلال، وحيث إن مجرد وجود المتهمين الأولين بالغرزة حال تدخين صاحبها المتهم الثالث الحشيش من الجوزة وهما في مجلس واحد معه لا يفيد بذاته أنه أعد الغرزة وهيأها لتعاطي الجواهر المخدرة لمن شاء ذلك وليس ثمة دليل في الأوراق ينم عن اتسام فعله بسمة الاستغلال وبالتالي تكون هذه الجريمة على غير أساس مما يتعين معه براءة المتهم الثالث منها عملاً بنص المادة 304/ 1 من قانون الإجراءات الجنائية". لما كان ذلك، وكانت جريمة إعداد المحل وتهيئته لتعاطي الجواهر المخدرة المسندة إلى المتهم الثالث هي جريمة مستقلة عن جريمة إحراز المخدر بقصد التعاطي المسندة إليه وإلى المتهمين الآخرين وتختلف كل منهما عن الأخرى في مقوماتها وعناصرها الواقعية والقانونية بحيث يمكن أن تنهار إحداهما بتخلف كل أو بعض أركانها القانونية دون أن يؤثر ذلك حتماً في قيام الثانية. وكان القضاء بتبرئة المتهم الثالث من تهمة إعداد وتهيئة المكان بقصد تعاطي الجواهر المخدرة فيه مرده - حسبما يبين من مدونات الحكم المطعون فيه - تخلف الأركان القانونية للجريمة، وهو ما لا يتعارض مع قضاء الحكم بإدانة الطاعن وزميليه بجريمة إحراز المخدر بقصد التعاطي بعد أن تحققت المحكمة بالأدلة السائغة التي أوردتها من إحرازهم للجواهر المخدرة التي ضبطت في حوزة كل منهم، ولا تقوم به شبهة التناقض أو التنافر في التسبيب. لما كان ما تقدم، وكان الحكم قد استخلص إدانة الطاعن استخلاصاً سائغاً لا تناقض فيه فإن هذا الوجه من الطعن يكون بدوره على غير أساس خليقا بالرفض.
وحيث إنه لكل ما تقدم يكون الطعن برمته على غير أساس ويتعين رفضه موضوعاً.
ساحة النقاش