إن المادة 309 من قانون العقوبات وإن كانت ترفع المسئولية الجنائية عما يقع من الخصوم من السب والقذف على بعضهم البعض في أثناء المدافعة عن حقوقهم أمام المحاكم شفاهياً أو تحريرياً مما يتناول بطبيعة الحال ما يرد من ذلك في عريضة رفع الدعوى قبل نظرها بالجلسة.
الحكم كاملاً
مجموعة القواعد القانونية التي قررتها محكمة النقض والإبرام في المواد الجنائية
وضعها محمود أحمد عمر باشكاتب محكمة النقض والإبرام
الجزء الخامس (عن المدة من 6 نوفمبر سنة 1939 لغاية 26 أكتوبر سنة 1942) - صـ 237
جلسة 10 يونيه سنة 1940
برياسة سعادة مصطفى محمد باشا رئيس المحكمة وبحضور حضرات: عبد الفتاح السيد بك ومحمد كامل الرشيدي بك وسيد مصطفى بك وحسن زكي محمد بك ونجيب مرقس بك المستشارين.
(124)
القضية رقم 1323 سنة 10 القضائية
قذف وسب. افتراء. عريضة الدعوى. المطاعن التي تتضمنها. الإعفاء المنصوص عليه في المادة 309 ع. مناطه. جدّية العريضة وقد طرح الدعوى بالفعل على القضاء. عريضة مقصود من إعلانها مجرّد النيل من المدّعى عليه. عقاب.
(المادة 266 ع = 309)
إن المادة 309 من قانون العقوبات وإن كانت ترفع المسئولية الجنائية عما يقع من الخصوم من السب والقذف على بعضهم البعض في أثناء المدافعة عن حقوقهم أمام المحاكم شفاهياً أو تحريرياً مما يتناول بطبيعة الحال ما يرد من ذلك في عريضة رفع الدعوى قبل نظرها بالجلسة، إذ هذه العريضة إنما تعدّ لتكليف المدّعى عليه بالحضور أمام المحكمة لسماع الحكم عليه في الموضوع الذي يوجب القانون بيانه فيها بعبارة صريحة مع الأدلة التي يستند إليها المدّعي، إلا أنه يجب لذلك أن تكون هذه العريضة جدّية مقصوداً بها طرح الدعوى بالفعل على القضاء ليفصل في موضوعها الذي اقتضى حق الدفاع عنه التعرّض في تلك العريضة لمسلك الخصم بما قد يكون فيه مساس به أو خدش لشرفه أو اعتباره، فإذا كانت المحكمة قد اعتبرت ما ورد في عريضة دعوى شرعية مكوِّناً لجريمة السب، وأدانت من صدرت عنه على اعتبار أن الإعفاء الوارد بالمادة 309 لا يشمله لأنه لم يكن في الواقع يدافع عن حق له أمام المحاكم، ولم يكن يقصد أن يطرح الدعوى على المحكمة، وإنما قصد بإعلان العريضة بما حوته مجرّد إيلام المدّعى عليه والنيل منه فلا تثريب على المحكمة فيما فعلت.
المحكمة
وحيث إن الطاعن ينعي بأوجه الطعن على المحكمة: (أوّلاً)............ (وثانياً) أنها أخطأت في تطبيق القانون على الواقعة التي أثبتها الحكم، لأن العبارات التي اعتبرت المحكمة فيها تحقيراً للمدّعية بالحق المدني هي عبارات متعلقة بموضوع الدعوى الشرعية، وقد ذكرها الطاعن في عريضة هذه الدعوى بحسن نية تعزيزاً لدفاعه فيها، فهي إذن مما لا يعاقب القانون عليه.
وحيث إن الحكم الابتدائي أدان الطاعن في جريمة السب المرفوعة بها الدعوى عليه، وذكر الواقعة كما حصلتها المحكمة من التحقيقات التي أجريت فيها مبيناً ألفاظ السب التي وجهها الطاعن للمجني عليها في عريضة الدعوى، ثم نفى الدفاع الذي تسمك به الطاعن من أنه بما وقع منه إنما كان يستعمل حقاً مقرّراً له في المادة 266 من قانون العقوبات القديم المقابلة للمادة 309 من القانون الحالي قائلاً إنه وإن كان لا نزاع في وقوع السب من خصم على خصمه في دعوى قضائية إلا أن عبارات السب ما كان يستلزمها الدفاع في الدعوى. ومما قاله في ذلك: "إنه مما يدل على أن المتهم لم يكن سليم النية في توجيه هذه العبارات ما يأتي: (أوّلاً) أنه لم يقيد الدعوى الشرعية التي تضمنت عريضتها تلك الألفاظ. ولا عبرة بما ذكره - دون أي دليل - من أنه لم يقيدها لأن المدّعية وعدته بالمصالحة معه. ولو كان جاداً ولم يكن يرمي إلا إلى إيلام المدّعية بتوجيهه تلك الألفاظ إليها لقيد الدعوى وسار فيها، أو على الأقل إذا صح ما زعم من أنه لم يفيدها كوعد المدّعية له بالمصالحة لبادر إلى تجديدها مرة أخرى لما رأى أن المدّعية غدرت به ولم تصالحه ورفعت ضدّه هذه الدعوى. (وثانياً) أنه تبين من الاطلاع على قضية المخالفة المضمونة (3254 سنة 1935) والتي حكم فيها على المدّعية بالغرامة لأنها أحدثت غوغاء تقلق الجيران بدق زار في منزلها أن المخالفة المذكورة بنيت على بلاغ تقدّم من المدعو محمد عبد العال علام ذكر فيه شكواه من مسلك المدّعية، ثم ضمّنه أن المتهم (محمود سعد) كان ضمن من تعدّوا على خفير الدرك وأهانوه وطردوه أثناء اعتراضه على دق الزار بمنزل المدّعية. ويفهم من ذلك أن المتهم كان موافقاً على هذا المسلك من المدّعية بل وكان مدافعاً عنها بحماسة اقتضت نسبة التعدّي على الخفير إليه. فليس مفهوماً بعد ذلك أن يشتمها بنفس المسلك الذي كان يدافع عنه بالأمس، اللهم إلا إذا كان ذلك لغرض في نفسه غير ما ذكره في عريضة موضوع التهمة من أن هذا المسلك مخالف لشرائع الدين الحنيف. (وثالثاً) تبين أن المدّعية قدّمت بلاغاً ضدّ المتهم عمل عنه تحقيق بتاريخ 25 أغسطس سنة 1937 في الشكوى الإدارية رقم 3744 سنة 1937 شبين الكوم وقد نسب إليه فيه أنه أخذ ختمها وبعض أوراق أخرى منها ولم يردّها إليها. وقد أعلنت عريضة الدعوى الشرعية المرسلة من المتهم للمدّعية بتاريخ 31 أغسطس سنة 1937 أي بعد البدء في تحقيق شكواها بأيام معدودة، الأمر الذي يوجب الريبة في نية المتهم ويرجح سوء قصده. (ورابعاً) لو كان المتهم حسن النية ويعتقد حقاً أن المدّعية زوجته، وأن دعواه الشرعية هي دعوى جدّية، لما سمح لنفسه أن يحشو عريضة دعواه بما حشاها به من ألفاظ ونعوت يعلم أنها موجهة إلى امرأة يدّعي أنها زوجته ويحرص على أن تقيم معه في مسكن الطاعة ويطلب إلى المحكمة الشرعية أن تجبرها على الإقامة معه". وقد قضى الحكم الاستئنافي بتأييد الحكم الابتدائي لأسبابه وأضاف إليها "أن القضية كانت قد أجلت للحكم بناءً على طلب المتهم لجلسة 7 فبراير سنة 1940 ليبدي دفاعه بمذكرة إلا أنه لم يقدّم شيئاً، ولا ترى المحكمة محلاً لإجابة طلبه من التأجيل مرة أخرى".
وحيث إنه يتضح مما تقدّم أن كل ما أثير بأوجه الطعن مردود:
(أولاً)............................... (وثانياً) بأن المادة 309 من قانون العقوبات وإن كانت ترتفع بها المسئولية الجنائية عما يقع من الخصوم من السب والقذف على بعضهم البعض في أثناء المدافعة عن حقوقهم أمام المحاكم شفهياً أو تحريرياً مما يتناول بطبيعة الحال ما يرد من ذلك في عريضة رفع الدعوى قبل نظرها بالجلسة، فهي قد أعدّت لتكليف المدّعى عليه بالحضور أمام المحكمة لسماع الحكم عليه في الموضوع الذي يوجب القانون بيانه فيها بعبارة صريحة مع الأدلة التي يستند إليها المدّعي في دعواه، إلا أنه يجب لذلك أن تكون هذه العريضة جدّية مقصوداً بها حقيقة طرح الدعوى بالفعل على القضاء للفصل في موضوعها الذي اقتضى حق الدفاع عنه التعرّض في تلك العريضة لمسلك الخصم بما قد يكون فيه المساس به أو خدش شرفه أو اعتباره. فإذا كانت المحكمة قد اعتبرت ما رمى الطاعن المجني عليها به في عريضة الدعوى الشرعية مكوّناً لجريمة السب التي أدانته فيها على اعتبار أن الإعفاء الوارد بالمادة السالفة الذكر لا يشمله لأنه لم يكن في الواقع يدافع عن حق له أمام المحاكم، فإن الدعوى التي حوت عريضتها ألفاظ السب لم تكن جدّية، وهو لم يقصد بإعلان العريضة بما حوته إلا مجرّد إيلام المجني عليها والنيل منها، ولم يطرح الدعوى على المحكمة، بل ولم يكن ينوي طرحها عليها، لتقضي في موضوعها الذي دوّن بالعريضة - إذا كانت المحكمة قد اعتبرت ذلك للأسباب التي أوردتها والتي تؤدّي إلى ما استخلص منها فلا تثريب عليها فيما فعلت. ولا يصح إذن للطاعن أن يثير لدى محكمة النقض الجدل الذي تضمنته أوجه طعنه.
ساحة النقاش