منع الاعتداء على الحرية الشخصية. المادتان 41 و57 من الدستور المقصود به.
الحكم كاملاً
أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
الجزء الثاني - السنة 34 - صـ 1205
جلسة الثلاثاء 17 من مايو سنة 1983
برئاسة السيد المستشار عبد العزيز عبد العاطي إسماعيل نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: يحيي العموري، محمد المرسي فتح الله نائبي رئيس المحكمة، أحمد كمال سالم، سعد بدر.
(243)
الطعن رقم 1853 لسنة 49 القضائية
1 - نقض "السبب المفتقر للدليل". نظام عام.
تمسك الطاعن لأول مرة بسبب قانوني متعلق بالنظام العام. شرطه. أن يكون تحت نظر محكمة الموضوع عند الحكم في الدعوى جميع العناصر التي تتمكن بها من الإلمام بهذا السبب والحكم فيها على موجبه.
2 - 4 - دستور. قانون. تعويض. تقادم. دعوى.
2 - منع الاعتداء على الحرية الشخصية. المادتان 41 و57 من الدستور المقصود به.
3 - جريمة الاعتداء على الحرية الشخصية. عدم سقوط الدعوى الجنائية والمدنية الناشئة عنها بالتقادم. م 57 من الدستور. صلاحية النص بذاته للإعمال دون حاجة لصدور تشريع به.
4 - دعوى التعويض عن جريمة الاعتداء على الحرية الشخصية. عدم اكتمال تقادمها حتى صدور دستور 1971. أثره. عدم سقوطها بالتقادم إعمالاً للمادة 57 منه.
1 - المقرر وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة أنه يشترط لجواز التمسك أمام محكمة النقض لأول مرة بسبب من الأسباب القانونية المتعلقة بالنظام العام أن يكون تحت نظر محكمة الموضوع عند الحكم في الدعوى جميع العناصر التي تتمكن بها من الإلمام بهذا السبب والحكم في الدعوى على موجبه.
2 - مفاد نص المادتين 41 و57 من دستور سنة 1971 - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - أن الاعتداء الذي منع الدستور وقوعه على الحرية الشخصية هو كل ما من شأنه تقييدها في غير الحالات التي يقرها القانون، كالقبض على الشخص أو حبسه أو منعه من التنقل في غير الحالات التي يقرها القانون وهو ما يعتبر جريمة بمقتضى المادة 280 من قانون العقوبات.
3 - ما نصت عليه المادة 57 من الدستور من أن الاعتداء على الحرية يعتبر جريمة لا تسقط الدعوى الجنائية والدعوى المدنية الناشئة عنها بالتقادم، إنما هو صالح بذاته للإعمال من يوم العمل بالدستور دون حاجة إلى سن تشريع آخر أدنى في هذا الخصوص.
4 - إذ كان الحكم المطعون فيه بعد أن استخلص أن التقادم بالنسبة لدعوى المطعون ضده وقف سريانه حتى تاريخ ثورة التصحيح في 15 مايو سنة 1971 وأن مدة التقادم لم تكن قد اكتملت في تاريخ نفاذ الدستور في 11/ 9/ 1971 فلا تسقط تلك الدعوى بالتقادم إعمالاً لنص المادة 57 منه.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن - تتحصل في أن المطعون ضده أقام الدعوى رقم 2947 لسنة 1977 مدني كلي جنوب القاهرة على الطاعن للحكم بإلزامه بأن يدفع له خمسة آلاف جنيه على سبيل التعويض عن الأضرار التي أصابته بسبب إيداعه بالسجن الحربي في المدة من 26/ 8/ 1967 حتى 19/ 10/ 1968 دون أن يصدر أمر باعتقاله أو يجرى معه تحقيق أو يقدم للمحاكمة، ومحكمة الدرجة الأولى قضت بإلزام الطاعن بأن يدفع للمطعون ضده ثلاثمائة جنيه استأنف المطعون ضده الحكم، وأقام الطاعن استئنافاً فرعياً، وبتاريخ 19/ 6/ 1979 حكمت المحكمة في الاستئناف الأصلي بزيادة التعويض إلى خمسمائة جنيه، وبرفض الاستئناف الفرعي. طعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض، وأبدت النيابة الرأي برفض الطعن، وإذ عرض الطعن على المحكمة في غرفة مشورة، حددت جلسة لنظره وفيها التزمت النيابة رأيها.
وحيث إن الطعن أقيم على سببين، ينعي الطاعن بالسبب الأول منهما على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون، ويقول في بيان ذلك إن اعتقاله المطعون ضده تم تنفيذاً لأمر شفوي من رئيس الجمهورية إعمالاً لحقه المقرر بالمادة الثالثة من قانون الطوارئ رقم 162 لسنة 1958، فيكون التعويض من اختصاص مجلس الدولة باعتباره قراراً إدارياً، وإذ لم يقض الحكم بعدم الاختصاص فإنه يكون قد خالف القانون.
وحيث إن هذا النعي مردود، ذلك أن البين من مدونات الحكم المطعون فيه أن الطاعن دفع بعدم اختصاص محكمة الموضوع ولائياً بنظر الدعوى على أساس أن أمر الاعتقال المطالب بالتعويض عنه يعتبر عملاً من أعمال السيادة، وإذ تصدى الحكم للرد على هذا الدفع وقضى برفضه للأسباب السائغة التي أوردها، وأثار الطاعن بعد ذلك في طعنه الماثل ولأول مرة أمام محكمة النقض الدفع بعدم الاختصاص الولائي بمقولة إن الاعتقال تم تنفيذاً لأمر شفوي من رئيس الجمهورية إعمالاً لحقه المقرر بالمادة الثالثة من القانون رقم 162 لسنة 1958، وكان من المقرر وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة أنه يشترط لجواز التمسك أمام محكمة النقض لأول مرة بسبب من الأسباب القانونية المتعلقة بالنظام العام أن يكون تحت نظر محكمة الموضوع عند الحكم في الدعوى جميع العناصر التي تتمكن بها من الإلمام بهذا السبب والحكم في الدعوى على موجبه، وكان الطاعن لم يودع رفق طعنه ما يفيد أنه قدم لمحكمة الموضوع ما يدل على صدور هذا الأمر من رئيس الجمهورية أو ما يفصح عن سنده في إصداره وذلك لإمكان الوقوف على وجود هذا الأمر أو انعدامه والتحقق معه قيامه أو كونه مجرد عمل غير مشروع؛ وإذ خلت مدونات الحكم المطعون فيه بدورها مما يفيد ذلك، فإن النعي عليه بهذا السبب يكون غير مقبول.
وحيث إن الطاعن ينعي بالسبب الثاني على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون والخطأ في تطبيقه، ويقول في بيان ذلك أن الحكم اعتبر اعتقال المطعون ضده اعتداء على حريته الشخصية ويعد جريمة مما ينطبق عليه المادة 57 من الدستور، ولا تسقط الدعوى المدنية الناشئة عنه بالتقادم في حين أن هذه المادة لم تحدد ماهية الاعتداء الذي يعتبر جريمة لا تتقادم الدعوى الجنائية ولا المدنية الناشئة عنها، وإنما تضمنه مبدأ تكفل القانون رقم 37 لسنة 1972 ببيان أحكامه وحددت المادتان الثالثة والرابعة منه الجرائم المعنية بذلك النص، والتي تقع بعد تاريخ العمل به، ولما كان الفعل المطالب بالتعويض عنه لا يكّون إحدى هذه الجرائم، وكان وقوعه تالياً على تاريخ العمل بهذا القانون، فإن الدعوى المدنية الناشئة عنه تخضع للتقادم العادي والذي يبدأ بقيام ثورة التصحيح في 15 مايو سنة 1971، لما خلص إليه الحكم من أن استمرار العهد الذي صدر خلاله أمر الاعتقال يعد مانعاً يتعذر معه على المطعون ضده المطالبة بالتعويض، ويكتمل هذا التقادم بمضي ثلاث سنوات من ذلك التاريخ، وإذ لم يلتزم الحكم بهذا النظر، وأجرى إعمال المادة 57 من الدستور دون النصوص الواردة بالقانون المدني وبقانون الإجراءات الجنائية وبالقانون رقم 37 لسنة 1972 الواجبة التطبيق على واقعة الدعوى، فإنه يكون قد خالف القانون وأخطأ في تطبيقه، فضلاً عن أن ذلك يعتبر قضاء ضمنياً منها بعدم دستورية تلك النصوص وهو ما يخرج عن ولايتها ويستوجب بدوره نقض الحكم.
وحيث إن هذا النعي مردود، ذلك أن النص في المادة 41 من الدستور المعمول به من 11/ 9/ 1971 على أن "الحرية الشخصية حق طبيعي، وهي مصونة لا تمس، وفيما عدا حالة التلبس لا يجوز القبض على أحد أو تفتيشه أو حبسه أو تقييد حريته بأي قيد أو منعه من التنقل إلا بأمر تستلزمه ضرورة التحقيق وصيانة أمن المجتمع، ويصدر هذا الأمر من القاضي المختص أو النيابة العامة" وفي المادة 57 على أن "كل اعتداء على الحرية الشخصية أو حرية الحياة الخاصة للمواطنين وغيرها من الحقوق والحريات العامة التي يكفلها الدستور والقانون، جريمة لا تسقط الدعوى الجنائية ولا المدنية الناشئة عنها بالتقادم، وتكفل الدولة تعويضاً عادلاً لمن وقع عليه الاعتداء" مفاده - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - أن الاعتداء الذي منع الدستور وقوعه على الحرية الشخصية هو كل ما من شأنه تقييدها في غير الحالات التي يقرها القانون، كالقبض على الشخص أو حبسه أو منعه من التنقل في غير الحالات التي يقرها القانون، وهو ما يعتبر جريمة بمقتضى المادة 280 من قانون العقوبات التي نصت على أن "كل من قبض على أي شخص أو حبسه أو حجزه بدون أمر أحد الحكام المختصين بذلك وفي غير الأحوال التي تصرح فيها القوانين واللوائح بالقبض على ذوي الشبهة، يعاقب بالحبس أو بغرامة لا تتجاوز عشرين جنيهاً مصرياً". لما كان ذلك، وكان ما نصت عليه المادة 57 من الدستور من أن الاعتداء على الحرية الشخصية يعتبر جريمة لا تسقط الدعوى الجنائية والدعوى المدنية الناشئة عنها بالتقادم، إنما هو صالح بذاته للإعمال من يوم العمل بالدستور، دون حاجة إلى سن تشريع آخر أدنى في هذا الخصوص، إذ أن تلك الجريمة نصت عليها المادة 280 من قانون العقوبات. ولما كان الحكم المطعون فيه لم يعرض للفصل في دستورية القانون رقم 37 لسنة 1972 إذ أن الجريمة المنصوص عليها في المادة 280 من قانون العقوبات ليست من بين الجرائم التي نص عليها ذلك القانون، إذ كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه بعد أن استخلص أن التقادم بالنسبة لدعوى المطعون ضده وقف سريانه حتى تاريخ ثورة التصحيح في 15 مايو سنة 1971، وأن مدة التقادم لم تكن قد اكتملت في تاريخ نفاذ الدستور في 11/ 9/ 1971، فلا تسقط تلك الدعوى بالتقادم إعمالاً لنص المادة 57 منه، فإن النعي عليه بهذا السبب يكون على غير أساس.
ساحة النقاش