تحديد الوظيفة التي عين فيها العامل مرده في الأصل إلى الوصف الوارد في قرار التعيين .
الحكم كاملاً
مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة التاسعة - العدد الثالث (من أول يونيه سنة 1964 إلي أخر سبتمبر سنة 1964) - صـ 1341
(127)
جلسة 28 من يونيه سنة 1964
برئاسة السيد الأستاذ الدكتور محمود سعد الدين الشريف نائب رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة محمد شلبي يوسف وعبد الفتاح بيومي نصار وحسنين رفعت حسنين وأبو الوفا زهدي محمد المستشارين.
القضية رقم 1144 لسنة 7 القضائية
قرار إداري - كادر عمال - تعيين - تحديد الوظيفة التي عين فيها العامل - مرده في الأصل إلى الوصف الوارد في قرار التعيين - عدم الاعتداد بهذا الوصف إذا ما تبين من ظروف الحال أن النية الحقيقية لجهة الإدارة لم تنصرف إليه - العبرة بالنية الحقيقية التي قد تكشف عنها ماهية العمل الذي نيط بالعامل أو الدرجة المالية التي عين عليها.
إن تحديد الوظيفة التي عين فيها العامل طبقاً لأحكام كادر العمال وإن كان مرده في الأصل إلى الوصف الوارد في قرار التعيين، إلا أنه لا اعتداد بهذا الوصف أو بالأصح بمدلوله الظاهر إذا ما تبين من ظروف الحال أن النية الحقيقية لجهة الإدارة لم تنصرف إليه حتى لا يحمل قرار التعيين على غير ما قصدت إليه الجهة الإدارية التي أصدرته، وتكون العبرة عندئذ بتلك النية الحقيقية التي قد تكشف عنها ماهية العمل الذي نيط بالعامل أداؤه أو الدرجة المالية التي عين عليها.
وبناء على ذلك ومما سلف إيراده عن ماهية العمل الذي نيط أداؤه بالمطعون ضده وعن الدرجة المالية التي نص قرار التعيين صراحة على وضعه فيها (120/ 300) فإن هذه المحكمة تخلص إلى أن جهة الإدارة لم تقصد إلى تقليد المطعون ضده وظيفة فراش الوارد ذكرها ضمن وظائف الفئة 140/ 300 في الكشف 1 من كشوف كادر العمال، وإنما قلدته وظيفة دونها مستوى وأهمية وداخلة ضمن وظائف الفئة 120/ 300.
إجراءات الطعن
في يوم السبت الموافق 29 من أبريل سنة 1961 أودعت إدارة قضايا الحكومة، وبالنيابة عن السيد وزير الزراعة التنفيذي للإقليم الجنوبي سكرتارية هذه المحكمة تقرير طعن قيد بجدولها تحت رقم 144 لسنة 7 القضائية في الحكم الصادر من المحكمة الإدارية لوزارة الزراعة بجلسة 27 من فبراير سنة 1961 في الدعوى رقم 363 لسنة 7 القضائية المقامة من محمد ريحان سعيد ضد وزارة الزراعة والقاضي "بأحقية المدعي في تسوية حالته في الدرجة 140/ 300 مليم اعتباراً من 19/ 5/ 1958 مع ما يترتب على ذلك من آثار وألزمت الوزارة المصروفات" وطلبت إدارة قضايا الحكومة - للأسباب المبينة بتقرير الطعن - الحكم بقبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، ورفض دعوى المطعون ضده وإلزامه المصروفات ومقابل أتعاب المحاماة عن الدرجتين، وقد أعلن هذا الطعن إلى المطعون ضده في مواجهة النيابة في 30 من مايو 1961 وعين لنظره جلسة 28 من ديسمبر سنة 1963 أمام دائرة فحص الطعون التي أحالته إلى المحكمة الإدارية العليا بجلسة 7 من يونيو سنة 1964، وبعد أن سمعت الدعوى على الوجه المبين بالمحضر أرجئ النطق بالحكم لجلسة اليوم.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع الإيضاحات، وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة - حسبما يبين من الأوراق - تتحصل في أن المطعون ضده أقام الدعوى رقم 363 لسنة 7 القضائية ضد السيد وزير الزراعة أمام المحكمة الإدارية لوزارة الزراعة بعريضة أودعها سكرتارية المحكمة في 25 من يوينو سنة 1960 بناء على القرار الصادر لصالحه من لجنة المساعدة القضائية بالمحكمة المذكورة بجلسة 26 من مايو سنة 1960 في طلب الإعفاء رقم 326 لسنة 7 القضائية وأورد بياناً لدعواه أنه التحق بمزرعة ملوي التابعة لقسم المزارع بوزارة الزراعة بتاريخ أول أكتوبر سنة 1947 في وظيفة فراش بأجر يومي قدره مائة مليم وأنه لما كان الأجر المقرر لوظيفته هذه في الكادر هو 140 مليماً في الفئة 140/ 300 ملياً فإنه يطلب الحكم بأحقيته في أجر يومي قدره 140 مليماً في الفئة 140/ 300 بأول مربوطها اعتباراً من تاريخ تعيينه في أول أكتوبر سنة 1947 مع تدرج هذا الأجر بالعلاوات الدورية وما يترتب على ذلك من آثار وفروق مالية مع إلزام الوزارة بالمصاريف ومقابل أتعاب المحاماة - وقد ردت الهيئة العامة للإنتاج الزراعي (قسم المستخدمين) على هذه الدعوى بأن المدعي عين بمزرعة ملوي بوظيفة عامل حقل موسمي بأجر يومي قدره مائة مليم وذلك من 4 من أكتوبر سنة 1947 خصماً على اعتماد الأجور المخصص للأعمال الموسمية وأنه ما دام التعيين كان على غير درجة من درجات كادر العمال وعلى بند في الميزانية غير مخصص لأجور العمال فإنه لا يمكن تطبيق قواعد وأحكام كادر العمال عليه من حيث الأجر أو العلاوات، وفي ميزانية 57/ 1958 طلبت الوزارة من ديوان الموظفين إنشاء وظائف للعمال الموسميين الذين لعملهم صفة الاستدامة حتى يشعروا بنوع من الاستقرار وقد وافق ديوان الموظفين على طلب الوزارة وأنشئت للمدعي وظيفة في الفئة 120/ 300 وتم تعيينه عليها بعد تقديمه مسوغات التعيين والأوراق اللازمة اعتباراً من 19 من مايو سنة 1958 بالأمر رقم 38 بتاريخ 21 من مايو سنة 1958 ومن هذا التاريخ يجرى تطبيق كادر العمال عليه وفقاً لأحكامه، وقد أودع السيد مفوض الدولة تقريراً بالرأي القانوني انتهى فيه للأسباب التي بينها إلى أنه يرى الحكم بأحقية المدعي في تسوية حالته طبقاً لأحكام كادر العمال في مهنة فراش المقرر لها الدرجة 140/ 300 من تاريخ تعيينه وما يترتب على ذلك من آثار وصرف الفروق المالية المترتبة على ذلك في السنوات الخمس السابقة على 14/ 2/ 1960 وإلزام الوزارة المصروفات، وبجلسة 27 من فبراير سنة 1961، قضت المحكمة الإدارية "بأحقية المدعي في تسوية حالته في الدرجة 140/ 300 اعتباراً من 19/ 5/ 1958 مع ما يترتب على ذلك من آثار وألزمت الوزارة المصروفات" وأقامت قضاءها على أن المدعي عين بتاريخ 4 من أكتوبر سنة 1947 بصفة مؤقتة وبأجر ثابت وليس على درجة من درجات الكادر الأمر الذي يؤكده تعيينه اعتباراً من 19 من مايو سنة 1958 في الدرجة 120/ 300، ومن ثم فإن طلبه الأحقية في الدرجة 140/ 300 من تاريخ تعيينه في 4 من أكتوبر سنة 1947 يكون قائماً على غير أساس، وأن جهة الإدارة قد أفصحت عن رغبتها في تعيين المدعي في وظيفة فراش على درجة من درجات كادر العمال اعتباراً من 19 من مايو سنة 1958. وينحصر الخلاف بعد ذلك في أن الإدارة عند تعيينها المدعي وتطبيق أحكام الكادر عليه لم تمنحه الدرجة أو الأجر المقرر لوظيفة فراش، وأنه لما كان الكشف رقم 1 الملحق بأحكام كادر العمال قد طوى وظيفة فراش تحت الدرجة 140/ 300 ولما كانت جهة الإدارة قد أفصحت عن إرادتها الملزمة في تعيين المدعي طبقاً لأحكام الكادر في وظيفة بذاتها مقرر لها درجة مالية محددة فيتعين أن تقرر بالتالي وضعه على الدرجة الصحيحة المقررة لوظيفته 140/ 300 لأعلى درجة أدنى منها 120/ 300 إذ أن الدرجة والأجر إنما يحددهما الكادر وحده دون ما ترخص لجهة الإدارة في هذا السبيل، وقد طعن السيد وزير الزراعة ممثلاً بإدارة قضايا الحكومة في هذا الحكم بعريضة أودعت سكرتارية هذه المحكمة في 29 من أبريل سنة 1961 طالباً إلغاءه ورفض دعوى المطعون ضده وإلزامه بالمصروفات مستنداً في أسباب طعنه إلى أنه بعد أن أنشئت في ميزانية 1957 - 1958 درجات للعمال المؤقتين حسب مهنة كل منهم ووفقاً لأحكام كادر العمال عين المطعون ضده في 19 من مايو سنة 1958 في الدرجة 120/ 300 في وظيفة فراش (عامل عادي) وأن الكشف رقم (1) الملحق بكادر العمال والخاص بالعمال العاديين تضمن بعض فئات من العمال العاديين تتحد في طبيعة العمل الذي تقوم به وتتفاوت مع ذلك في بداية مربوط الأجر وفي الدرجة المخصصة لكل منهم تبعاً لأهمية العمل وأن قضاء هذه المحكمة قد استقر على أن أهمية العمل هي مناط تدرج بداية مربوط الأجر وتفاوته فيما يتعلق بالعمال العاديين وهي الأساس الذي يقوم عليه تقدير بداية أجورهم والفئة التي يوضعون فيها، ولما كان الثابت أن المطعون ضده قد عين في وظيفة فراش ويعمل في استراحة للعمال أطلق عليها استراحة الدرجة الثالثة بملوي التي تتكون من غرفة واحدة وهو لا يعد طعاماً أو موائد لنزلائها وهم لا يحتاجون إلى خدمته إطلاقاً فهو لا يعدو أن يكون خفيراً على هذه الاستراحة، ومن ثم فلا تثريب على الجهة الإدارية في وضعه في الفئة الفرعية المتوسطة 120/ 300 لمناسبة لأهمية عمله الذي يؤديه وإذ قضى الحكم المطعون فيه بغير ذلك فإنه يكون قد أخطأ في تطبيق القانون وتأويله وقامت به بالتالي إحدى حالات الطعن أمام المحكمة الإدارية العليا وقد عقبت هيئة مفوضي الدولة على هذا الطعن بمذكرة بالرأي القانوني مسبباً انتهت فيها إلى أنها ترى الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، ورفض دعوى المطعون ضده مع إلزامه المصروفات، وأسست رأيها على أن مقطع النزاع هو تحديد الوظيفة التي انصرفت نية الإدارة إلى تعيين المطعون ضده فيها اعتباراً من 19 من مايو سنة 1958، وأن الثابت من الأوراق أن الوظيفة المسندة إليه وأن سميت مساعد فراش أو فراش إلا أن العبرة ليست بالتسيمات بل بالواقع وقد كشفت الأوراق عن أن عمل المطعون ضده لا يرقى إلى أكثر من خفير استراحة أو بواب لها إذ أن هذه الاستراحة لا تعدو أن تكون غرفة واحدة بعزبة العمال بمزرعة ملوي وقد أوضحت جهة الإدارة في كتابها إلى تفتيش الصحة لتوقيع الكشف الطبي على المطعون ضده في مناسبة تعيينه أنها تتجه إلى تعيينه خفيراً باليومية الدائمة وتأكدت نيتها عندما اختصته في ميزانية سنة 57/ 1958 التي عين في ظلها بدرجة من الفئة 120/ 300 وهي ليست الفئة المقررة للفراش.
ومن حيث إن حاصل الطعن أن المطعون ضده إنما يستحق الدرجة المتوسطة من درجات العمال العاديين وهي 120/ 300 دون الدرجة الأعلى منها المقررة لوظيفة فراش باعتبار أنه لا يعدو أن يكون خفيراً لاستراحة عمال من غرفة واحدة لا يحتاج نزلاؤها إلى خدمته إطلاقاً.
ومن حيث إنه باستظهار حالة المطعون ضده من واقع ملف خدمته يبين أنه التحق بخدمة وزارة الزراعة في 4 من أكتوبر 1947 كعامل حقل موسمي أي بصفة مؤقتة، ولما أنشئت في ميزانية السنة المالية 57/ 1958. درجات للعمال الموسميين الذين لعملهم صفة الاستدامة رشح لوظيفة (خفير خصوصي باليومية الدائمة داخل كادر العمال 120 مليماً) كما ورد في الكتابين المحررين في 27 من يناير 1958 و20 من مارس سنة 1958. طلباً للكشف الطبي عليه، وفي 21 من مايو سنة 1958 صدر من مدير قسم المزارع الأمر رقم 38 بتعيينه في وظيفة "فراش استراحة العمال" في الدرجة 120/ 300، وقد تظلم طالباً رفع درجته إلى 140/ 300 وحفظ تظلمه بناء على مذكرة ورد فيها أنه (عين بوظيفة عامل عادي في الفئة 120/ 300 وأن عمله لا يعود أن يكون خفيراً لاستراحة الدرجة الثالثة المكونة من غرفة واحدة بعزبة العمال بمزرعة ملوي. وأن الوظيفة المعين عليها والتي أنشئت له بميزانية الوزارة لعام 1957/ 1958 واعتمدها ديوان الموظفين هي عامل عادي في الفئة 120/ 300 وأنه قد منح أول مربوط هذه الدرجة ومقداره 120 مليماً في اليوم). وقد ورد في كتاب من مدير قسم المزارع إلى مدير قسم التظلمات الإدارية في 23 من أغسطس سنة 1958 أن المطعون ضده "يقوم بعمل فراش استراحة العمال (الدرجة الثالثة) ونزلاء استراحة العمال يكونون من العمال المتسفرين مع المواشي عند ترحيلهم أو مع السيارات عند نقل أدوات وتضطرهم الظروف إلى المبيت بالتفتيش وهم قليلون جداً رغماً عن أنهم لا يحتاجون إلى خدمه إطلاقاً فهو لا يعد لهم طعام أو يمد لهم مائدة أو حتى يقوم بترتيب الفراش - ومهمته في هذه الحالة لا تعدو أن تكون بواباً للاستراحة التي لا تزيد عن غرفة واحدة بعزبة العمال أو خفيراً لها".
ومن حيث إن تحديد الوظيفة التي عين فيها العامل طبقاً لأحكام كادر العمال وإن كان مرده في الأصل إلى الوصف الوارد في قرار التعيين، إلا أنه لا اعتداد بهذا الوصف أو بالأصح بمدلوله الظاهر إذا ما تبين من ظروف الحال أن النية الحقيقية لجهة الإدارة لم تنصرف إليه حتى لا يحمل قرار التعيين على غير ما قصدت إليه الجهة الإدارية التي أصدرته، وتكون العبرة عندئذ بتلك النية الحقيقية التي قد تكشف عنها ماهية العمل الذي نيط بالعامل أداؤه أو الدرجة المالية التي عين عليها.
ومن حيث إنه بناء على ذلك ومما سلف إيراده عن ماهية العمل الذي نيط أداؤه بالمطعون ضده وعن الدرجة المالية التي نص قرار التعيين صراحة على وضعه فيها (120/ 300) فإن هذه المحكمة تخلص إلى أن جهة الإدارة لم تقصد إلى تقليد المطعون ضده وظيفة فراش الوارد ذكرها ضمن وظائف الفئة 140/ 300 في الكشف 1 من كشوف كادر العمال، وإنما قلدته وظيفة دونها مستوى وأهمية وداخلة ضمن وظائف الفئة 120/ 300، ومن ثم كان قضاء الحكم المطعون فيه بتسوية حالته في الدرجة 140/ 300 غير سديد ويتعين لذلك القضاء بإلغاء هذا الحكم ورفض دعوى المطعون ضده مع إلزامه بالمصروفات.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه، وبرفض الدعوى وألزمت المدعي بالمصروفات.
ساحة النقاش