اختصاص المحكمة التأديبية بنظر الطعن على قرار النقل إذا صدر معاصرًا لقرار الجزاء وتحقق الارتباط بينهما.
الحكم كاملاً
مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الخمسون - الجزء الثاني - من أول إبريل سنة 2005 إلى آخر سبتمبر سنة 2005 - صـ 1202
(173)
جلسة 29 من مايو سنة 2005م
برئاسة السيد الأستاذ المستشار/ عادل محمود زكي فرغلي - نائب رئيس مجلس الدولة ورئيس المحكمة
وعضوية السادة الأساتذة المستشارين/ محمد الشيخ على أبو زيد، عبد المنعم أحمد عامر، ود. سمير عبد الملاك منصور، وأحمد منصور محمد علي - نواب رئيس مجلس الدولة
وبحضور السيد الأستاذ المستشار/ طارق رضوان - مفوض الدولة
وسكرتارية السيد/ خالد عثمان محمد حسن - سكرتير المحكمة
الطعن رقم 8819 لسنة 45 قضائية عليا:
دعوى - اختصاص المحكمة التأديبية بنظر الطعن على قرار النقل إذا صدر معاصرًا لقرار الجزاء وتحقق الارتباط بينهما.
صدور قرار النقل معاصرًا لقرار الجزاء - وتحقق الارتباط بينهما - انعقاد الاختصاص بنظر الطعن على قرار النقل - في هذه الحالة - للمحاكم التأديبية باعتبار أن قرار النقل فرع من المنازعة في القرار التأديبي، وأن قاضي الأصل هو قاضي الفرع، فضلاً عما يترتب على تجزئة المنازعة من تضارب الأحكام، ومن ثم تكون المحكمة التأديبية التي فصلت في الطعون المتعلقة بقرارات الجزاء هي الأقدر على الإحاطة بموضوع النزاع والأكثر إحاطة بتفاصيله ومراميه وهي الأولى بالفصل في القرارات الناشئة عنها أو المتفرعة منها أو المترتبة عليها ومن بينها قرارات النقل سواء أكانت إجراءً وقائيًا لازمًا اتخاذه، أو جزاء مقنعًا استهدف التنكيل بصاحب الشأن - تطبيق.
الإجراءات
في يوم الأحد الموافق 26/ 9/ 1999 أودع الأستاذ/ غبريال إبراهيم غبريال (المحامي) بصفته وكيلاً عن الطاعن قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا تقرير الطعن الماثل طالبًا في ختامه الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه بجميع أجزائه والقضاء له بطلباته التي أبداها بصحيفة دعواه أمام المحكمة التأديبية.
وتم إعلان تقرير الطعن إلى المطعون ضده على الوجه المبين بالأوراق.
وأودعت هيئة مفوضي الدولة تقريرًا بالرأي القانوني ارتأت فيه الحكم بقبول الطعن شكلاً، وبرفضه موضوعًا.
وجرى نظر الطعن أمام هذه المحكمة قضاء موضوعًا على النحو المبين بمحاضر الجلسات حتى قررت بجلسة 26/ 12/ 2004 إصدار الحكم في الطعن بجلسة اليوم مع التصريح بالاطلاع ومذكرات خلال ثلاثة أسابيع، وخلال هذا الأجل قدمت الجهة الإدارية مذكرة بدفاعها طلبت في ختامها الحكم برفض الطعن، وبهذه الجلسة صدر الحكم وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع الإيضاحات والمداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة تخلص - حسبما يبين من الأوراق - في أن الطاعن أقام الطعن رقم 64 لسنة 32 ق بإيداع عريضته قلم كتاب المحكمة التأديبية للرئاسة وملحقاتها بتاريخ 16/ 12/ 1997 طلب في ختامه الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء جزاءات الخصم الثلاثة الموقعة عليه وما ارتبط بها من نقله إلى مصلحة السجون مع ما يترتب علي ذلك من آثار.
وذكر الطاعن شرحًا لطعنه أنه في 101/ 8/ 1997 أخطر بتوقيع جزاء خصم خمسة عشر يومًا من مرتبة ارتكابه أربع مخالفات تتحصل في إساءة معاملة السائق المجند/ .......، وتعديه عليه بالضرب وإحداث إصابات به يوم 30/ 10/ 96، وإصداره أمرًا له بتغيير خط السير المحدد للسيارة قيادته وتركه الصيدلانية/ .......... بالطريق رغم تواجدها بالمكان المحدد لها طبقًا لخط السير، ولغيابه عن العمل بدون إذن يوم 17/ 11/ 1996، وحضوره للإدارة العامة للخدمات الطبية يوم 26/ 11/ 1996 بالملابس المدنية، كما أخطر بتاريخ 18/ 8/ 1997 بقرار مجازاته بخصم خمسة أيام من مرتبه بمقولة إصداره أمرًا للمجند/ ........... سائق السيارة رقم 19468 شرطة يوم 26/ 1/ 1997 بالتحرك بالسيارة قبل الميعاد وعدم انتظار حضور الموظفة/ ........، ولإثباته المذكرة 3 أحوال في 12/ 2/ 97 بالمخالفة للحقيقة، وكذلك أخطر الطاعن بذات تاريخ إخطاره 18/ 8/ 1997 بمجازاته بخصم ثلاثة أيام من مرتبه بمقولة إصداره تعليمات للموظف المدني/ ......... في 15/ 2/ 1997 بعدم العمل بصيدلية مستشفى مدينة نصر دون الرجوع إلى رئاسته.
وأضاف الطاعن أنه قد تظلم من هذه القرارات الثلاثة لمخالفتها أحكام القانون وعدم صحة ما نسب إليه من اتهامات، وخلص إلى طلب الحكم بإلغاء هذه القرارات وما صاحبها من قرار نقله إلى مصلحة السجون في 23/ 8/ 1997.
وبجلسة 31/ 7/ 1999 أصدرت المحكمة التأديبية الحكم المطعون فيه الذي قضى:
أولاً: بالنسبة لطلب المدعي إلغاء قراري مجازاته بخصم خمسة عشر يومًا وثلاثة أيام من أجره بقبول الطعن شكلاً، ورفضه موضوعًا في هذا الشق منه.
ثانيًا: بالنسبة لطلب الطاعن إلغاء قرار مجازاته بخصم خمسة أيام من أجره بقبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع بمجازاته بخصم يوم من أجره مع ما يترتب على ذلك من آثار.
ثالثًا: بالنسبة لطلب الطاعن إلغاء القرار رقم 994 لسنة 1997 فيما تضمنه من نقله من قطاع الخدمات الطبية إلى قطاع مصلحة السجون بعدم اختصاصها نوعيًا بنظر الطعن في هذا الشق منه، وإحالته بحالته إلى محكمة القضاء الإداري "دائرة الجزاءات" لاختصاصها بنظره.
وأقامت المحكمة قضاءها برفض طلب إلغاء قراري مجازاة الطاعن بخصم خمسة عشر يومًا وثلاثة أيام من مرتبه على أنه قد ثبت بالتحقيقات التي أجريت معه ارتكابه المخالفات المنسوبة إليه، وذلك بشهادة الشهود والمذكرتين المحررتين من مستشفى هيئة الشرطة - بمدينة نصر - من تعدٍ على السائق وأمره بتغيير خط السير، وتغييبه عن عمله دون إذن، وارتدائه الملابس المدنية واستبعاده الموظف المدني/ ............. من العمل بالصيدلية دون الرجوع إلى رئاسته مما يعد مخالفة من الطاعن لمقتضى واجبات وظيفته يتعين معها مجازاته تأديبيًا.
أما بنسبة لمجازاة الطاعن بخصم خمسة أيام من مرتبه لارتكابه مخالفتين أخريين هما إصداره أمرًا لسائق سيارة المستشفى بالتحرك بالسيارة قبل الميعاد المحدد بخط السير، وعدم انتظار إحدى الموظفات، وإثباته بالمذكرة 3ح في 12/ 2/ 1997 حضوره إلى العمل بوسائل المواصلات العادية لعدم توجه السيارة إليه في الميعاد بالمخالفة للحقيقة، فقد رأت المحكمة أنه رغم ثبوت هاتين المخالفتين في حق الطاعن - أن خصم خمسة أيام من مرتبة فيه مغالاة. ومن ثم اكتفت المحكمة بمجازاته بخصم يوم واحد من مرتبه.
وبالنسبة لطلب الطاعن إلغاء قرار نقله من قطاع الخدمات الطبية إلى قطاع مصلحة السجون فإنه لا يتضمن جزاء من الجزاءات التي تختص المحكمة التأديبية بنظر الطعن عليها قانونًا، وإنما ينعقد الاختصاص بنظره لمحكمة القضاء الإداري.
ومن حيث إن مبنى الطعن الماثل مخالفة الحكم المطعون فيه للقانون لأنه تجاهل دفاعًا جوهريًا للطاعن تمثل في أنه نفى ما ادعاه الجندي السائق حدوث إصابات به نتيجة تعدي الطاعن عليه وتضارب أقوال الشهود حول كيفية هذا التعدي، فمرة يزعمون أنه ضربه على وجهه ومرة أخرى يزعمون أنه ضربه على قفاه وظهره ومع ذلك لم يلتفت الحكم المطعون فيه إلى هذا الاختلاف في الشهادة وكذلك أخذ بادعاء السائق حدوث إصابات به رغم عدم وجود تقرير طبي في هذا الشأن، ويضيف الطاعن أنه ليس صحيحًا ما نسب إليه من أمر السائق بتغيير خط السيارة بدليل أنها مرت على مكان تواجد الصيدلانية/ ..........، التي قررت أن السيارة لم تحضر في الميعاد فانصرفت، كما أنه يتعين سؤال العميد/ ............ مدير مستشفى مدنية نصر الذي طلب من الطاعن الحضور بعد الظهر يوم 17/ 11/ 1996 في الفترة التي نسب إلى الطاعن الغياب فيها عن العمل دون إذن، إلا أن التحقيق جاء قاصرًا في هذا الخصوص.
وعلل الطاعن ارتداءه الملابس المدينة يوم 26/ 11/ 96 بأنه علم أن الوزير صدق على إجازته؛ ونظرًا لعدم تدبير وسيلة مواصلات كان يتعين عليه ارتداء الملابس المدنية خلال انتقاله إلى إدارة الخدمات الطبية بوسائله الخاصة.
ورد الطاعن كذلك على ما نسب إليه من أمره السائق بالتحرك قبل الميعاد وعدم انتظار حضور الموظفة/...... بأن باقي ركاب السيارة قد استقلوها بحسب ترتيبهم قبل وبعد هذه الموظفة، مما يدل على أن السيارة مرت في موعدها على الجميع، في حين لم تتواجد المذكورة في المكان المحدد لها، كما أن ادعاء السائق أنه حضر إلى مسكن الطاعن وضغط على جرس الباب ولم يجد استجابة فانصرف فهو غير صحيح ومع ذلك لم يحقق الحكم المطعون فيه كل هذه الدفوع ومنها أن استبعاده للموظف/ ....... من العمل بصيدلية المستشفى فقد كان نتيجة تصرفانه المربية داخل مخزن الأدوية وبعد موافقة الطبيب..... على استبعاده، ويضيف الطاعن أن قرار نقله كان معاصرًا لتلك الجزاءات، من ثم يعتبر من ملحقاتها وبالتالي تختص المحكمة التأديبية بنظر الطاعن عليه خلافًا لما قضي به الحكم المطعون فيه.
ومن حيث إنه بالنسبة لطلب الطاعن إلغاء القرارات التأديبية الثلاثة الصادرة بمجازاته بالخصم من مرتبة لمدة خمسة عشر يومًا، وخمسة أيام، وثلاثة أيام لما نسب إليه من الخارج على مقتضيات وظيفته بارتكابه المخالفات المبينة بتلك القرارات على النحو السالف إيراده بالوقائع، فإن المسلم به بقضاء هذه المحكمة أن القرار التأديبي شأنه شأن أي قرار إداري آخر يجب أن يقوم على سبب يبرره واقعًا بأن يثبت الفعل أو الواقعة المكونة للمخالفة ثبوتًا يقينيًا بدليل مستخلص استخلاصًا سائغًا قبل المتهم مع سلامة تكييفه قانونًا باعتباره جريمة تأديبية، وللمحكمة التأديبية في هذا المجال الحرية في تكوين عقيدتها من أي عنصر من عناصر الدعوى، ولها في سبيل ذلك الأخذ بما تطمئن إليه من أقوال الشهود، وأن تطرح ما عداها بما لا تطمئن إليه، وأنه لا إلزام على المحكمة التأديبية أن تتعقب دفاع الطاعن في واقعاته وجزئياته متى توافر لديها من اليقين بثبوت ما نسب إليه من مخالفات، بما يكفي سببًا لحمل قرار الجزاء التأديبي المطعون فيه.
ومن حيث إنه على هدى ما تقدم وكان الثابت أنه بتاريخ 20/ 7/ 1997 صدر الجهة الإدارية بمجازاة الطاعن بخصم خمسة عشر يومًا من مرتب الطاعن لما ثبت في حقه لدى التحقيق معه - من الخروج على مقتضى الواجب الوظيفي والسلوك المعيب ومخالفة التعليمات وذلك لإساءته معاملة المجند السائق/ ....... باعتدائه عليه بالضرب وإحداث إصابات به يوم 30/ 11/ 1996 ولإصداره أمره للمجند المذكور بتغيير خط السير المحدد للسيارة الميكروباص رقم 9468 قيادته، وترك الصيدلانية ...... بالطريق رغم تواجدها بالمكان المحدد مخالفًا لخط السير، وتغيبه (الطاعن) عن العمل بدون إذن يوم 17/ 11/ 1996 لمدة خمس ساعات، والحضور بالإدارة العامة للخدمات الطبية يوم 26/ 11/ 1996 مرتديًا الملابس المدنية رغم تواجده في العمل ذلك اليوم.
كما أصدرت الجهة الإدارية بتاريخ 29/ 7/ 1997 قرارها بمجازاة الطاعن بخصم خمسة أيام من مرتبه لما ثبت في حقه لدى التحقيق الذي أجرى معه - من الخروج على مقتضى الواجب الوظيفي ومخالفة التعليمات وذلك بإصداره أمرًا للمجند/........ سائق السيارة رقم 1968 شرطة يوم 26/ 1/ 1997 بالتحرك بالسيارة قبل الميعاد وعدم انتظار حضور الموظفة..... ، ولإثباته ( الطاعن) المذكرة (3) أحوال في 12/ 2/ 1997 بالمخالفة للحقيقة.
كما أصدرت الجهة الإدارية في ذات التاريخ (29/ 7/ 1997) قرارها بمجازاة الطاعن بخصم ثلاثة أيام من راتبه لما ثبت في حقه - لدى التحقيق الذي أجرى معه - من الخروج على مقتضى الواجب الوظيفي ومخالفة التعليمات وذلك بإصداره تعليمات للموظف المدني/........ بتاريخ 15/ 2/ 1997 بعدم العمل بصيدلية مستشفى مدينة نصر - دون الرجوع لرئاسته (الطاعن).
ومن حيث إنه بالاطلاع على التحقيقات التي أجرتها الجهة الإدارية مع الطاعن وأصدرت بناءً عليها قرارات الجزاءات الثلاثة سالفة الذكر- يبين أن الطاعن كان يشغل وظيفة ضابط شرطة برتبة رائد/ صيدلي ويعمل بمستشفى هيئة الشرطة بمدينة نصر ويقيم بالعجوزة حيث تتولى سيارة ( ميكروباص شرطة) نقله هو وبعض العاملين بالمستشفى من مقار إقامتهم إلى مقر عملهم يوميًا، وفي يوم 30/ 10/ 1996 تقدم المجند/ ......... سائق سيارة الشرطة رقم 19468 بشكوى إلى رئيس قسم المركبات يتضرر فيها من تعدي الطاعن عليه بالضرب على وجهه أثناء قيادته للسيارة، وأمره بتغيير خط السير، وتركه للطبيبة......... دون إحضارها رغم تواجدها في المكان المحدد لها، وقد جاءت شهادة كل من......... و............ (الموظفين بالمستشفى المذكور) مؤيدة لما ورد بشكوى السائق، وذلك لدى التحقيق في الموضوع بمعرفة المستشفى ثم إدارة التفتيش بالإدارة العامة للخدمات الطبية، كما قررت............/ الصيدلانية بذات المستشفى أنه بتاريخ 30/ 10/ 1996 انتظرت السيارة من الساعة الثامنة والثلث حتى الساعة التاسعة صباحًا في المكان المحدد لها حسب السير - إلا أنها لم تشاهد السيارة ولم تتوجه إلى عملها ذلك اليوم، وأخذت إجازة عارضة لعدم حضور السيارة وعلمت في اليوم التالي من كل من ...........، و .......... سائق السيارة بما حدث، ومن ثم فقد ثبت في حق الطاعن ما نسب إليه من الخروج على واجباته الوظيفية ومخالفة التعليمات ويكون قرار مجازاته بخصم خمسة عشر يومًا من راتبه تبعًا لذلك - قائمًا على سببه المبرر له دون أن ينال من ذلك ما ينعاه الطاعن على شهادة كل من الموظفتين المذكورتين اختلافهما في وصف تعديه على سائق السيارة بين قول إحداهما أنه ضربة على وجهه، وقول الأخرى أنه ضربة على قفاه مما يراه الطاعن دليلاً على تلفيق هذا الاتهام ضده - فذلك القول مردود بأنه لا أثر لاختلاف أقوال الشاهدتين المذكورتين في وصفهما لواقعة الضرب طالما اتفقتا على أنه قد وقع فعلاً، أما اختلاف الوصف فيرجع إلى اختلاف موقع كل من الشاهدتين ومدى إحاطته بتفاصيل الواقعة والتي يدل سياق الأحداث على أنها لم تستغرق سوى زمن يسير، ولما كان ثبوت تلك الواقعة في حد ذاته كافيًا لحمل قرار مجازاته بالخصم من مرتبه على سند من القانون لما ينطوي عليه من رعونة وعدم انضباط، وما تفرضه واجبات رجل الشرطة من التحلي بضبط النفس والحفاظ على حرمات الآخرين حفاظًا على هيبة الوظيفة التي يقوم بالاضطلاع بمسئولياتها.
ومن حيث إنه بالنسبة لمجازاة الطاعن بخصم خمسة أيام من أجره بسبب إصداره أمرًا لسائق السيارة بالتحرك قبل الموعد المحدد لتحركها بقصد تفويت الفرصة على إحدى الموظفات للذهاب إلى المستشفى في الموعد المحدد، وإثباته في يوم 12/ 2/ 1997 في دفتر الأحوال أحضوره بوسائله الخاصة بقصد إثبات تقصير سائق سيارة المستشفى ومعاونيه، وذلك على خلاف الحقيقة فذلك كله ثابت من أقوال العاملين بالمستشفى على النحو الوارد بالتحقيقات والذي أثبتته المحكمة في مدونات حكمها وبصفة خاصة شهادة مساعديه الذين صعدوا إليه في شقته في الموعد المحدد فلم يجدوه بها.
وإذا كان الحكم المطعون فيه قد أخطأ في النزول بالجزاء من الخصم مما يوازي أجر خمسة أيام إلى الخصم مما يوازي أجر يوم واحد، فما كان ينبغي للمحكمة وهى تزن قرار الجزاء بميزان المشروعية أن تدخل في نطاق السلطة التقديرية التي تترخص بها الجهة الإدارية وتخرج من رداء السلطة القضائية لتنصب نفسها رئيسة للسلطة الإدارية - مما يجعل حكمها حقيقًا بالإلغاء، إلا أنه لما كان مسلمًا أن الطاعن لا يضار بطعنه، فإن هذه المحكمة لا تملك إلا إقرار الحكم - مع التنويه إلى مخالفته للفهم السليم للقانون، فما كان الغلو المحظور قانونًا سوى الغلو الناجم عن عدم التناسب البتة بين الجزاء والمخالفة على نحو تفرق منه النفس ويُرهب العاملين رهبة تمنعهم من أداء أعمالهم في اطمئنان خوفًا من توقيع الجزاء على نحو يوقف سير المرافق العامة وهى هدف من أهداف الشرعية التي يحرص القاضي على تحقيقها، أما التباين في تقرير الجزاء الذي يدور حول أعداد أيام الخصم الذي يدخل في بند واحد من بنود الجزاءات التي تتدرج من الإنذار حتى الفصل من الخدمة، ولا يدخل في مفهوم الغلو الذي يتمسك به الحكم الطعين - على خلاف الفهم السليم للقانون.
ومن حيث بالنسبة لمجازاة الطاعن بخصم ثلاثة أيام من مرتبه لخروجه على مقتضى الواجب الوظيفي لإصداره تعليمات للموظف المدني/ ............... بتاريخ 15/ 2/ 97 - بعدم العمل بصيدلية مستشفى مدينة نصر دون الرجوع إلى رئاسته فإنه بالاطلاع على التحقيق الذي أجرته الجهة الإدارية في الموضوع يبين من أقوال كل من المقدم طبيب/ ............ مدير عيادات قطاع أحمد شوقي، والعميد صيدلي/ .......... مدير التموين الطبي بمستشفى هيئة الشرطة والموظف المذكور أن الطاعن أمره بعدم العمل بصيدلية المستشفى دون علم العميد .......... بذلك، وأن الأخير حين علم طلب من الطاعن إعادة الموظف إلى عمله إلا أنه لم يستجب ومن ثم حرر مذكرة في هذا الشأن وانتهى التحقيق فيها إلى ثبوت المخالفة في جانب الطاعن ومن ثم يكون قرار مجازاته بخصم ثلاثة أيام من راتبه قائمًا على سببه المبرر له قانونًا، ويضحى الطعن عليه بغير سند خليقًا بالرفض.
ومن حيث إنه بالنسبة لما ينعاه الطاعن على ما قضت به المحكمة التأديبية بعدم اختصاصها بنظر قرار نقله على سند أن هذا النقل جاء معاصرًا في توقيت صدوره لقرارات الجزاءات الثلاثة سالفة الذكر بالخصم من مرتبه ومن ثم يعتبر النقل من ملحقاتها وامتدادًا لها ويدخل بالتالي في اختصاص المحكمة التأديبية، فإن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أنه إذا ما صدر قرار النقل معاصرًا لقرار الجزاء وتحقق الارتباط بينهما انعقد الاختصاص بنظر الطعن على قرار النقل - في هذه الحالة - للمحاكم التأديبية باعتبار أن قرار النقل فرع من المنازعة في القرار التأديبي، وأن قاضي الأصل هو قاضي الفرع، فضلاً عما يترتب على تجزئة المنازعة من تضارب الأحكام، ومن ثم تكون المحكمة التأديبية التي فصلت الطعون المتعلقة بقرارات الجزاء هي الأقدر على الإحاطة بموضوع النزاع الأكثر إحاطة بتفاصيله ومراميه وهي الأولى بالفصل في القرارات الناشئة عنها أو المتفرعة منها أو المترتبة عليها ومن بينها قرارات النقل سواء أكانت إجراءً وقائيًا لازمًا اتخاذه، أو جزاء مقنعًا استهدف التنكيل بصاحب الشأن.
بناءً على ما تقدم ولما كان الثابت أنه عقب صدور قرارات مجازاة الطاعن بالخصم من مرتبه - سالفة الذكر - تقرر نقله من مستشفى مدنية نصر للعمل بمصلحة التدريب (معهد المندوبين) ثم إلى مصلحة السجون - على أن يتم التنفيذ يوم 7/ 8/ 1997، في حين وقع الجزاء الأول عليه بتاريخ 10/ 8/ 1997، والجزاءان الثانى والثالث بتاريخ 18/ 8/ 1997 الأمر الذي يؤكد الارتباط الوثيق بين قرار نقل الطاعن وقرارات مجازاته بالخصم من المرتب، وبالتالي ينعقد الاختصاص بنظر الطعن عليها جميعًا للمحكمة التأديبية.
وإذ ذهب الحكم المطعون فيه غير هذا المذهب وقضى بعدم اختصاص المحكمة التأديبية بنظر قرار نقل فإنه يكون مخالفًا لأحكام القانون، متعينًا إلغاؤه في هذا الشق منه، والقضاء باختصاص المحكمة التأديبية بنظره وإحالته إليها وفقًا لما استقر عليه قضاء هذه المحكمة في هذا الشأن.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة
بقبول الطعن شكلاً، وفى الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه فيما قضى به من عدم اختصاص المحكمة التأديبية بنظر الطعن في قرار النقل وباختصاصها وإحالة هذا الشق من الطعن إليها لتفصل فيه مجددًا بهيئة أخرى، ورفض ما عدا ذلك من الطلبات.
ساحة النقاش