الحج خواطر حاضرة
بقلم بشير بن علي
ما أسعد الحجيج في هذه اللحظات وهم يسيرون في جنبات البيت الحرام، وتبقت ساعات معدودة بينهم وبين جبل الرحمة والتعرض لنفحات الله في عرفات.
ليعودوا والفرحة تغمر محياهم،كيف لا . وقد عادوا كما ولدتهم أمهاتهم.
بل أكثر فما تم التجاوز عنه هو السيء من العمل ليبقى رصيدهم من الحسنات ساريا، والسعيد من كانت أوبته وتوبته نابعة من قلب حي ،لينعم بقولة تعالى: (إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً) الفرقان : اية 70.
وإذا كنا في بيوتنا فما أحلى أن نعي الفكرة ونفهم مقصود الحج، ولعلك قارىء العزيز تسرح بأفكارك في رحاب هذا الحدث العظيم.فكما يطوف الحاج بالبيت العتيق سبعة أشواط،فما أشبه الطواف بالمراحل وهي كثيرة في حياتنا فقد مررنا بمراحل في بطون أمهاتنا حتى خرجنا للعالم ،ثم خضنا مراحل التعليم والدرس لسنوات اخرى. وكما يسعى الحاج بين الصفا والمروة ،فكأني بك تسعى في هذه الحياة وسط الزحام لترى أناس وتفارق آخرين وتشعر بالتعب وتبذل المزيد من الجهد لتصل إلى هناك.
أما عرفة والوقوف هناك.فهذا طلب استراحة لتراجع مسيرة حياتك وتتوقف لتنظر الجيد من السيء، كما تتذكر تلك الوقفة بوقفة أخرى بين يدي الديان يوم القيامة مع الفارق أنك ستكون وحيداً حينها. وعندما يصل الحاج إلى مزدلفة ويرى جموع الحجيج وقد ناموا في ثيابهم البيضاء وهم يفترشون الأرض ويلتحفون السماء، وكأنها لوحة ضخمة لمدينة الساكنين ، فلا سبيل إلا لتذكر الموت وكفنه الأبيض.
حتى إذا أشرقت الشمس ووقف الحجيج عند المشعر الحرام يذكرون الله كما أمرهم.فإنك تتذكر نعمة الله عليك ،وروحك ترتد إليك صباح كل يوم. ومع حركتهم بإتجاه الجمرات،فإن الرسالة الأبدية بالصراع على هذه الأرض وقسم إبليس، عليه من الله ما يستحق ،بإدخالنا النار عبر إغوائنا وإيقاعنا في الملذات والشهوات تتجدد حينها ويتجدد معها العزم على الثبات والصبر على الطاعات والبعد عن المعاصي والذنوب.
كثيرة هي محطات التذكر مع كل خطوة يخطوها الحاج في تلك البقاع، ذكرى أبونا إبراهيم وزوجته وإبنه اسماعيل.
ذكرى نبينا عليه وعليهم أفضل الصلاه والتسليم.
ذكرى الألوف من المسلمين الذين هفت أنفسهم لذاك المكان ولم تتسع لهم الدنيا لتغدو أحلامهم حقيقة أمام ناظريهم.فلهم منا كل الدعاء بأن يكتب الله أجرهم.
ولك أيضا قارئنا العزيز بأن يبلغك الله ذاك المكان وأنت في صحة وعافية.
وكل عام والجميع بخير.
وأعادة الله عليكم أعوام عديدة وأزمنة مديدة وأنتم في صحة وعافية.