إن القانون نص في المادة 148 من قانون العقوبات القديم المقابلة للمادة 171 من القانون الحالي على أن العلانية في الكتابة والرسوم وغيرها من طرق التمثيل تتوافر متى وزعت بغير تمييز على عدد من الناس.
الحكم كاملاً
مجموعة القواعد القانونية التي قررتها محكمة النقض والإبرام في المواد الجنائية - وضعها محمود أحمد عمر باشكاتب محكمة النقض والإبرام
الجزء الرابع (عن المدة من 2 نوفمبر سنة 1936 لغاية 30 أكتوبر سنة 1939) - صـ 522
جلسة 3 إبريل سنة 1939
برياسة سعادة مصطفى محمد باشا رئيس المحكمة وبحضور حضرات: عبد الفتاح السيد بك ومحمود المرجوشي باشا ومحمد كامل الرشيدي بك وسيد مصطفى بك المستشارين.
(375)
القضية رقم 695 سنة 9 القضائية
قذف بطريق النشر. العلانية. متى تتوافر؟ تقدير توافرها. متروك للقاضي. سلطته في ذلك.
(المادتان 148 و261 ع = 171 و302)
إن القانون نص في المادة 148 من قانون العقوبات القديم المقابلة للمادة 171 من القانون الحالي على أن العلانية في الكتابة والرسوم وغيرها من طرق التمثيل تتوافر متى وزعت بغير تمييز على عدد من الناس، أو متى عرضت بحيث يستطيع أن يراها من يكون في الطريق أو في أي مكان مطروق، أو متى بيعت أو عرضت للبيع في أي مكان. ومقتضى هذا النص أن التوزيع يتحقق قانوناً بإعطاء المكاتيب ونحوها إلى عدد من الجمهور بقصد النشر ونية الإذاعة.
ووسائل العلانية الواردة بالمادة سالفة الذكر لم ترد على سبيل التعيين والحصر بل جاءت من قبيل البيان والتمثيل. وهذا يقتضي أن يعهد إلى القاضي تقدير توافرها على هدي الأمثال التي ضربها القانون. فإذا اعتبرت المحكمة ركن العلانية في جنحة القذف متوافراً، لأن المتهم أرسل مكتوباً حاوياً لعبارات القذف في حق المجني عليه إلى أشخاص عدّة، وأنه إنما كان يقصد التشهير بالمجني عليه، فإنها تكون قد أصابت في ذلك، لأن هذا الذي استندت إليه - فضلاً عن أنه ينطبق عليه التعريف الوارد في القانون لتوزيع المكاتيب - فيه ما تتحقق به العلانية في الواقع ما دام المكتوب قد أرسل لأشخاص عديدين، وكان مرسله ينتوي نشره وإذاعة ما حواه.
المحكمة
وحيث إن مبنى أوجه الطعن المقدّمة من الطاعن أن الحكم المطعون فيه أخطأ في تأويل القانون إذ قال بأن ركن العلانية متوافر في الدعوى. وذلك لأنه يشترط للعلانية أن يعلم الخاص والعام بالأمر الذي أذيع، أما إذا كان القذف أو السب قد وجه إلى المجني عليها مباشرة أو لبعض أقاربها بخطابات موصى عليها فهذا لا يكوّن ركن العلانية لأن نية الإذاعة تكون معدومة. أما قول المحكمة إن تعدّد الخطابات يعدّ توزيعاً تتوافر به العلانية فينقضه ما هو مقرر قانوناً من أنه لا يدخل في حكم التوزيع إعطاء محرر إلى بضعة أشخاص معينين بطريقة سرية أو خصوصية. كذلك لا يعدّ توزيعاً إرسال خطاب مظروف إلى شخص معين إلا إذا كان القصد أن ينشر المرسل إليه الخطاب، فإذا حصلت الإذاعة بفعل المرسل إليه فهو وحده المسئول عن الجريمة. ولا يعدّ توزيعاً أيضاً اطلاع شخص أو عدّة أشخاص بطريقة سرية على مكتوب أو مطبوع إلا إذا ثبت أن نية الإذاعة كانت متوفرة أو كان عدد من اطلع عليه بهذه الطريقة كبيراً. وفي هذه القضية قصد النشر ونية الإذاعة غير متوافرين بدليل أن الخطابات لم ترسل إلا للأقارب وبدليل إرسالها مغلفة ومسجلة حتى لا يتسنى لأي شخص أن يستولى عليها غير المرسل إليه. والمدّعية نفسها هي التي لجأت إلى النشر برفعها الدعوى على الطاعن بطريقة مباشرة لتكسب من ورائها تعويضاً، وهي التي استهترت في سبيل المال فكشفت مخبوءات كان يتعين للكرامة سترها وعدم إظهارها.
وحيث إن القانون نص في المادة 148 من قانون العقوبات القديم المقابلة للمادة 171 من القانون الحالي على أن العلانية في الكتابة والرسوم وغيرها من طرق التمثيل تتوافر متى وزعت بغير تمييز على عدد من الناس، أو متى عرضت بحيث يستطيع أن يراها من يكون في الطريق أو أي مكان مطروق، أو متى بيعت أو عرضت للبيع في أي مكان. وهذا النص يقتضي أن يتحقق التوزيع قانوناً بإعطاء المكاتيب ونحوها إلى عدد من الجمهور بقصد النشر وبنية الإذاعة.
وحيث إن وسائل العلانية الواردة بالمادة سالفة الذكر لم ترد على سبيل التعيين والحصر، بل جاءت من قبيل التمثيل والبيان مما يقتضي أن يعهد تقدير توافرها إلى القاضي يفصل فيه على هدي الأمثال التي ضربها القانون.
وحيث إنه تبين من الاطلاع على الحكم الابتدائي المؤيد لأسبابه بالحكم المطعون فيه أنه أثبت الواقعة الجنائية التي أدان الطاعن فيها، فذكر أنه تعرّف بالمدّعية بالحق المدني ونشأت بينهما علاقة كان من آثارها أن أكثرت من التردّد عليه فتحدّث إليها في أمر الزواج بها فلم ترفض، وأعقب ذلك جلوسهما معاً وخروجهما سوياً شأن الخطيب مع مخطوبته. ثم تحدّد يوم ليتكلم فيه الطاعن وأقاربه مع أخى المدّعية لإتمام الخطبة بصفة نهائية وتحديد يوم لمباشرة العقد، ولكنه صدم إذ علم أن خطيبته تزوجت فجأة بغيره فثارت ثائرته ولم يستطع السكوت فبدأ بكتاب أرسله في 10 يونيه سنة 1937 إلى أخيها خرج فيه عن مستوى العتاب ورمى المدّعية بالعيب الخلقي وغيره ولم يقف عند هذا الحدّ، بل أخذ من هذا الكتاب عدّة صور شمسية وبعث بواحدة منها لأحمد أفندي فريد الموظف بجمرك الإسكندرية باعتباره صهراً لأخيها، وبعث بأخرى لأحمد أفندي رأفت أحد موظفي بنك التسليف الزراعي بالمنصورة وهو رجل لا تعرف علاقته بالمدّعية ولا بأخيها، وبثالثة إلى الحاج محمود النقيطي الموظف بمحكمة المنصورة المختلطة، وقد أطلق عليه وصف صديق العائلة، كما بعث برابعة إلى إسماعيل أفندي السيد الموظف بمجلس حسبي طلخا وبخامسة إلى زوج المدّعية الجديد. ولم يقف مرة ثانية عند هذا الحدّ بل بعث للمدعية كتاباً خاصاً هو غاية في الوقاحة والبذاءة. ولم يكتف بكل ذلك بل اتصل بجماعة من أهل الإسكندرية قال إنهم كانوا على علم باتصاله بالمدّعية وحصل منهم على خطابات باستعدادهم لأداء الشهادة، ونقل تلك الخطابات بآلة التصوير الشمسية وبعث بصورة منها إلى زوج المدّعية وطلب إليه أن يعمل على التنازل عن الدعوى وهدّده بأنه إن لم يفعل فسينتقم منه. ثم خلص الحكم من ذلك إلى القول بأن ركن العلانية قد توافر بالنسبة للخطاب المؤرخ في 10 يونيه سنة 1937 وصوره الشمسية، لأن نية الإذاعة متوفرة لدى الطاعن من ظروف الدعوى وقرائن الأحوال وعلاقات الأشخاص الذين أرسلت لهم تلك الرسائل بالمدّعية. إذ الصور الشمسية أرسلت إلى أشخاص لا تربطهم بها رابطة كالصورة التي أرسلت لمحمود النقيطي والصورة التي أرسلت لأحمد أفندي فريد، مما يدل على أن الطاعن قصد النشر بين الناس تحت ستار الخطابات الخصوصية. أما عن الخطاب الذي أرسله الطاعن للمدعية فقد قال الحكم إن ركن العلانية غير متوافر فيه لأنه لم يقصد به النشر إذ لا يعقل أن المدّعية تنشره عن نفسها. وانتهى الحكم باعتبار الواقعة الأولى جنحة منطبقة على المادتين 148 و261 من قانون العقوبات والثانية مخالفة بالمادة 347 عقوبات.
وحيث إنه يتضح من البيان المتقدّم أن المحكمة إذ اعتبرت ركن العلانية في جريمة الجنحة التي أدين الطاعن فيها متوافراً واستندت في ذلك إلى أنه أرسل المكتوب يحمل عبارات القذف إلى أشخاص عدّة، وأنه إنما كان يقصد النشر والتشهير بالمجني عليها - إذ فعلت ذلك قد أصابت في تأويلها القانون تأويلاً صحيحاً، لأن هذا الذي استندت إليه فضلاً عن أنه ينطبق عليه التعريف القانوني لتوزيع المكاتيب فإن فيه ما تتحقق به العلانية في الواقع ما دام المكتوب قد أرسل لأشخاص عديدين وأن مرسله كان ينتوي إذاعة ما حواه هذا المكتوب ونشره.
ساحة النقاش