الاتفاق الدائم بين الحكومة المصرية وبين حكومة الولايات المتحدة الأمريكية بشأن المساعدة الفنية بين مصر والولايات المتحدة الأمريكية - إيفاد الموظف في بعثه دراسية إلى الولايات المتحدة الأمريكية تنفيذاً لهذا الاتفاق - خضوع مصاريف انتقاله وبدل سفره لما قرره الاتفاق المذكور في هذا الشأن وليس لحكم المادة 55 من القانون رقم 210 لسنة 1951.
الحكم كاملاً
مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الثامنة - الجزء الثاني (من أول فبراير سنة 1962 إلى آخر سبتمبر سنة 1963) - صـ 909
(82)
جلسة 24 من مارس سنة 1963
برياسة السيد/ عبد العزيز الببلاوي نائب رئيس المجلس وعضوية السادة المستشارين: الدكتور محمود سعد الدين الشريف وعبد الفتاح نصار وعزت عبد المحسن وأبو الوفا زهدي المستشارين.
القضية رقم 1069 لسنة 5 القضائية
( أ ) اختصاص القضاء الإداري - موظف - مصاريف السفر - الاتفاق الدائم بين حكومة الولايات المتحدة الأمريكية بشأن المساعدة الفنية بين مصر والولايات المتحدة الأمريكية - إيفاد الموظف في بعثة دراسية إلى الولايات المتحدة الأمريكية تنفيذاً لهذا الاتفاق - المنازعة في مصاريف هذا الإيفاد هي مما يدخل في اختصاص القضاء الإداري دون القضاء العادي - أساس ذلك.
(ب) موظف - مصاريف الانتقال وبدل السفر - الاتفاق الدائم بين الحكومة المصرية وبين حكومة الولايات المتحدة الأمريكية بشأن المساعدة الفنية بين مصر والولايات المتحدة الأمريكية - إيفاد الموظف في بعثه دراسية إلى الولايات المتحدة الأمريكية تنفيذاً لهذا الاتفاق - خضوع مصاريف انتقاله وبدل سفره لما قرره الاتفاق المذكور في هذا الشأن وليس لحكم المادة 55 من القانون رقم 210 لسنة 1951 - اقتصار هذا الاتفاق على تحديد العلاقة بين الحكومتين دون أن يتعدى إلى التزام الحكومة المصرية في مواجهة المبعوث - قرار الجهة الإدارية بسحب ترشيح الموظف لعدم سماح الاعتماد المالي لنفقات سفره على أساس من سلطتها التنفيذية - قيام هذا القرار على سبب صحيح من الواقع يبرره - التماس الموظف بعد ذلك بالسفر مع تعهده بتحمله نفقاته وعدم الرجوع على الحكومة بشيء منها وموافقة جهة الإدارة على ذلك يوجب أخذ الموظف بما تعهد به - لا يغير من ذلك القول بأن هذا التعهد قد شابه غلط في الواقع أساسه تحقق وفر إجمالي في بند مصاريف السفر وأجور الانتقال - لجهة الإدارة رفض سفر المبعوث ولو توافرت الاعتمادات المالية اللازمة ما دام تصرفها قد خلا من إساءة استعمال السلطة - القول بعدم جواز التنازل عن هذه المصاريف باعتبارها جزءاً من مميزات الوظيفة أو توابعها غير صحيح - أساس ذلك.
1 - إذا كان الثابت أن المدعية تطلب الحكم بإلزام الحكومة بأن تدفع لها مصاريف إيفادها في بعثة دراسية إلى الولايات المتحدة الأمريكية لدراسة مؤسسات الأحداث والمنحرفين وزيارتها والتدريب فيها، وذلك تنفيذاً للاتفاق الدائم بين الحكومة المصرية وبين حكومة الولايات المتحدة الأمريكية ومنها بعثات النقطة الرابعة، وكذلك استناداً إلى المادة 55 من القانون رقم 210 لسنة 1951 الخاص بنظام موظفي الدولة إذا كان ذلك فإن دفع الحكومة بعدم اختصاص المحكمة تأسيساً على أن الدعوى تنصب على إلزام بمبلغ معين وأنه بذلك يكون النزاع مدنياً - هذا الدفع مردود، بأن المبلغ المطالب به يقوم أساساً باعتباره من الروابط التي تنشأ بحكم الوظيفة العامة التي تنظمها القوانين واللوائح الصادرة في هذا الخصوص وبهذه المثابة فإنه عن علاقة من العلاقات التي تدخل في نطاق القانون العام وليس عن علاقة مدنية بحتة تدخل في نطاق الروابط الخاصة.
2 - إن المهمة التي أوفدت لها المدعية متصلة بأغراض دولية مدارها تبادل الدراية الفنية والخبرة بين الدول ابتغاء إدراك مستوى أرفع للتنمية الاقتصادية والرفاهية الاجتماعية وإشاعة حسن التفاهم بين الدول، وأنه من أجل هذه الأغراض الجليلة اتفق على تنظيم هذه الدراسات التدريبية كي ينهل منها مندوبو الدول المتعاقدة ويشهدوا منافع لهم أوفدوا لتحصيلها تحقيقاً لتبادل الوعي الفني بين الدول وذلك في حدود ما يقضي به اتفاق التعاون الفني وفق برنامج النقطة الرابعة المعقود بين حكومتي مصر والولايات المتحدة الأمريكية النافذ في مصر اعتباراً من 15 من أغسطس سنة 1951 إذا وضع ذلك انعزلت طبيعة هذه الدراسات التدريبية التي انتفعت بها المدعية عن طبيعة المهام الاعتيادية التي توفد فيها الحكومة المصرية موظفيها في العادة لمصلحة مباشرة تعود عليها بالنفع خاصة مما يمتنع معه اعتبار بدل السفر أو مصروفات الانتقال التي نصت عليها المادة 55 من القانون رقم 210 لسنة 1951 بشأن نظام موظفي الدولة منظماً لهذا المقام أو مشروعاً لمواجهة نفقات أمثال تلك المهام.
ولما كان التعاون الفني طبقاً لبرنامج النقطة الرابعة المعقود بين حكومتي مصر والولايات المتحدة الأمريكية القاضي في مادته الثالثة بجعل عبء تحمل نفقات معيشة المبعوثين المصريين مرفوعاً عن كاهل الحكومة المصرية ملقى على عاتق حكومة الولايات المتحدة الأمريكية ويجعل التزام الحكومة المصرية مقصوراً على تحمل نفقات سفر هؤلاء الموفدين إلى الولايات المتحدة الأمريكية وبالعكس هذا الاتفاق على هذا النحو إنما ينصب على تحديد العلاقة بين الحكومتين فيما تلتزم به كل منهما في مواجهة الأخرى ولا يتعدى ذلك إلى التزام الحكومة المصرية في مواجهة المبعوث نفسه إلا بما يتفق مع طبيعة هذه المهام وما تفرضه القواعد التنظيمية الداخلية. ومن ثم فإن الجهة الإدارية إذا ما سحبت ترشيح المدعية لعدم سماح الاعتماد المالي المخصص لمصلحة الخدمات الاجتماعية لمواجهة نفقات سفرها وزملائها على أساس من سلطتها التقديرية التي تمارسها في هذا الشأن وفق مقتضيات المصلحة العامة فإن هذا العدول يكون مستنداً إلى سبب صحيح من الواقع يبرره بحيث إذا ما تقدمت المدعية بعد ذلك ملحة في إجابة ملتمسها بالسفر مع تحملها بنفقاتها وتعهدها بعدم الرجوع على الحكومة بشيء منه فوافقت جهة الإدارة على هذا الطلب المشروط بهذا التعهد السائغ، فإنه يتعين أخذها به، ولا يجوز لها بعد ذلك أن تنقض من جانبها ما تم صحيحاً على يديها ولا يغير من هذا الوضع ما أثاره الحكم المطعون فيه من أن التعهد المشار إليه لا ينتج أثره القانوني لما شابه من عيب الغلط في الواقع أساسه تحقيق وفر إجمالي في بند السفر وأجور الانتقال ما دام هذا الوفر لم تكشف عنه الأوراق إلا في نهاية السنة المالية وبعد صدور القرار الإداري بسحب الترشيح مستنداً إلى السبب الصحيح القائم وقت إصداره ومع هذا فإن مجرد توفر الاعتمادات المالية في هذا الخصوص لا يحرم الجهة الإدارية من ممارسة حقها الطبيعي في رفض سفر أي مبعوث ما دام ذلك مستنداً إلى سلطتها التقديرية التي تباشرها في إدارة المرافق العامة بما يكفل حسن سيرها وانتظامها وطالما لم يثبت أن تصرفها في هذا الصدد قد شابه عيب إساءة استعمال السلطة، كما أنه لا وجه لتنصل المدعية من تعهدها الصريح بتحملها مصروفات الانتقال بحجة أن تنازلها هذا غير جائز باعتبار أن تلك المصروفات تعد جزءاً من ميزات الوظيفة أو توابعها، ذلك أن هذا الوصف غير متحقق بالنسبة للمبالغ المشار إليها بالنظر إلى أن الحكومة - طبقاً لما سبق بيانه - غير ملزمة بردها بالتطبيق للمادة 55 من قانون الموظفين، فضلاً عن أن مثل هذه المصروفات على فرض استحقاقها، هي من قبيل الحقوق المالية التي يستطيع الموظف بإرادته التصرف فيها بكافة التصرفات القانونية في مواجهة الجهة الإدارية ذاتها خاصة إذا ما كانت غير معتبرة فيما يتعلق بالإجازات الدراسية التدريبية، كالحالة التي نحن بصددها من مستلزمات الوظيفة.
إجراءات الطعن
بتاريخ 9/ 7/ 1959 أودع السيد رئيس إدارة قضايا الحكومة عريضة طعن في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري (هيئة التسويات) بجلسة 11/ 5/ 1959 في الدعوى رقم 750 لسنة 12 القضائية المرفوعة من السيدة نجيبة عبد الحميد ضد وزارة الشئون الاجتماعية ووزارة الاقتصاد والتجارة، القاضي "أولاً - برفض الدفع بعدم اختصاص المحكمة بنظر هذه المنازعة وباختصاصها، ثانياً - إلزام الحكومة بأن تدفع للمدعية مبلغ 277 جنيهاً، و450 مليماً والمصروفات المناسبة ورفض ما عدا ذلك من الطلبات" وطلبت إدارة قضايا الحكومة للأسباب المبينة في صحيفة الطعن الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه والحكم أصلياً بعدم اختصاص القضاء الإداري واحتياطياً برفض الدعوى مع إلزام المدعية بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة عن الدرجتين. وقد أعلن الطعن إلى المدعية في 19/ 7/ 1959 وعين لنظره أمام دائرة فحص الطعون جلسة 6/ 11/ 1960. ثم قررت المحكمة إحالة الدعوى إلى المحكمة الإدارية العليا وحددت لذلك جلسة 6/ 5/ 1961 وبعد أن تداولت الدعوى بالجلسات واستوفيت أوراقها وسمعت المحكمة ما رأت لزوماً لسماعه من ملاحظات ذوي الشأن على الوجه الموضح تفصيلاً بالمحاضر قررت إصدار الحكم بجلسة 3/ 3/ 1962 ثم أرجئ النطق به لعدم إتمام المداولة إلى جلسة اليوم.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع الإيضاحات، وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة تتحصل - حسبما يبين من أوراق الطعن - في أن المدعية أقامت دعواها طالبة الحكم بإلزام الحكومة بأن تدفع لها مبلغ 277 ج و450 م والفوائد القانونية بواقع 4% من تاريخ المطالبة الرسمية حتى السداد. وقالت في بيان ذلك إن وزارة الشئون الاجتماعية وقع اختيارها عليها في أوائل عام 1952 لإيفادها في بعثة مدرسية دراسية إلى الولايات المتحدة لدراسة مؤسسات الأحداث المنحرفين وزيارتها والتدريب فيها وذلك تنفيذاً للاتفاق الدائم بين الحكومة المصرية وحكومة الولايات المتحدة الأمريكية بشأن المساعدة الفنية بين مصر وبين الولايات المتحدة الأمريكية ومنها بعثات النقطة الرابعة الموقع عليها في مايو سنة 1951 وقد تضمنت النص في المادة الثالثة على أن تتحمل الحكومة المصرية نفقات سفر المبعوثين. وبعد استعداد المدعية للسفر وتحملها مصاريف باهظة في سبيله فوجئت بأن السفر قد غدا معلقاً على شرط قبولها تحمل مصاريفه ذهاباً وإياباً ومن ثم قبلت تحمل هذه المصاريف على أن تطالب بها بعد عودتها وفعلاً وقعت الإقرار المطلوب منها في هذا الشأن وقد بلغت قيمة المصاريف مبلغ 277 ج، و450 م واستناداً إلى المادة 55 من القانون رقم 210 لسنة 1951 الخاص بنظام موظفي الدولة التي تنص على أن للموظف الحق في استرداد المصروفات التي يتكبدها في سبيل الانتقال لتأدية مهمة حكومية وكذلك إلى المادة 3 من الاتفاقية المبرمة بين الحكومتين المصرية والأمريكية سالفة الذكر المعتبرة بمثابة قانون داخل مصر فإنه يحق للمدعية المطالبة بقيمة مصاريف السفر المشار إليها ولا يغير من هذا الوضع إقرار المدعية بالتنازل عنها باعتبار أن العلاقة بين الموظف وبين الحكومة هي علاقة تنظيمية.
وأجابت الجهة الإدارية على الدعوى بأن دفعت بعدم اختصاص القضاء الإداري بنظر الدعوى تأسيساً على أن الدعوى تنصب على إلزام بمبلغ معين وبذلك يكون النزاع مدنياً. وفي الموضوع ذكرت أن مصلحة الخدمات الاجتماعية رشحت المدعية لإحدى بعثات النقطة الرابعة ولما تبين عدم وجود اعتماد مالي بميزانية المصلحة لهذا الغرض عدلت عن الترشيح غير أن المدعية تقدمت بتاريخ 6/ 10/ 1952 بطلب السفر لهذه البعثة على نفقتها الخاصة دون أن تتحمل المصلحة أية نفقات وتعهدت بعدم الرجوع إلى الوزارة بنفقات هذه البعثة، ثم استعجلت الموافقة في 14/ 10/ 1952 وأمام هذا الإلحاح وافقت الوزارة على أساس تعهد المدعية المذكور. ولما عادت أقامت دعوى أمام محكمة العمال تطالب بمبلغ 249 جنيهاً و975 مليماً والفوائد، قضي فيها بعدم الاختصاص - واستطردت الوزارة إلى أن المادة 55 من قانون التوظف لا تنطبق إلا في حالة صدور أمر للموظف بأداء هذه المهمة لا في حالة تطوعه وإلحاحه في أداء هذا العمل بدون أي تكليف وذلك إرضاء لرغبته وللكسب المادي والأدبي الذي قد يعود عليه من السفر، ولا يعدو أن يكون التصريح في مثل هذه الحالة منصباً على السماح للموظف بالتغيب عن عمله وباعتبار هذه المدة إجازة وترتيباً على ذلك فإنه لا يجوز للمدعية التحدي بأن تنازلها عن حقها في مصاريف السفر مخالف القواعد التنظيمية التي تقوم عليها علاقة الموظف بالحكومة لأن إقرارها لم يكن عن إكراه وفي عدولها عنه ما يعد سلوكاً غير جائز صدوره من الموظف لما فيه من تحايل على القانون. وانتهت إلى أن الاتفاقية المبرمة بين الحكومتين المصرية والأمريكية في شأن بعثات النقطة الرابعة إنما تحدد العلاقة بين الحكومتين فيما تقضي به من تحمل الحكومة الأمريكية مصاريف الإقامة ونفقات البعثة غير مصروفات السفر فتتحملها الحكومة المصرية، وهذا النص غير ملزم للحكومة في مواجهة الموظف بتحمل مصروفات السفر في جميع الأحوال وإنما يكون إلزامها فقط في حالة الموافقة على تحمل هذه المصروفات ومتى كانت الاعتمادات تسمح بذلك.
وبجلسة 11/ 5/ 1959 قضت المحكمة "أولاً - برفض الدفع بعدم اختصاص المحكمة بنظر هذه المنازعة وباختصاصها. ثانياً - إلزام الحكومة بأن تدفع للمدعية مبلغ 277 جنيهاً و450 مليماً والمصروفات المناسبة ورفض ماعدا ذلك من الطلبات" - وأقامت المحكمة قضاءها فيما يتعلق برفض الدفع بعدم الاختصاص على أن هذا الدفع مردود بأن المبلغ المطالب به يقوم أساساً باعتباره من الروابط التي تنشأ بحكم الوظيفة العامة التي تنظمها القوانين واللوائح الصادرة في هذا الخصوص وبهذه المثابة فإنه عن علاقة من العلاقات التي تدخل في نطاق القانون العام وليس عن علاقة مدنية بحتة تدخل في نطاق الروابط الخاصة. وفي الموضوع قالت إن الثابت أن الدافع في تعهد المدعية بأن تتحمل نفقات سفرها للبعثة بالنقطة الرابعة هو ما قدرته جهة الإدارة من عدم سفرها للبعثة لعدم وجود الاعتماد المالي اللازم بميزانية المصلحة للخصم عليه وهذا يخالف حقيقة الواقع ذلك أنه ظهر من مراجعة بند بدل السفر ومصاريف الانتقال أن هناك وفر في إجمال البند وقدره 829 جنيهاً وهو يربو على نفقات سفرها هي وزميلها عبد المنعم جاد وبذلك يكون هناك خطأ في الواقع كان الدافع الرئيسي للتعهد، وهو بذلك يعد جوهرياً ومن شأنه أن يفسد الرضا ويجعل التعهد قابلاً للبطلان وما دام من السهل على الحكومة أن تتبين هذا الغلط فإنها تعد مقصرة وتعويض التقصير هو بإبطال التعهد وبالتالي فإن تعهد المدعية بأن يكون السفر للبعثة على نفقتها الخاصة دون أن تتحمل المصلحة في ذلك أية نفقات مع تعهدها بعدم الرجوع على الوزارة بهذه النفقات هذا التعهد لا ينتج أثره القانوني لما شابه من عيب الغلط الجوهري الذي يجعل القرار الإداري بعدم إمكان السفر لعدم وجود الاعتماد المالي اللازم لهذا الغرض مشوباً بعيب الانحراف لعدم صحة السبب القائم عليه. وإذ كانت أحكام الاتفاقية المبرمة بين الحكومتين المصرية والأمريكية المشار إليها وقد صدرت بقانون فإن أحكامها واجبة الاتباع بالبلاد المصرية قانوناً ومؤدى هذا أن تتحمل الحكومة المصرية مصروفات سفر مبعوثيها ذهاباً وإياباً ما دام صدر منها ترشيح للسفر في البعثة وكان هناك الاعتماد المالي المخصص لهذا الغرض. ومتى ثبت عدم مشروعية قرار الإدارة بالاعتذار عن سفر المدعية فإن من حقها أن تطالب بما يوازي مصروفات سفرها ذهاباً وإياباً بالبعثة للنقطة الرابعة التي رشحت لها من جهة الإدارة باعتبارها دراسة تدريبية في شئون الطفولة والأحداث المتشردين والمهملين لمدة ستة شهور القصد الأول منها المصلحة العامة ومن ثم تعتبر مهمة حكومية تحكمها المادة 55 من القانون رقم 210 لسنة 1951 التي تقضي بأن للموظف الحق في استرداد المصروفات التي يتكبدها في سبيل الانتقال لتأدية تلك المهمة. ثم انتهت المحكمة إلى رفض الطلب الخاص بفوائد هذا المبلغ لأنها لا تخرج عن كونها تعويضاً والمبلغ المطالب به في الدعوى يعد هو الآخر تعويضاً ولا يجوز الجمع بين تعويض وآخر طالما يكفي لجبر الضرر الحكم للمدعية بقيمة تلك المصروفات.
ومن حيث إن الطعن يقوم على أن المدعية تطالب بمصروفات انتقالها الفعلية وليس ببدل سفر أو بدل انتقال بمقدار الراتب أو بنوع الدرجة التي تشغلها فهو نزاع مدني يدخل في اختصاص القضاء العادي وكان يتعين على المحكمة أن تقضي بعدم اختصاصها: وفي الموضوع يستند الطعن إلى أن المادة 55 من القانون رقم 210 لسنة 1951 لا تنطبق في خصوص الدعوى بالنظر إلى أن البعثة التي تكبدت المدعية بسببها المصروفات المطالب بها ليست بمهمة حكومية تمت بناء على تكليف من الحكومة بل إنها لا تعدو أن تكون منحة دراسية من قبل الولايات المتحدة ودور الحكومة المصرية يتحدد في السماح للمدعية بالسفر والتغيب عن مقر عملها طوال فترة الدراسة كما أنه لا يعني الاحتجاج بأحكام الاتفاقية المعقودة بين الحكومتين المصرية والأمريكية التي تقضي بأن تتحمل الحكومة المصرية مصروفات انتقال المبعوثين وعلى أن تتحمل حكومة الولايات المتحدة مصروفات الإقامة لأنه ليس من شأن هذه النصوص وهي تحدد الالتزامات المالية بين الحكومتين أن تكسب حقاً لأحد في أن يطالب الحكومة المصرية بتحقيق هذه المزايا بمجرد موافقة حكومة الولايات المتحدة على السفر بل إن ذلك مرهون بمدى استجابة الحكومة المصرية لتنفيذ أحكام الاتفاقية ومدى توافر الإمكانيات المالية التي تتطلبها وليس أدل على ذلك من أن حكومة الولايات المتحدة نفسها تحملت نفقات سفر بعض المبعوثين كما هو ثابت في الحكم ذاته ودون أن تحتج تلك الحكومة بأحكام الاتفاقية أما ما قضت به المحكمة بالنسبة لإبطال التعهد الصادر من المدعية بتحمل مصروفات سفرها لما شابه من عيب الغلط فمردود عليه بأن هذا التعهد الصادر من المدعية إنما هو تصرف من جانب واحد ولا يتصور الغلط المبطل في مثله لأن نطاق الإبطال للغلط هو التصرفات الثنائية طبقاً للمادة 120 مدني، كما أن إرجاع المحكمة قرار عدم مشروعية قرار جهة الإدارة بالعدول عن ترشيح المدعية لعدم وجود الاعتماد المالي لهذا الغرض إلى عيب الانحراف قد جانب الصواب ما دام أنها لم تنسب للإدارة هدفاً استهدفت فيه غير الصالح العام أو قاعدة تخصيص الأهداف، خاصة وأن ما ورد في الاتفاقية من تحميل الحكومة المصرية نفقات الانتقال فهو يقيدها قبل حكومة الولايات المتحدة لا قبل رعاياها ويظل من حقها أن تعاملهم على الأسس التي تراها متفقة والصالح العام ما دامت لا تخل بمبدأ المساواة بين الجميع.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه قد صادف وجه التطبيق السليم للقانون فيما قضى به من رفض الدفع بعدم اختصاص القضاء الإداري بنظر الدعوى للأسباب التي قام عليها والتي تأخذ بها هذه المحكمة.
ومن حيث إن المهمة التي أوفدت لها المدعية متصلة بأغراض دولية مدارها تبادل الدراية الفنية والخبرة بين الدول ابتغاء إدراك مستوى أرفع للتنمية الاقتصادية والرفاهية الاجتماعية وإشاعة حسن التفاهم بين الدول، وأنه من أجل هذه الأغراض الجليلة اتفق على تنظيم هذه الدراسات التدريبية كي ينهل منها مندوبو الدول المتعاقدة ويشهدوا منافع لهم أوفدوا لتحصيلها تحقيقاً لتبادل الوعي الفني بين الدول وذلك في حدود ما يقضي به اتفاق التعاون الفني وفق برنامج النقطة الرابعة المعقود بين حكومتي مصر والولايات المتحدة الأمريكية النافذ في مصر اعتباراً من 15 من أغسطس سنة 1951 إذا وضح ذلك انعزلت طبيعة هذه الدراسات التدريبية التي انتفعت بها المدعية عن طبيعة المهام الاعتيادية التي توفد فيها الحكومة المصرية موظفيها في العادة لمصلحة مباشرة تعود عليها بالنفع خاصة مما يمتنع معه اعتبار بدل السفر أو مصروفات الانتقال الذي نصت عليها المادة 55 من القانون رقم 210 لسنة 1951 بشأن نظام موظفي الدولة منظماً لهذا المقام أو مشروعاً لمواجهة نفقات أمثال تلك المهام.
ولما كان التعاون الفني طبقاً لبرنامج النقطة الرابعة المعقود بين حكومتي مصر والولايات المتحدة الأمريكية القاضي في مادته الثالثة بجعل عبء تحمل نفقات معيشة المبعوثين المصريين، مرفوعاً عن كاهل الحكومة المصرية، ملقى على عاتق حكومة الولايات المتحدة الأمريكية وبجعل التزام الحكومة المصرية مقصوراً على تحمل نفقات سفر هؤلاء الموفدين إلى الولايات المتحدة وبالعكس، هذا الاتفاق على هذا النحو إنما ينصب على تحديد العلاقة بين الحكومتين فيما تلتزم به كل منهما في مواجهة الأخرى ولا يتعدى ذلك إلى التزام الحكومة المصرية في مواجهة المبعوث نفسه إلا بما يتفق مع طبيعة هذه المهام وما تفرضه القواعد التنظيمية الداخلية ومن ثم فإن الجهة الإدارية إذا ما سحبت ترشيح المدعية لعدم سماح الاعتماد المالي المخصص لمصلحة الخدمات الاجتماعية بمواجهة نفقات سفرها وزملائها على أساس من سلطتها التقديرية التي تمارسها في هذا الشأن وفق مقتضيات المصلحة العامة، فإن هذا العدول يكون مستنداً إلى سبب صحيح من الواقع يبرره بحيث إذا ما تقدمت المدعية بعد ذلك ملحة في إجابة ملتمسها بالسفر مع تحملها بنفقاته وتعهدها بعدم الرجوع على الحكومة بشيء منه فوافقت جهة الإدارة على هذا الطلب المشروط بهذا التعهد السائغ، فإنه يتعين أخذها به، ولا يجوز لها بعد ذلك أن تنقض من جانبها ما تم صحيحاً على يديها - ولا يغير من هذا الوضع ما أثاره الحكم المطعون فيه من أن التعهد المشار إليه لا ينتج أثره القانوني لما شابه من عيب الغلط في الواقع أساسه تحقيق وفر إجمالي في بند السفر وأجور الانتقال ما دام هذا الوفر لم تكشف عنه الأوراق إلا في نهاية السنة المالية بعد صدور القرار الإداري بسحب الترشيح مستنداً إلى السبب الصحيح القائم وقت إصداره ومع هذا فإن مجرد توفر الاعتمادات المالية في هذا الخصوص لا يحرم جهة الإدارة من ممارسة حقها الطبيعي في رفض سفر أي مبعوث ما دام ذلك مستنداً إلى سلطتها التقديرية التي تباشرها في إدارة المرافق العامة بما يكفل حسن سيرها وانتظامها وطالما لم يثبت أن تصرفها في هذا الصدد قد شابه عيب إساءة استعمال السلطة، كما أنه لا وجه لتنصل المدعية من تعهدها الصريح بتحملها مصروفات الانتقال بحجة أن تنازلها هذا غير جائز باعتبار أن تلك المصروفات تعد جزءاً من ميزات الوظيفة أو توابعها وذلك أن هذا الوصف غير متحقق بالنسبة للمبالغ المشار إليها بالنظر إلى أن الحكومة طبقاً لما سبق بيانه غير ملزمة بردها بالتطبيق للمادة 55 من قانون الموظفين، فضلاً عن أن مثل هذه المصروفات - على فرض استحقاقها - هي من قبيل الحقوق المالية التي يستطيع الموظف بإرادته التصرف فيها بكافة التصرفات القانونية في مواجهة الجهة الإدارية ذاتها خاصة إذا ما كانت غير معتبرة فيما يتعلق بالإجازات الدراسية التدريبية - كالحالة التي نحن بصددها - من مستلزمات الوظيفة.
ومن حيث إنه لما تقدم يكون الطعن قد قام على أساس سليم من القانون ويكون الحكم المطعون فيه قد جانب الصواب إذ قضى باستحقاق المدعية لمصروفات الانتقال المشار إليها ويتعين من أجل ذلك إلغاؤه والقضاء برفض الدعوى مع إلزام المدعية بالمصروفات.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه وبرفض الدعوى وألزمت المدعية بالمصروفات.
ساحة النقاش