موقع المستشار/ البسيونى محمود أبوعبده المحامى بالنقض والدستورية العليا نقض جنائي- مدني- مذكرات- صيغ- عقود محمول01277960502 - 01273665051

سلطتها في تقدير خطورة الذنب الإداري وما يناسبه من جزاء - مناط مشروعية هذه السلطة ألا يشوب استعمالها غلو - عدم الملاءمة الظاهرة بين درجة خطورة الذنب الإداري وبين نوع الجزاء ومقداره من صور هذا الغلو - معيار عدم المشروعية في هذه الحالة - معيار موضوعي لا شخصي.

الحكم كاملاً

مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة السابعة - العدد الأول (من أول أكتوبر سنة 1961 إلى آخر يناير سنة 1962) - صـ 27

(3)
جلسة 11 من نوفمبر سنة 1961

برياسة السيد/ سيد إبراهيم الديواني وكيل المجلس، وعضوية السادة الإمام الإمام الخريبي والدكتور محمود سعد الدين الشريف ومصطفى كامل إسماعيل ومحمد مختار العزبي المستشارين.

القضية رقم 563 لسنة 7 القضائية

( أ ) موظف - تأديب - النظام القانوني للتأديب - اختلافه عن النظام المقرر بالقوانين الجنائية للأفعال المؤثمة - عدم تحديد الأفعال المكونة للذنب الإداري حصراً ونوعاً وردها بوجه عام إلى الإخلال بواجبات الوظيفة أو الخروج على مقتضياتها - ترك تحديد الجزاء على الفعل لتقدير السلطة التأديبية بحسب درجة جسامته في حدود النصاب المقرر قانوناً - وجوب التزام المحكمة التأديبية هذا النظام القانوني في تكييفها للفعل المكون للذنب الإداري، وتقديرها للجزاء المناسب - وصفها هذا الفعل وصفاً جنائياً وارداً في قانون العقوبات واختيار أشد الجزاءات التأديبية له - يجعل الجزاء المقضى به معيباً - أساس ذلك.
(ب) محاكم تأديبية - سلطتها في تقدير خطورة الذنب الإداري وما يناسبه من جزاء - مناط مشروعية هذه السلطة ألا يشوب استعمالها غلو - عدم الملاءمة الظاهرة بين درجة خطورة الذنب الإداري وبين نوع الجزاء ومقداره من صور هذا الغلو - معيار عدم المشروعية في هذه الحالة - معيار موضوعي لا شخصي - الحد الفاصل بين نطاق المشروعية ونطاق عدم المشروعية في هذه الصورة - خضوع تحديده لرقابة المحكمة الإدارية العليا.
أ - إن القانون رقم 210 لسنة 1951 بشأن نظام موظفي الدولة لم ينتهج مسلك قانون العقوبات والقوانين الجنائية الأخرى في حصر الأفعال المؤثمة وتحديد أركانها ونوع ومقدار العقوبة المقررة لكل فعل منها. وإنما هو سرد في الفصل السادس من الباب الأول منه أمثلة من واجبات الموظفين والأعمال المحرمة عليهم، ونص في المادة 83 على أن كل موظف يخالف الواجبات المنصوص عليها في هذا القانون أو يخرج على مقتضى الواجب في أعمال وظيفته يعاقب تأديبياً، ثم نص في المادة 84 على أن الجزاءات التي يجوز توقيعها على هؤلاء الموظفين عن المخالفات المالية والإدارية هي: -
(1) الإنذار.
(2) الخصم من المرتب لمدة لا تجاوز شهرين.
(3) تأجيل موعد استحقاق العلاوة لمدة لا تقل عن ستة أشهر.
(4) الحرمان من العلاوة.
(5) الوقف عن العمل بدون مرتب لمدة لا تجاوز ثلاثة أشهر.
(6) خفض المرتب.
(7) خفض الدرجة.
(8) خفض المرتب والدرجة.
(9) العزل من الوظيفة.
فالأفعال المكونة للذنب الإداري إذن ليست محددة حصراً ونوعاً وإنما مردها بوجه عام إلى الإخلال بواجبات الوظيفة أو الخروج على مقتضياتها، وكل فعل بالذات لم يحدد له ما يناسبه من جزاء. وإنما ترك تحديد ذلك للسلطة التأديبية بحسب تقديرها لدرجة جسامة الفعل وما يستأهله من جزاء في حدود النصاب القانوني المقرر.
والمحكمة التأديبية بوصفها سلطة تأديبية ينبغي عليها أن تلتزم هذا النظام القانوني وتسند قضاءها إليه في تكييفها للفعل المكون للذنب الإداري وفي تقديرها للجزاء الذي يناسبه، ذلك أنه هو النظام القانوني الواجب التطبيق في هذا الخصوص فينبغي - إذا هي انتهت من وزن الأدلة إلى ثبوت الفعل المكون للذنب الإداري - أن تقيم الإدانة على أساس رد هذا الفعل إلى الإخلال بواجبات الوظيفة أو الخروج على مقتضياتها وأن تقيم تقديرها للجزاء الذي توقعه على أساس التدرج بحسب درجة جسامة الذنب. فإن هي سارت على السنن المتبع في قانون العقوبات، فلم ترد الفعل المكون للذنب الإداري إلى الإخلال بواجبات الوظيفة أو الخروج على مقتضياتها، وإنما استعارت له وصفاً جنائياً وارداً في قانون العقوبات وعنيت بتحديد أركان الفعل على نحو ما حدده القانون المذكور للوصف الذي استعارته، ثم اختارت لهذا الفعل أشد الجزاءات التي يجيز قانون التوظف توقيعها بمقولة أن هذا الجزاء هو وحده الذي حدده القانون لهذا الفعل. أنها إن فعلت ذلك كان الجزاء المقضى به معيباً لأنه بني على خطأ في الإسناد القانوني، فهذا الجزاء وإن كان من بين الجزاءات التي أجاز قانون التوظف توقعيها، إلا أنه أسند إلى نظام قانوني آخر غير النظام القانوني الواجب التطبيق.
2 - أنه ولئن كانت للسلطات التأديبية، ومن بينها المحاكم التأديبية، سلطة تقدير خطورة الذنب الإداري وما يناسبه من جزاء بغير معقب عليها في ذلك. إلا أن مناط مشروعية هذه السلطة - شأنها كشأن أية سلطة تقديرية أخرى - ألا يشوب استعمالها غلو. ومن صور هذا الغلو عدم الملاءمة الظاهرية بين درجة خطورة الذنب الإداري وبين نوع الجزاء ومقداره ففي هذه الصورة تتعارض نتائج عدم الملاءمة الظاهرة مع الهدف الذي تغياه القانون من التأديب. والهدف الذي توخاه القانون من التأديب هو بوجه عام تأمين انتظام المرافق العامة، ولا يتأتى هذا التأمين إذا انطوى الجزاء على مفارقة صارخة. فركوب متن الشطط في القسوة يؤدي إلى إحجام عمال المرافق العامة عن حمل المسئولية خشية التعرض لهذه القسوة الممعنة في الشدة. والإفراط المسرف في الشفقة يؤدي إلى استهانتهم بأداء واجباتهم طمعاً في هذه الشفقة المغرقة في اللين. فكل من طرفي لنقيض لا يؤمن انتظام سير المرافق العامة. وبالتالي يتعارض مع الهدف الذي رمى إليه القانون من التأديب. وعلى هذا الأساس يعتبر استعمال سلطة تقدير الجزاء في هذه الصورة مشوباً بالغلو. فيخرج التقدير من نطاق المشروعية إلى نطاق عدم المشروعية، ومن ثم يخضع لرقابة هذه المحكمة. ومعيار عدم المشروعية في هذه الصورة ليس معياراً شخصياً، وإنما هو معيار موضوعي. قوامه أن درجة خطورة الذنب الإداري لا تتناسب البتة مع نوع الجزاء ومقداره. وغنى عن البيان أن تعيين الحد الفاصل بين نطاق المشروعية ونطاق عدم المشروعية في الصورة المذكورة مما يخضع أيضاً لرقابة هذه المحكمة.


إجراءات الطعن

في 11 من يناير سنة 1961 أودع السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة سكرتيرية هذه المحكمة عريضة طعن في الحكم الصادر بتاريخ 24 من نوفمبر سنة 1960 من المحكمة التأديبية لموظفي وزارة المواصلات في الدعوى رقم 96 لسنة 2 القضائية التي أقامتها النيابة الإدارية ضد السيد عبد القادر وصفي حسن شحاته والقاضي حضورياً بعزل السيد/ عبد القادر وصفي حسن شحاته الموظف من الدرجة السابعة بهيئة البريد من وظيفته وحفظ حقه في المعاش أو المكافأة، وطلب السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة - للأسباب الواردة في عريضة طعنه - الحكم بقبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه والقضاء في الدعوى التأديبية المعروضة. وأعلنت صحيفة الطعن إلى المطعون لصالحه في 17 من يناير سنة 1961 وإلى النيابة الإدارية في 29 من يناير سنة 1961. وعين لنظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون بهذه المحكمة جلسة 16 من إبريل سنة 1961 وأبلغ الطرفان في 3 من إبريل سنة 1961 بميعاد هذه الجلسة، وفيها قررت الدائرة إحالة الطعن للمحكمة العليا لنظره بجلسة 6 من مايو سنة 1961 ثم أجل نظر الطعن لجلسة 10 من يونيه سنة 1961 ثم لجلسة 14 من أكتوبر سنة 1961 وفيها أجل النطق بالحكم لجلسة اليوم وفيها صدر الحكم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن الوقائع تتحصل - حسبما يبين من أوراق الطعن - في أن النيابة الإدارية أقامت الدعوى رقم 96 لسنة 2 القضائية أمام المحكمة التأديبية لموظفي وزارة المواصلات ضد السيد/ عبد القادر وصفي حسن شحاته بتقرير اتهام أودع سكرتيرية المحكمة المذكورة بتاريخ 16 من يونيه سنة 1960 لأنه في المدة من 4 من فبراير سنة 1959 حتى 7 من فبراير سنة 1959 وصفه وكيلاً لمكتب بريد العرايشة مصر بالإسماعيلية لم يؤد عمله بالدقة والأمانة، وذلك بأن سحب الحوالة الأميرية رقم 80/ 6612 بمبلغ جنيهين يوم 4 من فبراير سنة 1959 واحتفظ بالمبلغ لنفسه حتى قام بتوريده بتاريخ 7 من فبراير سنة 1959 وفي سبيل ستر تصرفه عمد إلى إجراء تصحيح بتاريخ سحب الحوالة فجعل التاريخ 7 من فبراير سنة 1959 الأمر الذي يعد خروجاً خطيراً على مقتضى الواجب في أداء الوظيفة ومن شأنه المساس بأموال الدولة. وطلبت النيابة الإدارية محاكمته بالمواد 73، 82 مكرراً، 83 من القانون رقم 210 لسنة 1951 والمادة 31 من القانون رقم 117 لسنة 1958. وأرفقت النيابة الإدارية مع تقرير الاتهام مذكرة جاء بها أن السيد/ ياقوت أحمد السيد الشحات الفراز بمكتب بريد الإسماعيلية أبلغ أن السيد/ عبد القادر وصفي حسن شحاته وكيل مكتب بريد عرايشة مصر بالإسماعيلية استولى على مبلغ جنيهين قيمة حوالة أميرية مسحوبة من المكتب في 7 من فبراير سنة 1959. وفي التحقيق ردد الشاكي ما ورد ببلاغه وسئل المشكو فلم ينكر استخراجه للحوالة رقم 80/ 6612 يوم 4 من فبراير سنة 1959 بمبلغ جنيهين برسم إدارة الامتحانات. وقال أنه حدث سهواً أن ترك المبلغ قيمة الحوالة داخل دفتر الحوالات ولم يدرجه بالحساب. ثم تذكر بتاريخ 7 من فبراير سنة 1959 أنه لم يدرج قيمة هذه الحوالة بالحساب فقام بدرجها. ولما ووجه بأن الدفتر 2 هـ. جـ يحمل تصحيحاً في تاريخ سحب الحوالة من 4 من فبراير سنة 1959 إلى 7 من فبراير سنة 1959 وأن حافظة الحوالة المحفوظة بإدارة حسابات البريد موضح بها أن تاريخ السحب هو 4 من فبراير سنة 1959 الأمر الذي يدل على سوء نيته في الاحتفاظ بقيمة الحوالة. قرر أنه لم يكن يقصد اختلاس هذا المبلغ وأن ما حدث كان سهواً. وعقبت المذكرة على ذلك بأن الثابت من وجود تصحيح في دفتر الحوالات في تاريخ سحب الحوالة ومن عدم إدراج قيمة الحوالة في حساب المكتب إلا بتاريخ 7 من فبراير سنة 1959. ومن عدم إنكار السيد/ عبد القادر وصفي حسن شحاته قيامه بسحب الحوالة يوم 4 من فبراير سنة 1959 وإجرائه تعديلاً في تاريخ سحبها بدفتر الحوالات. وأدرج قيمتها في حساب المكتب بتاريخ 7 من فبراير سنة 1959 ومن عدم إخطاره هيئة البريد أو رؤسائه المختصين بهذه الواقعة ليثبت حسن نيته أنه يعتبر مسئولاً عن هذا الفعل. وفي جلسة المحاكمة قدم السيد/ عبد القادر وصفي حسن شحاته مذكرة جاء بها أنه بسبب ضغط العمل والازدحام وضع مبلغ الحوالة والحافظة داخل الدفتر ولم يتنبه إلى ذلك إلا يوم 7 من فبراير سنة 1959. وأن المدة ما بين يوم سحب الحوالة وتاريخ إدراجها في الحساب هي يوم واحد هو يوم 5 من فبراير سنة 1959 لأن يوم 6 من فبراير سنة 1959 كان يوم جمعة وأن الشاكي يقصد الكيد بشكواه، إذ أنه رفض أن يضمنه لدى البنك العربي في قرض مبلغ خمسين جنيهاً فتقدم بشكواه في أكتوبر سنة 1959، على حين أن الحادث كان في فبراير سنة 1959. وفي جلسة 24 من نوفمبر سنة 1960 قضت المحكمة التأديبية بعزل السيد/ عبد القادر وصفي حسن شحاته من وظيفته وحفظ حقه في المعاش والمكافأة.
وأقامت قضاءها على أن المتهم قد عجز عن إثبات حسن نيته وأن احتفاظه لنفسه بمبلغ حصله ينطوي قانوناً على جناية الاختلاس، وأنه لا يغير من ذلك قيامه برد المبلغ من تلقاء نفسه. وأن المتهم زور في دفتر الحوالات إخفاء لأمر هذا الاختلاس، والتزوير جناية لا تقل عن جناية الاختلاس. وأنه إن فرض أن بقاء المبلغ هذه الأيام الثلاث دون توريد كان بطريق السهو، فإن الأمر غير المنكور هو التزوير. وأنه إذا كان الخطأ والإهمال يتدرج العقاب عليه فإن التزوير جريمة تتصل بالذمة والشرف مما يتحتم فصل مرتكبه وهو ما قضى به الشارع في كافة قوانين التوظف.
ومن حيث إن الطعن يقوم على أن المحكمة التأديبية قد خرجت عن اختصاصها إذ بحثت في الوقائع المعروضة عليها من زاوية جنائية وإذا انحرف القاضي التأديبي عن اختصاصه الوظيفي فإنه يكون حتماً قد أخطأ في تكييف الوقائع المادية تكييفاً إدارياً مجرداً. وهذا الخطأ يجره بدوره حتماً إلى خطأ قانوني آخر في انتقاء القاضي التأديبي العقوبة الملائمة للجريمة التأديبية.
ومن حيث إن القانون رقم 210 لسنة 1951 بشأن نظام موظفي الدولة لم ينتهج مسلك قانون العقوبات والقوانين الجنائية الأخرى في حصر الأفعال المؤثمة وتحديد أركانها ونوع ومقدار العقوبة المقررة لكل فعل منها. وإنما هو سرد في الفصل السادس من الباب الأول منه أمثلة من واجبات الموظفين والأعمال المحرمة عليهم ونص في المادة 83 على أن كل موظف يخالف الواجبات المنصوص عليها في هذا القانون أو يخرج على مقتضى الواجب في أعمال وظيفته يعاقب تأديبياً، ثم نص في المادة 84 على أن الجزاءات التي يجوز توقيعها على هؤلاء الموظفين عن المخالفات المالية والإدارية هي: -
(1) الإنذار.
(2) الخصم من المرتب لمدة لا تجاوز شهرين.
(3) تأجيل موعد استحقاق العلاوة لمدة لا تقل عن ستة أشهر.
(4) الحرمان من العلاوة.
(5) الوقف عن العمل بدون مرتب لمدة لا تجاوز ثلاثة أشهر.
(6) خفض المرتب.
(7) خفض الدرجة.
(8) خفض المرتب والدرجة.
(9) العزل من الوظيفة.
فالأفعال المكونة للذنب الإداري إذن ليست محددة حصراً ونوعاً وإنما مردها بوجه عام إلى الإخلال بواجبات الوظيفة أو الخروج على مقتضياتها وكل فعل بالذات لم يحدد له ما يناسبه من جزاء. وإنما ترك تحديد ذلك للسلطة التأديبية بحسب تقديرها لدرجة جسامة الفعل وما يستأهله من جزاء في حدود النصاب القانوني المقرر.
ومن حيث إن المحكمة التأديبية بوصفها سلطة تأديبية ينبغي عليها أن تلتزم هذا النظام القانوني وتسند قضاءها إليه في تكييفها للفعل المكون للذنب الإداري وفي تقديرها للجزاء الذي يناسبه، ذلك أنه هو النظام القانوني الواجب التطبيق في هذا الخصوص. فينبغي - إذا هي انتهت من وزن الأدلة إلى ثبوت الفعل المكون للذنب الإداري - أن تقيم الإدانة على أساس رد هذا الفعل إلى الإخلال بواجبات الوظيفة أو الخروج على مقتضياتها وأن تقيم تقديرها للجزاء الذي توقعه على أساس التدرج بحسب درجة جسامة الذنب، فإن هي سارت على السنن المتبع في قانون العقوبات، فلم ترد الفعل المكون للذنب الإداري إلى الإخلال بواجبات الوظيفة أو الخروج على مقتضياتها، وإنما استعارت له وصفاً جنائياً وارداً في قانون العقوبات وعنيت بتحديد أركان الفعل على نحو ما حدده القانون المذكور للوصف الذي استعارته، ثم اختارت لهذا الفعل أشد الجزاءات التي يجيز قانون التوظف توقيعها بمقولة أن هذا الجزاء هو وحده الذي حدده القانون لهذا الفعل. أنها إن فعلت ذلك كان الجزاء المقضى به معيباً لأنه بني على خطأ في الإسناد القانوني. فهذا الجزاء وإن كان من بين الجزاءات التي أجاز قانون التوظف توقعيها، إلا أنه أسند إلى نظام قانوني آخر غير النظام القانوني الواجب التطبيق.
ومن حيث، من ناحية أخرى، أنه ولئن كانت للسلطات التأديبية ومن بينها المحاكم التأديبية سلطة تقدير خطورة الذنب الإداري وما يناسبه من جزاء بغير معقب عليها في ذلك، إلا أن مناط مشروعية هذه السلطة - شأنها كشأن أية سلطة تقديرية أخرى - ألا يشوب استعمالها غلو. ومن صور هذا الغلو عدم الملاءمة الظاهرية بين درجة خطورة الذنب الإداري وبين نوع الجزاء ومقداره. ففي هذه الصورة تتعارض نتائج عدم الملاءمة الظاهرة مع الهدف الذي تغياه القانون من التأديب. والهدف الذي توخاه القانون من التأديب هو بوجه عام تأمين انتظام المرافق العامة، ولا يتأتى هذا التأمين إذا انطوى الجزاء على مفارقة صارخة. فركوب متن الشطط في القسوة يؤدي إلى إحجام عمال المرافق العامة عن حمل المسئولية خشية التعرض لهذه القسوة الممعنة في الشدة. والإفراط المسرف في الشفقة يؤدي إلى استهانتهم بأداء واجباتهم طمعاً في هذه الشفقة المغرقة في اللين. فكل من طرفي النقيض لا يؤمن انتظام سير المرافق العامة، وبالتالي يتعارض مع الهدف الذي رمى إليه القانون من التأديب. وعلى هذا الأساس يعتبر استعمال سلطة تقدير الجزاء في هذه الصورة مشوباً بالغلو. فيخرج التقدير من نطاق المشروعية إلى نطاق عدم المشروعية، ومن ثم يخضع لرقابة هذه المحكمة. ومعيار عدم المشروعية في هذه الصورة ليس معياراً شخصياً وإنما هو معيار موضوعي قوامه أن درجة خطورة الذنب الإداري لا تتناسب البتة مع نوع الجزاء ومقداره. وغني عن البيان أن تعيين الحد الفاصل بين نطاق المشروعية ونطاق عدم المشروعية في الصورة المذكورة مما يخضع أيضاً لرقابة هذه المحكمة.
ومن حيث إنه يبين من مطالعة الحكم المطعون فيه أنه سار على السنن المتبع من قانون العقوبات في تكييفه للفعل المكون للذنب الإداري المنسوب إلى السيد/ عبد القادر وصفي حسن شحاته وفي تقديره للجزاء الذي يناسبه فقد وصفه بأنه يكون جنايتي تزوير واختلاس مستعيراً له الوصف الجنائي الوارد في قانون العقوبات. وعنى بتحديد أركان هذا الفعل على نحو ما حدده القانون المذكور للوصف الذي استعاره ثم اختار جزاء العزل لهذا الفعل بمقولة أن هذا الجزاء هو وحده الذي حدده القانون لهذا الفعل، ومن ثم يكون الجزاء المقضى به معيباً لأنه بني على خطأ في الإسناد القانوني. فهذا الجزاء وإن كان من بين الجزاءات التي أجاز قانون التوظف توقيعها إلا أنه أسند إلى نظام قانوني آخر غير النظام القانوني الواجب التطبيق كما سلف البيان.
ومن حيث إنه من ناحية أخرى يبين من مطالعة أوراق التحقيق وتقرير الاتهام ومحضر جلسة المحكمة التأديبية ومذكرة السيد/ عبد القادر وصفي حسن شحاته المقدمة للمحكمة المذكورة، أن الفعل المنسوب إلى الموظف المذكور يقوم أساساً على سهو منه في الاحتفاظ بقيمة الحوالة داخل دفتر الحوالات، مما لا يعدو كونه إهمالاً في القيام بواجبات وظيفته أو بمعنى آخر عدم مراعاته للدقة في أدائها ثم رعونته في تصحيح دفتر الحوالات حتى يطابق تاريخ توريد قيمة الحوالة. وآية ذلك ما ثبت من أنه هو الذي تنبه إلى عدم توريد قيمة الحوالة فوردها من تلقاء نفسه ولم ينبهه أحد إلى ذلك. وأن المدة بين تاريخ سحب الحوالة وتاريخ توريد قيمتها لم تزد عن يوم واحد من أيام العمل. ومن ثم فدرجة خطورة هذا الإهمال وهذه الرعونة - وهما التكييف السليم للفعل بحسب الوقائع الثابتة في الأوراق بل وفي الحكم المطعون فيه ذاته - لا تتناسب البتة مع جزاء العزل الذي قضى به الحكم المطعون فيه. وهذه المفارقة الصارخة أو عدم الملاءمة الظاهرة بين درجة خطورة الذنب الإداري وبين نوع الجزاء ومقداره، تعيب الجزاء المقضى به كما سلف البيان.
ومن حيث إنه لكل ما تقدم يتعين القضاء بإلغاء الحكم المطعون فيه والفصل في موضوع الدعوى التأديبية من جديد.
ومن حيث إنه متى كانت الدعوى مهيأة للفصل فيها وكان موضوعها قد سبق طرحه برمته على المحكمة التي أصدرت الحكم المطعون فيه، بعد إذ أبدى ذوو الشأن ملاحظاتهم بصدده واستوفوا فيه دفاعهم ومستنداتهم، فإن لهذا المحكمة أن تتصدى للفصل في الموضوع ولا وجه لإعادة الدعوى إلى المحكمة التأديبية المختصة للفصل فيها من جديد.
ومن حيث إن خصم عشرة أيام من مرتب السيد/ عبد القادر وصفي حسن شحاته جزاء يتناسب مع ما ثبت من إهماله ورعونته في أداء واجبات وظيفته مما سبق بيانه فيتعين القضاء بهذا الجزاء.

فلهذه الأسباب

 

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه ومجازاة السيد/ عبد القادر وصفي حسن شحاتة بخصم عشرة أيام من مرتبه.

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 32 مشاهدة
نشرت فى 21 إبريل 2020 بواسطة basune1

ساحة النقاش

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

5,119,675

الموقع الخاص بالاستاذ/ البسيونى محمود ابوعبده المحامى بالنقض والدستوريه العليا

basune1
المستشار/ البسيونى محمود أبوعبده المحامى بالنقض والدستورية العليا استشارات قانونية -جميع الصيغ القانونية-وصيغ العقود والمذكرات القانونية وجميع مذكرات النقض -المدنى- الجنائى-الادارى تليفون01277960502 -01273665051 العنوان المحله الكبرى 15 شارع الحنفى - الإسكندرية ميامى شارع خيرت الغندور من شارع خالد ابن الوليد »