فلسطين تريد إنهاء الإقصاء الوظيفي!
درّست خمس سنوات في فلسطين (1991-1996) بعد عودتي من أمريكا وكنت أرى عصابات، انتسبت لفتح زورا ودمرتها لاحقا، تنتهك حرمات المدارس وكيف يرائي بعض المدراء والمدرسين هؤلاء القتلة خوفا عندما يأتون إلى المدارس، كنت ثائرا على الظلم والاستبداد وتعرضت لبعض الأذى باستغلال النفوذ وتم نقلي ليوم واحد إلى مدرسة أخرى لكن رجولتي ومواجهتي لمدير التربية وشجاعة أسرتي وامتدادي العائلي وثورة طلبة المدرسة لم تسمح لهؤلاء البلطجية من تنفيذ مخططهم أو الاقتراب مني.
عاصرت كيف ينافق مدرسون جبناء السلطة بعد قدومها، جبناء لا يذبحون دجاجة ويزعمون أنهم من فتح وهم لم يكونوا أصحاب انتماء أصلا لأن ذلك كان ممنوعا أيام سيطرة إسرائيل على التربية والمؤسسات الفلسطينية حيث يتعرض صاحبه للفصل. كان النفاق والخوف والبحث عن المصالح والمناصب شديد شديد!
أزعم أنني المدرس الشاب في هذا العصر الذي تأثر وبكى عليه بشكل ملحوظ أبناء قريتي وطلبتي من القرى المجاورة الذين كانوا يدرسون في مدرسة قريتي، عندما غادرت فلسطين قبل 15 عاما ونسجوا عني أسطورة عجيبة عن إخلاصي وقدراتي وإبداعي في التدريس وتقديمي الدروس الإضافية مجانا، ولا يزالون يذكرونني بخير وكنت ألحظ خلال إجازتي الصيفية كيف يتسابقون على تحيتي وأرى حتى شبابا في المرحلة الثانوية، لم أدرسهم، يدعون بفخر أنني درستهم ويوردون لي مواقف وقصصا عني! بنوا هذه الأسطورة وصدقوها بطريقة جعلت الجيل الذي كبر وهو يرى الآخرين، الذين درستهم أو كانوا يرونني مدرسا، يتحدثون عني يدعي فخرا أنه تلميذي، وجعلهم حتى الآن لا يرون مدرسا أفضل مني حتى لو درسهم من هو أكفأ مني!
أخرجت أول كتاب في قواعد الإنجليزية عام 1994، ثم سافرت إلى السعودية عام 1996، عملت بضع سنوات مدرسا ثم مترجما، وانتهيت في وزارة الخارجية في قطر.
سردت كل هذا الشرح الممل لأؤكد أنني أكتب عن تجربة ولأقارن واقع المدارس الفلسطينية قبل وبعد 15 عاما...!
15 عاما من الغربة والحال هو الحال ومديريات التربية والمدارس في فلسطين بذات السوء! يحدثني بعض طلبتي الذين أصبحوا مدرسين عن فصلهم وملاحقتهم، وعدم منحهم شهادة حسن سلوك، وعدم تعيينهم لأنهم من أبناء حماس أو محسوبين عليها.
تحدثني خريجة قبل يومين وتقول أنها تنتظر وظيفة منذ ست سنوات ولأنها كانت محسوبة على حماس في الجامعة لم تعين علما بأنها جاءت الثانية في اختبارات التربية في جنين ونابلس، وتحدثني كيف يخشى المرء أن يظهر أنه من حماس أو متعاطفا معها لأنه سينبذ أو يلاحق!
يحدثني أمس دكتور في فلسطين عن ذلك أيضا، ويكتب مدرس (باسم مستعار) على صفحتي قبل قليل" لا تنس أخي عامر أن هناك المئات من المعلمين والموظفين في الضفه الغربية تم فصلهم وايقافهم من عملهم تحت ذريعة الانتماء السياسي أو الفكري, فالقضية ليست قضية الدكتور قاسم لوحده انما هي ظاهره تتبعها السلطة الحاكمه في هذه البلاد, لا بد من حملة ضغط لاعادتهم لعملهم ومصدر رزقهم واحترام حقوقهم" .
هل هذه مديريات للتربية أم للإقصاء! هل التربية تطلب إقصاء الناس على انتماءاتهم الفكرية والسياسية! هل هذه السلطة تمثل الشعب حقا! هل هذه السلطة أمينة على مستقبل ومصالح شعب وهي تقصي أبناءها وتهمشهم! كيف نطلب دعم العالم واحترامه ونحن نلغي ونقصي أبناءنا! كيف سنحظى بالاحترام!
إن القائد الحقيقي هو الذي يؤمن بان التنوع قوة ورحمة، وهو الذي يُحرك ويُثوّر كل قدرات شعبه!
عامر العظم
ساحة النقاش