إن حوش المنزل هو بحكم الأصل مكان خصوصي، وليس في طبيعته ما يسمح باعتباره مكاناً عمومياً، إلا أنه يصح اعتباره عمومياً إذا اتفق وجود عدد من أفراد الجمهور فيه بسبب مشادة حدثت بين طرفين. والسب الذي يوجهه أحدهما للآخر حال اجتماع أولئك الأفراد فيه يكون علنياً.
الحكم كاملاً
مجموعة القواعد القانونية التي قررتها محكمة النقض والإبرام في المواد الجنائية - وضعها محمود أحمد عمر باشكاتب محكمة النقض والإبرام
الجزء الرابع (عن المدة من 2 نوفمبر سنة 1936 لغاية 30 أكتوبر سنة 1939) - صـ 15
جلسة 23 نوفمبر سنة 1936
برياسة سعادة مصطفى محمد باشا رئيس المحكمة وبحضور حضرات: زكي برزي بك وعبد الفتاح السيد بك ومحمد كامل الرشيدي بك وأحمد مختار بك المستشارين.
(14)
القضية رقم 2216 سنة 6 القضائية
سب. ركن العلانية. حصول السب في حوش منزل. متى يعتبر علنياً؟
(المادتان 148 و265/ 2 ع = 171 و306)
إن حوش المنزل هو بحكم الأصل مكان خصوصي، وليس في طبيعته ما يسمح باعتباره مكاناً عمومياً، إلا أنه يصح اعتباره عمومياً إذا اتفق وجود عدد من أفراد الجمهور فيه بسبب مشادة حدثت بين طرفين. والسب الذي يوجهه أحدهما للآخر حال اجتماع أولئك الأفراد فيه يكون علنياً.
المحكمة
وحيث إن الوجه الأوّل مبني على أن محامي الطاعن دفع لدى المحكمة بأن العلانية غير متوافرة لأن الطاعن والمجني عليها كانا داخل المنزل وقت حصول السب، ولا خلاف في أن الشهود كانوا خارج المنزل، ولا يتأتى لمن كان في مكانهم أنه يرى أو يسمع من هم في داخل المنزل، ومع ذلك فلم ترد المحكمة على هذا الدفاع.
وحيث إنه بالرجوع إلى الحكم الاستئنافي المطعون فيه يعلم أن المحكمة الاستئنافية أثبتت فيه الواقعة على الصورة الآتية وهي: "إن محصل الواقعة كما روتها المجني عليها في التحقيق وأمام المحكمة أنه سبق أن حصل نزاع بين بنتها وبين الطاعن الذي يقطن في شقة بالدور الثاني لسكنها في نفس العمارة، وأنها في يوم الحادث كانت متأهبة للخروج وسبقها ابنها الصغير أنطونيو وأثناء نزوله من درج السلم دفعته بنت المتهم المدعوة جورجيت، فلما عاتبتها على ذلك صعدت إلى والدها وادعت عليها بأنها ضربتها، فما كان من والدها (المتهم) إلا أن نزل من مسكنه، وكانت هي أي المجني عليها على درج حوش المنزل، وسبها بالألفاظ المدوّنة بالحكم". ثم أضافت المحكمة إلى ما تقدّم أن رواية المجني عليها قد تأيدت بشهادة ثلاثة شهود كانوا خارج المنزل وسمعوا الغاغة فدخلوا في حوش هذا المنزل وسمعوا المتهم يسب المجني عليها بالألفاظ التي ذكرها كل واحد منهم ومبينة بالحكم.
وحيث إنه وإن كان الحكم المطعون فيه لم يقل بصريح اللفظ إن السب حصل علناً، إلا أنه واضح من تفاصيل الواقعة التي أثبتها أن شروط العلانية قد توفرت في الدعوى الحالية، إذ ثبت من هذه التفاصيل أن المشادة التي وقعت بين الطاعن والمجني عليها، وتلتها عبارات السب، حصلت في حوش المنزل بصورة يتسنى معها لمن كان خارج المنزل سماعها، وأن الذين كانوا خارج المنزل سمعوا فعلاً هذه المشادة وقصدوا بسببها إلى ذلك الحوش، وبعد أن دخلوا فيه سمعوا ألفاظ السب التي شهدوا بها في التحقيقات الأولى وبجلسة المحاكمة.
وحيث إنه وإن كان حوش المنزل الذي حصل فيه السب هو بحكم الأصل مكان خصوصي وليس في طبيعته ما يسمح باعتباره عمومياً، ولكنه اكتسب في الدعوى الحالية الصفة العمومية من وجود عدد من أفراد الجمهور فيه بسبب المشاجرة التي حدثت فيه اتفاقاً ومصادفة بين الطاعن والمجني عليه مما دعاهم إلى دخول ذلك المحل وسماعهم، حال اجتماعهم فيه، عبارات السب التي ثبت حصولها من الطاعن المذكور. ويكون إذاً ركن العلانية قد توفر خلافاً لما يدعيه الطاعن.
وحيث إن حاصل الوجه الثاني أن المحكمة قالت إن الشهود أيدوا المجني عليها في شهادتهم، مع أن أقوالهم تختلف اختلافاً كبيراً عن أقوالها، كما أن أقوالهم متناقضة مع بعض، مما كان سبباً في تبرئة الطاعن لدى محكمة أوّل درجة.
وحيث إنه بمراجعة الحكم المطعون فيه يبين أن المحكمة الاستئنافية بعد أن أوردت أقوال المجني عليها وما شهد به كل واحد من الشهود الثلاثة الذين سمعوا بالجلسة استنتجت من مجموع هذه الأقوال والشهادات كلها أن ما وقع من الطاعن هو سب تضمن طعناً في الأعراض يدخل تحت طائلة المادة 265/ 2 من قانون العقوبات فعاقبته على هذا الأساس. ومما لا شك فيه أن هذا الاستنتاج موضوعي بحت لا شأن لمحكمة النقض به. أما ما يدعيه الطاعن من تناقض تلك الشهادات التي استندت إليها المحكمة جميعها تناقضاً مبطلاً للحكم فلا يلتفت إليه، إذ أقوال هذه الشهود ليست متهادمة ولا متنافرة، وهي في مجموعها تؤدّي إلى النتيجة التي خلص إليها الحكم المطعون فيه.
وحيث إن الوجه الثالث والأخير حاصله أن محكمة أوّل درجة ارتكنت في براءة الطاعن على التحقيقات التي حفظت بشأن خطاب قيل إن الطاعن أرسله لأخي المجني عليها بإسكندرية يشمل سباً فيها، ولكن محكمة ثاني درجة رأت غير ذلك، وقالت إن الخطاب أرسل قبل الحادثة، وفاتها أن المجني عليها هي التي وضعت الخطاب في ظرف عليه ختم سابق كما هو واضح على الظرف وفي صلب الخطاب.
وحيث إن كل ما جاء في هذا الوجه ليس إلا نقاشاً موضوعياً لا شأن لمحكمة النقض به.
ساحة النقاش