بدل السفر استحقاقه عن الثلاثة الأشهر الأولى دون رقابة من جهة أخرى غير التي يتبعها مستحق البدل - تقييده فيما جاوز هذه المدة بصدور ترخيص من وزارة المالية - إذا امتد الغياب أو الندب لمدة أطول ينتقل الموظف عادة، لا حتماً ولا دائماً، إلى المحل الواجب القيام بالمهمة فيه، ثم يعاد ثانية بعد انجازها.
الحكم كاملاً
مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الثانية - العدد الثالث (من أول يونيه إلى آخر سبتمبر سنة 1957) - صـ 1077
جلسة أول يونيه سنة 1957
(112)
برياسة السيد/ السيد علي السيد رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة السيد إبراهيم الديواني والإمام الإمام الخريبي وعلي إبراهيم بغدادي ومصطفى كامل إسماعيل المستشارين.
القضية رقم 853 لسنة 2 القضائية
( أ ) دعوى - تنازل المدعي عنها والقضاء باعتبار الخصومة منتهية - ليس له العودة لإثارتها أمام المحكمة الإدارية العليا.
(ب) بدل السفر - القواعد القانونية التي تحكمه قبل العمل بقانون نظام موظفي الدولة وبعد العمل به.
(جـ) بدل السفر - استحقاقه عن الثلاثة الأشهر الأولى دون رقابة من جهة أخرى غير التي يتبعها مستحق البدل - تقييده فيما جاوز هذه المدة بصدور ترخيص من وزارة المالية - إذا امتد الغياب أو الندب لمدة أطول ينتقل الموظف عادة، لا حتماً ولا دائماً، إلى المحل الواجب القيام بالمهمة فيه، ثم يعاد ثانية بعد انجازها - المادة السابعة من لائحة بدل السفر لم تقصد إلى التفرقة بين ما سمته بالغياب المؤقت وما عبرت عنه بالندب، إذ الندب هو غياب عن مقر العمل الرسمي.
(د) بدل السفر - قرار الندب لا يعتبر ترخيصاً مالياً مقدماً يرتب بذاته الحق في بدل السفر، أو يقوم مقام ترخيص وزارة المالية عند وجوبه، بل لابد من توافر الشروط التي يتطلبها المشرع.
(هـ) بدل السفر - استطالة الندب مدة تزيد على ثلاثة أشهر - تقدير ملاءمة عرض أمر طلب الترخيص على وزارة المالية، هو إلى الجهة التي يتبعها الموظف أو المستخدم المنتدب، وليس في النصوص ما يحتم عليها هذا العرض.
1 - إذا كان الثابت أن المدعي قد تنازل عن إحدى الدعويين المرفوعتين منه أمام المحكمة الإدارية، فأثبتت المحكمة هذا التنازل، وبذلك أصبحت الخصومة منتهية في تلك الدعوى، فلا يقبل منه العودة لإثارة تلك المنازعة في الموضوع ذاته أمام المحكمة الإدارية العليا وهي تنظر الطعن المرفوع عن الدعوى الثانية.
2 - إن بدل السفر هو نظام من الأنظمة القانونية المتعلقة بالوظيفة العامة، مرجعه إلى القوانين واللوائح الصادرة في هذا الشأن، وقد نص قانون نظام موظفي الدولة في المادة 55 منه على أن "للموظف الحق في استرداد المصروفات التي يتكبدها في سبيل الانتقال لتأدية مهمة حكومية، وله الحق في راتب "بدل سفر" مقابل النفقات الضرورية التي يتحملها بسبب تغيبه عن الجهة التي يوجد بها مقر عمله الرسمي، وذلك على الوجه وبالشروط والأوضاع التي يصدر بها قرار مجلس الوزراء بناء على اقتراح وزير المالية والاقتصاد بعد أخد رأي ديوان الموظفين". وبذلك يكون المشرع قد أقر حق الموظف في بدل السفر مقابل ما يتكبده من النفقات الضرورية بسبب تغيبه خارج مقر عمله الرسمي لتأدية مهمة حكومية، وناط بمجلس الوزراء تنظيم منح هذه المزية طبقاً للشروط والأوضاع التي يراها. وقد أصدر مجلس الوزراء بناء على هذا التفويض قراراً في 11 من أغسطس سنة 1952 بالموافقة على أن تسير الوزارات والمصالح في صرف بدل السفر ومصروفات الانتقال طبقاً للقواعد المعمول بها وقتذاك والصادر بها قرار مجلس الوزراء في 25 من أكتوبر سنة 1925 والتعديلات التي أدخلت عليه، على أن يعاد النظر في هذه القواعد فيما بعد. ومن ثم فإن بدل السفر تحكمه في جملته القواعد المنصوص عليها في لائحة بدل السفر ومصاريف الانتقال للموظفين الدائمين والمؤقتين والخارجين عن هيئة العمال الصادر بها قرار مجلس الوزراء في 25/ 10/ 1925 المعدلة بقراريه الصادرين في 27/ 6/ 1936 و29/ 11/ 1938.
3 - نصت المادة السابعة من لائحة بدل السفر ومصاريف الانتقال على أن "بدل السفر يمنح فقط عن مدة الغياب المؤقت، ولا يدفع بعد غياب متواصل مدة ثلاثة أشهر في جهة واحدة إلا بمقتضى ترخيص خاص من وزارة المالية. أما الموظفون أو المستخدمون الذين يندبون لمهمة خارج محل إقامتهم المعتاد لمدة أطول، فإنه يجب عادة نقلهم إلى المحل الواجب القيام بالمهمة فيه، ثم نقلهم منه ثانية بعد انجاز المهمة". وظاهر من نص هذه المادة أن المشرع لم يقرر بدل السفر إلا عن مدة غياب مؤقت فقط تقضيه الضرورة لمصلحة العمل في خدمة الحكومة على وجه طارئ يتنافى مع الاستدامة، فإن استطال الغياب، كان واجباً نقل الموظف أو المستخدم إلى الجهة المنتدب للقيام بالمهمة فيها؛ كي لا تتحمل خزانة الدولة هذا العبء الإضافي بصفة مستديمة، مع أن الإدارة لا تملك الحق - في أي وقت تشاء متى اقتضت مصلحة العمل ذلك - في نقل الموظف وتحديد المكان الذي تعينه له لكي يباشر فيه اختصاصات وظيفته بدلاً من ندبه؛ وحتى لا يكون هذا البدل من جهة أخرى مصدر ربح للموظف أو المستخدم الذي ندب وكان يمكن نقله. وقد عالج المشرع هذا الغياب المؤقت من حيث استحقاق بدل السفر عنه بضربين من الحلول تبعاً له، دون أن يقصد إلى التفرقة بين ما سماه غياباً مؤقتاً في صدر المادة السابعة سالفة الذكر، وما عبر عنه بالندب في الشق الثاني من هذه المادة؛ ذلك أن الندب هو غياب عن مقر العمل الرسمي، وأن الغياب خارج محل الإقامة المعتاد - الذي يضطر إليه الموظف دون الرجوع فيه إلى رئيس أو الذي يملك سلطة التقدير فيه لتشعب مناطق اختصاصه - لا يخرج في جوهره وحقيقة أمره عن كونه ندباً ذاتياً بالمعنى المتقدم، ويستوي الحكم في كلتا الحالتين؛ وآية ذلك أن المشرع - بعد أن بين في المادة السابعة المشار إليها خصائص الغياب الذي يمنح عنه بدل السفر وعرفه بأنه هو الغياب المؤقت، وحدد مدته بثلاثة أشهر، ومنع دفع بدل السفر فيما زاد عن هذه المدة إلا بمقتضى ترخيص خاص من وزارة المالية متى كان هذا الغياب متواصلاً أي لا تتخلله فترات انقطاع وحاصلاً في جهة واحدة أي غير متراوح بين جهات عدة - أكد أن الغياب الذي عناه إنما هو الندب بقوله "أما الموظفون أو المستخدمون الذين يندبون لمهمة خارج محل إقامتهم المعتاد لمدة أطول..."؛ إذ استعمل لفظ الندب مرادفاً للغياب وسوى بينهما في الحكم إذا ما طالت المدة عن ثلاثة أشهر. وقد أورد الشارع في هذه المادة الحكم العام، وهو إطلاق استحقاق بدل السفر عن ثلاثة الأشهر الأولى دون رقابة من جهة أخرى، غير تلك التي يتبعها الموظف أو المستخدم مستحق البدل، وتقييده فيما جاوز هذه المدة يجعله رهيناً بصدور ترخيص خاص به من وزارة المالية التي أسند إليها الهيمنة في هذه الحالة، حتى تحقق من قيام المبرر له أو انعدامه، فترخص أو ترفض الترخيص تبعاً لما تتبينه من ظروف الحالة منعاً من الانحراف به عن غايته، دون أن يجرد الجهة ذات الشأن - باعتبارها صاحبة الإشراف المباشر - من سلطة تقدير ملاءمة عرض الأمر على وزارة المالية. ثم عطف بعد ذلك بتقرير العلاج في حالة ما إذا امتد الغياب أو الندب لمدة أطول، وهو أن ينقل الموظف عادة، لا حتماً ولا دائماً، إلى المحل الواجب القيام بالمهمة فيه؛ ثم ينقل منه ثانية بعد إنجاز المهمة. ومن ثم يكون الأصل هو عدم استحقاق بدل السفر عن مدة أطول من ثلاثة أشهر، والاستثناء هو جواز المنح بترخيص خاص من وزارة المالية، أياً كانت الصورة التي يتخذها الغياب أو الندب، وقد ظل اختصاص وزارة المالية في هذا الشأن قائماً مع صدور قرار مجلس الوزراء في 28 من مارس سنة 1948 بتبسيط الإجراءات؛ إذ أبقى هذا القرار في البند التاسع من الكشوف الملحقة به على اختصاص وزارة المالية فيما يتعلق بصرف بدل السفر عن ثلاثة الأشهر الثانية من المأمورية.
4 - إن قرار الندب، وهو تكليف الموظف مباشرة اختصاص معين في غير مقر عمله الرسمي، لا يعتبر بهذه المثابة ترخيصاً مالياً مقدماً، ولا يترتب بذاته حقاً للموظف في بدل السفر أو يقوم مقام الترخيص الخاص في حالة ما إذا طالت مدة الندب عن ثلاثة أشهر ويغني عنه، بل إن استحقاق هذا البدل منوط بتوافر شروط معينة، ولو صح أن قرار الندب هو ترخيص مالي عام ملزم لجهة الإدارة بدفع بدل السفر في جميع الحالات لانعدمت الحكمة التي قامت عليها المادة السابعة من لائحة بدل السفر، وما كان ثمة محل لما أوردته من شروط وقيود.
5 - إن المرجع في تقدير ملاءمة عرض أمر طلب الترخيص بصرف بدل السفر بعد غياب جاوزت مدته ثلاثة أشهر على وزارة المالية، هو إلى الوزارة أو المصلحة التي يتبعها الموظف أو المستخدم طالب البدل، ولا يوجد في نصوص لائحة بدل السفر ما يحتم هذا العرض.
إجراءات الطعن
في 15 من مارس سنة 1956 أودع السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة سكرتيرية المحكمة عريضة طعن أمام هذه المحكمة قيد بجدولها تحت رقم 853 لسنة 2 القضائية في الحكم الصادر من المحكمة الإدارية لوزارات الصحة والشئون البلدية والقروية والأوقاف بجلسة 21 من يناير سنة 1956 في الدعوى رقم 119 لسنة 1 القضائية محاكم (19 لسنة 2 القضائية لجان) المقامة من عبد الحكيم عثمان قطب ضد وزارة الشئون البلدية والقروية، القاضي "باستحقاق المدعي لبدل السفر المقرر قانوناً عن المدة التي بقى فيها منتدباً بمجلس قروي قنطرة غرب من يوم 26 من ديسمبر سنة 1951 إلى نهاية الانتداب". وطلب السيد رئيس هيئة المفوضين للأسباب التي استند إليها في صحيفة طعنه "قبول الطعن شكلاً وفي الموضوع القضاء بإلغاء الحكم المطعون فيه وبرفض الدعوى وإلزام المدعي بالمصروفات". وقد أعلن هذا الطعن إلى وزارة الشئون البلدية والقروية في أول يوليه سنه 1956 وإلى المطعون عليه في 10 منه، وعين لنظره أمام هذه المحكمة جلسة 26 من يناير سنة 1957، وقد انقضت المواعيد القانونية دون أن يقدم أي من الطرفين مذكرة بملاحظاته. وفي 25 من نوفمبر سنه 1956 أبلغ الطرفان بميعاد الجلسة، وفيها سمعت المحكمة ما رأت سماعه من إيضاحات ذوي الشأن على الوجه المبين بمحضر الجلسة، وقدم المطعون عليه مذكرة بملاحظاته، ثم قررت إرجاء النطق بالحكم إلى جلسة 23 من فبراير سنه 1957، وفيها أعيدت القضية للمرافعة لجلسة 6 من إبريل سنه 1957، ثم حجزت للنطق بالحكم فيها بجلسة اليوم.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة، حسبما يبين من أوراق الطعن، تتحصل في أن المطعون عليه قدم إلى اللجنة القضائية لوزارات الأوقاف والشئون البلدية والقروية والإرشاد القومي في 3 من أكتوبر سنة 1953 تظلمين قيدا برقم 19 لسنة 2 القضائية، طلب في أولهما إلغاء القرار الصادر في سنة 1945 من مدير الفيوم ورئيس مجلس بلدى سنورس بخصم ثلاثة أشهر من راتبه، وذكر في الثاني أنه ندب في 26 من مايو سنة 1951 من بلدية بور سعيد سكرتيراً لمجلس قروي القنطرة غرب وأن ندبه استمر حتى ألغى في يوم 31 من يناير سنه 1953، وأنه صرف له بدل السفر المستحق عن المدة من 26 من مايو سنة 1951 حتى 25 من ديسمبر سنه 1951، أما باقي مدة ندبه من 26 من ديسمبر سنه 1951 حتى 31 من يناير سنه 1953 فلم يصرف له بدل سفر عنها، ولذا فإنه يطلب الحكم له بهذا البدل. وقد أحيل هذان التظلمان إلى المحكمة الإدارية لوزارات الصحة والشئون البلدية والقروية والأوقاف التي حلت محل اللجنة القضائية بناء على القانون رقم 147 لسنة 1954 الصادر بإنشاء المحاكم الإدارية وقيدا برقم 119 لسنه 1 القضائية. وقد قرر المتظلم بتنازله عن طلب إلغاء القرار الصادر من مدير الفيوم في سنة 1945 بتوقيع جزاء الخصم من مرتبه، وذلك مقتضى تنازل مؤرخ 18 من فبراير سنة 1954 مصدق على توقيعه عليه من مدير مجلس بلدي بور سعيد وممهور بخاتم المجلس البلدي المذكور. وبجلسة 26 من مارس سنة 1955 ردت مصلحة البلديات على الطلب الثاني للمتظلم الخاص ببدل السفر بأنها قامت بصرف بدل السفر المستحق له عن ثلاثة الأشهر الأولى من ندبه، كما صرفت له بدل السفر عن الأربعة الأشهر التالية بناء على طلبه وموافقة السيد الوزير؛ ولما كانت المادة السابعة من لائحة بدل السفر والانتقال تقضي بأن الندب بعد ذلك يكون بدون بدل سفر وبأنه إذا رؤى منح الموظف في هذه الحالة بدل سفر وجب طلب الموافقة على الاستمرار في صرف بدل السفر من وزارة المالية بعد موافقة المصلحة المختصة، فقد عرض أمر مخابرة وزارة المالية في هذا الشأن على مدير عام المصلحة فلم يوافق على ذلك؛ ولما كان يملك هذا الحق وكان قد تصرف في حدود سلطته القانونية فإن الدعوى تكون حقيقة بالرفض. وقد عقب المدعي على رد المصلحة بأن الشق الثاني من المادة السابعة من لائحة بدل السفر والانتقال يقضي بوجوب نقل الموظف الذي يندب لأكثر من ثلاثة أشهر في غير مقر وظيفته، فإذا لم ينقل وظل منتدباً وجب منحه بدل السفر بعد الحصول على موافقة وزارة المالية، فإذا رفض مدير البلديات طلب موافقة وزارة المالية على صرف بدل السفر عن باقي مدة الندب عد ممتنعاً عن تأدية واجبات وظيفته وحق الحكم للموظف بهذا البدل. وبجلسة 21 من يناير سنة 1956 قضت المحكمة الإدارية "باستحقاق المدعي لبدل السفر المقرر قانوناً عن المدة التي بقى فيها منتدباً بمجلس قروي قنطرة غرب من يوم 26 من ديسمبر سنة 1951 إلى نهاية الانتداب". وأقامت قضاءها على أن الحكومة لا تنازع في أن المدعي ظل منتدباً طول المدة التي ذكرها، وأنها لم تصرف له بدل سفر إلا عن سبعة أشهر فقط من هذه المدة، ولم يوافق مدير عام المصلحة على طلب الترخيص اللازم من وزارة المالية في صرف بدل سفر للمذكور عن باقي مدة ندبة طبقاً لحكم المادة السابعة من لائحة بدل السفر ومصاريف الانتقال، في حين أن الفقرة الثانية من هذه المادة تقضي بأنه إذا كانت المهمة التي يندب لها الموظف تستغرق أكثر من ثلاثة أشهر فإن على رئيسه أن ينقله ثم يعيده بعد إنجازها. فإذا لم تقم المصلحة التابع لها الموظف باتخاذ هذا الإجراء فإنه لا يشترط الحصول على موافقة وزارة المالية لمنحه بدل سفر عن مدة ندبه وإن طالت عن ثلاثة أشهر. ولما كانت موافقة وزارة المالية غير متطلبة في حالة المدعي فإنه يكون محقاً في دعواه. وقد طعن السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة في هذا الحكم بعريضة أودعها سكرتيرية المحكمة في 15 من مارس سنة 1956، واستند في أسباب طعنه إلى أن رجل الإدارة ليس حراً في اختيار المكان الذي يباشر فيه اختصاصه بل يتحدد اختصاصه بالدائرة المكانية المعهود إليه قانوناً مباشرة أعماله فيها، طالما لم يتم تغيير هذه الدائرة بالأداة المعينة لذلك نقلاً أو ندباً ممن يملكها؛ ومن ثم فلا يمكن قيام التفرقة التي ابتدعتها المحكمة بين حالات الغياب الطارئ وحالات الندب بأمر الرؤساء. والرأي أن صرف بدل السفر عن المدة التالية لثلاثة الأشهر الأولى من الندب رهين بصدور ترخيص خاص به من وزارة المالية، وترخيص الوزارة في هذه الحالة مشاركة في الاختصاص لا يقوم حق الموظف دونه، والمرجع في العرض عليها أو عدمه من الأمور المتروكة لترخص الجهة التابع لها الموظف، فإن لم تر حاجة لهذا العرض وقع تصرفها سليماً لا غبار عليه ما دام قد خلا من إساءة استعمال السلطة، ولا سيما إذا كان الندب قد استطال حتى قاربت مدته السنتين وفقد صفة التوقيت بحيث أصبح في الواقع نقلاً. وإذا كانت ثمة مخالفة قانونية فهي في موافقة المصلحة على صرف بدل السفر للمدعي عن أربعة الأشهر التالية لثلاثة الأشهر الأولى من الندب؛ ومن أجل هذا فإن طلب المدعي استمرار صرف بدل السفر له عن المدة اللاحقة للمدتين السابقتين يكون في غير محله متعيناً رفضه. وإذ ذهب الحكم المطعون فيه غير هذا المذهب فإنه يكون قد خالف القانون، وتكون قد قامت به حالة من حالات الطعن في الأحكام أمام المحكمة الإدارية العليا. وانتهى السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة من هذا إلى طلب "قبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع القضاء بإلغاء الحكم المطعون فيه، وبرفض الدعوى، وإلزام المدعي المصروفات". وقد قدم المطعون عليه بجلسة 26 من يناير سنة 1957 مذكرة بملاحظاته عاد فيها إلى طلب إلغاء قرار الجزاء الذي وقع عليه في سنة 1945، وهو الطلب الذي أقر بسبق تنازله عنه أمام اللجنة القضائية. وقال عن بدل السفر الذي يطالب به إن هذا البدل دين له في ذمة الحكومة وأنه إنما يطالب باسترداده لا بصرفه كما تؤيد ذلك المادة الأولى من لائحة بدل السفر، فالموظف غير مكلف بالإنفاق على الوظيفة في سبيل خدمة الحكومة، ولا يؤثر في حقه استطالة مدة ندبه. وثمة فرق بين النقل والندب وكذلك بين الغياب والندب، فالندب طبقاً لحكم المادة السابعة من لائحة بدل السفر يرتب للموظف حقاً في استرداد ما أنفقه الموظف من مصاريف فعلية ضرورية بسبب هذا الندب، وهو أمر غير مقيد بزمن، بل مرتبط بالعمل الذي ندب له الموظف في جهة أخرى بعيدة عن محل إقامته المعتاد، وخلص المطعون عليه من هذا إلى طلب تأييد حكم المحكمة الإدارية المطعون فيه وتقرير استحقاقه لبدل السفر الذي قضى له به هذا الحكم.
ومن حيث إن المدعي لا ينكر أنه سبق أن تنازل بمحض رضاه أمام اللجنة القضائية عن تظلمه الخاص بطلب إلغاء القرار الصادر من مدير الفيوم ورئيس مجلس بلدى سنورس في سنة 1945 بتوقيع جزاء عليه بخصم ثلاثة أشهر من راتبه لأمور نسبت إليه، وذلك بمقتضى إقرار تنازل صحيح مؤرخ 18 من فبراير سنة 1954 مصدق على توقيعه عليه من مدير مجلس بلدي بور سعيد ومبصوم بخاتم المجلس، وقد أثبتت المحكمة الإدارية هذا التنازل وبذلك أصبحت الخصومة في شأن هذا التظلم منتهية، فلا يقبل من المدعي إثارة المنازعة بعد ذلك من جديد في الموضوع ذاته أمام هذه المحكمة، ولا سيما أن القرار الإداري المطلوب إلغاؤه صادر في سنة 1945 قبل إنشاء مجلس الدولة.
ومن حيث إن هذه المحكمة طلبت إلى الجهة الإدارية المختصة عرض الأمر على الوزير المختص بالتطبيق للمادة السابعة من لائحة بدل السفر وإيداع الأوراق المثبتة لهذا العرض ونتيجة التصرف فيه. وقد أجابت الإدارة العامة لشئون البلديات بكتابها المؤرخ 27 من مارس سنة 1957 بأنها عرضت الأمر بمذكرة على السيد وكيل وزارة الشئون البلدية والقروية الذي لم يوافق على صرف بدل السفر إلى المدعي.
ومن حيث إن المدعي عقب على ذلك بمذكرتين، قدم أولاهما بجلسة 6 من إبريل سنة 1957 وأودع الثانية في 12 من مايو سنة 1957، وقال فيهما إن رفض الوزارة صرف بدل السفر المستحق له لا يستند إلى أساس قانوني؛ ذلك أن القرار الوزاري الصادر بإنشاء بلدية القنطرة هو ترخيص مالي عام يجيز ندب أي موظف لأعمال هذه البلدية ويغني عن أي ترخيص مالي خاص بعد ذلك بصرف بدل السفر المستحق عن هذا الندب، بل إن قرار الندب وموافقة الوزير عليه هما بمثابة ترخيص مالي سابق.
وحتى لو فرض أن هذا الترخيص غير موجود فإن الوزارة مسئولة عن استصداره لتصحيح خطئها، ولما كان موضوع ندبه قد اقتضته ضرورة كانت قائمة في سنة 1952 وانتهت بعد ذلك فإنه لا يمكن الحكم عليه حكماً سليماً في سنة 1957، ولا شأن للموظف المنتدب بوجود الترخيص المالي أو عدم وجوده؛ إذ أن قرار الندب عقد ملزم لطرفين هما الحكومة والموظف، تلتزم فيه الأولى بدفع بدل السفر والثاني بأداء العمل المنتدب من أجله، ولا يزول حق الموظف في بدل السفر إلا بإلغاء ندبه، ولذا فإن بدل السفر يستمر باستمرار الندب. وهذا الندب يفترق عن الغياب وهو انقطاع الموظف عن الحضور إلى مقر عمله الرسمي كالمعتاد لانتقاله إلى مكان آخر في دائرة اختصاصه دون أن يكون منتدباً من رؤسائه، وفي هذه الحالة لا يجوز له أن يتقاضى عن هذا الغياب بدل سفر عن أكثر من ثلاثة أشهر إلا بموافقة وزارة المالية. أما في حالة الندب فلا يشترط الحصول على موافقة وزارة المالية لإعطاء الموظف المنتدب بدل سفر عن مدة ندبه التي تجاوز ثلاثة أشهر؛ إذ أن من الممكن نقله ثم إعادته بعد إنجاز المهمة. هذا إلى أن الترخيص المالي بالنسبة إلى موظفي البلديات هو من اختصاص وزير الشئون البلدية والقروية لا من اختصاص وزير المالية، ووزير الشئون البلدية والقروية هو الذي أصدر قرار الندب المتضمن الترخيص بالصرف، فلا وجه إزاء هذا للقول بأن المدير الأسبق لمصلحة البلديات رفض مخابرة وزارة المالية في هذا الشأن. أما قرار السيد الوزير الحالي يرفض الموافقة على صرف بدل السفر فلا يمكن أن يكون له أثر رجعي بالنسبة إلى الحق المكتسب الذي ترتب للمدعي في بدل السفر؛ لأن هذا الأثر لا يكون إلا بقانون.
وعلى أسوأ فرض فلا أقل من اعتبار المدعي فضولياً وتقرير حقه في استرداد ما أنفقه من مصروفات في خدمة الحكومة بسبب ندبه. وإذا كانت لائحة بدل السفر تنطوي على غموض من هذه الناحية فإنه يتعين تفسيره لصالح الطرف الضعيف وهو الموظف المنتدب، ولا سيما أنه لا يسعه سوى الإذعان لتنفيذ قرار ندبه دون أن يكون له حق مناقشة الإدارة في وجود أو عدم وجود الترخيص المالي. هذا إلى أن الوزارة قد قبلت الحكم المطعون فيه وبذلك سقط حقها في الاعتراض عليه. وانتهى المدعي من هذا إلى التصميم على طلباته بتأييد الحكم المطعون فيه مع إلزام الوزارة بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة.
ومن حيث إن بدل السفر هو نظام من الأنظمة القانونية المتعلقة بالوظيفة العامة مرجعه إلى القوانين واللوائح الصادرة في هذا الشأن. ولما كان بدل السفر الذي يطالب به المطعون عليه هو عن المدة من 26 من ديسمبر سنة 1951 حتى 31 من يناير سنة 1953، وهي المدة التي لم يمنح فيها بدل سفر، وكان بعض هذه المدة سابقاً على تاريخ العمل بأحكام القانون رقم 210 لسنة 1951 بشأن نظام موظفي الدولة وبعضها الآخر لاحقاً لنفاذ هذا القانون، فإن البدل المطالب به يخضع في شقه الأول لأحكام لائحة بدل السفر ومصاريف الانتقال التي وافق عليها مجلس الوزراء بجلسته المنعقدة في 25 من أكتوبر سنة 1925، والتي عدلت بعد ذلك بقراري المجلس الصادرين في 27 من يونيه سنة 1936 و29 من نوفمبر سنة 1938، ويخضع في شقه الثاني لأحكام القانون رقم 210 لسنة 1951 المشار إليه. وقد نص هذا القانون في المادة 55 منه على أن "للموظف الحق في استرداد المصروفات التي يتكبدها في سبيل الانتقال لتأدية مهمة حكومية، وله الحق في راتب "بدل سفر" مقابل النفقات الضرورية التي يتحملها بسبب تغيبه عن الجهة التي يوجد بها مقر عمله الرسمي، وذلك على الوجه وبالشروط والأوضاع التي يصدر بها قرار مجلس الوزراء بناء على اقتراح وزير المالية والاقتصاد بعد أخذ رأي ديوان الموظفين". وبذلك يكون المشرع قد أقر حق الموظف في بدل السفر مقابل ما يتكبده من النفقات الضرورية بسبب تغيبه خارج مقر عمله الرسمي لتأدية مهمة حكومية، وناط بمجلس الوزراء تنظيم منح هذه المزية طبقاً للشروط والأوضاع التي يراها. وقد أصدر مجلس الوزراء بناء على هذا التفويض قراراً في 11 من أغسطس سنة 1952 بالموافقة على أن تسير الوزارات والمصالح في صرف بدل السفر ومصروفات الانتقال طبقاً للقواعد المعمول بها وقتذاك والصادر بها قرار مجلس الوزراء في 25 من أكتوبر 1925 والتعديلات التي أدخلت عليه. على أن يعاد النظر في هذه القواعد فيما بعد. ومن ثم فإن بدل السفر الذي يطالب به المطعون عليه تحكمه في جملته وعن كامل مدته القواعد المنصوص عليها في لائحة بدل السفر ومصاريف الانتقال للموظفين الدائمين والمؤقتين والخارجين عن هيئة العمال الصادر بها قرار مجلس الوزراء آنف الذكر.
ومن حيث إنه يبين من استقراء نصوص المواد الأولى والسابعة والثانية عشرة من لائحة بدل السفر ومصاريف الانتقال المتقدم ذكرها أن بدل السفر، وهو مزية من مزايا الوظيفة العامة، منوط منحه للموظف بتوافر شروط ثلاثة: (أولها) مستمد من الحكمة التي دعت إلى تقرير هذا البدل والتي أفصحت عنها المادة الأولى من اللائحة، وهي أن يقف عند حد استرداد المصروفات الفعلية والضرورية التي ينفقها الموظف أو المستخدم في سبيل خدمة الحكومة علاوة على مصروفات معيشته الاعتيادية، وذلك إعمالاً لمبدأ أساسي هو ألا يكون هذا البدل مصدر ربح للموظف أو المستخدم. و(ثانيها) يتصل بالمدة التي يستحق عنها بدل السفر كما نصت على ذلك المادة السابعة من اللائحة المذكورة؛ إذ يجب أن تكون هذه المدة مؤقتة بحيث تنتفي مظنة النقل. و(ثالثها) خاص بالإجراءات التي يجب اتخاذها طبقاً لحكم المادة الثانية عشرة من اللائحة المشار إليها لاستحقاق بدل السفر، وهي تقديم إقرار للرئيس المباشر في ميعاد لا يجاوز نهاية الشهر التالي للشهر الذي يعود فيه الموظف إلى محل إقامته المعتاد، على أن يتضمن هذا الإقرار بيانات تخضع لرقابة الرئيس المباشر للتحقق من صحتها حتى لا يمنح هذا البدل في غير وجهه الذي عينه القانون [(1)].
ومن حيث إنه فيما يتعلق بالشرط الثاني فقد نصت المادة السابعة من لائحة بدل السفر ومصاريف الانتقال على أن "بدل السفر يمنح فقط عن مدة الغياب المؤقت، ولا يدفع بعد غياب متواصل مدة ثلاثة أشهر في جهة واحدة إلا بمقتضى ترخيص خاص من وزارة المالية. أما الموظفون أو المستخدمون الذين يُندبون لمهمة خارج محل إقامتهم المعتاد لمدة أطول فإنه يجب عادة نقلهم إلى المحل الواجب القيام بالمهمة فيه ثم نقلهم منه ثانية بعد انجاز المهمة". وظاهر من نص هذه المادة أن المشرع لم يقرر بدل السفر إلا عن مدة غياب مؤقت فقط تقتضيه الضرورة لمصلحة العمل في خدمة الحكومة على وجه طارئ يتنافى مع الاستدامة، فإن استطال الغياب كان واجباً نقل الموظف أو المستخدم إلى الجهة المنتدب للقيام بالمهمة فيها؛ كي لا تتحمل خزانة الدولة هذا العبء الإضافي بصفة مستديمة مع أن الإدارة تملك الحق - في أي وقت تشاء متى اقتضت مصلحة العمل ذلك - في نقل الموظف وتحديد المكان الذي تعينه له لكي يباشر فيه اختصاصات وظيفته بدلاً من ندبه، وحتى لا يكون هذا البدل من جهة أخرى مصدر ربح للموظف أو المستخدم الذي ندب وكان يمكن نقله. وقد عالج المشرع هذا الغياب المؤقت من حيث استحقاق بدل السفر عنه بضربين من الحلول تبعاً لمدته دون أن يقصد إلى التفرقة بين ما سماه غياباً مؤقتاً في صدر المادة السابعة سالفة الذكر، وما عبر عنه بالندب في الشق الثاني من هذه المادة؛ ذلك أن الندب هو غياب عن مقر العمل الرسمي، وأن الغياب خارج محل الإقامة المعتاد - الذي يضطر إليه الموظف دون الرجوع فيه إلى رئيس، أو الذي يملك سلطة التقدير فيه لتشعب مناطق اختصاصه - لا يخرج في جوهره وحقيقة أمره عن كونه ندباً ذاتياً بالمعنى المتقدم، ويستوي الحكم في كلتا الحالتين؛ وآية ذلك أن المشرع - بعد أن بين في المادة السابعة المشار إليها خصائص الغياب الذي يمنح عنه بدل سفر وعرفه بأنه هو الغياب المؤقت وحدد مدته بثلاثة أشهر ومنع دفع بدل السفر فيما زاد عن هذه المدة إلا بمقتضى ترخيص خاص من وزارة المالية متى كان هذا الغياب متواصلاً أي لا تتخلله فترات انقطاع وحاصلاً في جهة واحدة، أي غير متراوح بين جهات عدة - أكد أن الغياب الذي عناه إنما هو الندب بقوله "أما الموظفون أو المستخدمون اللذين يندبون لمهمة خارج محل إقامتهم المعتاد لمدة أطول..."؛ إذ استعمل لفظ الندب مرادفاً للغياب وسوى بينهما في الحكم إذا ما طالت المدة عن ثلاثة أشهر. وقد أورد الشارع في هذه المادة الحكم العام وهو إطلاق استحقاق بدل السفر عن ثلاثة الأشهر الأولى دون رقابة من جهة أخرى غير تلك التي يتبعها الموظف أو المستخدم مستحق البدل، وتقييده فيما جاوز هذه المدة بجعله رهيناً بصدور ترخيص خاص به من وزارة المالية التي أسند إليها الهيمنة في هذه الحالة حتى تتحقق من قيام المبرر له أو انعدامه فترخص أو ترفض الترخيص تبعاً لما تتبينه من ظروف الحالة منعاً من الانحراف به عن غايته، دون أن يجرد الجهة ذات الشأن - باعتبارها صاحبة الإشراف المباشر - من سلطة تقدير ملاءمة عرض الأمر على وزارة المالية. ثم عطف بعد ذلك بتقرير العلاج في حالة ما إذا امتد الغياب أو الندب لمدة أطول، وهو أن ينقل الموظف عادة، لا حتماً ولا دائماً، إلى المحل الواجب القيام بالمهمة فيه، ثم ينقل منه ثانية بعد إنجاز المهمة. ومن ثم يكون الأصل هو عدم استحقاق بدل السفر عن مدة أطول من ثلاثة أشهر، والاستثناء هو جواز المنح بترخيص خاص من وزارة المالية، أياً كانت الصورة التي يتخذها الغياب أو الندب. وقد ظل اختصاص وزارة المالية في هذا الشأن قائماً مع صدور قرار مجلس الوزراء في 28 من مارس سنة 1948 في بتبسيط الإجراءات؛ إذ أبقى هذا القرار في البند التاسع من الكشوف الملحقة به على اختصاص وزارة المالية فيما يتعلق بصرف بدل السفر عن ثلاثة الأشهر الثانية من المأمورية.
ومن حيث إنه يتضح مما تقدم أن قرار الندب، وهو تكليف الموظف مباشرة اختصاص معين في غير مقر عمله الرسمي، لا يعتبر بهذه المثابة ترخيصاً مالياً مقدماً ولا يرتب بذاته حقاً للموظف في بدل السفر أو يقوم مقام الترخيص الخاص في حالة ما إذا طالت مدة الندب عن ثلاثة أشهر ويغني عنه، بل إن استحقاق هذا البدل منوط بتوافر شروط معينة هي التي سلف بيانها. ولو صح أن قرار الندب هو ترخيص مالي عام ملزم لجهة الإدارة بدفع بدل السفر في جميع الحالات لانعدمت الحكمة التي قامت عليها المادة السابعة من لائحة بدل السفر وما كان ثمة محل لما أوردته من شروط وقيود.
ومن حيث إن المرجع في تقدير ملاءمة عرض أمر طلب الترخيص بصرف بدل السفر بعد غياب جاوزت مدته ثلاثة أشهر على وزارة المالية هو إلى الوزارة أو المصلحة التي يتبعها الموظف أو المستخدم طالب البدل.
ولا يوجد في نصوص لائحة بدل السفر ما يحتم هذا العرض. إلا أنه مع ذلك لما كانت وزارة المالية هي المرجع الأخير في إصدار الترخيص الخاص فيما يختص بموظفي الحكومة، وكان وزير الشئون البلدية والقروية هو صاحب الاختصاص طبقاً للقانون فيما يتعلق موظفي المجالس البلدية، فقد قامت الإدارة العامة لشئون البلديات بناء على قرار هذه المحكمة، بعرض الأمر بمذكرة مؤرخة 20 من مارس سنة 1957 على وكيل وزارة الشئون البلدية والقروية الذي ينوب عن الوزير في هذا الشأن، فلم يوافق سيادته على صرف بدل السفر إلى المدعي عن المدة المتنازع عليها من 26 من ديسمبر سنة 1951 لغاية 31 من يناير سنة 1953 بعد إذ سبق منح هذا الأخير بدل سفر عن أربعة الأشهر التالية لانقضاء ثلاثة الأشهر الأولى من ندبة للقيام بأعمال سكرتير مجلس القنطرة غرب الحاصل في 26 من مايو سنة 1951؛ إذ رؤى أن فيما صرف إليه الكفاية إزاء استطالة ندبه الذي غدا بمثابة النقل حكماً. ولا وجه لما يزعمه المدعي من قبول الوزارة للحكم المطعون فيه ما دام الثابت أنها لا تزال تصر على عدم الصرف، وأن المنازعة في شأن البدل الذي يطالب به لا تزال مطروحة على القضاء الذي له فيها الكلمة الأخيرة.
ومن حيث إنه لما تقدم يكون الطعن في محله، ويكون الحكم المطعون فيه إذ قضى باستحقاق المدعي بدل سفر عن المدة من 26 من ديسمبر سنة 1951 حتى نهاية ندبه قد أخطأ في تأويل القانون وتطبيقه، ويتعين القضاء بإلغائه، وبرفض الدعوى مع إلزام المدعي بالمصروفات.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه، وبرفض الدعوى، وألزمت المدعي بالمصروفات.
[(1)] راجع السنة الأولى من هذه المجموعة، بند 44، صفحة 362.
ساحة النقاش