كان الإنسان القديم فى العصور الأولى ليس لديه من الأدوات والوسائل التى تجعله يوظف وسيلة معينة فى نقل المعرفة، نعم ولماذا يجهد نفسه وحجم المشاكل والمعارف حينئذ لم يكن يستدعى ذلك، فكم عدد المتواجدون فى ذاك الوقت وكم من المشكلات لديهم وحجم المعارف الذى يتطلب منهم التسجيل.
لذلك لم يعرف شعب هذا العصر الأول غير عقولهم كأدوات معالجة وذاكرتهم كوسائل حفظ، وألسنتهم كوسائل نقل وعيونهم وأذانهم كوسائل تواصل، وعليه كان الكتاب الشفهي هو الشكل القديم والمتوارث فى المجمعات الأولى والتي لم تكن تعرف بعد أى من أنواع الكتابة؛ ومنها المؤلفات القديمة والتى تناقلت بين الأزمنة عن طريق الشفهية والحفظ.
إن المصدر الشفهي ضرورة علمية لفهم حقائق التاريخ، وحقائق التاريخ في التعريف الحديث هي: كل ما تركه السلف من أعمال ومخطوطات ووثائق وتسجيلات وعادات وتقاليد وطقوس دينية، وفنون شعبية، وقصص شعبية، وأدوات وآلات متوارثة.
وأورد نبيل سلامه كما قدمه (عبد الله العسكر، 2012، 1) أن التراث الشفاهي هو: "مجموعة التقاليد من أساطير ووقائع ومعارف ومذاهب وآراء وعادات والممارسات الدينية والأخلاقية المتوارثة من عصر إلى آخر بواسطة الكلمة المنطوقة".
لذلك يعد المصدر الشفهي ضرورة علمية لفهم حقائق التَّاريخ، كما أن مكونات التاريخ الشفاهي هي مكونات التراث الشعبي من مثل: الحكايات، والقصص، والسير الشعبية، والأمثال والحكم، والغناء، والشعر، فمن الصعب أن نتجاهل التراث الشفاهي.
أهمية المصادر الشفهيَّة:
إنَّ الثقافات المعروفة والمدوَّنة كانت في الأصل ثقافات شفهية، فالإلياذة والأوديسة وغيرهما من آثار اليونان كانت في الأصْل شفهيَّة، وفى العصر المسيحى الأوَّل كان للروايات الشفهية مكانة كبيرة، ولذا تبرز الرواية الشفهية في أسفار الإنجيل التي امتد تأليفها على مدى خمس وسبعين سنة، وفي العصور الوسطى الأوربية لم يكن أمام المؤرخين إلاَّ الروايات الشفهية مصدرًا لتواريخهم.
كما استخدم المؤرخون العرب والمسلمون المادة الشفهية بشكلٍ واسع، بل إنَّ قدرًا من التراث العربي المدوَّن، في ميادين علميَّة كثيرة، كان تراثًا شفهيًّا قوامه التداول والرواية الشفهية.
ويرجع الفضل إلى العلماء المسلمين الذين قنَّنوا قواعد علمية للاستفادة من الروايات الشفهية، وأصبحت تلك القواعد فيما بعد علومًا مستقلة مثل: علم الإسناد، وعلم الرجال، وعلم الجرح والتعديل، ومصطلح الحديث.
ومن أهم المؤلفات والوثائق التى أنشدها الشعراء شفاهة قبل أن يتم تدوينها وحفظها بوقتٍ طويل مثل مؤلفات الإلياذة.
والإلياذة عبارة عن ملحمة شعرية تحكي قصة حرب وتعتبر مع الأوديسا أهم ملحمة شعرية إغريقية للشاعر الأعمى هوميروس وتاريخ الملحمة يعود إلى القرن التاسع أو الثامن قبل الميلاد، وتروي قصة حصار مدينة طروادة ، انظر الشكل (1):
ساحة النقاش