إن مفاد القواعد الصادر بها قرار مجلس الوزراء في 25/ 10/ 1925 (المعروفة بلائحة بدل السفر ومصاريف الانتقال والتي لا تزال نافذة إلى الآن) أن منح راتب بدل السفر منوط بتوافر شروط ثلاثة، أولها: مستمد من الحكمة من تقرير هذا الراتب وهي أن يقف عند حد استرداد المصروفات الفعلية والضرورية التي ينفقها الموظف في سبيل خدمة الحكومة علاوة على مصروفات معيشته الاعتيادية وذلك إعمالاً لمبدأ أساسي هو ألا يكون هذا الراتب مصدر ربح للموظف.
الحكم كاملاً
مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الأولى - العدد الأول (من أكتوبر سنة 1955 إلى آخر يناير سنة 1956) - صـ 361
جلسة 31 من ديسمبر سنة 1955
برئاسة السيد/ السيد علي السيد رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة بدوي إبراهيم حمودة والإمام الإمام الخريبي وحسن جلال ومصطفى كامل إسماعيل المستشارين.
(44)
القضية رقم 11 لسنة 1 القضائية
( أ ) طعن - أمام المحكمة الإدارية العليا - حق هيئة المفوضين في تقديم طلبات وأسباب جديدة لم ترد في صحيفة الطعن - مناطه - حق المحكمة العليا في عدم التقيد بالطلبات أو الأسباب المقدمة من هيئة المفوضين - أساس ذلك.
(ب) موظف - علاقته بالحكومة علاقة تنظيمية - النص على شروط وإجراءات يجب اتخاذها في مواعيد معينة للإفادة من بعض المزايا للوظيفة وإلا سقط الحق فيها - إفادته من هذه المزايا يكون منوطاً باستيفاء تلك الشروط في مواعيدها - أساس ذلك - مثال بالنسبة لراتب بدل السفر.
(ج) بدل سفر - شروط منحه.
(د) بدل سفر - ثبوت أن الندب لم يكن مؤقتاً لمدة يعود الموظف بعدها إلى مقره بل كان توطئة للنقل النهائي الذي أعقبه فعلاً - صدور القرار بهذا الندب بدون بدل سفر - مطابقته للقانون.
(هـ) لائحة بدل السفر - الميعاد الذي حددته لتقديم طلب بدل السفر - ميعاد سقوط وليس ميعاد تقادم مسقط - فيصل التفرقة بين الميعادين.
1 - إن الطعن أمام هذه المحكمة في الأحكام الصادرة من محكمة القضاء الإداري ومن المحاكم الإدارية يفتح الباب أمامها لتزن الحكم المطعون فيه بميزان القانون وزناً مناطه استظهار ما إذا كانت قد قامت به حالة أو أكثر من الأحوال التي تعيبه والتي نصت عليها المادة 15 من القانون رقم 165 لسنة 1955 في شأن تنظيم مجلس الدولة، فتلغيه ثم تنزل حكم القانون في المنازعة، أم أنه لم تقم به أية حالة من تلك الأحوال وكان صائباً في قضائه، فتبقى عليه وترفض الطعن، كما أن لهيئة المفوضين أن تتقدم بطلبات أو أسباب جديدة غير تلك التي أبدتها في صحيفة الطعن ما دامت ترى في ذلك وجه المصلحة العامة. وللمحكمة العليا أن تنزل حكم القانون على الوجه الصحيح غير مقيدة بطلبات الهيئة أو الأسباب التي تبديها، وإنما المرد إلى مبدأ المشروعية نزولاً على سيادة القانون في روابط هي من روابط القانون العام التي تختلف في طبيعتها عن روابط القانون الخاص.
2 - إن علاقة الموظف بالحكومة هي علاقة تنظيمية تحكمها القوانين واللوائح التي تصدر في هذا الشأن، ومركز الموظف مركز قانوني عام يخضع في تنظيمه لما تقرره هذه القوانين واللوائح من أحكام. ويتفرع عن ذلك أنه إذا تضمنت نظم التوظف مزايا للوظيفة وشرطت للإفادة منها شروطاً وإجراءات يجب أن تتخذ في مواعيد معينة وإلا سقط الحق فيها فإن حق الموظف في الإفادة منها يكون منوطاً بتوافر تلك الشروط واستيفاء هذه الإجراءات في مواعيدها المقررة؛ ذلك أن الشارع إنما يستهدف بفرض هذه القيود وجه المصلحة العامة استقراراً للأوضاع الإدارية وإحكاماً للرقابة على التصرفات التي ترتب أعباء مالية على الخزانة، وراتب بدل السفر هو مزية من مزايا الوظيفة العامة يخضع في أحكامه وشروط استحقاقه لما تقرره القوانين واللوائح في هذا الخصوص.
3 - إن مفاد القواعد الصادر بها قرار مجلس الوزراء في 25/ 10/ 1925 (المعروفة بلائحة بدل السفر ومصاريف الانتقال والتي لا تزال نافذة إلى الآن) أن منح راتب بدل السفر منوط بتوافر شروط ثلاثة، أولها: مستمد من الحكمة من تقرير هذا الراتب وهي أن يقف عند حد استرداد المصروفات الفعلية والضرورية التي ينفقها الموظف في سبيل خدمة الحكومة علاوة على مصروفات معيشته الاعتيادية وذلك إعمالاً لمبدأ أساسي هو ألا يكون هذا الراتب مصدر ربح للموظف. والشرط الثاني: يتصل بالمدة التي يستحق عنها بدل السفر؛ إذ يجب أن تكون هذه المدة مؤقتة بحيث تنتفي مظنة النقل. والشرط الثالث: خاص بالإجراءات التي يجب اتخاذها لاستحقاق بدل السفر وهي تقديم إقرار إلى الرئيس المباشر في ميعاد لا يجاوز نهاية الشهر التالي للشهر الذي يعود فيه الموظف إلى محل إقامته المعتاد، على أن يتضمن بيانات تخضع لرقابة الرئيس المباشر للتحقق من صحتها حتى لا يمنح هذا المرتب في غير وجهه الذي عينه القانون واللائحة.
4 - إذا كان الثابت أن ندب المطعون عليه لم يكن ندباً مؤقتاً لمدة محدودة يعود بعد انقضائها إلى مقر عمله الأصلي وتترتب عليه الأعباء الإضافية التي يستحق من أجلها بدل السفر وإنما كان توطئة للنقل النهائي الذي أعقبه، فإن قرار مدير مصلحة الأملاك بندبه بدون بدل سفر يكون قد صدر مطابقاً للقانون وفي حدود سلطته التقديرية دون تعسف أو إساءة استعمال السلطة ويكون المطعون عليه غير محق في طلب بدل السفر عن مدة ندبه.
5 - يبين من الاطلاع على المادة 12 من لائحة بدل السفر أن الميعاد الذي حددته لتقديم الإقرار الخاص بطلب بدل السفر هو - طبقاً للتكييف القانوني السليم - ميعاد سقوط علق استحقاق بدل السفر على مراعاته، بحيث لا ينشأ ثمة حق في هذا البدل إلا بتقديم الإقرار مستوفياً بياناته خلال هذا الميعاد، وتقوم فكرة السقوط على وجود أجل قانوني يتناول الحق نفسه ويسقطه. والفرق بين حالتي السقوط والتقادم المسقط أن الحق في الحالة الأولى لا يتم وجوده وتكوينه إلا باتخاذ إجراء معين في ميعاد محدد أو هو لا يبلغ مرتبة الحق إلا باتخاذ هذا الإجراء في ميعاده المحدد، وعندئذ يبدأ سريان مدة التقادم المسقط لحق مقرر تام الوجود والتكوين. ويترتب على هذه التفرقة أن القانون يعنى بحماية الحق في هذه الحالة الأخيرة، وذلك بإجازة قطع مدته ووقف سريانها؛ لأنه في صدد حق كامل جدير بهذه الحماية، ولم يبسط مثل هذه الحماية على شبة الحق في حالة السقوط فلا تقبل مدته قطعاً ولا وفقاً.
إجراءات الطعن
في 9 من يونيه سنة 1955 أودع رئيس هيئة مفوضي الدولة سكرتيرية هذه المحكمة صحيفة طعن في الحكم الصادر من المحكمة الإدارية لوزارات المالية والتجارة والزراعة والتموين بجلستها المنعقدة في 10 من إبريل سنة 1955 في الدعوى رقم 84 لسنة 2 قضائية المرفوعة من إبراهيم رشدي عبد العزيز هلال ضد مصلحة الأملاك، ويقضي هذا الحكم بأحقية المدعي في منحه بدل السفر عن مدة انتدابه بديوان عام المصلحة في المدة من 8/ 7/ 1950 حتى 15/ 8/ 1950، وإلزام المدعى عليها بمصاريف الدعوى، وطلب رئيس هيئة المفوضين قبول الطعن شكلاً وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه وبرفض الدعوى وإلزام المدعي بالمصروفات.
وقد أعلن الطعن إلى الحكومة في 12 من يونيه سنة 1955، وإلى المطعون عليه في 15 من هذا الشهر، وعينت لنظر الدعوى جلسة 10 من ديسمبر سنة 1955 وفيها سمعت الإيضاحات على الوجه المبين بمحضر الجلسة، ثم أرجى إصدار الحكم إلى جلسة اليوم.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة، حسبما يستفاد من أوراق الطعن، تتحصل في أن إبراهيم رشدي عبد العزيز هلال أقام الدعوى رقم 84 لسنة 2 قضائية أمام المحكمة الإدارية لوزارات المالية والتجارة والزراعة والتموين طالباً الحكم باستحقاقه بدل سفر عن مدة ندبه للعمل بديوان مصلحة الأملاك قبل نقله إليها مع إلزام المصلحة بالمصروفات. وقال بياناً للدعوى إن مصلحة الأملاك أصدرت في 24 من يونيه سنة 1950 قراراً بندبه من تفتيش صيانة الثروة العقارية بطنطا حيث مقر عمله الأصلي للقيام بعمل رئيس قلم بقسم الهندسة بديوان المصلحة وذلك اعتباراً من أول يوليه سنة 1950 وقد نص القرار على أن يكون الندب بدون بدل سفر، وفي 8 من يوليه سنة 1950 تسلم عمله بديوان المصلحة وظل قائماً به حتى أول أغسطس سنة 1950 حيث قررت نقله إلى تلك الوظيفة اعتباراً من 15 من أغسطس سنة 1950. ولما كانت لائحة بدل السفر لا تجيز ندب الموظف للعمل في غير مقر عمله الأصلي بدون بدل سفر فقد تقدم إلى المصلحة يطلب بدل سفر عن مدة ندبه ومقداره 14.625 مجـ عن تسع وثلاثين ليلة بواقع 375 م عن الليلة الواحدة ولكنها أغفلت هذا الطلب، فلجأ إلى إقامة الدعوى. وقد دفعت الحكومة الدعوى قائلة إن المدعي كان يعمل كاتباً بتفتيش صيانة الثروة العقارية بطنطا، ثم ندب للقيام بوظيفة رئيس بقلم ديوان المصلحة تمهيداً لنقله بعد عرض أمره على لجنة شئون الموظفين وقد أفاد من هذا الندب من الناحية الأدبية فائدة كان دائب السعي لها، ثم صدر قرار نقله في أول أغسطس سنة 1950 على أن ينفذ اعتباراً من يوم 15 منه. ولما كان القرار الصادر بندبه قد نص على أن يكون الندب بدون بدل سفر كما أنه لم يتقدم بطلبه إلا بعد انقضاء الميعاد المنصوص عليه في المادة 12 من لائحة بدل السفر فإنه يكون غير محق في دعواه. وفي 10 من إبريل سنة 1955 قضت المحكمة بأحقية المدعي في منحه بدل سفر عن مدة انتدابه بديوان عام المصلحة في المدة من 8/ 7/ 1950 حتى 15/ 8/ 1950 وإلزام المدعى عليها بمصاريف الدعوى. وقد بنت المحكمة قضاءها هذا على أن حرمان المدعي من بدل السفر في قرار ندبه يتعارض مع المادة السابعة من لائحة بدل السفر إذ أنه لا يجوز ندب موظف لمهمة خارج محل إقامته بدون بدل سفر؛ ذلك لأن الملحوظ في منح الموظفين هذا البدل هو أداء المصروفات الفعلية والضرورية التي ينفقونها في سبيل خدمة الحكومة علاوة على نفقات معيشتهم الاعتيادية - أما دفع الحكومة بسقوط حق المدعي في بدل السفر لأنه لم يطلبه في الميعاد المنصوص عليه في المادة 12 من لائحة بدل السفر فهو مردود بأن هذا الميعاد لا يعتبر ميعاد سقوط؛ لأن المقرر في قواعد القانون الإداري أن الحق في المرتبات يسقط بمضي خمس سنوات دون المطالبة بها، وقد تبين أن هذه المدة لما تمض بعد. وقد طعن رئيس هيئة المفوضين في هذا الحكم للأسباب المبينة بصحيفة الطعن، ومحصلها أن المادة 12 من لائحة بدل السفر تحدد لتقديم طلب بدل السفر ميعاداً ينتهي بانتهاء الشهر التالي للشهر الذي يعود فيه الموظف إلى محل إقامته المعتاد بعد انتهاء مدة ندبه، وهذا الميعاد من مواعيد السقوط الذي يقوم على فكرة وجود أجل قانوني يتناول الحق نفسه ويسقطه. والحكمة في تحديد هذه المواعيد هي التعجيل بالبت في الأمور وعدم تركها معلقة حتى تستقر الأوضاع الإدارية. ولما كان المدعي قد نقل من تفتيش صيانة الثروة العقارية بطنطا إلى ديوان مصلحة الأملاك بالقاهرة في 15 من أغسطس سنة 1950 إثر انتهاء مدة ندبه ولم يتقدم بطلب بدل السفر إلا في 2 من ديسمبر سنة 1954 بعد انقضاء الميعاد إليه ببضع سنين فإنه يكون غير محق في طلبه، ويكون الحكم المطعون فيه - إذ قضى له ببدل السفر رغم انقضاء ذلك الميعاد - مخالفاً للقانون متعيناً إلغاؤه.
ومن حيث إنه يبين مما تقدم أن مثار هذه المنازعة هو استحقاق المطعون عليه أو عدم استحقاقه لراتب بدل السفر الذي يدعيه، وهل الدفع بسقوط حقه في هذا المرتب لعدم تقديم طلبه في الميعاد القانوني يقوم على أساس سليم من القانون أم لا.
ومن حيث إن رئيس هيئة المفوضين قد اقتصر في أسباب طعنه على الوجه الثاني دون الأول إلا أن الطعن أمام هذه المحكمة في الأحكام الصادرة من محكمة القضاء الإداري ومن المحاكم الإدارية يفتح الباب أمامها لتزن الحكم المطعون فيه بميزان القانون وزناً مناطه استظهار ما إذا كانت قد قامت به حالة أو أكثر من الأحوال التي تعيبه والتي نصت عليها المادة 15 من القانون رقم 165 لسنة 1955 في شأن تنظيم مجلس الدولة، فتلغيه ثم تنزل حكم القانون في المنازعة، أم أنه لم تقم به أية حالة من الأحوال وكان صائباً في قضائه، فتبقى عليه وترفض الطعن، كما أن لهيئة المفوضين أن تتقدم بطلبات أو أسباب جديدة غير تلك التي أبدتها في صحيفة الطعن ما دامت ترى في ذلك وجه المصلحة العامة. وللمحكمة العليا أن تنزل حكم القانون على الوجه الصحيح غير مقيدة بطلبات الهيئة أو الأسباب التي تبديها، وإنما المرد إلى مبدأ المشروعية نزولاً على سيادة القانون في روابط هي من روابط القانون العام التي تختلف في طبيعتها عن روابط القانون الخاص.
ومن حيث إن علاقة الموظف بالحكومة هي علاقة تنظيمية تحكمها القوانين واللوائح التي تصدر في هذا الشأن، ومركز الموظف مركز قانوني عام يخضع في تنظيمه لما تقرره هذه القوانين واللوائح من أحكام. ويتفرع عن ذلك أنه إذا تضمنت نظم التوظف مزايا للوظيفة وشرطت للإفادة منها شروطاً وإجراءات يجب أن تتخذ في مواعيد معينة وإلا سقط الحق فيها فإن حق الموظف في الإفادة منها يكون منوطاً بتوافر تلك الشروط واستيفاء هذه الإجراءات في مواعيدها المقررة؛ ذلك أن الشارع إنما يستهدف بفرض هذه القيود وجه المصلحة العامة استقراراً للأوضاع الإدارية وإحكاماً للرقابة على التصرفات التي ترتب أعباء مالية على الخزانة.
ومن حيث إن راتب بدل السفر هو مزية من مزايا الوظيفة العامة يخضع في أحكامه وشروط استحقاقه لما تقرره القوانين واللوائح في هذا الخصوص.
ومن حيث إن القانون رقم 210 لسنة 1951 بشأن نظام موظفي الدولة - وهو القانون العام في شئون التوظف - ينص في المادة 55 منه على أن "للموظف الحق في استرداد المصروفات التي يتكبدها في سبيل الانتقال لتأدية مهمة حكومية وله الحق في راتب "بدل سفر" مقابل النفقات الضرورية التي يتحملها بسبب تغيبه عن الجهة التي يوجد بها مقر عمله الرسمي وذلك على الوجه وبالشروط والأوضاع التي يصدر بها قرار مجلس الوزراء بناء على اقتراح وزير المالية والاقتصاد بعد أخذ رأي ديوان الموظفين". وفي 11 من أغسطس سنة 1952 أصدر مجلس الوزراء قراراً يقضي بأن تسير الوزارات والمصالح في صرف بدل السفر ومصروفات الانتقال طبقاً للقواعد المعمول بها الآن والصادر بها قرار مجلس الوزراء بتاريخ 25 من أكتوبر سنة 1925 والتعديلات التي أدخلت عليه، على أن يعاد النظر في هذه القواعد فيما بعد.
ومن حيث إن القواعد الصادر بها قرار مجلس الوزراء في 25 من أكتوبر سنة 1925 - وهي المعروفة بلائحة بدل السفر ومصاريف الانتقال التي لا تزال نافذة إلى الآن - تنص في مادتها الأولى على أن "يمنح الموظفون والمستخدمون المرتبات المدرجة في هذه اللائحة للقيام بالمصاريف الفعلية والضرورية التي يصرفونها في سبيل خدمة الحكومة علاوة على مصاريف معيشتهم الاعتيادية، والمبدأ الأساسي في منح هذه المرتبات أنه لا يجوز أن يكون أي مرتب منها مصدر ربح للموظف والمستخدم، وكل مرتب يتضح من العمل مخالفته لهذا المبدأ يجوز إلغاؤه أو تخفيضه في أي وقت كان دون تعويض"، وتنص في المادة السابعة على أن "بدل السفر يمنح فقط عن مدة الغياب المؤقت..."، وتنص المادة الثانية عشرة على أنه "لا يدفع بدل السفر لأحد الموظفين والمستخدمين إلا بمقتضى إقرار يوقعه بنفسه ويقدمه للرئيس التابع له مباشرة قبل آخر الشهر التالي للشهر الذي يعود فيه إلى محل إقامته المعتاد يقر فيه بأن غيابه كان ضرورياً أو مفيداً لخدمة الحكومة وأنه كان حقيقة غائباً مدة الليالي التي يطلب عنها بدل سفر وأنه لم يكن في إمكانه مع حسن القيام بواجباته أن يعود إلى محل إقامته المعتاد قبل تاريخ عودته، ويجب أن يبين كذلك هل نزل منزلاً أعدته الحكومة أو سلطة محلية أو لم ينزل. وعلى الرئيس المباشر أن يتحقق من صحة البيانات الواردة في الإقرار المقدم له ومتى اقتنع بصحتها يرفعها لرئيس المصلحة لاعتمادها منه أو ممن يندبه لهذا الغرض..".
ومن حيث إن مفاد هذه النصوص أن منح راتب بدل السفر منوط بتوافر شروط ثلاثة، أولها: مستمد من الحكمة من تقرير هذا الراتب، وهي أن يقف عند حد استرداد المصروفات الفعلية والضرورية التي ينفقها الموظف في سبيل خدمة الحكومة علاوة على مصروفات معيشته الاعتيادية؛ وذلك إعمالاً لمبدأ أساسي هو ألا يكون هذا الراتب مصدر ربح للموظف. والشرط الثاني: يتصل بالمدة التي يستحق عنها بدل السفر؛ إذ يجب أن تكون هذه المدة مؤقتة بحيث تنتفي مظنة النقل. والشرط الثالث: خاص بالإجراءات التي يجب اتخاذها لاستحقاق بدل السفر، وهي تقديم إقرار إلى الرئيس المباشر في ميعاد لا يجاوز نهاية الشهر التالي للشهر الذي يعود فيه الموظف إلى محل إقامته المعتاد، على أن يتضمن بيانات تخضع لرقابة الرئيس المباشر للتحقق من صحتها، حتى لا يمنح هذا المرتب في غير وجهه الذي عينه القانون واللائحة.
ومن حيث إنه يبين من الاطلاع على ملف خدمة المطعون عليه أنه قدم إلى مصلحة الأملاك عدة طلبات بشأن تحسين حالته الأدبية وذلك بترقيته رئيساً لأحد الأقلام، وكان رؤساؤه المباشرون يزكون هذه الطلبات، وفي 24 من يونيه سنة 1950 استجاب مدير المصلحة لرغبته فأصدر قراراً بندبه هو وإبراهيم محمد خبلص رئيس القلم بقسم الهندسة بالإدارة العامة بدون بدل سفر ليقوم كل منهما بعمل الآخر دون تحديد مدة لهذا الندب، ثم عرض أمر نقلهما كل للوظيفة التي ندب للقيام بها ضمن حركة تنقلات بين موظفي المصلحة على أعضاء لجنة شئون الموظفين متفرقين فأقروا هذه الحركة وصدر بها قرار مدير المصلحة في أول أغسطس سنة 1950 على أن ينفذ اعتباراً من 15 من هذا الشهر.
ومن حيث إنه يخلص من ذلك أن ندب المطعون عليه من تفتيش صيانة الثروة العقارية بطنطا - حيث كان يعمل كاتباً - للقيام بوظيفة رئيس قلم بقسم الهندسة بالإدارة العامة للمصلحة إنما تم تمهيداً لنقله الذي اتجهت إليه نية المصلحة ابتداء استجابة لرغبته المؤيدة بتزكية رؤسائه وحتى تتخذ الإجراءات اللازمة للنقل، وأهمها عرض الأمر على لجنة شئون الموظفين ثم استصدار قرار النقل، وهو ما بادرت إليه المصلحة فعلاً حتى صدر قرار النقل في أول أغسطس سنة 1950، فلم يكن ندب المطعون عليه للعمل بالديوان العام ندباً مؤقتاً لمدة محدودة يعود بعد انقضائها إلى مقر عمله الأصلي وتترتب عليه الأعباء الإضافية التي يستحق من أجلها بدل السفر، وإنما كان توطئة للنقل النهائي الذي أعقبه، ومن ثم يكون قرار مدير مصلحة الأملاك بندبه بدون بدل سفر قد صدر مطابقاً للقانون وفي حدود سلطته التقديرية دون تعسف أو إساءة استعمال السلطة، ويكون المطعون عليه غير محق في طلب بدل السفر عن مدة ندبه.
ومن حيث إنه فيما يتعلق بالدفع بسقوط حق المطعون عليه في راتب بدل السفر لعدم تقديم طلبه في الميعاد القانوني فإنه يبين من الاطلاع على المادة 12 من لائحة بدل السفر أن الميعاد الذي حددته لتقديم الإقرار الخاص بطلب بدل السفر هو طبقاً للتكييف القانوني السليم ميعاد سقوط علق استحقاق بدل السفر على مراعاته بحيث لا ينشأ ثمة حق في هذا البدل إلا بتقديم الإقرار مستوفياً بياناته خلال هذا الميعاد - وتقوم فكرة السقوط على وجود أجل قانوني يتناول الحق نفسه ويسقطه، والفرق بين حالتي السقوط والتقادم المسقط أن الحق في الحالة الأولى لا يتم وجوده وتكوينه إلا باتخاذ إجراء معين في ميعاد محدد، أو هو لا يبلغ مرتبة الحق إلا باتخاذ هذا الإجراء في ميعاده المحدد، وعندئذ يبدأ سريان مدة التقادم المسقط لحق مقرر تام الوجود والتكوين. ويترتب على هذه التفرقة أن القانون يعنى بحماية الحق في هذه الحالة الأخيرة وذلك بإجازة قطع مدته ووقف سريانها، لأنه في صدد حق كامل جدير بهذه الحماية، ولم يبسط مثل هذه الحماية على شبة الحق في حالة السقوط، فلا تقبل مدته قطعاً ولا وفقاً.
ومن حيث إنه يخلص من كل ما تقدم أن المطعون عليه لا يستحق راتب بدل السفر الذي يدعيه، ومن ثم يكون الحكم المطعون فيه - إذ قضى له بهذا الراتب - مخالفاً للقانون متعيناً إلغاؤه.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه، وبرفض الدعوى، وألزمت المدعي بالمصروفات.
ساحة النقاش