موقع المستشار/ البسيونى محمود أبوعبده المحامى بالنقض والدستورية العليا نقض جنائي- مدني- مذكرات- صيغ- عقود محمول01277960502 - 01273665051

إن لائحة بدل السفر ومصاريف الانتقال للموظفين الدائمين والمؤقتين والخارجين عن هيئة العمال التي وافق عليها مجلس الوزراء بجلسته المنعقدة في 25 من أكتوبر سنة 1925 والمعدلة بقراري المجلس الصادرين في 27 من يونيه سنة 1936 و29 من نوفمبر سنة 1938 لا تزال أحكامها نافذة حتى الآن.

الحكم كاملاً

مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الأولى - العدد الأول (من أكتوبر سنة 1955 إلى آخر يناير سنة 1956) - صـ 398

جلسة 21 من يناير سنة 1956

برئاسة السيد/ السيد علي السيد رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الإمام الإمام الخريبي وحسن جلال وعلي إبراهيم بغدادي ومصطفى كامل إسماعيل المستشارين.

(48)
القضية 155 لسنة 1 القضائية

( أ ) بدل سفر - منحه منوط بألا يكون مصدر ربح للموظف، وأن يكون عن مدة مؤقتة تنتفي معها مظنة النقل، وأن تستوفي الإجراءات والمواعيد التي تنص عليها لائحة بدل السفر.
(ب) بدل سفر - الغياب الذي يزيد عن ثلاثة أشهر - لا يستحق عنه بدل سفر إلا بعد أن تتحقق وزارة المالية من قيام المبرر وترخص به.
(ج) بدل سفر - فقدان الندب لطابع التوقيت - ثبوت أنه كان توطئة لنقل نهائي أعقبه بالفعل ولم يكن موقوتاً من بادئ الأمر بمدة محددة يعود الموظف بعد انقضائها إلى مقر عمله الأصلي - عدم استحقاق بدل السفر.
1 - إن لائحة بدل السفر ومصاريف الانتقال للموظفين الدائمين والمؤقتين والخارجين عن هيئة العمال التي وافق عليها مجلس الوزراء بجلسته المنعقدة في 25 من أكتوبر سنة 1925 والمعدلة بقراري المجلس الصادرين في 27 من يونيه سنة 1936 و29 من نوفمبر سنة 1938 لا تزال أحكامها نافذة حتى الآن، ومفاد المواد 1 و7 و12 من هذه اللائحة أن بدل السفر - وهو مزية من مزايا الوظيفة العامة - منوط منحه بتوافر شروط ثلاثة، أولها: مستمد من الحكمة التي دعت إلى تقرير هذا البدل وهي أن يقف عند حد استرداد المصروفات الفعلية والضرورية التي ينفقها الموظف أو المستخدم في سبيل خدمة الحكومة علاوة على مصروفات معيشته الاعتيادية؛ وذلك إعمالاً لمبدأ أساسي هو ألا يكون هذا البدل مصدر ربح للموظف أو المستخدم. والشرط الثاني: يتصل بالمدة التي يستحق عنها بدل السفر؛ إذ يجب أن تكون هذه المدة مؤقتة بحيث تنتفي مظنة النقل. والشرط الثالث: خاص بالإجراءات التي يجب اتخاذها لاستحقاق بدل السفر وهي تقديم إقرار إلى الرئيس المباشر في ميعاد لا يجاوز نهاية الشهر التالي للشهر الذي يعود فيه الموظف إلى محل إقامته المعتاد على أن يتضمن بيانات تخضع لرقابة الرئيس المباشر للتحقق من صحتها حتى لا يمنح هذا البدل في غير وجهه الذي عينه القانون.
2 - إن المشرع لم يقرر بدل السفر إلا عن مدة غياب مؤقت فقط، تقتضيه الضرورة لمصلحة العمل في خدمة الحكومة على وجه طارئ يتنافى مع الاستدامة، فإن استطال الغياب كان واجباً نقل الموظف أو المستخدم إلى الجهة المنتدب للقيام بالمهمة فيها؛ كي لا يكون هذا البدل من جهة مصدر ربح للموظف أو المستخدم الذي ندب وكان يمكن نقله، ومن جهة أخرى كي لا تتحمل خزانة الدولة هذا العبء الإضافي بصفة مستديمة. وقد عالج المشرع هذا الغياب المؤقت من حيث استحقاق بدل السفر عنه بنوعين من الحلو تبعاً لمدته، بعد أن حدد الغياب الذي عناه بهذا الحكم بأن يكون متواصلاً لا تتخلله فترات انقطاع، وحاصلا في جهة واحدة لا متراوحاً بين جهات عدة، فقرر للموظف أو المستخدم الحق في بدل السفر عن مدة الغياب المؤقت بصفة عامة، ثم فرق بين الغياب الذي تقتصر مدته على ثلاثة أشهر، وبين ذلك الذي يجاوز هذه المدة، فأطلق الحق في الحالة الأولى دون تعليقه على رقابة من جهة أخرى غير تلك التي يتبعها الموظف أو المستخدم مستحق البدل، وقيد هذا الحق في الحالة الثانية، فجعله رهيناً بصدور ترخيص خاص به من وزارة المالية، فلا يستحق بدل السفر في هذه الحالة إلا بعد أن تتحقق وزارة المالية من قيام المبرر لذلك، ولها حينئذ أو ترفض الترخيص وفقاً لما تتبينه من ظروف الحالة. وقد ظل اختصاصها هذا قائماً مع صدور قرار مجلس الوزراء في 28 من مارس سنة 1948 بتبسيط الإجراءات، إذ أبقى هذا القرار في البند التاسع من الكشوف الملحقة به على اختصاص وزارة المالية فيما يتعلق بصرف بدل السفر عن ثلاثة الأشهر الثانية من المأمورية.
3 - لما كان شرط منح بدل السفر هو أن يكون عن مدة غياب مؤقت، فإذا فقد الندب طابع التوقيت، بأن كان توطئة لنقل نهائي أعقبه بالفعل ولم يكن موقوتاً من بادئ الأمر بمدة محددة يعود الموظف بعد انقضائها إلى مقر عمله الأصلي، فإن شرط استحقاق البدل يكون متخلفاً. والمرجع في تقدير ذلك إلى الوزارة أو المصلحة التي يتبعها الموظف أو المستخدم طالب البدل، فلا جناح عليها إن رأت ألا حاجة بها لعرض الأمر على وزارة المالية لأن الندب لم يكن بنية التوقيت بل كان بنية التمهيد للنقل النهائي، وإذا لم تقم بهذا العرض فإن قراراها يقع مطابقاً للقانون في حدود سلطتها التقديرية على نقيض الحال فيما لو أرادت منحه البدل عن هذه المدة؛ إذ لا تملك هذا الحق بل يتعين عليها الرجوع في شأنه
إلى وزارة المالية للترخيص في المنح أو رفضه.


إجراءات الطعن

في 10 من أغسطس سنة 1955 أودع السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة سكرتيرية المحكمة عريضة طعن أمام هذه المحكمة في الحكم الصادر من المحكمة الإدارية لوزارتي الأشغال العمومية والحربية بجلسة 13 من يونيه سنة 1955 في الدعوى رقم 4349 لجان لسنة 2 القضائية المقامة من السيد/ يوسف صديق ضد وزارة الأشغال العمومية، والقاضي: "باستحقاق المدعي لبدل السفر المقرر له قانوناً عن المدة من أول ديسمبر سنة 1953 حتى 15 من يناير سنة 1954". وطلب السيد رئيس هيئة المفوضين للأسباب التي استند إليها في عريضته "الحكم بقبول هذا الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه والقضاء برفض التظلم وإلزام المتظلم المصروفات". وقد أعلنت عريضة الطعن إلى كل من وزير الأشغال العمومية والمطعون عليه في 15 من أغسطس و12 من أكتوبر سنة 1955 على التوالي. وفي 11 من نوفمبر سنة 1955 أودع المطعون عليه سكرتيرية هذه المحكمة مذكرة بملاحظاته مشفوعة بحافظة مستندات، وانتهى في مذكرته إلى طلب الحكم برفض الطعن وبتأييد الحكم المطعون فيه مع إلزام الحكومة بالمصروفات وبأتعاب المحاماة. ولم تودع الجهة الإدارية مذكرة بملاحظاتها في الميعاد القانوني. وقد عين لنظر الطعن أمام هذه المحكمة جلسة 10 من ديسمبر سنة 1955 وأبلغ الطرفان في 28 من نوفمبر سنة 1955 بميعاد الجلسة، وفيها سمعت المحكمة ما رأت سماعه من إيضاحات على الوجه المبين بمحضر الجلسة، ثم قررت إرجاء النطق بالحكم إلى جلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة تتحصل، حسبما يبين من أوراق الطعن، في أن المطعون عليه تقدم في 10 من فبراير سنة 1954 بتظلم إلى اللجنة القضائية لوزارة الأشغال العمومية ذكر فيه أنه ندب اعتباراً من أول سبتمبر سنة 1953 من تفتيش ري القسم الخامس بقنا إلى تفتيش عام ري الصحاري، وذلك بصفة مؤقتة حتى 15 من يناير سنة 1954 حيث تقرر نقله نهائياً اعتباراً من 16 من يناير سنة 1954 بالقرار رقم 576 لسنة 1953. وتطبيقاً للائحة بدل السفر قام تفتيش عام ري الصحاري بصرف بدل السفر المستحق له عن ثلاثة الأشهر الأولى. وعلى الرغم من أنه يستحق بدل سفر عن شهر ديسمبر سنة 1953 وعن النصف الأول من شهر يناير سنة 1954 فإن وزارة الأشغال لم توافق على صرف هذا البدل له دون إبداء أسباب، ومن ثم فإنه يطلب تقرير استحقاقه لبدل السفر عن المدة من أول ديسمبر سنة 1953 حتى 15 من يناير سنة 1954. وقد ردت وزارة الأشغال على هذا التظلم بأنه صدر قرار وزاري رقم 398/ 53 في 12 من نوفمبر سنة 1953 بندب المتظلم من تفتيش ري القسم الخامس للعمل بالتفتيش العام لري الصحاري اعتباراً من أول سبتمبر سنة 1953، ولم ينص في هذا القرار على صرف بدل سفر إليه. ثم صدر القرار الوزاري رقم 574/ 53 في 29 من ديسمبر سنة 1953 بنقله نهائياً إلى التفتيش العام لري الصحاري اعتباراً من 16 من يناير سنة 1954، وقد صرف له هذا التفتيش الأخير بدل سفر عن ثلاثة أشهر من تاريخ ندبه في أول سبتمبر سنة 1953 حتى آخر نوفمبر سنة 1953. ولما كان التفتيش المذكور لم يتقدم بطلب اعتماد امتداد مدة ندبه قبل نهاية ثلاثة الأشهر الأولى، وكان هذا الندب تمهيداً لنقله نهائياً، فلم يوافق السيد وكيل الوزارة المساعد لشئون الصحاري على صرف بدل سفر له عن المدة التالية من أول ديسمبر سنة 1953 حتى 16 من يناير سنة 1954. وبجلسة 13 من يونيه سنة 1955 حكمت المحكمة الإدارية لوزارتي الأشغال العمومية والحربية التي حلت محل اللجنة القضائية في هذا التظلم الذي قيد برقم 4349 لجان سنة 2 قضائية "باستحقاق المدعي لبدل السفر المقرر له قانوناً عن المدة من أول ديسمبر سنة 1953 حتى 15 من يناير سنة 1954". وأسست قضاءها على أن الوزارة لم تنازع المدعي في أنه ندب إلى تفتيش ري الصحاري بصفة مؤقتة من أول سبتمبر سنة 1953 حتى 15 من يناير سنة 1954، وما دام الأمر كذلك فقد أصبح من حقه الحصول على بدل السفر عن المدة المطالب بها والتي كان منتدباً خلالها. وذهبت إلى أن هذا الحق لا يؤثر فيه ما ذكرته الوزارة من أن التفتيش لم يتقدم بطلب اعتماد امتداد مدة الندب؛ لأنه لا يصح أن يكون حق المدعي محل نزاع بسبب تقصير التفتيش في اتخاذ الإجراءات المطلوبة على فرض ضرورتها. وقد طعن السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة في هذا الحكم بعريضة أودعها سكرتيرية هذه المحكمة في 10 من أغسطس سنة 1955. واستند في طعنه إلى المادة السابعة من لائحة بدل السفر ومصاريف الانتقال التي يتضح منها أن المشرع وإن كان قد جعل بدل السفر حقاً للموظف عن الغياب المتواصل مدة ثلاثة أشهر في جهة واحدة، إلا أنه أوجب الحصول على ترخيص خاص من وزارة المالية فيما يتعلق بالمدة التي تلي ذلك. ومؤدى هذا أن حق الموظف في بدل السفر بعد الثلاثة الأشهر الأولى لا ينشأ مباشرة من القانون، وإنما من الترخيص الخاص الذي تصدره وزارة المالية، ولما لم يكن في الأوراق ما يدل على صدور هذا الترخيص، فإن حق المتظلم في بدل السفر عن المدة التي تلت الثلاثة الأشهر المشار إليها لا يعتبر أنه استكمل مقوماته. وإذ ذهب الحكم المطعون فيه غير هذا المذهب، فإنه يكون قد بني على مخالفة القانون، وتكون قد قامت به حالة من أحوال الطعن في الأحكام أمام المحكمة الإدارية العليا المنصوص عليها في الفقرة الأولى من المادة 15 من قانون مجلس الدولة رقم 165 لسنة 1955. وانتهى السيد رئيس هيئة المفوضين من هذا إلى طلب الحكم "بقبول هذا الطعن شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، والقضاء برفض التظلم وإلزام المتظلم المصروفات". وقد أودع المطعون عليه سكرتارية المحكمة في 11 من نوفمبر سنة 1955 مذكرة بملاحظاته قال فيها إن وكيل الوزارة المساعد لا يملك الموافقة أو عدم الموافقة على اعتماد صرف بدل السفر، إذ أن صاحب السلطة في هذا هو وكيل الوزارة الدائم. وأن تفتيش عام ري الصحاري طلب من الوزارة نقله في الشهر التالي لندبه، ومن ثم فإن عدم الموافقة على نقله صراحة بعد انقضاء ثلاثة الأشهر، أو السكوت عن الرد على طلب التفتيش يعد بمثابة موافقة ضمنية على امتداد حالة الندب حتى 15 من يناير سنة 1954، إلى أن صدر قرار نقله اعتباراً من 16 من يناير سنة 1954. وسواء أكانت وزارة الأشغال قد قصرت في نقله عقب انتهاء ثلاثة الأشهر الأولى لندبه، أم قصرت في الحصول على الترخيص اللازم من وزارة المالية لمد ندبه، أم لم تقصر في هذا أو ذاك، فليس يسوغ أن يضار بفعلها بإهدار حقه المكتسب في بدل السفر عن المدة التي امتد إليها ندبه من أول ديسمبر سنة 1953 حتى 15 من يناير سنة 1954. ولما كان حقه في هذا البدل مستمداً من القانون، فلا يؤثر على ثبوته له صدور أو عدم صدور قرار أو ترخيص به من وزير المالية.
ومن حيث إن بدل السفر هو نظام قانوني من الأنظمة القانونية المتعلقة بالوظيفة، المرد فيه إلى القوانين واللوائح الصادرة في هذا الشأن. ولما كان بدل السفر الذي يطالب به المطعون عليه هو عن مدة ندب تم في ظل سريان أحكام القانون رقم 210 لسنة 1951 بشأن نظام موظفي الدولة فإنه يخضع لهذه الأحكام. وقد نص القانون المذكور في المادة 55 منه على أن "للموظف الحق في استرداد المصروفات التي تكبدها في سبيل الانتقال لتأدية مهمة حكومية، وله الحق في راتب "بدل سفر" مقابل النفقات الضرورية التي يتحملها بسبب تغيبه عن الجهة التي يوجد بها مقر عمله الرسمي، وذلك على الوجه وبالشروط والأوضاع التي يصدر بها قرار مجلس الوزراء بناء على اقتراح وزير المالية والاقتصاد بعد أخذ رأي ديوان الموظفين". وبذا يكون المشرع قد قرر بدل السفر للموظف مقابل ما يتكبده من النفقات الضرورية بسبب تغيبه خارج مقر عمله الرسمي لتأدية مهمة حكومية، وناط بمجلس الوزراء تنظيم منح هذه المزية طبقاً للشروط والأوضاع التي يراها. وقد أصدر مجلس الوزراء قراراً في 11 من أغسطس سنة 1952 بالموافقة على أن تسير الوزارات والمصالح في صرف بدل السفر ومصروفات الانتقال طبقاً للقواعد المعمول بها الآن والصادر بها قرار مجلس الوزراء في 25 من أكتوبر سنة 1925 والتعديلات التي أدخلت عليه، على أن يعاد النظر في هذه القواعد فيما بعد.
ومن حيث إن لائحة بدل السفر ومصاريف الانتقال للموظفين الدائمين والمؤقتين والخارجين عن هيئة العمال التي وافق عليها مجلس الوزراء بجلسته المنعقدة في 25 من أكتوبر سنة 1925، والمعدلة بقراري المجلس الصادرين في 27 من يونيه سنة 1936 و29 من نوفمبر سنة 1938، وهي التي لا تزال أحكامها نافذة حتى الآن تنص في مادتها الأولى على أن "يمنح الموظفون والمستخدمون المرتبات المدرجة في هذه اللائحة للقيام بالمصاريف الفعلية والضرورية التي يصرفونها في سبيل خدمة الحكومة علاوة على مصاريف معيشتهم الاعتيادية. والمبدأ الأساسي في منح هذه المرتبات أنه لا يجوز أن يكون أي مرتب منها مصدر ربح للموظف والمستخدم. وكل مرتب يتضح من العمل مخالفته لهذا المبدأ يجوز إلغاؤه أو تخفيضه في أي وقت كان دون تعويض". وتنص في مادتها السابعة على أن "بدل السفر يمنح فقط عن مدة الغياب المؤقت، ولا يدفع بعد غياب متواصل مدة ثلاثة أشهر في جهة واحدة إلا بمقتضى ترخيص خاص من وزارة المالية. أما الموظفون أو المستخدمون الذي يندبون لمهمة خارج محل إقامتهم المعتادة لمدة أطول فإنه يجب عادة نقلهم إلى المحل الواجب القيام بالمهمة فيه، ثم نقلهم منه ثانية بعد إنجاز المهمة". كما تنص في مادتها الثانية عشرة على أنه "لا يدفع بدل السفر لأحد الموظفين والمستخدمين إلا بمقتضى إقرار يوقعه بنفسه ويقدمه للرئيس التابع له مباشرة قبل آخر الشهر التالي للشهر الذي يعود فيه إلى محل إقامته المعتاد يقر فيه بأن غيابه كان ضرورياً أو مفيداً لخدمة الحكومة، وأنه كان حقيقة غائباً مدة الليالي التي يطلب عنها بدل السفر.. وعلى الرئيس المباشر أن يتحقق من صحة البيانات الواردة في الإقرار المقدم له، ومتى اقتنع بصحتها يرفعها لرئيس المصلحة لاعتمادها منه أو ممن يندبه لهذا الغرض...".
ومن حيث إن مفاد هذه النصوص أن بدل السفر، وهو مزية من مزايا الوظيفة العامة، منوط منحه بتوافر شروط ثلاثة، أولها: مستمد من الحكمة التي دعت إلى تقرير هذا البدل، وهي أن يقف عند حد استرداد المصروفات الفعلية والضرورية التي ينفقها الموظف أو المستخدم في سبيل خدمة الحكومة علاوة على مصروفات معيشته الاعتيادية، وذلك إعمالاً لمبدأ أساسي هو ألا يكون هذا البدل مصدر ربح للموظف أو المستخدم. والشرط الثاني: يتصل بالمدة التي يستحق عنها بدل السفر، إذا يجب أن تكون هذه المدة مؤقتة بحيث تنتفي مظنة النقل. والشرط الثالث: خاص بالإجراءات التي يجب اتخاذها لاستحقاق بدل السفر، وهي تقديم إقرار إلى الرئيس المباشر في ميعاد لا يجاوز نهاية الشهر التالي للشهر الذي يعود فيه الموظف إلى محل إقامته المعتاد، على أن يتضمن بيانات تخضع لرقابة الرئيس المباشر للتحقق من صحتها، حتى لا يمنح هذا البدل في غير وجهه الذي عينه القانون.
ومن حيث إنه فيما يتعلق بالشرط الثاني فإن المشرع لم يقرر بدل السفر إلا عن مدة غياب مؤقت فقط، تقتضيه الضرورة لمصلحة العمل في خدمة الحكومة على وجه طارئ يتنافى مع الاستدامة؛ فإن استطال الغياب كان واجباً نقل الموظف أو المستخدم إلى الجهة المنتدب للقيام بالمهمة فيها، كي لا يكون هذا البدل من جهة مصدر ربح للموظف أو المستخدم الذي ندب وكان يمكن نقله، ومن جهة أخرى كي لا تتحمل خزانة الدولة هذا العبء الإضافي بصفة مستديمة. وقد عالج المشرع هذا الغياب المؤقت من حيث استحقاق بدل السفر عنه بنوعين من الحلول تبعاً لمدته، بعد أن حدد الغياب الذي عناه بهذا الحكم بأن يكون متواصلاً لا تتخلله فترات انقطاع، وحاصلاً في جهة واحدة لا متراوحاً بين جهات عدة. فقرر للموظف أو المستخدم الحق في بدل السفر عن مدة الغياب المؤقت بصفة عامة، ثم فرق بين الغياب الذي تقتصر مدته على ثلاثة أشهر، وبين ذلك الذي يجاوز هذه المدة، فأطلق الحق في الحالة الأولى دون تعليقه على رقابة من جهة أخرى غير تلك التي يتبعها الموظف أو المستخدم مستحق البدل، وقيد هذا الحق في الحالة الثانية، فجعله رهيناً بصدور ترخيص خاص به من وزارة المالية فلا يستحق بدل السفر في هذه الحالة إلا بعد أن تتحقق وزارة المالية من قيام المبرر لذلك. ولها حينئذ أن ترخص أو ترفض الترخيص وفقاً لما تتبينه من ظروف الحالة. وقد ظل اختصاصها هذا قائماً مع صدور قرار مجلس الوزراء في 28 من مارس سنة 1948 بتبسيط الإجراءات؛ إذ أبقى هذا القرار في البند التاسع من الكشوف الملحقة به على اختصاص وزارة المالية فيما يتعلق بصرف بدل السفر عن ثلاثة الأشهر الثانية من المأمورية.
ومن حيث إنه لما كان شرط منح بدل السفر هو أن يكون عن مدة غياب مؤقت، فإذا فقد الندب طابع التوقيت، بأن كان توطئة لنقل نهائي أعقبه بالفعل، ولم يكن موقوتاً من بادئ الأمر بمدة محددة يعود الموظف بعد انقضائها إلى مقر عمله الأصلي، فإن شرط استحقاق البدل يكون متخلفاً. والمرجع في تقدير ذلك إلى الوزارة أو المصلحة التي يتبعها الموظف أو المستخدم طالب البدل. فلا جناح عليها إن رأت ألا حاجة بها لعرض الأمر على وزارة المالية لأن الندب لم يكن بنية التوقيت بل كان بنية التمهيد للنقل النهائي، وإذا لم تقم بهذا العرض فإن قراراها يقع مطابقاً للقانون في حدود سلطتها التقديرية؛ على نقيض الحال فيما لو أرادت منحه البدل عن هذه المدة إذ لا تملك هذا الحق، بل يتعين عليها الرجوع في شأنه إلى وزارة المالية للترخيص في المنح أو رفضه.
ومن حيث إنه ثابت من الأوراق أنه في 12 من نوفمبر سنة 1953 صدر القرار الوزاري رقم 398/ 53 من السيد الوكيل الدائم لوزارة الأشغال العمومية بندب المطعون عليه اعتباراً من أول سبتمبر سنة 1953 من تفتيش عام ري الوجه القبلي (تفتيش ري القسم الخامس) للعمل بالتفتيش العام لري الصحاري. وأن هذا التفتيش الأخير طلب إلى الوزارة نقله في الشهر التالي لندبه. وأنه صرف له بدل السفر المستحق عن ثلاثة الأشهر الأولى من أول سبتمبر سنة 1953 حتى آخر نوفمبر سنة 1953. وفي 20 من ديسمبر سنة 1953 تقدم المذكور إلى السيد المفتش العام بطلب يلتمس فيه الموافقة على استمرار صرف بدل السفر له إلى أن يصدر قرار نهائي بنقله. وفي 29 من ديسمبر سنة 1953 صدر القرار الوزاري رقم 576/ 53 بنقله نهائياً إلى تفتيش عام ري الصحاري اعتباراً من 16 من يناير سنة 1954. وفي 11 من يناير سنة 1954 طلب هذا التفتيش إلى الوزارة بكتابه رقم 1/ 3/ 33 - 330 الموافقة على صرف بدل سفر للمذكور عن المدة من أول ديسمبر سنة 1953 حتى 16 من يناير سنة 1954. وقد رد سكرتير عام الوزارة على هذا بكتابه رقم 3/ 44/ 34 - 4700 المؤرخ أول فبراير سنة 1954 بأن الوزارة لا توافق على صرف بدل السفر المطلوب عن المدة التالية لثلاثة الأشهر الأولى. وعقب على ذلك في 18 من فبراير سنة 1954 بأنه لما كان التفتيش العام لري الصحاري لم يتقدم بطلب اعتماد امتداد مدة ندب المطعون عليه قبل نهاية ثلاثة الأشهر الأولى لإمكان النظر في تسوية موقفه في الوقت المناسب، خاصة وأن ندبه كان تمهيداً لنقله، فإن السيد وكيل الوزارة المساعد لشئون الصحاري لم يوافق على صرف بدل سفر له عن المدة من أول ديسمبر سنة 1953 حتى 16 من يناير سنة 1954.
ومن حيث إنه ظاهر مما تقدم أن ندب المطعون عليه للعمل بالتفتيش العام لري الصحاري تحول من ندب مؤقت في بادئ الأمر إلى ندب استطال تمهيداً لإتمام إجراءات النقل النهائي، كما يتضح ذلك من طلب هذا التفتيش نقل المذكور في الشهر التالي لندبه، ومما ذكره المطعون عليه نفسه في طلبه الذي تقدم به في 20 من ديسمبر سنة 1953 إلى السيد المفتش العام بالتماس استمرار صرف بدل السفر له إلى أن يصدر القرار النهائي بنقله. وقد صدر هذا القرار فعلاً في 29 من ديسمبر سنة 1953، وإن تراخى بالنقل إلى 16 من يناير سنة 1954. وأكد ذلك كتاب سكرتير عام الوزارة في 18 من فبراير سنة 1954 بأن الندب كان تمهيداً للنقل. ومن ثم فقد كان المطعون عليه على بينة مقدماً من أمر نقله بما يجنبه الأعباء الإضافية التي شرع بدل السفر من أجل تعويض الموظف عنها، وبذا تخلف شرط التوقيت الذي هو مناط استحقاق البدل، وسقط بالتالي أحد عناصر المركز القانوني اللازمة لقيام الحق الذاتي للمذكور في هذا البدل. وعليه يكون الحكم المطعون فيه - إذ قضى له ببدل سفر عن المدة من أول ديسمبر سنة 1953 حتى 15 من يناير سنة 1954، دون أن يستكمل حقه في البدل عن هذه المدة مقوماته - قد خالف القانون وأخطأ في تأويله وتطبيقه، ويتعين الحكم بإلغائه وبرفض الدعوى.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه وبرفض الدعوى، وألزمت المطعون عليه بالمصروفات.

 

 

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 39 مشاهدة
نشرت فى 19 إبريل 2020 بواسطة basune1

ساحة النقاش

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

5,118,908

الموقع الخاص بالاستاذ/ البسيونى محمود ابوعبده المحامى بالنقض والدستوريه العليا

basune1
المستشار/ البسيونى محمود أبوعبده المحامى بالنقض والدستورية العليا استشارات قانونية -جميع الصيغ القانونية-وصيغ العقود والمذكرات القانونية وجميع مذكرات النقض -المدنى- الجنائى-الادارى تليفون01277960502 -01273665051 العنوان المحله الكبرى 15 شارع الحنفى - الإسكندرية ميامى شارع خيرت الغندور من شارع خالد ابن الوليد »