موقع المستشار/ البسيونى محمود أبوعبده المحامى بالنقض والدستورية العليا نقض جنائي- مدني- مذكرات- صيغ- عقود محمول01277960502 - 01273665051

إن كنه حسن النية في جريمة قذف الموظفين هو أن يعتقد موجه النقد صحته وأن يقصد به إلى المصلحة العامة، لا إلى شفاء الضغائن والأحقاد الشخصية.

الحكم كاملاً

مجموعة القواعد القانونية التي قررتها محكمة النقض والإبرام في المواد الجنائية - وضعها محمود أحمد عمر باشكاتب محكمة النقض والإبرام
الجزء الثالث (عن المدة بين 7 نوفمبر سنة 1932 وبين 26 أكتوبر سنة 1936) - صـ 297

جلسة 19 مارس سنة 1934

برياسة سعادة عبد الرحمن إبراهيم سيد أحمد باشا وكيل المحكمة وحضور حضرات مصطفى محمد بك وزكي برزي بك وأحمد أمين بك وعبد الفتاح السيد بك المستشارين.

(224)
القضية رقم 379 سنة 4 القضائية

( أ ) قذف الموظفين. حسن النية. معناه.
(المادتان 261 و262 عقوبات)
(ب) صحة وقائع القذف. مسألة موضوعية.
1 - إن كنه حسن النية في جريمة قذف الموظفين هو أن يعتقد موجه النقد صحته وأن يقصد به إلى المصلحة العامة، لا إلى شفاء الضغائن والأحقاد الشخصية.
2 - ليس لمحكمة النقض حق مراقبة محكمة الموضوع فيما تثبته من صحة وقائع القذف، ما دامت الأدلة التي تستند إليها في هذا الإثبات تنتج عقلاً ما ارتأته في هذا الشأن.


المحكمة

بعد سماع المرافعة الشفوية والاطلاع على الأوراق والمداولة قانوناً.
من حيث إن الطعن قدّم وبينت أسبابه في الميعاد القانوني فهو مقبول شكلاً.
ومن حيث إن النيابة العامة اتهمت المطعون ضدّهما بأنهما (أوّلاً) قذفا علناً دولة إسماعيل صدقي باشا رئيس مجلس الوزراء بسبب أداء وظيفته بأن أسندا إليه كذباً أمراً لو كان صادقاً لأوجب احتقاره عند أهل وطنه بأن رسم الثاني صورة تمثل شخص دولته في زي جندي واقف خلف عامل مصري من عمال شركة ثورنيكروفت وقابض بإحدى يديه على كتفه واليد الأخرى مرتفعة على رأسه وفيها هراوة وأمام العامل شخص أوروبي قد أغمد خنجراً في قلبه والدم يتدفق منه، وسلم هذه الصورة للمتهم الأول بصفته رئيساً لتحرير جريدة المشهور الأسبوعية لنشرها فنشرها بعد أن كتب أسفلها ما يفيد أن العامل المذكور استنجد بذلك الجندي فبدلاً من أن ينجده سبه وساقه للقسم بدعوى أن دمه لوث ملابس الأوروبي. فأسندا لدولته بهذه الصورة والتعليق عليها أنه مهمل أمر العمال المضربين إرضاء للأجانب ولشركة ثورنيكروفت. (ثانياً) أهانا علناً هيئة نظامية هي مجلس الوزراء بأن رسم المتهم الثاني صورة تمثل أشخاص الوزراء وقد ربطت أعناقهم بحبل مربوط بآخره حجر ثقيل والعام الجديد يركلهم بقدمه ويقذف بهم في الهاوية، وسلم هذه الصورة للمتهم الأول بصفته رئيساً لتحرير الجريدة المذكورة لنشرها فنشرها تحت عنوان الوزراء بين عامين وكتب أسفلها على لسان العام الجديد "ابعد عني بقى بغمك خليني أفوق ما أثقل دمك" ومحكمة جنايات مصر حكمت ببراءة المتهمين مما نسب إليهما فرفعت النيابة الطعن الحالي للأسباب الآتية:
عن التهمة الأولى:
ومن حيث إن محصل الوجه الأوّل من أوجه الطعن أن الحكم المطعون فيه ذهب إلى أن الواقعة التي تمثلها الصورة موضوع التهمة الأولى مسندة إلى الحكومة وليست إلى شخص دولة صدقي باشا. واستدلت على ذلك بأن التحقيقات خالية مما يشير إلى نسبة أي لوم لشخصه في شكايات العمال، ولكن وجود دولته على رأس الحكومة لا ينفي أن الوقائع الواردة بالصورة أسندت لدولته فوقع القذف عليه. ولو أراد المصوّر أن يمثل الحكومة لكان بوسعه أن يرمز لها بجندي أياً كان إلا أنه تعمد أن يحمل هذا الجندي ملامح صدقي باشا واسمه مذكور صراحة في التعليق. ومتى كان مدلول الصورة ظاهراً لا يحتمل اللبس فليس للمتهم أن يتنصل منه بدعوى أنه لم يكن يقصده. أما خلو شكاوى العمال من توجيه أي لوم لدولة صدقي باشا فسبب من أسباب مسئولية المتهمين إذ أنه قاطع في أن إسناد هذه الوقائع لدولته لا يستند إلى سبب صحيح لا سيما وأنه غير مختص بالنظر في شكايات العمال.
ومن حيث إن هذه المحكمة ترى، كما رأت محكمة الموضوع، أن ما جاء بالصورة موضوع التهمة الأولى يقصد منه المصوّر تمثيل حكومة صدقي باشا لا شخص صدقي باشا وهي من قبيل الرمز للجسم بأهم عضو فيه. يؤيد ذلك اللباس العسكري الذي يحمله صدقي باشا في الصورة والهراوة التي يرفعها مما يدل على أن المصوّر إنما يقصد تمثيل السلطة التنفيذية التي يرأسها صدقي باشا. أمّا ما تقوله النيابة من أنه لو أراد أن يمثل الحكومة لكان في وسعه أن يرمز لها بجندي أياً كان ولكنه تعمد أن يحمل هذا الجندي ملامح صدقي باشا وذكر اسمه في التعليق على الصورة - ما تقوله النيابة بشأن ذلك غير وجيه لأن الرمز بجندي أياً كان لا يبرز تماماً الفكرة التي يقصدها المصور من تمثيل الحكومة وتوجيه النقد إليها.
ومن حيث إن محصل الوجه الثاني أن الحكم المطعون فيه ذهب إلى أن الإهمال الذي قصد المتهم الأوّل تصويره هو من الأفعال السلبية التي لا يتيسر إظهار معناها بطريق الرسم إلا بأفعال إيجابية كالأفعال التي ظهرت في الصورة موضوع التهمة الأولى، وسلمت المحكمة بأن هذه الأفعال تفيد أن الحكومة تعاون الشركة على الفتك بعمالها إلا أنها أباحت ذلك بدعوى أنه تصوير ما كان لإهمال الحكومة من الأثر الضار بمصلحة العمال على الوجه الذي اعتقد هذا المتهم بصحته في ضميره. وقد أخطأت المحكمة في القول بأن الأفعال السلبية يتعذر إظهار معناها بطريق الرسم إلا بأفعال إيجابية فقد كان بوسع المصوّر أن يصوّر الجندي المهمل في صورة سلبية كأن يرسمه مستغرقاً في النوم مثلاً. فضلاً عن أن المحكمة أخطأت في مجاراة المتهم في أنه قدّر الفكرة التي أراد إبرازها تقديراً كافياً مع أن مطالب العمال التي رفعت للشركة في 14 إبريل سنة 1933 ووصلت إليه بعد ذلك تحتاج لتحقيق لا يتسع له الوقت الذي انقضى بين رفع هذه المطالب للشركة وبين 30 إبريل سنة 1933 تاريخ نشر الصورة. فضلاً عن أن المصلحة العامة لا تخدم بنشر هذه الصورة في الوقت الذي طرحت فيه المطالب تحت نظر الجهة المختصة إذا صح أنها وصلت إليها فعلاً.
ومن حيث إن الصورة موضوع التهمة لا تفيد أن الحكومة تساعد الشركة على الفتك بعمالها. وكل ما يؤخذ منها أن الحكومة لا تريد أن تتدخل بين الشركة وعمالها، وأنها بدلاً من إجابة صوت الاستغاثة الصادر من العمال تسوقهم إلى قسم البوليس الأمر الذي يصوّر تماماً ما أثبتته المحكمة من وقائع النزاع بين الشركة والعمال إذ ذكرت في حكمها أنه ثبت لديها أن لفيفاً من العمال قصدوا إلى وزارة الداخلية لرفع شكاياتهم لوزيرها فلم يظفروا بمقابلته لتغيبه عن الديوان بسبب مرضه. فذهبوا إلى مكتب العمل المختص بالتوفيق بين أرباب الشركات وعمالهم في المنازعات التي تحصل بينهم، وبعد أن بسطوا لهم شكواهم صرفهم من عنده واعداً إياهم بالسعي لدى الشركة في تحقيق مطالبهم ثم ذهبوا إلى وزارة الأشغال المختصة، بمقتضى عقد الالتزام، بالإشراف على أعمال الشركة، وطلبوا مقابلة وزيرها فأرجأهم بلسان سكرتيره إلى ما بعد ثلاثة أيام، وقد رجعوا إليه في هذا الميعاد فلم يظفروا بمقابلته أيضاً، وقد كانوا ذهبوا قبل ذلك مرتين اثنتين بعد المرّة الأولى إلى مكتب العمل المشار إليه لمعرفة نتيجة المسعى الذي وعدهم به مديره فأجابهم في المرة الأخيرة إجابة فهموا منها أنه تخلى عن معاونتهم إذ صرح لهم أنه لم ينجح في هذا السعي وأنه لذلك يكل إليهم معالجة نزاعهم مع الشركة بأنفسهم. وقد حصل أنهم في المرة الأخيرة التي كانوا عائدين فيها من وزارة الأشغال إلى محل نقابتهم أن اعترضهم رجال البوليس وفرقوا جموعهم بالقوّة والضرب الذي ترك ببعضهم أثر جروح، وقد حصلت هذه الوقائع جميعها قبل التاريخ الذي نشرت فيه الصورة موضوع التهمة، وليس في تلك الصورة ما يزيد على الوقائع المذكورة، ولا محل بعد ذلك لاقتراح النيابة تصوير الجندي مستغرقاً في النوم لأن هذا الوضع لا يؤدّي المعنى الذي قصد إليه المصوّر والذي ثبت من الوقائع. أمّا ما تنعاه النيابة العامة على المحكمة من أنها أخطأت في مجاراة المتهم في أنه قدّر الفكرة التي أراد إبرازها تقديراً كافياً مع أن مطالب العمال التي رفعت للشركة في 14 إبريل سنة 1933 ووصلت إليه بعد ذلك تحتاج لتحقيق لا يتسع له الوقت الذي انقضى بين رفع هذه المطالب للشركة وبين 30 إبريل سنة 1933 تاريخ نشر الصورة، فضلاً عن أن المصلحة العامة لا تخدم بنشر هذه الصورة في الوقت الذي طرحت فيه المطالب تحت نظر الجهة المختصة - ما تنعاه النيابة في هذا الشأن لا محل له لأن حسن النية في جريمة قذف الموظفين ليس إلا أن يعتقد موجه النقد صحته وأن يقصد منه إلى المصلحة العامة لا شفاء الضغائن والأحقاد الشخصية. وقد أثبت الحكم المطعون فيه أن الفعل الذي ارتكبه المتهمان إن هو إلا نقد مباح لما تبين من أن توجيهه للحكومة كان عن ذلك الفعل الذي اعتقدا في ضميرهما صحته، وأنهما قدّرا هذه الصحة تقديراً كافياً لإثبات أن هذا النقد كان بباعث حسن النية وإرادة خدمة المصلحة العامة لا بباعث التشهير. وترى هذه المحكمة أن ما استنتجته محكمة الموضوع في هذا الشأن لا يتنافى مع الثابت في الصورة وفي الوقائع التي بينت في الحكم.
ومن حيث إن محصل الوجه الثالث أن محكمة الموضوع أخطأت في القول بأن الصورة موضوع التهمة الأولى ليست إلا نقداً مباحاً وجه إلى الحكومة من المتهمين بعد أن اعتقدا في ضميرهما صحته وقدّراه تقديراً كافياً ولم يقصدا منه إلا خدمة المصلحة العامة، ولمحكمة النقض طبقاً لما استقر عليه الرأي فقهاً وقضاء الرقابة على محكمة الموضوع في جرائم النشر، فلها أن تعطي الألفاظ والعبارات موضوع التهمة المعنى الحقيقي حسبما ترى ولو كان ذلك على خلاف ما رأته محكمة الموضوع، كما أن لها أيضاً أن تستخلص حقيقة ما يرمي إليه المتهم وقصده مما نشر. ولذلك تحتكم النيابة لمحكمة النقض لتضع الأمور في نصابها وتكيف الواقعة التكييف السليم باعتبارها قذفاً موجهاً لدولة إسماعيل صدقي باشا رئيس مجلس الوزراء بسبب أداء وظيفته، أسند فيه لدولته أمر غير صحيح وخارج عن عمل وظيفته، ولم يكن الدافع لهذا الإسناد هو خدمة المصلحة العامة وإنما إرضاء شهوة حزبية.
ومن حيث إنه لا نزاع في أن الصورة موضوع التهمة الأولى تتضمن قذفاً ولكنه غير موجه لشخص صدقي باشا بل لحكومة صدقي باشا، كما تقدم القول، أسند إليها المصوّر أنها تهمل أمر العمال ولا تقوم بالواجب عليها إزاء شركة ثورنيكروفت التي يشكو العمال إرهاقها إياهم؛ وهذا الطعن لا عقاب عليه لأن المتهمين أثبتا حسن نيتهما في توجيهه للحكومة، كما أثبتا لمحكمة الموضوع صحة الوقائع التي تضمنها نقدهما، وليس لمحكمة النقض حق مراقبة محكمة الموضوع فيما تثبته من صحة وقائع القذف ما دام أن الأدلة التي تستند عليها في هذا الإثبات تنتج عقلاً ما ارتأته في هذا الشأن.
التهمة الثانية:
ومن حيث إن محصل الوجه الرابع أن المحكمة حكمت ببراءة المتهمين من التهمة الثانية بدعوى أن الصورة موضوع هذه التهمة ما هي إلا إظهار للبغض الذي يخالج صدور المتهمين ورجال الوفد نحو الوزارة. وهذا لا عقاب عليه قانوناً لأن إظهار مثل هذا البغض لا يعتبر بذاته إهانة إلا إذا حصل بكيفية تؤدّي إلى الزراية بالكرامة والشرف، وهذا ما لا يؤدّي إليه فعل المتهمين إذ هو عبارة عن إظهار هذه النية بصورة من الصور الداخلة في المدلولات المادّية بكلمة السقوط التي جرى العرف على استعمالها في التعبير عن تنحي الوزارة عن كراسي الحكم. وقد أخطأت المحكمة في القول بأن تصوير أعضاء مجلس الوزراء، وقد ربطت أعناقهم بحبل مربوط بآخره حجر ثقيل، والعام الجديد يركلهم بقدمه، ويقذف بهم في الهاوية، تصوير غير مزر بالشرف والكرامة. كما أخطأت في إباحة التعبير بلفظة السقوط في تمني تنحي الوزراء عن كرسي الحكم خلافاً لما حكمت به محكمة النقض في 6 مايو سنة 1911.
وحيث إن الصورة موضوع التهمة الثانية تظهر الوزراء وهم يريدون بلوغ قمة شاهقة فلم يبلغوها لأن من على القمة لا يريدهم، وليست تلك القمة إلا العام الهجري الجديد. ومعنى ذلك أن المصوّر لا يريد أن يحل العام الجديد والوزراء في الحكم، وليس في ذلك إهانة للوزراء ولا مساس بأشخاصهم ولا خدش لشرفهم وكرامتهم. أما السلسلة التي تنظمهم فليست الحبل الذي يشدّ وثاقهم كما فهمت النيابة وإنما هي الرابطة تجمعهم عند تخليهم جملة عن الحكم.

 

 

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 21 مشاهدة
نشرت فى 24 إبريل 2020 بواسطة basune1

ساحة النقاش

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

5,127,112

الموقع الخاص بالاستاذ/ البسيونى محمود ابوعبده المحامى بالنقض والدستوريه العليا

basune1
المستشار/ البسيونى محمود أبوعبده المحامى بالنقض والدستورية العليا استشارات قانونية -جميع الصيغ القانونية-وصيغ العقود والمذكرات القانونية وجميع مذكرات النقض -المدنى- الجنائى-الادارى تليفون01277960502 -01273665051 العنوان المحله الكبرى 15 شارع الحنفى - الإسكندرية ميامى شارع خيرت الغندور من شارع خالد ابن الوليد »