موقع المستشار/ البسيونى محمود أبوعبده المحامى بالنقض والدستورية العليا نقض جنائي- مدني- مذكرات- صيغ- عقود محمول01277960502 - 01273665051

قرار مجلس الوزراء في 21/ 9/ 1938 في شأن بدل العدوى تقريره صرف هذا البدل للموظفين والمستخدمين الإداريين

الحكم كاملاً

مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الثالثة - العدد الثالث (من أول يونيه إلى آخر سبتمبر سنة 1958) - صـ 1389

(147)
جلسة 14 من يونيه سنة 1958

برياسة السيد/ السيد علي السيد رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة السيد إبراهيم الديواني وعلي إبراهيم بغدادي والدكتور محمود سعد الدين الشريف ومصطفى كامل إسماعيل المستشارين.

القضية رقم 514 لسنة 3 القضائية

( أ ) مرتب بدل العدوى - قرار مجلس الوزراء في 21/ 9/ 1938 في شأن بدل العدوى - تقريره صرف هذا البدل للموظفين والمستخدمين الإداريين والكتابيين بالمعامل - قضاؤه بخصم هذه المرتبات على الوفورات إلى أن يتسنى إدراجها في الميزانية - حقهم في هذا البدل منجز واجب الأداء حالاً - عدم تعليق نفاذه على فتح الاعتماد اللازم - عند عدم كفاية الاعتمادات المدرجة يرجع إلى وفورات المرتبات لتغطية الفرق - عند عدم كفاية الوفورات أو الاعتمادات المدرجة مع الوفورات لا محيص من ضغط المستحقات والنزول بها نسبياً إلى الحد الذي تسمح به موارد الميزانية.
(ب) مرتب بدل العدوى - قرار مجلس الوزراء في 21/ 9/ 1938 بمنح بدل عدوى للموظفين والمستخدمين الإداريين والكتابيين بالمعامل وغيرهم - خلوه من تحديد فئة المرتب لمن هم في درجة أعلى من الدرجات السادسة من غير الأطباء - لا يخل باستحقاقهم له - منحهم المرتب يكون بالقدر المتيقن، أي بفئة الدرجة الأدنى.
1 - إن قضاء هذه المحكمة جرى على أنه إذا كان القرار الإداري من شأنه ترتيب أعباء مالية جديدة على عاتق الخزانة فلا يتولد أثره حالاً ومباشرة إلا إذا كان ذلك ممكناً وجائزاً قانوناً، أو متى أصبح كذلك بوجود الاعتماد المالي الذي يستلزمه تنفيذ القرار لمواجهة هذه الأعباء، ولكن يبين من استقراء قرار مجلس الوزراء الصادر في 21 من سبتمبر سنة 1938 - الذي قضى بمنح الموظفين والمستخدمين الإداريين والكتابيين بالمعامل بدل عدوى - بحسب نصوصه وفحواه - على هدي مذكرة اللجنة المالية التي وافق عليها - أنه لم يعلق نفاذه على فتح الاعتماد المالي اللازم لذلك، وإنما قضى "بخصم هذه المرتبات على الوفورات إلى أن يتسنى إدراجها في الميزانية". فقصد أن يكون حق ذي الشأن منجزاً يستوفيه متى قام موجبه؛ ولذا دبر القرار المصرف المالي المؤقت لذلك، وهو وفورات المرتبات إلى أن تدرج الاعتمادات اللازمة في الميزانية، وهو ما يؤكد اعتبار هذا الحق منجزاً واجب الأداء حالاً غير موقوف على فتح الاعتماد، بل يستوفى من الوفورات إن لم تدرج الاعتمادات؛ وينبني على ذلك من جهة أخرى أنه إذا لم تكف الاعتمادات المدرجة لأداء هذه المرتبات خلال السنة المالية فيرجع إلى وفورات المرتبات لتغطية الفرق، أما إذا لم تكف وفورات المرتبات في حالة عدم إدراج اعتمادات أو لم تكف الاعتمادات المدرجة مع وفورات المرتبات لمواجهة المرتبات المستحقة كاملة، فلا مفر عندئذٍ من ضغط هذه المستحقات والنزول بها نسبياً إلى الحد الذي تسمح به موارد الميزانية على النحو المتقدم.
2 - لا وجه للقول بعدم استحقاق المدعي مرتب بدل العدوى بمقولة إنه في الدرجة الخامسة، وقد خلا قرار مجلس الوزراء من تحديد فئة المرتب لمن هم في درجة أعلى من الدرجة السادسة من غير الأطباء، مما يستفاد منه أنه لم يقصد منح هذه الطائفة من الموظفين المرتب المذكور - لا وجه لذلك؛ إذ أن الفقرة العاشرة من قرار 21 من سبتمبر سنة 1938 نصت على منح بدل العدوى إلى "الموظفين والمستخدمين الإداريين والكتابيين بالمعامل ومستشفى الكلب". والفقرة المذكور - على ما هو ظاهر من صريح نصها - قد عممت صرف مرتب بدل العدوى لجميع هؤلاء الموظفين والمستخدمين دون تحديد درجة معينة؛ للحكمة التي قام عليها القرار وهي تعرضهم جميعاً لخطر العدوى، فأصبح لهم بذلك أصل حق ثابت في هذا المرتب لا سبيل إلى منعه عنهم بحجة أنهم في الدرجة الخامسة؛ إذ لا يتصور - مع إطلاق النص - أن يكون القرار قد قصد إلى حرمانهم من هذا المرتب، ما دام الصرف كان لموجب معين توافر فيهم كما توافر في باقي زملائهم من الدرجات الأدنى، وأنه ولئن كان قرار 18 من يوليه سنة 1936، الذي حدد فئات مرتب بدل العدوى والذي أشار إليه قرار 21 من سبتمبر سنة 1938، لم يحدد فئة مرتب موظفي الدرجة الخامسة فما فوقها من غير الأطباء، إلا أنه وقد ثبت حقهم في هذا المرتب، فلا مندوحة من منحهم المرتب بالقدر المتيقن، أي بفئة الدرجة الأدنى، وهي فئة الدرجة السادسة، بمراعاة الصالح للخزانة عند الغموض أو الشك أو السكوت.


إجراءات الطعن

في 28 من فبراير سنة 1957 أودع السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة طعناً في الحكم الصادر من المحكمة الإدارية لوزارة الصحة بجلسة 30 من ديسمبر سنة 1956 في الدعوى رقم 388 سنة 3 ق المرفوعة من السيد/ رياض حنا ضد وزارة الصحة، القاضي "أولاً: برفض الدفع بعدم اختصاص المحكمة بنظر الدعوى، وباختصاصها بنظرها، وثانياً: برفض الدعوى، وإلزام المدعي بالمصروفات". وطلب السيد رئيس هيئة المفوضين - للأسباب التي استند إليها في عريضة الطعن - الحكم "بقبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع إلغاء الحكم المطعون فيه، والقضاء للمدعي بطلباته في الحدود الموضحة في أسباب الطعن، وإلزام الوزارة بالمصروفات". وقد أعلن الطعن للحكومة في 8 من إبريل سنة 1957، وللمدعي في 15 منه، وعين لنظره جلسة 29 من مارس سنة 1958، وفيها سمعت المحكمة ما رأت سماعه من إيضاحات، ثم أرجأت النطق بالحكم لجلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعة الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة، حسبما يبين من الأوراق، تتحصل في أنه بصحيفة أودعت سكرتيرية المحكمة الإدارية لوزارة الصحة في 9 من إبريل سنة 1956 أقام المدعي الدعوى رقم 388 سنة 3 ق ضد وزارة الصحة، طالباً الحكم بأحقيته في مرتب العدوى من 21 من سبتمبر سنة 1938 بالفئات المقررة بقرار مجلس الوزراء الصادر في التاريخ المذكور، ويقدر عن تلك المدة لغاية إحالته إلى المعاش في أول يناير سنة 1954 بمبلغ 460 ج، مع إلزام الحكومة بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة، وقال بياناً لذلك إنه التحق بمصلحة المعامل الرئيسية في سنة 1918، وكانت طبيعة عمله تعرضه للعدوى؛ إذ أن أعمال المعامل جميعها منصبة على فحص عينات الأمراض المعدية، الأمر الذي دعا وزارة الصحة إلى استصدار قرار من مجلس الوزراء في 21 من سبتمبر سنة 1938 بمنح من يعملون بالمعامل مرتب عدوى، وكان المدعي في أول سبتمبر سنة 1938 في الدرجة السابعة، ورقي إلى الدرجة السادسة في أول مايو سنة 1946، وإلى الدرجة الخامسة في أول مايو سنة 1952، ثم اعتزل الخدمة في أول يناير سنة 1954، وكان في جميع هذه الدرجات يقوم بالإشراف على الأعمال الكتابية والحسابية بالمعامل الرئيسية بفروعها المختلفة، وعلى وجه الخصوص مراجعة جميع الاستمارات الواردة من المعامل الإقليمية والمعامل الرئيسية والمتداولة في أيد ملوثة بالعدوى كما يساعد مدير الإدارة في القيام بالتفتيش على أعمال المعامل، الأمر الذي يعرضه للعدوى. ولما صدر قرار مجلس الوزراء المشار إليه ناصاً في فقرته العاشرة على منح الموظفين والمستخدمين الإداريين والكتابيين بالمعامل بدل العدوى الوارد في القرار، التمس المدعي منحه هذا المرتب، وأيدت المصلحة وجهة نظره، وكانت توالي درج الاعتمادات اللازمة منتظرة فرصة الموافقة عليها لتمنح المدعي هذا المرتب المقرر له قانوناً. وقد صدر أخيراً قرار من اللجنة القضائية لوزارة الصحة في التظلم المرفوع إليها من أحمد محمد سلطان الموظف بالكادر الكتابي بالمعامل بأحقيته في صرف بدل العدوى، وتأيد هذا القرار من محكمة القضاء الإداري، فتقدم المدعي بهذه الدعوى حتى لا تظل الوزارة متذرعة بعدم كفاية الاعتمادات إلى ما لا نهاية دون سند من القانون. وقد ردت مصلحة المعامل على الدعوى بأنه في 21 من سبتمبر سنة 1938 صدر قرار من مجلس الوزراء بالموافقة على منح بعض فئات محددة من الموظفين والمستخدمين بوزارة الصحة مرتب بدل عدوى، ومن ضمنها (البند 10) الموظفون والمستخدمون الإداريون والكتابيون بالمعامل، وأن المدعي لم يطبق عليه قرار مجلس الوزراء المشار إليه لعدم كفاية الاعتماد المدرج في الميزانية، مع أن طبيعة أعماله طوال مدة خدمته بالمعامل تعرضه للعدوى، وسبق أن أدرج اسمه ضمن من يستحقون بدل العدوى، بل إن المصلحة من جانبها كانت توالي تأييد هذا الاتجاه، وكان يحول دون الصرف عدم كفاية الاعتمادات، ثم تقول المصلحة إن اعتماد مرتب بدل العدوى الذي يدرج بالميزانية سنوياً لا يكفي لمنح جميع المستخدمين هذا المرتب؛ لذلك كانت المصلحة تقوم بمنح البعض دون البعض الآخر، وأنها طالبت مراراً بزيادة الاعتمادات ليتسنى منح المرتب لجميع الموظفين والمستخدمين، وذلك نظراً إلى أنهم جميعاً سواء من حيث التعرض للعدوى؛ إذ يضمهم مبنى واحد كما تتشابك أعمالهم الفنية والإدارية، الأمر الذي لا يمكن معه التفرقة بين موظف وآخر بالنسبة لخطر العدوى، ثم استطردت المصلحة تقول إن مستشار الرأي لوزارة الصحة أفتى بوجوب صرف بدل العدوى في حالة مماثلة على الوفورات وأشار بوجوب العمل على طلب الاعتماد الكافي لصرف المبالغ المستحقة، والمصلحة من جانبها جارية في اتخاذ اللازم لتسوية حالات من لا يزالون في الخدمة على ضوء هذه الفتوى، غير أنه نظراً إلى أن المدعي قد اعتزل الخدمة فالمسألة لا زالت موضع نظر بالنسبة له. وقد قدمت الحكومة مذكرة أخرى رداً على ما أثير من مناقشات بالجلسات دفعت فيها بعدم اختصاص المحكمة بنظر المنازعة؛ لعدم توافر الصفة التي نص عليها القانون رقم 165 لسنة 1955 في المدعي، على أساس أنه وقد أحيل إلى المعاش وانقطعت صلته بالوظيفة لم يعد موظفاً عمومياً ممن يختص مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري بالنظر في المنازعات الخاصة بهم، وفي الموضوع قالت إنه ببحث الموضوع في الجهات المختصة بالوزارة تبين أن البند (هـ) من ميزانية الوزارة يتكون من عدة مرتبات (بدل صناعة - بدل إقامة - بدل عدوى... إلخ)، وأن هناك مبالغ محددة بالميزانية سنوياً خاصة بمرتب بدل العدوى لموظفي ومستخدمي المعامل. وقد أوضح كتاب المستخدمين المؤرخ 21 من نوفمبر سنة 1956 بأن هذا المصرف المالي غير موجود حالياً، وإنما في حالة التراضي بين الوزارة وبين المدعي يمكن للوزارة اتخاذ إجراءات مالية للصرف إن كان له حق، ولا يمكن تحقيق ذلك إلا بعد أخذ موافقة الجهات المختصة بوزارة المالية والاقتصاد لتنفيذ ذلك، ثم أشارت المذكرة إلى أنه حتى إذا ثبت للمدعي حق في هذا المرتب فإنه لا يستحقه إلا عن خمس السنوات السابقة على رفع الدعوى، وأخيراً ناقشت أحقية موظفي الدرجة الخامسة فما فوقها من غير الأطباء لمرتب بدل العدوى، فقالت إن قرار مجلس الوزراء الصادر في 21 من سبتمبر سنة 1938 صدر بناءً على توصية وزارة الصحة، وقد جاء بالفقرة الرابعة من مذكرة اللجنة المالية المرفوعة لمجلس الوزراء أن "الوزارة توصي على معاملتهم معاملة زملائهم ومنحهم مرتب العدوى بواقع الفئات التي أقرها المجلس في 18 من يوليه سنة 1936"، ولم ينص هذا القرار على منح غير الأطباء إلا موظفي الدرجتين السادسة والسابعة دون غيرهم من باقي الدرجات، ولا اجتهاد مع النص، ومن جهة أخرى فإن ديوان الموظفين أخذ بهذا الرأي ولم يعط لغير موظفي الدرجة السادسة والدرجة السابعة هذا البدل، وخلصت الوزارة من ذلك كله إلى طلب الحكم أصلياً بعدم اختصاص المحكمة بنظر الدعوى، واحتياطياً بسقوط حق المدعي في هذا المرتب، إلا في حدود التقادم الخمسي من وقت شغله الدرجة السادسة إلى تاريخ ترقيته إلى الدرجة الخامسة من أول مايو سنة 1952 فقط. وبجلسة 30 من ديسمبر سنة 1956 حكمت المحكمة "أولاً: برفض الدفع بعدم اختصاص المحكمة بنظر الدعوى، وباختصاصها بنظرها، ثانياً: برفض الدعوى، وألزمت المدعي بالمصروفات". وأقامت المحكمة قضاءها بالنسبة للدفع بعدم الاختصاص على "أن المدعي إنما يطالب في دعواه هذه بما يقول إنه مستحق له من مال (بدل عدوى) نظير قيامه بعمله في مصلحة المعامل التابعة للوزارة المدعى عليها قبل إحالته إلى المعاش، فالدعوى في موضوعها تتصل بصميم حياة الوظيفة، هذا والإحالة إلى المعاش في ذاتها لا تقطع صلة الموظف بالوظيفة التي يشغلها إلا بعد أن يستقر مركزه تماماً، فله قانوناً حق الطعن في قرار الإحالة إلى المعاش في ذاته، وله أن يطالب بتسوية معاشه أو مكافأته أو بما له من حقوق أخرى يرى أنه يستحقها قبل جهة الإدارة التي كان يعمل فيها قبل الإحالة إلى المعاش، فكل هذه أمور تتعلق بالحياة الوظيفية تجعل للموظف الحق في الالتجاء إلى القضاء الإداري، وتضفي على صاحب المصلحة الصفة التي تؤهله لهذه المقاضاة؛ ومن هذا يبين أن هذا الدفع على غير أساس سليم". وبالنسبة للموضوع على أن "قضاء المحكمة الإدارية العليا قد استقر على أن القواعد التنظيمية العامة - التي تصدرها السلطة التنفيذية والتي تتضمن مصروفاً غير وارد في الميزانية - لا يتكامل وجودها القانوني إلا بعد أن توافق السلطة التشريعية على الاعتماد اللازم للتنفيذ، ويستوي في هذا أن لا يكون هناك اعتماد مدرج لتنفيذ قرار السلطة التنفيذية أو أن لا يكون هناك اعتماد كافٍ للتنفيذ؛ لأن موافقة السلطة التشريعية على الاعتماد يجب أن تتناول المبدأ والمقدار بالضبط، وإلا استحال قانوناً دفع المبلغ المقرر"، وأنه "أخذاً بهذه القاعدة القانونية لا يكون لقرار مجلس الوزراء الصادر في 21 من سبتمبر سنة 1938 أثره الكامل المطلق إلا إذا استكمل وجوده القانوني باعتماد السلطة التشريعية لجميع المال اللازم لتنفيذه"، وأنه لما كان "الاعتماد المالي جزئياً ولم يف للصرف منه للمدعي، فقد استحال على الوزارة تنفيذ ذلك القرار الذي لم يستكمل أهم عناصره وهو المصرف المالي، وبالتالي فلا يمكن بحال إلزام الوزارة دفع بدل العدوى المطالب به؛ ومن ثم تكون الدعوى على غير أساس سليم من القانون... أما ما دفعت به الوزارة من سقوط حق المدعي في المطالبة بالتقادم الخمسي فمردود بأن الدفع بسقوط الحق لا يتأتى إلا إذا كان الحق في ذاته قائماً فعلاً وتراخى صاحبه في المطالبة به المدة القانونية المحددة للسقوط، ولكن الحق في الدعوى الحالية لم يستكمل عناصره ليكون ذا كيان قانوني. فعدم كفاية الاعتماد المالي لتنفيذ قرار مجلس الوزراء الصادر في 21 من سبتمبر سنة 1938 أفقد هذا القرار وجوده القانوني، فاستحال تنفيذه؛ ومن ثم فإن مدة التقادم لا تبدأ إلا من وقت نشوء الحق واستيفائه لكافة عناصره القانونية، وبالتالي يكون الدفع على غير أساس سليم".
ومن حيث إن الطعن يقوم على أن عدم كفاية الاعتماد المالي طبقاً للمبدأ الذي وضعته المحكمة العليا لا يحول دون نفاذ أثر القرار متى استوفى أوضاعه وتكاملت له مقوماته التي تجعله نافذاً قانوناً، فكان لزاماً على الوزارة استيفاء المبالغ اللازمة لأداء البدل كاملاًَ، تنفيذاً للقرار الصادر في هذا الشأن؛ وبهذه المثابة يكون طلب المدعي قائماً على أساس سليم من القانون متعيناً إجابته بما يترتب على ذلك من فروق مالية عن الفترة التي لم يتقادم الحق في صرفها خلالها بالتقادم، وإذ ذهب الحكم المطعون فيه مذهباً مخالفاً فإنه يكون قد خالف القانون. وقد قدمت الحكومة مذكرة طلبت فيها رفض الطعن للأسباب التي سبق أن ذكرتها في مذكرتها، ولما ردده الحكم من عدم كفاية الاعتماد المالي.
ومن حيث إنه يبين من الاطلاع على ملف خدمة المدعي إنه التحق بالعمل بمصلحة الصحة العمومية في 4 من مايو سنة 1918، ونقل إلى المعامل من 4 من نوفمبر سنة 1918 في وظيفة كاتب بمرتب 60 ج سنوياً، ونقل إلى الدرجة حرف ج اعتباراً من أول إبريل سنة 1921، ورقي إلى الدرجة السابعة اعتباراً من أول سبتمبر سنة 1938، وإلى الدرجة السادسة من أول مايو سنة 1946، وإلى الدرجة الخامسة من 7 من مارس سنة 1953، ثم أحيل إلى المعاش اعتباراً من أول يناير سنة 1954.
ومن حيث إنه في 12 من أغسطس سنة 1938 رفعت اللجنة المالية مذكرة إلى مجلس الوزراء في شأن صرف بدل عدوى لموظفي المعامل الرئيسية والإقليمية ومعهد الأبحاث ورد بها ما يأتي: "يصرف لأطباء وموظفي مستشفيات الحميات والجذام والأمراض الصدرية بدل عدوى تختلف فئاته باختلاف الدرجات، وقد حددها قرار مجلس الوزراء الصادر في 18 من يوليه سنة 1936 كما يلي: 60 ج في السنة للأطباء، 36 ج في السنة لموظفي الدرجة السادسة، 24 ج في السنة لموظفي الدرجة السابعة، 12 ج في السنة للممرضات والمولدات من الدرجة الثامنة، 6 ج للخدمة السايرة. وقد جاء في كتاب لوزارة الصحة تاريخه 27 من مارس سنة 1938 أن المعامل الرئيسية والإقليمية ومعهد الأبحاث تقوم بفحص عينات الأمراض التي ترد لها من مختلف جهات القطر ومن بينها الأمراض المعدية كالطاعون والحميات المتنوعة والدفتريا والدرن وداء الكلب... إلخ، ولما كان موظفو ومستخدمو هذه الوحدات يتداولون تلك العينات، فهم بحكم وظائفهم معرضون لخطر العدوى شأنهم شأن زملائهم الذين يقومون بعلاج تلك الأمراض؛ لذلك توصي الوزارة على معاملتهم معاملة زملائهم ومنحهم مرتب العدوى بواقع الفئات التي أقرها مجلس الوزراء في 18 من يوليه سنة 1936، وفيما يلي بيان الوظائف التي توصي الوزارة على منح شاغليها مرتب العدوى: (1) مدير المعامل. (2) وكيل المعامل. (3) مدير معهد ومستشفى الكلب. (4) البكتريولوجيون بالمعامل الرئيسية والإقليمية ومستشفى الكلب والأطباء الذين يقومون بالأعمال البكتريولوجية. (5) الطبيب البيطري بالمعامل. (6) الأخصائيون بمعهد الأبحاث. (7) البكتريولوجيون بمعهد الأبحاث. (8) أطباء معهد الأبحاث. (9) محضران درجة ثامنة بالمعامل. (10) الموظفون والمستخدمون الإداريون والكتابيون بالمعامل ومستشفى الكلب. (11) مساعدو المعامل (القسم البكتريولوجي) بالمعامل الرئيسية والإقليمية ومستشفى الكلب، وستخصم هذه المرتبات على الوفورات إلى أن يتسنى إدراجها في الميزانية. واللجنة المالية ترى الموافقة على طلب وزارة الصحة العمومية، على أن يكون صرف هذه المرتبات من تاريخ قرار مجلس الوزراء بدون أثر رجعي، واللجنة تتشرف برفع رأيها إلى مجلس الوزراء لإقراره". وقد وافق مجلس الوزراء بجلسته المنعقدة في 21 من سبتمبر سنة 1938 على رأي اللجنة المبين في هذه المذكرة، وأبلغت وزارة المالية بهذا القرار.
ومن حيث إن قضاء هذه المحكمة جرى على أنه إذا كان القرار الإداري من شأنه ترتيب أعباء مالية جديدة على عاتق الخزانة فلا يتولد أثره حالاً ومباشرة إلا إذا كان ذلك ممكناً وجائزاً قانوناً، أو متى أصبح كذلك بوجود الاعتماد المالي الذي يستلزمه تنفيذ القرار لمواجهة هذه الأعباء، ولكن يبين من استقراء قرار مجلس الوزراء سالف الذكر - بحسب نصوصه وفحواه على هدي مذكرة اللجنة المالية التي وافق عليها - أنه لم يعلق نفاذه على فتح الاعتماد المالي اللازم لذلك، وإنما قضى "بخصم هذه المرتبات على الوفورات إلى أن يتسنى إدراجها في الميزانية". فقصد أن يكون حق ذوي الشأن منجزاً يستوفيه متى قام موجبه؛ ولذا دبر القرار المصرف المالي المؤقت لذلك، وهو وفورات المرتبات إلى أن تدرج الاعتمادات اللازمة في الميزانية، وهو ما يؤكد اعتبار هذا الحق منجزاً واجب الأداء حالاً غير موقوف على فتح الاعتماد، بل يستوفى من الوفورات إن لم تدرج الاعتمادات، وينبني على ذلك من جهة أخرى أنه إذا لم تكف الاعتمادات المدرجة لأداء هذه المرتبات خلال السنة المالية فيرجع إلى وفورات المرتبات لتغطية الفرق، أما إذا لم تكف وفورات المرتبات في حالة عدم إدراج اعتمادات أو لم تكف الاعتمادات المدرجة مع وفورات المرتبات لمواجهة المرتبات المستحقة كاملة، فلا مفر عندئذٍ من ضغط هذه المستحقات والنزول بها نسبياً إلى الحد الذي تسمح به موارد الميزانية على النحو المتقدم.
ومن حيث إنه لا وجه لما تذهب إليه الحكومة من عدم استحقاق المدعي مرتب بدل العدوى بمقولة إنه في الدرجة الخامسة، وقد خلا قرار مجلس الوزراء من تحديد فئة المرتب لمن هم في درجة أعلى من الدرجة السادسة من غير الأطباء؛ مما يستفاد منه أنه لم يقصد منح هذه الطائفة من الموظفين المرتب المذكور - لا وجه لذلك؛ إذ أن الفقرة العاشرة من قرار 21 من سبتمبر سنة 1938 نصت على منح بدل العدوى إلى "الموظفين والمستخدمين الإداريين والكتابيين بالمعامل ومستشفى الكلب". والفقرة المذكور - على ما هو ظاهر من صريح نصها - قد عممت صرف مرتب بدل العدوى لجميع هؤلاء الموظفين والمستخدمين دون تحديد درجة معينة؛ للحكمة التي قام عليها القرار وهي تعرضهم جميعاً لخطر العدوى، فأصبح لهم بذلك أصل حق ثابت في هذا المرتب لا سبيل إلى منعه عنهم، بحجة أنهم في الدرجة الخامسة؛ إذ لا يتصور - مع إطلاق النص - أن يكون القرار قد قصد إلى حرمانهم من هذا المرتب، ما دام الصرف كان لموجب معين توافر فيهم كما توافر في باقي زملائهم من الدرجات الأدنى، وأنه ولئن كان قرار 18 من يوليه سنة 1936، الذي حدد فئات مرتب بدل العدوى والذي أشار إليه قرار 21 من سبتمبر سنة 1938، لم يحدد فئة مرتب موظفي الدرجة الخامسة فما فوقها من غير الأطباء، إلا أنه وقد ثبت حقهم في هذا المرتب، فلا مندوحة من منحهم المرتب بالقدر المتيقن، أي بفئة الدرجة الأدنى، وهي فئة الدرجة السادسة، بمراعاة الصالح للخزانة عند الغموض أو الشك أو السكوت.
ومن حيث إن هذه المحكمة سبق أن قضت بأن مقتضيات النظام الإداري تدعو إلى اعتبار الطلب أو التظلم الذي يوجهه الموظف إلى السلطة الرياسية المختصة متمسكاً فيه بحقه وطالباً أداءه يقوم مقام المطالبة القضائية في قطع التقادم. ومن حيث إنه لما كانت دعوى المدعي - على ما يبين من الاطلاع على ملف خدمته - لم يسبقها تظلم إداري من قبله قاطع للتقادم قبل خمس السنوات الأخيرة السابقة على رفع الدعوى في 9 من إبريل سنة 1956، فإن المدعي لا يستحق مرتب بدل العدوى إلا بالنسبة لما لم ينقض عليه أكثر من خمس سنوات سابقة على هذا التاريخ.
ومن حيث إنه لكل ما تقدم يكون الحكم المطعون فيه قد جانب الصواب متعيناً إلغاؤه.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه، وباستحقاق المدعي لبدل العدوى بالتطبيق لقرار مجلس الوزراء الصادر في 21 من سبتمبر سنة 1938 على الوجه المبين بأسباب هذا الحكم، وذلك فيما لم ينقض عليه خمس سنوات سابقة على رفع الدعوى الحاصل في 9 من إبريل سنة 1956، وألزمت الحكومة بالمصروفات.

 

 

======================================================================

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 32 مشاهدة
نشرت فى 19 إبريل 2020 بواسطة basune1

ساحة النقاش

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

5,119,716

الموقع الخاص بالاستاذ/ البسيونى محمود ابوعبده المحامى بالنقض والدستوريه العليا

basune1
المستشار/ البسيونى محمود أبوعبده المحامى بالنقض والدستورية العليا استشارات قانونية -جميع الصيغ القانونية-وصيغ العقود والمذكرات القانونية وجميع مذكرات النقض -المدنى- الجنائى-الادارى تليفون01277960502 -01273665051 العنوان المحله الكبرى 15 شارع الحنفى - الإسكندرية ميامى شارع خيرت الغندور من شارع خالد ابن الوليد »