ليس كل قرار يصدر من هيئة إدارية عامة يعد قراراً إدارياً مما يختص القضاء الإداري بطلب إلغائه أو وقف تنفيذه، إذ لا بد لتحقق وصف القرار الإداري أن يكون كذلك بحكم موضوعه.
الحكم كاملاً
مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الثالثة عشرة - العدد الثاني (من منتصف فبراير سنة 1968 إلى آخر سبتمبر سنة 1968) - صـ 1083
(143)
جلسة 22 من يونيه سنة 1968
برئاسة السيد الأستاذ الدكتور محمود سعد الدين الشريف رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة الدكتور أحمد موسى وعادل عزيز زخاري وعبد الستار عبد الباقي آدم ومحمد صلاح الدين السعيد. المستشارين.
القضية رقم 1565 لسنة 10 القضائية
( أ ) حكم "حجية". المحكمة الإدارية العليا تملك عند نظر الطعن في الحكم المتعلق بالجانب المستعجل - أن تنزل حكم القانون بصورة موحدة في مسألة الاختصاص غير مقيدة بالحكم الصادر من محكمة الموضوع ولو كان نهائياً - أساس ذلك.
(ب) قرار إداري. ليس كل قرار يصدر من هيئة إدارية عامة يعد قراراً إدارياً - تفصيل ذلك.
1 - إنه إذا كان الحكم لا يصح أن يتغاير في مسألة أساسية مشتركة بين وجهي الخصومة المستعجل والموضوعي لتعلق ذلك الحكم بأمر جوهري وهو الاختصاص الولائي لمجلس الدولة، فلا محل إذن للاستمساك بحجية الحكم النهائي عند نظر الطعن المرفوع عن الحكم الذي قضى في الشق الخاص بوقف التنفيذ، ذلك أن المحكمة العليا بما لها من سلطة التعقيب تملك أن تنزل حكم القانون بصورة موحدة في مسألة الاختصاص غير مقيدة بالحكم الصادر من محكمة أدنى في الموضوع. ولو كان سائغاً إلزام المحكمة العليا بمقتضى هذا الحكم نزولاً على نهائيته في هذه الصورة، أياً كانت الحقيقة القانونية فيه، لكان مؤدى ذلك أن تغل يد المحكمة العليا عن إعمال ولايتها في التعقيب على الحكم بحريتها، وهو بطبيعته غير مقابل للاختلاف بالنسبة إلى شقي المنازعة، ولكانت النتيجة كذلك أن يعلو حكم محكمة القضاء الإداري على حكم المحكمة الإدارية العليا وهي خاتمة المطاف في نظام التدرج القضائي لمجرد أن الحكم الأول كان نهائياً لإمساك ذوي الشأن عن الطعن فيه اكتفاء بطعنهم في الحكم المتعلق بالجانب المستعجل وهي نتيجة لا يمكن تقبلها بحال.
وإذا كان لا يتصور عقلاً اختلاف الحكم في الوجه المستعجل عن المنازعة عنه في وجهها الموضوعي لتعلق الأمر بمسألة أساسية واحدة غير قابلة للتضاد وهي مسألة الاختصاص الولائي للقضاء الإداري، فإن حكم المحكمة العليا ينبغي أن يعلو على حكم المحكمة الأدنى حتى ولو لم يثر أمام المحكمة العليا صدور هذا الحكم وذلك كيلا يفترق الرأي ما بين المحكمتين العليا والدنيا في مسألة أساسية يتعين في شأنها التعويل على رأي المحكمة العليا. وما دامت هذه المحكمة اتصلت بشق المنازعة المستعجل عن طريق الطعن في الحكم الصادر فيه فلا منتدح عن تعديلها للحكم النهائي الصادر من محكمة القضاء الإداري في موضوع الاختصاص والتعقيب عليه بما تراه هو الحق الذي لا مرية فيه. لأنه يخشى إذا لم تجر على هذا النهج أن يصدر من المحكمة العليا حكم يتعارض مع حكم المحكمة الدنيا ولا شبهة في أن الغاية المبتغاة من ذلك هو وضع حد لتضارب الأحكام وانحسام المنازعة في الاختصاص بحكم تكون الكلمة العليا فيه لأعلى درجة من درجات التقاضي في النظام القضائي الإداري.
وينبني على ما سلف إيضاحه لزوم اعتبار الطعن الحاضر مثيراً لما قضى به في الموضوع ويتعين من أجل ذلك التعقيب على ما قضت به محكمة القضاء الإداري في ناحيتي النزاع المستعجلة والموضوعية على السواء.
2 - ليس كل قرار يصدر من هيئة إدارية عامة يعد قراراً إدارياً مما يختص القضاء الإداري بطلب إلغائه أو وقف تنفيذه، إذ لا بد لتحقق وصف القرار الإداري أن يكون كذلك بحكم موضوعه، فإذا دار القرار حول مسألة من مسائل القانون الخاص أو تعلق بإدارة مال شخص معنوي خاص أو أريد به تطهير الوقف الخيري المشمول بنظارة وزارة الأوقاف من حق من الحقوق العينية القائمة عليها كحق الحكر، لم يعتبر هذا القرار من القرارات الإدارية التي يختص بها القضاء الإداري ولو كان صادراً من هيئة إدارية هي وزارة الأوقاف.... ذلك أن استكناه الناحية التي يتكفل بها قرار إنهاء الحكم الصادر من هذه الوزارة يقطع في أنها تجرى في تصرفاتها بشأن هذه الأوقاف على السنن التي يجرى عليها ناظر الوقف تماماً من ناحية حرصه على حماية مصالح خاصة متعلقة بأعيان الوقف الخيري، لا إصابة غرض يتصل بالصالح العام.
وفضلاً عن ذلك، فإن النظرة الفاحصة لسلسلة التشريعات التي تعاقبت على موضوع إنهاء الأحكار الموقوفة - وهي القوانين أرقام 649 لسنة 1953، 295 لسنة 1954، 92 لسنة 1960 تؤكد النظر القائل بأن هذا الإنهاء يعتبر مقدمة لقسمة أعيان الوقف وتجنيب نصيب الوزارة في الرقبة. وقد جاءت أحكام القانون الأخير منها تنظم طريقة إنهاء هذه الأحكار وعهدت في مادته السادسة إلى لجنة الأحكار العليا تقرير طرائق هذا الإنهاء فقد ترى هذه اللجنة - كما جرى نص المادة المذكورة - التصرف في ثلاثة أخماس الأرض بالاستبدال، باعتبار كون هذه النسبة ممثلة لحقوق مالك الرقبة وهو الوقف الخيري... وقد تختار فرز وتجنيب هذا النصيب... فإذا رأت ذلك أحالت الأمر إلى لجان قسمة الأعيان التي أنهى فيها الوقف المشكلة بالقانون رقم 55 لسنة 1960. وقد تؤثر هذه اللجان بيع العقار جميعه بالمزاد العلني لعدم إمكان قسمته بغير ضرر أو لتعذر هذه القسمة بسبب ضآلة الأنصبة..... وهذه الطرائق يقصد بها، بلا أدنى ريب، مصلحة الوقف الخيري ولا علاقة لها بالسلطة العامة وكان ينفرد القاضي الشرعي بإنهاء الحكر طالما تبين له أن الحكر من شأنه الإضرار بالوقف.
ومما يظاهر هذا النظر ويعززه أن القانون المدني في المادة 52 منه (البند 3) قد أدخل في صور الأشخاص الاعتبارية، الأوقاف بعد أن عدد في البند (1) الأشخاص الاعتبارية العامة، كالدولة وكذلك المديريات (المحافظات) والمدن والقرى... والإدارات والمصالح وغيرها من المنشآت العامة... ويستفاد من هذه المقابلة أن الوقف الخيري لا يعدو أن يكون شخصاً اعتبارياً خاصاً، أريد له بعد إنهاء الوقف الأهلي أن تتولاه وزارة الأوقاف لتقوم على شئونه كما كان يقوم النظار ابتغاء مصلحة الوقف وإشفاقاً على ريعه من أن تمتد إليه أيد غير أمينة. ولو كانت إدارة هذه الأوقاف من مسائل السلطة العامة لما كان لهذه الوزارة أن تعهد إلى فرد أو أفراد من عائلة الواقف بإدارة بعض أعيان الوقف الخيري أو بتسلم غلتها لإنفاقها في الأوجه التي حددها كتاب الوقف... فتصريف شئون الوقف وإنفاق غلاته في المصارف التي نص عليها كتاب الوقف وتطهيره من الأحكام القائمة عليه كل أولئك من الأمور الحقوقية التي يحكمها القانون الخاص والتشريعات الوضعية باعتبارها مكملة لقواعد القانون المدني في هذا الشأن ويكون الحكم المطعون فيه الصادر بعدم الاختصاص مستنداً إلى أساس مكين من القانون.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة تتحصل - حسبما يبين من أوراق الطعن - في أن الطاعنين أقاموا الدعوى رقم 516 لسنة 18 القضائية ضد السيدين وزير الأوقاف ورئيس مأمورية أوقاف الإسكندرية بصحيفة أودعت سكرتارية محكمة القضاء الإداري "دائرة منازعات الأفراد والهيئات" في 15 من مارس سنة 1964 طالبين الحكم: أولاً - بوقف تنفيذ قرار السيد وزير الأوقاف الصادر في 21 من ديسمبر سنة 1954 بإنهاء الأحكار بوقف منصور قبودان على الأرض الزراعية الواقعة بحوض ملقة الجنان رقم 3. وثانياً - بإلغاء القرار المطعون فيه مع ما يترتب على ذلك من آثار وإلزام المدعى عليهما بصفتهما بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة... وقال المدعون - شرحاً لدعواهم إنهم يمتلكون أرضاً زراعية بالحوض المشار إليه وأن هذه الأرض آلت إليهم بطريق الإرث من مورثيهم المرحومين منصور علي نوفل ومحمد رفاعي وأحمد علي رفاعي وأن أحداً من هؤلاء المورثين لم يحكر هذه الأرض من وقف منصور قبودان.. وقد صدر قرار السيد وزير الأوقاف بإنهاء بعض الأحكار التابعة للأوقاف الخيرية ومنها الوقف المذكور وجاء بهذا القرار أن المحتكر هو جلال وحنفي محمود رفاعي.. وقال المدعون إن هذا القرار غير قائم على سند من القانون لأن الأرض الصادر عنها القرار المذكور أرض حرة غير محكرة وليس بين وقف منصور قيودان حجة تحكير لا من المدعين ولا من مورثيهم. كما أن عقود شراء مورثيهم واردة على أرض حرة خالية من الحكر وهي عقود مسجلة يرجع تاريخها إلى ما يقرب من السبعين سنة.. كما ذكر المدعون أنهم يقيمون طلب وقف التنفيذ على احتمال تصرف الوزارة في الأعيان الحرة المملوكة لهم مما يترتب عليه نتائج يتعذر تداركها.
وبجلسة 23 من يونيه سنة 1964 قضت محكمة القضاء الإداري في طلب وقف التنفيذ بعدم اختصاصها بنظره وألزمت المدعين بمصروفات هذا الطلب وأقامت قضاءها على أساس أن القرار الصادر من السيد وزير الأوقاف في 21 من ديسمبر سنة 1954 بإنهاء الأحكار عن وقف منصور قيودان، قد صدر إعمالاً للاختصاص المخول له بالقانون رقم 92 لسنة 1960، واستعرضت المحكمة أحكام هذا القانون وخلصت منها إلى أن وزارة الأوقاف في ظل أحكام الوقف لا تعدو أن تكون ناظرة على ما تحت يدها من أعيان موقوفة وتنحصر وظيفتها في إدارتها. وقد كانت المحاكم الشرعية (الأحوال الشخصية فيما بعد) هي صاحبة الولاية في استبدال الأعيان الموقوفة بالثمن الذي تراه في مصلحة الوقف فلما ألغي الوقف على غير الخيرات وعالجت التشريعات تنظيم الوقف على الخيرات لم يغير ذلك كله من طبيعة يد وزارة الأوقاف على أعيانها إذ أنها تتصرف فيها أو تستبدلها بوصفها السابق بعد أن أحلتها هذه التشريعات من القيود القديمة وجعلت لها ولاية التصرف أي الاستبدال، ذلك أن نظم الأوقاف ومنها الأحكار يتكفل بها القانون الخاص وتعتبر وزارة الأوقاف في هذا المجال من أشخاص القانون الخاص بمعنى أن الوزارة عندما تمارس هذه التصرفات فإن ما تتخذه في هذا المجال من إجراءات في خصوص إنهاء الأحكار وتقدير ثمنها لا يعتبر من قبيل القرارات الإدارية... وأنه لما كانت المنازعة الراهنة تدور حول ما إذا كانت الأعيان محل الدعوى تعتبر مالاً محكراً أم أنها تعتبر من قبيل الأموال الحرة التي لا شأن للوزارة بها ولذلك فإن ما تصدره الوزارة في هذا الشأن لا يتضمن أي قرار إداري مما تختص المحكمة بنظره وانتهت المحكمة إلى أن المنازعة موضوع طلب وقف التنفيذ لا تعدو أن تكون منازعة مدنية بحتة في الطبيعة القانونية لهذه الأطيان وما قد يثقلها من حقوق لصالح جهة الوقف الأمر الذي يخرج عن ولايتها على أية حال.
وقد طعن المدعون في الحكم المذكور بصحيفة أودعت سكرتارية هذه المحكمة في 20 من أغسطس سنة 1964 طالبين الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه باختصاص محكمة القضاء الإداري بنظر طلب وقف التنفيذ والقضاء بوقف تنفيذ القرار المطعون فيه وإلزام المطعون ضدهما بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة... وبنوا طعنهم على أساس أن القرار الذي يصدره السيد وزير الأوقاف بإنهاء الحكم صدره بوصفه وزيراً يملك، بحكم القانون، ولاية إنهاء الأحكار - إذا اقتضت المصلحة العامة ذلك - ومن ثم يكون قرار إنهاء الحكر قراراً إدارياً صادراً من وزير الأوقاف بصفته العامة وليس بصفته ناظراً على وقف معين.
قدمت هيئة مفوضي الدولة تقريراً مسبباً في الطعن انتهت فيه إلى أنها ترى الحكم باعتبار الطعن في الحكم المطعون فيه كأن لم يكن... واستندت في ذلك إلى أن المحكمة قضت بجلسة 15 من فبراير سنة 1966 في الموضوع بعدم اختصاصها بنظر الدعوى وألزمت المدعين بالمصروفات. ولم يطعن الطاعنون في هذا الحكم.. وقاموا بسحب المستندات المقدمة منهم في الدعوى.
ومن حيث إن تقرير هيئة مفوضي الدولة ذهب إلى أن ما قضي به في الشق الموضوعي للمنازعة بالنسبة إلى مسألة الاختصاص لا بد من احترامه والتقيد به لنهائيته. ويتعين من ثم على هذه المحكمة القضاء باعتبار الطعن في الحكم المطعون فيه - الذي صدر في وقف التنفيذ - كأن لم يكن تسليماً منها بحجية الحكم الأول لكونه حكماً نهائياً لم يطعن فيه.
ومن حيث إنه يتعين البحث فيما إذا كان الحكم النهائي وهو الصادر في الموضوع بعدم الاختصاص له حجية ملزمة للمحكمة العليا أم أنه ليست له هذه الحجية.
ومن حيث إنه إذا كان الحكم لا يصح أن يتغاير في مسألة أساسية مشتركة بين وجهي الخصومة المستعجل والموضوعي لتعلق ذلك الحكم بأمر جوهري هو الاختصاص الولائي لمجلس الدولة، فلا محل إذن للاستمساك بحجية الحكم النهائي عند نظر الطعن المرفوع عن الحكم الذي قضى في الشق الخاص بوقف التنفيذ، ذلك أن المحكمة العليا بما لها من سلطة التعقيب تملك أن تنزل حكم القانون بصورة موحدة في مسألة الاختصاص غير مقيدة بالحكم الصادر من محكمة أدنى في الموضوع. ولو كان سائغاً إلزام المحكمة العليا بمقتضى هذا الحكم نزولاً على نهائيته في هذه الصورة، أياً كانت الحقيقة القانونية فيه، لكان مؤدى ذلك أن تغل يد المحكمة العليا عن إعمال ولايتها في التعقيب على الحكم بحريتها، وهو بطبيعته غير قابل للاختلاف بالنسبة إلى شقي المنازعة، ولكانت النتيجة كذلك أن يعلو حكم محكمة القضاء الإداري على حكم المحكمة الإدارية العليا وهي خاتمة المطاف في نظام التدرج القضائي لمجرد أن الحكم الأول كان نهائياً لإمساك ذوي الشأن عن الطعن فيه اكتفاء بطعنهم في الحكم المتعلق بالجانب المستعجل وهي نتيجة لا يمكن تقبلها بحال.
ومن حيث إنه إذا كان لا يتصور عقلاً اختلاف الحكم في الوجه المستعجل عن المنازعة عنه في وجهها الموضوعي لتعلق الأمر بمسألة أساسية واحدة غير قابلة للتضاد وهي مسألة الاختصاص الولائي للقضاء الإداري، فإن حكم المحكمة العليا ينبغي أن يعلو على حكم المحكمة الأدنى حتى ولو لم يثر أمام المحكمة العليا صدور هذا الحكم وذلك كيلا يفترق الرأي ما بين المحكمتين العليا والدنيا في مسألة أساسية يتعين في شأنها التعويل على رأي المحكمة العليا. وما دامت هذه المحكمة قد اتصلت بشق المنازعة المستعجل عن طريق الطعن في الحكم الصادر فيه فلا منتدح عن تصديها للحكم النهائي الصادر من محكمة القضاء الإداري في موضوع الاختصاص والتعقيب عليه بما تراه هو الحق الذي لا مرية فيه. لأنه يخشى إذا لم تجر على هذا النهج أن يصدر من المحكمة العليا حكم يتعارض مع حكم المحكمة الدنيا ولا شبهة في أن الغاية المبتغاة من ذلك هو وضع حد لتضارب الأحكام وانحسام المنازعة في الاختصاص بحكم تكون الكلمة العليا فيه لأعلى درجة من درجات التقاضي في النظام القضائي الإداري.
ومن حيث إنه ينبني على ما سلف إيضاحه لزوم اعتبار الطعن الحاضر مثيراً لما قضي به في الموضوع ويتعين من أجل ذلك التعقيب على ما قضت به محكمة القضاء الإداري في ناحيتي النزاع المستعجلة والموضوعية على السواء.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه قد أصاب وجه الحق وصدر مطابقاً للقانون فيما قضى به من عدم اختصاص محكمة القضاء الإداري بنظر طلب وقف تنفيذ القرار المطعون فيه الصادر في 24 من ديسمبر سنة 1954 بإنهاء الحكر على وقف منصور قبودان الخيري المشمول بنظر وزارة الأوقاف، وذلك للأسباب التي استند إليها الحكم المطعون فيه والتي تأخذ بها هذه المحكمة وتضيف إليها أنه ليس كل قرار يصدر من هيئة إدارية عامة يعد قراراً إدارياً مما تختص محكمة القضاء الإداري بطلب إلغائه أو وقف تنفيذه، إذ لا بد لتحقق وصف القرار الإداري أن يكون كذلك بحكم موضوعه، فإذا دار القرار حول مسألة من مسائل القانون الخاص أو تعلق بإدارة مال شخص معنوي خاص أو أريد به تطهير أعيان الوقف الخيري المشمولة بنظارة وزارة الأوقاف من حق من الحقوق العينية القائمة عليها كحق الحكر، لم يعتبر هذا القرار من القرارات الإدارية التي يختص بها القضاء الإداري ولو كان صادراً من هيئة إدارية هي وزارة الأوقاف.. ذلك أن استكناه الناحية التي يتكفل بها قرار إنهاء الحكر الصادر من هذه الوزارة يقطع في أنها تجرى في تصرفاتها بشأن هذه الأوقاف على السنن التي يجرى عليها ناظر الوقف تماماً من ناحية حرصه على حماية مصالح خاصة متعلقة بأعيان الوقف الخيري، لا إصابة غرض يتصل بالصالح العام.
ومن حيث إنه فضلاً عن ذلك، فإن النظرة الفاحصة لسلسلة التشريعات التي تعاقبت على موضوع إنهاء الأحكار على الأعيان الموقوفة - وهي القوانين أرقام 649 لسنة 1953، 295 لسنة 1954، 92 لسنة 1960 تؤكد النظر القائل بأن الإنهاء يعتبر مقدمة لقسمة أعيان الوقف وتجنيب نصيب الوزارة في الرقبة. وقد جاءت أحكام القانون الأخير منها تنظم طريقة إنهاء هذه الأحكار وعهدت في مادته السادسة إلى لجنة الأحكار العليا تقرير طرائق هذا الإنهاء فقد ترى هذه اللجنة - كما جرى نص المادة المذكورة - التصرف في ثلاثة أخماس الأرض بالاستبدال، باعتبار كون هذه النسبة ممثلة لحقوق مالك الرقبة وهو الوقف الخيري.. وقد تختار فرز وتجنيب هذا النصيب.. فإذا رأت ذلك أحالت الأمر إلى لجان قسمة الأعيان التي انتهى فيها الوقف المشكلة بالقانون رقم 55 لسنة 1960. وقد تؤثر هذه اللجان بيع العقار جميعه بالمزاد العلني لعدم إمكان قسمته بغير ضرر أو لتعذر هذه القسمة بسبب ضآلة الأنصباء.. وهذه الطرائق يقصد بها، بلا أدنى ريب، مصلحة الوقف الخيري ولا علاقة لها بالسلطة العامة وكان ينفرد القاضي الشرعي بإنهاء الحكر طالما تبين له أن الحكر من شأنه الإضرار بالوقف.
ومن حيث إنه مما يظاهر هذا النظر ويعززه أن القانون المدني في المادة 52 منه (البند 3) قد أدخل، في صور الأشخاص الاعتبارية، الأوقاف بعد أن عدد في البند (1) الأشخاص الاعتبارية العامة، كالدولة وكذلك المديريات "المحافظات" والمدن والقرى. والإدارات والمصالح وغيرها من المنشآت العامة.. ويستفاد من هذه المقابلة أن الوقف الخيري لا يعدو أن يكون شخصاً اعتبارياً خاصاً، أريد له بعد إنهاء الوقف الأهلي أن تتولاه وزارة الأوقاف لتقوم على شئونه كما كان يقوم النظار ابتغاء مصلحة الوقف وإشفاقاً على ريعه من أن تمتد إليه أيد غير أمينة. ولو كانت إدارة هذه الأوقاف من مسائل السلطة العامة لما كان لهذه الوزارة أن تعهد إلى فرد أو أفراد من عائلة الواقف بإدارة بعض أعيان الوقف الخيري أو بتسلم غلتها لإنفاقها في الأوجه التي حددها كتاب الوقف. فتصريف شئون الوقف وإنفاق غلاته في المصارف التي نص عليها كتاب الوقف وتطهيره من الأحكار القائمة عليه.. كل أولئك من الأمور الحقوقية التي يحكمها القانون الخاص والتشريعات الوضعية باعتبارها مكملة لقواعد القانون المدني في هذا الشأن ويكون الحكم المطعون فيه الصادر بعدم الاختصاص، مستنداً إلى أساس مكين من القانون.
ومن حيث إنه لما تقدم يكون الطعن في الحكم المطعون فيه غير قائم على أساس سليم من القانون ويتعين لذلك القضاء برفضه مع إلزام الطاعنين بالمصروفات.
"فلهذه الأسباب"
حكمت بقبول الطعن شكلاً وبرفضه موضوعاً وألزمت الطاعنين بالمصروفات.
ساحة النقاش