الملاحظات التي يوجهها الرؤساء من الموظفين إلى مرءوسيهم فيما يتعلق بأعمالهم والتي تودع ملفات خدمتهم - لا تعتبر من قبيل القرارات بتوقيع الجزاءات أو بتقدير كفاية الموظفين - انتفاء أركان القرار الإداري فيها إذ لا تعدو مجرد تحذير للموظف وتوجيهه في عمله.
الحكم كاملاً
مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الثالثة عشرة - العدد الأول (من أول أكتوبر سنة 1967 إلى منتصف فبراير سنة 1968) - صـ 332
(44)
جلسة 23 من ديسمبر سنة 1967
برئاسة السيد الأستاذ الدكتور محمود سعد الدين الشريف - رئيس مجلس الدولة، وعضوية السادة الأساتذة الدكتور أحمد موسى وعبد الستار عبد الباقي آدم ومحمد طاهر عبد الحميد وعباس فهمي محمد بدر - المستشارين.
القضية رقم 514 لسنة 11 القضائية
قرار إداري.
الملاحظات التي يوجهها الرؤساء من الموظفين إلى مرءوسيهم فيما يتعلق بأعمالهم والتي تودع ملفات خدمتهم - لا تعتبر من قبيل القرارات بتوقيع الجزاءات أو بتقدير كفاية الموظفين - انتفاء أركان القرار الإداري فيها إذ لا تعدو مجرد تحذير للموظف وتوجيهه في عمله.
الملاحظات التي يوجهها الرؤساء من الموظفين إلى مرؤوسيهم فيما يتعلق بأعمالهم والتي تودع ملف خدمتهم وفقاً لحكم المادتين 29 من قانون نظام موظفي الدولة رقم 210 لسنة 1951 والمادة 13 من اللائحة التنفيذية لهذا القانون هذه الملاحظات لا تعدو وأن تكون من قبيل إجراءات التنظيم الداخلي للمرافق العامة كفالة سيرها بانتظام وإطراد وعلى وجه سليم عن طريق توجيه الرؤساء لمرؤوسيهم في أعمالهم وتبصيرهم بالمزالق التي قد يقعون فيها أثناء تأديتها دون أن يكون الغرض منها توقيع جزاء عليهم أو تقدير كفايتهم إذ أن توقيع الجزاء إنما يتم بعد تحقيق توجه فيه التهمة إلى الموظف على وجه يستشعر معه أن الإدارة بسبيل مؤاخذته إذ ما ترجحت لديها إدانته وبعد تحقيق دفاعه في شأنه، كذلك فإن تقدير الكفاية منوط بالتقارير السرية السنوية التي رسم لها القانون إجراءات معينة تكفل ضبط درجة الكفاية وضمان عدم الشطط فيها، وليس الأمر كذلك بالنسبة إلى هذه الملاحظات التي لا تعدو في حقيقتها أن تكون مجرد رأي ينطوي على نذير مصلحي لتحذير الموظف وتوجيهه في عمله دون أن يكون القصد منه تقدير كفايته أو صلاحيته ولا يقبل من ثم الطعن فيها لانتفاء أركان القرار الإداري فيما تضمنته.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن وقائع هذه المنازعة تخلص - على ما يبين من أوراق الطعن - في أن الطاعن كان قد أقام الدعوى. رقم 1547 لسنة 17 ق أمام محكمة القضاء الإداري ضد وزارة المواصلات طالباً الحكم بإلغاء القرار بإيداع ملف خدمته المذكرة الموقع عليها من السيد وكيل وزارة الخزانة لشئون المعاشات والمحررة في 5 من ديسمبر سنة 1962 فيما تضمنه هذا القرار من تقرير عن الطاعن وتوقيع عقاب عليه بغير الطريق التأديبي وما يترتب على هذا الإلغاء من آثار مع إلزام الوزارة بالمصاريف.
أما المذكرة المشار إليها فقد عنونت بعبارة "مذكرة توضع بملف السيد/ ميلاد سعد أرساليوس" وهي محررة في 5 من ديسمبر سنة 1962 وذيلت بتوقيع السيد وكيل الوزارة لشئون المعاشات وأبلغت صورة منها إلى الطاعن في 30 من ديسمبر سنة 1962 وقد نسب إلى الطاعن فيها" سوء التصرف والاستهتار في العمل والإهمال فيه وأنه لا يصلح لأن يكون رئيساً لعمل فيه مسئولية... وأن لا يسند إليه عمل فيه مسئولية.. وأنه حين عودته إلى عمله سأعطيه فرصة أخرى ليثبت جدارته في عمله وسأرى عمله كل شهر وبعد ستة شهور أرى إن كان يصلح للعمل بإدارة المعاشات أو لا لأنه بحالته الراهنة لا يصلح لعمل رئيسي لإهماله وسوء تصرفه. فإذا ما ثبتت صلاحيته ظل بإدارة المعاشات وإلا عرض أمره على لجنة شئون الموظفين لنقله والبقاء للأصلح".
وأسس المدعي دعواه على أن هذه المذكرة تنطوي في الواقع من الأمر على جزاء تأديبي وقع عليه دون تحقيق ودون سماع دفاعه وأن المذكرة أودعت بملف الخدمة وتم إخطاره بها بعد الإيداع هو ما يخالف نص المادة 13/ 2 من اللائحة التنفيذية للقانون رقم 210 لسنة 1951 وهو ما يعيب القرار بالإيداع إذ يلزم أن يخطر الموظف أولاً ليدرأ عن نفسه ما يكون ماساً به ثم يتقرر الإيداع على ضوء رده عليها. وأجابت الجهة الإدارية على الدعوى بأن المذكرة المشار إليها لا تتضمن جزاءاً تأديبياً مما ورد على سبيل الحصر بالمادة 84 من قانون نظام موظفي الدولة وأن إيداع هذه المذكرة قد تم وفقاً لأحكام المادة 13/ 2 من اللائحة التنفيذية لهذا القانون.
وبجلسة 23 من ديسمبر سنة 1964 أصدرت المحكمة حكمها المطعون فيه وأقامت قضاءها بعدم الاختصاص على أن ما نسب إلى الطاعن في مذكرة وكيل الوزارة وإيداع هذه المذكرة ملف الخدمة لا يعتبر من قبيل التقارير السرية أو من قبيل توقيع جزاء على الطاعن مما يدخل في اختصاص مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري الفصل في طلب إلغائه ذلك أنه نسب إلى الطاعن في المذكرة المشار إليها سوء التصرف والاستهتار في العمل والإهمال... وأن هذا الذي جاء في مذكرة السيد الوكيل لا يعدو أن يكون من قبيل الملاحظات التي تترخص جهة الإدارة في توجيهها عملاً بنص المادة 29 من قانون التوظف والمادة 13 من اللائحة التنفيذية. وهذه الملاحظات لا ترقى إلى مرتبة القرار الإداري ومن ثم لا يختص مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري بنظر المنازعات التي من هذا القبيل كذلك فإنه لا محل للاعتداد بوجهة النظر التي تنادي بأن هذه الملاحظات هي بمثابة تقارير عن أعمال الموظف تؤثر مآلاً في الترقية وهي بهذه المثابة تعد قرارات إدارية ذلك أن القضاء الإداري إذ استقر على اختصاصه بنظر المنازعات الخاصة بهذه التقارير إنما بني هذا الاختصاص على أن هذه القرارات تؤثر مآلاً في ترقية الموظفين الذين يخضعون لنظام التقارير السنوية ولما كان المدعي من موظفي الدرجة الثانية ومن ثم فإنه لا يخضع لنظام التقارير السرية يضاف إلى ذلك أن الترقية إلى الدرجة الأولى وما يعلوها هي من القرارات الغير قابلة للطعن وبالتالي فلا محل للأخذ بوجهة النظر التي تعقد الاختصاص للقضاء الإداري بالطعن في مذكرته وملاحظة أو تقرير السيد وكيل الوزارة باعتبار التقرير يؤثر على ترقية المدعي التي لا يختص بها مجلس الدولة.
ومبنى الطعن أن الحكم المطعون فيه أخطأ في تكييف طبيعة المذكرة وفي إنزال حكم القانون إذ يبين من مطالعتها أنها ليست مجرد ملاحظات مما يملك الرئيس الإداري إبداءه لكنها في حقيقتها تقرير شامل عن حالة الطاعن وتتعلق بمدى كفايته وإنتاجه في عمله وقدراته على تحمل المسئولية ومدى صلاحيته لشغل وظيفة أعلى أو عمل رئاسي لأن الغاية من نظام التقارير السرية لا تجاوز النطاق الذي شملته ومن ثم فلا مناص من اعتبارها بمثابة قرار إداري وتقرير عن درجة كفايته ولا يقدح في ذلك أن يكون الطاعن من طوائف الموظفين الذين لا يخضعون لنظام التقارير السرية إذ أن المخالفة في هذه الحالة تكون مزدوجة من ناحية الانحراف بنظام الملاحظات عن نطاقه الطبيعي ومن ناحية أخرى إخضاع الطاعن لنظام التقارير السرية التي لا يخضع لها بحسب وضعه الوظيفي يؤكد ذلك أنه قصد بوضع هذه المذكرة وإيداعها ملف خدمته تخطيه في الترقية إلى الدرجة الأولى في حركة الترقيات التي أجرتها الوزارة بعد تمام تحرير المذكرة وإيداعها وبذلك يتكامل لهذه المذكرة مقومات القرار الإداري كذلك فإنه يستفاد من عباراتها أنها دمغت الطاعن بأسوأ ما يوصف به الموظف وتضمنت إنذاراً له وآية ذلك ما ورد بها من أنه "حين عودته سأعطيه فرصة أخرى ليثبت جدارته في إدارة المعاشات وساري عمله كل شهر وبعد ستة شهور فإذا ما ثبتت صلاحيته ظل بإدارة المعاشات وإلا عرض أمره على لجنة شئون الموظفين لنقله إذ البقاء للأصلح... عزمت على تقديمه للنيابة الإدارية ولكنه جند وطلب للاحتياط" وعقب الطاعن على ذلك بقوله أن هذه العبارات تؤكد الطبيعة العقابية المستفادة من صريح العبارات ومن المتفق عليه أن أي تصرف يتسم بالطبيعة العقابية هو من قبيل الجزاءات وهو لم يدخل في الجزاءات التي عددتها المادة 84 من قانون نظام موظفي الدولة ولا فارق البتة بين الإنذار الذي تضمنته المذكرة موضوع الطعن وبين الإنذار الذي تضمنته المادة 84 من قانون نظام موظفي الدولة. وانتهى تقرير الطعن إلى أن المذكرة بمثابة قرار إداري نهائي بتقدير درجة كفاية الطاعن أو هي بمثابة قرار إداري بتوقيع عقوبة مقنعة على الطاعن وكلتا الحالتين يدخل في اختصاص مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري الفصل في طلب إلغائها.
ومن حيث إن مناط الفصل في هذه المنازعة هو ما إذا كانت المذكرة التي أودعت بملف خدمة الطاعن تعد قراراً إدارياً مما يختص مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري بنظر الطعن فيه وفقاً لحكم المادة الثامنة من القانون رقم 55 لسنة 1959 بشأن تنظيم مجلس الدولة أم لا تعتبر كذلك، بمراعاة أن القرار الإداري هو إفصاح من جانب الجهة الإدارية بما لها من سلطة بمقتضى القوانين واللوائح عن إرادتها الملزمة في الشكل الذي يتطلبه القانون بقصد إحداث أثر قانوني متى كان ذلك جائزاً وممكناً ابتغاء تحقيق مصلحة عامة.
ومن حيث إنه يلزم لقبول دعوى إلغاء القرارات الإدارية التي عددتها المادة الثامنة من قانون مجلس الدولة أن يكون من شأن القرار التأثير في المركز القانوني للطاعن فإذا لم يكن القرار مؤثراً في مركزه القانوني لم يجز الطعن ومن القرارات التي لا يقبل الطعن فيها الملاحظات التي يوجهها الرؤساء من الموظفين إلى مرءوسيهم فيما يتعلق بأعمالهم والتي تودع بملف خدمتهم وفقاً لحكم المادتين 29 من قانون نظام موظفي الدولة رقم 210 لسنة 1951 والمادة 13 من اللائحة التنفيذية لهذا القانون، هذه الملاحظات لا تعدو أن تكون من قبيل إجراءات التنظيم الداخلي للمرافق العامة بقصد كفالة سيرها بانتظام وإطراد وعلى وجه سليم عن طريق توجيه الرؤساء لمرءوسيهم في أعمالهم وتبصيرهم بالمزالق التي قد يقعون فيها أثناء تأديتها دون أن يكون الغرض منها توقيع جزاء عليهم أو تقدير كفايتهم إذ أن توقيع الجزاء إنما يتم بعد تحقيق توجه فيه التهمة إلى الموظف على وجه يستشعر معه أن الإدارة بسبيل مؤاخذته إذا ما ترجحت لديها إدانته وبعد تحقيق دفاعه في شأنه، كذلك فإن تقدير الكفاية منوط بالتقارير السرية السنوية التي رسم لها القانون إجراءات معينة تكفل ضبط درجة الكفاية وضمان عدم الشطط فيها، وليس الأمر كذلك بالنسبة إلى هذه الملاحظات التي لا تعدو في حقيقتها أن تكون مجرد رأي ينطوي على نذير مصلحي لتحذير الموظف وتوجيهه في عمله دون أن يكون القصد منه تقدير كفايته أو صلاحيته ولا يقبل من ثم الطعن فيها لانتفاء أركان القرار الإداري فيما تضمنته.
ومن حيث إنه لما تقدم فإن الحكم المطعون فيه إذ اعتبر ملاحظات الرؤساء المتعلقة بعمل الموظف من قبيل القرارات الإدارية يكون قد أخطأ في تطبيق القانون مما يتعين معه إلغاؤه والحكم بعدم قبول الدعوى مع إلزام المطعون ضده بالمصروفات.
"فلهذه الأسباب"
حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه وبعدم قبول الدعوى وألزمت المدعي بالمصروفات.
ساحة النقاش