الموقع الرسمى الخاص بالاستاذ الدكتور محمد جابر خلف الله

موقع: بحثى - تربوى - تعليمى

                            

جذور مفهوم تكنولوجيا التعليم:
     على الرغم من قدم وجود تكنولوجيا التعليم كفكر مستخدم فى تحقيق الأهداف التعليمية منذ وجود الإنسان لعمارة الأرض، وهنا أستطيع أن أتساءل عن تفكير الإنسان فى توظيف الأحجار فى حفظ المعارف والمعلومات فى العصور الحجرية وكذلك توظيف الجلود وأوراق البردي فى تقديم العلوم، وتوظيف الحمام الزاجل فى التعليم بالمراسلة نظراً لضمان السرعة والسرية والعديد من الشواهد التى تؤكد على أن تكنولوجيا التعليم كمفهوم ضمنى مستخدم منذ وجود الإنسان على وجه الأرض، فهو علم نشأ ضمنياً وتطور على مر العصور.
     ويرى ( إبراهيم يونس، 2003، 15) أن علم تكنولوجيا التعليم ليس نسيج وحده وإنما يدين بالوجود والجذور والأصول والدعامات لمجموعة متنوعة من العلوم استمد منها بناياته وأسهمت فى تشكيل ملامحه وأبرزت هويته، وهذه الجذور يمكن تحديدها فى ضوء آراء علماء تكنولوجيا التعليم فى بحوث الوسائل التعليمية وتجاربها، وبحوث الاتصال، ومدخل المنظومات، والتعليم المبرمج، ومفاهيم تكنولوجيا التعليم.
      فعندما بدأ بول سيتلر Paul Saettler عام 1968 فى تقديم محاولته الرائدة لكتابة تاريخ تكنولوجيا التعليم قال إنه من الصعب تحديد التاريخ الذى ظهر فيه المصطلح ومن الذى استخدمه لأول مره، لكنه يرى أن أول من استخدم هذا المصطلح هما العالمان فرانكلين بوبيت F.Bobbit  وشارترز W.Charters فى العشرينيات من القرن العشرين ويضيف أنه سمع شارترز يستخدمه فى مقابلة شخصية معه عام 1948 م ثم استخدمه جيمس فن J. finn  فى مقدمة كتبها للإصدار الأول من مشروع التطوير التكنولوجى الذى رعته جمعية التربية الوطنية عام 1963- كما ساعد فى وضع الأساس لعلم تكنولوجيا التعليم الكثير من العلماء أمثال جون ديوى، وإدجارديل، ووليم كلباترك وغيرهم من العلماء وذلك منذ ظهور حركة الاتصالات السمعية البصرية بأمريكا.
     ومع ذلك فيؤكد ( إبراهيم يونس، 2003، 55) أنه بالإمكان التأريخ لعلم تكنولوجيا التعليم منذ عام 1960 عندما قدم العالم الأمريكي جيمس فن J. finn ورقة بحث بعنوان ( التكنولوجيا وعملية التدريس) إلى الجمعية الأمريكية لأخصائيي الوسائل التعليمية، وقد استخدم فيها وربما لأول مرة مصطلح تكنولوجيا فى العملية التعليمية وقوبل المصطلح بترحيب كبير، وبدأ التفكير الجاد فى التعرف على المصطلح وأبعاده ومجالاته فى البيئة التعليمية.
       وتصادف أن يستخدم عالم النفس الشهير سكينر  Skinner المصطلح ذاته فى محاضرة ألقاها فى الجمعية الملكية بلندن عام 1964 بعنوان ( تكنولوجيا التدريس) ليعبر بها عن نظرته في التعليم المبرمج.
      ويؤكد العلماء مدى ما أسهمت به حركة التعليم المبرمج في ظهور مفهوم تكنولوجيا التعليم، حيث يمكن إرجاع جذور ظهور تكنولوجيا التعليم بمفهومها الحالي إلى أبحاث التعليم المبرمج وتطور بعض المفاهيم المرتبطة بمجاله، ونتيجة لتقدم البحث فى هذا المجال والتى قادها Skinner حيث اهتم بتطبيق نتائج بحوثه على مجال التعليم الانسانى وهو ما ساعد على تطور أساليب التعليم والتعلم وتغير الاستراتيجيات التعليمية بصورة كبيرة.
ويوضح ( زاهر أحمد، 1996، 29) كما قدمه ( أسامه هنداوى، 2002) أن هناك علاقة كبيرة بين التعليم المبرمج وتكنولوجيا التعليم، حيث يرى أن الإطار النظرى للاتصال السمعى والبصرى فى مجال تكنولوجيا التعليم يؤكد بشدة على الرسالة Message أو المؤثر Stimuli المنقولة للمتعلم، وهناك حقيقة أن استجابة المتعلم Learner Response  يقابلها رد فعل للمعلم، والفكرة التي يتبناها Skinner  تعكس هذا المفهوم، حيث إن سلوك المتعلم وتعزيز هذا السلوك يعتبران حجر الزاوية فى العملية التعليمية.
      وبعد مدارسة كتابات ودراسات كل من ( محمد السيد، 1987)، ( أمال صادق، فؤاد أبو حطب، 1996)، ( زاهر أحمد،1996)، (على بعد المنعم، 1998)، ( أسامه هنداوى، 2002، 43-47)،      ( إبراهيم يونس، 2003، 15- 30) أمكن عرض جذور مفهوم تكنولوجيا التعليم وتطوره التاريخي فى المراحل التالية:
مرحلة إثبات أهمية الوسائل التعليمية فى فاعلية التعليم:
     تعد الوسائل التعليمية أعمق جذور تكنولوجيا التعليم، وهى من المنظور التاريخي قديمة قدم الإنسان منذ ظهوره على وجه الأرض ومنذ أن بدأ يتعلم، وإذا تأملنا قصة قابيل وهابيل وكيف بغراب يرسله الله عز وجل ليعرض بيان عملى وأداء توضيحي لكيفية دفن الموتى، ثم تعلم الإنسان بواسطة الوسائل المتاحة فى عصره حيث تم النحت على الأحجار ثم تطورت الوسائل فظهرت الكتابة على الألواح ثم الكتب الجلدية والورقية والرسم عليها أيضا، ألا يمكن أن نعتبر مقرر الرسومات التعليمية امتداد طبيعي لفن الرسم على المعابد والجلود وورق البردي، ثم ظهور الطباعة وتطور فن النقل والنسخ وظهور الكتابة على السبورات، وظهور وسيلة التصوير والتعلم من خلال الصور، وظهور الراديو والتعلم من خلال التسجيلات السمعية، وظهور السينما والتعلم من خلال الأفلام المتحركة، وظهور الكمبيوتر والانترنت وتوظيفهما فى عملية التعليم والتعلم، وهكذا لا نعلم إلى أى مدى نسير ومتى نقف فلكل عصر وسائله وأدواته.
    ومن الملاحظ أن التطور فى الوسائل التعليمية تعايش فيها القديم مع الحديث ولم يحل محله وأصبح لكل منها دور يؤديه، فالسبورة الطباشيرية موجودة ومتعايشة مع الكمبيوتر ومع الانترنت ولكل استخداماته، والكتاب المطبوع تعايش مع الكتاب الالكتروني ومع التسجيلات الصوتية والراديو والتلفزيون جميعها تستخدم وفق متطلبات الموقف التعليمي.
    وقد صاحب ذلك تطور كبير فى بحوث ودراسات الوسائل التعليمية وجاءت نتائجها لتؤكد أن الواقع يمكن:
- تعديله بالتصغير أو التكبير أو التبسيط عن طريق المجسمات.
- صياغته عن طريق الإعداد الدرامي والتمثيلي.
- التعامل معه عن طريق المتاحف والمعارض.
- نقله كاملا بالصوت والصورة عن طريق الأفلام المتحركة.
- نقله صوتياً عن طريق الإذاعة والتسجيلات الصوتية.
- التعبير عنه بالرموز التصويرية كالخرائط والرسوم البيانية.
   واستمرت بحوث الوسائل التعليمية لتثبت أن الوسائل التعليمية تستطيع أن:
- تتغلب على حاجز الزمان والمكان.
- تختصر الوقت والجهد والتكاليف.
- تتغلب على مشكلة الحجم.
- تجنب المتعلمين المرور بالخبرات الخطرة.
- توضح العمليات الداخلية والتي لا تظهر من خلال التعامل المباشر مع الأشياء. ( إبراهيم يونس، 2003).
    وقد تميزت هذه المرحلة بالعمومية فاتجهت البحوث إلى مقارنة التدريس بالطرق التقليدية مقابل التدريس باستخدام الوسائل التعليمية، وكانت معظم النتائج لصالح التدريس من خلال الوسائل التعليمية.
وقد غلب على وسائل التعليم بتلك المرحلة وفق اتجاه الدراسات إلى:
 أ- التعليم البصري:   
       فأول اصطلاح استخدم فى هذا المجال كان يدور حول التعليم القائم على حاسة البصر Visual Instruction  ومع تطور العلوم والمعارف بدأت أهمية الحواس الأخرى غير العين تتضح فى التعليم وخاصة حاسة السمع.
كذلك يرى أن بداية العشرينات من القرن الماضي قد شهدت بداية تكنولوجيا التعليم والمظاهر والشكل المادى كان مرتبطا بالتعليم المرئى حيث كان مفهومه استخدام أشياء مرئية فى التعليم حتى يتم تحويل المفاهيم التى يتعلمها الفرد من مجرد رموز Abstract  إلى أشياء ملموسة محسوسة Concret .
ب- التعليم السمعى البصرىAudio – Visual    :
     أدى اكتشاف عملية تسجيل الصوت وظهور الصور المتحركة الناطقة إلى ظهور هذه المرحلة، حيث استبدل مجال التعليم البصرى بمجال التعليم السمعى البصرى وكان ذلك فى الأربعينيات من القرن العشرين، وقد أضاف إدخال الصوت كعنصر أساسي فى العملية التعليمية بعض التقدم للعملية التعليمية حيث حافظ على استمرارية التعلم باللمس والحس وكذلك التعلم بالرمز.
وقد أعطى مفهوم التعليم السمعى البصرى اهتماما كبيرا للمواد أكثر من اهتمامه بعملية تطوير المواد وأخذ ينظر للمواد السمعية والبصرية على أنها معينات تدريس للمعلم.
     هذا ويؤكد (على عبد المنعم، 1998، 43) أن الأجهزة البصرية والسمعية ومنها أجهزة الفيديو والسينما لم تنتج خصيصاً لغرض التعليم بل كانت تستخدم فى الترفيه وبعد تجربتها فى مجال التعليم وثبوت صلاحيتها تم توظيفها للأغراض التعليمية. 
مرحلة مقارنة الوسائل التعليمية لتحديد أكثرها فاعلية:
      جاءت هذه المرحلة والتي اتجهت فيها البحوث إلى تناول الوسائل التعليمية كمفردات فقارنت بين استخدام وسيلة تعليمية وأخرى لبيان أثر كل منهما على عملية التعلم ومدى الفروق ودلالتها بين الوسيلتين.
   ثم تطورت البحوث لتتناول الخصائص المميزة لنوعيات متعددة من الوسائل والأجهزة من حيث قدرتها على تقديم مثيرات تعليمية متميزة كاللون والحركة وتكرار عرض الوسيلة وفعالية معدل السرعة فى التسجيل الصوتى وامكانية الوسيلة فى تقديم الرجع.
      فى ظل هذه الفترة كان يعتقد بعض التربويين أن تكنولوجيا التعليم عبارة عن وسائل تعليمية بما تشمله من أجهزة تعليمية متنوعة: (الكمبيوتر – الانترنت- الفيديو؛ ...الخ)، وأدوات ومواد تعليمية:      (اسطوانات كمبيوتر- صفحات انترنت، أشرطة فيديو؛ وغيرها من الأدوات)، وأن هذه الأجهزة وغيرها والأدوات والمواد عند استخدامها فى التدريس يعبر ذلك عن تكنولوجيا التعليم.
    وبذلك المعنى اعتبرت تكنولوجيا التعليم كمعينات للتدريس يمكن للمعلم أن يستخدمها أو يرفض استخدامها، وعلى ذلك نظر البعض إلى تكنولوجيا التعليم على أنها استخدام أجهزة ومعدات فى التعليم فحسب، ونتج عن ذلك ارتباط تكنولوجيا التعليم بتطوير الأجهزة والمعدات.
مرحلة تصميم المواقف التعليمية:
      جاءت هذه المرحلة والتى تميزت بالبحث فى تصميم المواقف التعليمية على شكل نماذج ونظم، أخذت مدخلاتها من أسلوب المتعلمين حتى تكون النماذج مناسبة لهم وحسب قدرات كل متعلم واستعداداته وميوله ووفق ظروفه، والسمة الواضحة فى هذه المرحلة أنها استراتيجيات تعليمية تحقق أهدافاً محددة.
   وقد جاءت ثمار هذه المرحلة متمثلة فى التعليم المبرمج Programmed Learning، والتعليم بالموديولات Modules أو ما يعرف بالوحدات التعليمية الصغيرة، والتعلم الذاتي Self Learning Systems ، ونظام التوجيه السمعى، ونظام التعليم بالفيديو التفاعلى Interactive Video ، والتعليم من خلال الكمبيوتر والانترنت وغيرها من النظم التى أصبحت نماذج لمواقف تعليمية جاهزة تم تجريبها وتقويمها وتطبيقها بفاعلية وكفاءة.
     وخلال تلك الفترة كان يعرف أن تكنولوجيا التعليم هي تصميم التعليم Instructional Design، وفى هذه المرحلة كانت تكنولوجيا التعليم أكثر شمولاً واتساعاً من ميدان الوسائل التعليمية بما تشمله من أجهزة ومعدات، لأن تكنولوجيا التعليم ميدان التصميم التعليمى بأوسع معانيه، وهذا الميدان يعتبر المحور الرئيسي لمجال تكنولوجيا التعليم، والتصميم التعليمى يتناول مجموعة من الأنشطة والإجراءات التى من خلالها يتم التصميم الجيد للبرامج التعليمية، من تحديد الأهداف والأنشطة والمحتوى وأساليب التقويم والعلاج، والبناء الجيد للبرنامج والذي يتخلف وفق أسلوب عرضه (سمعى – بصرى- سمعى بصرى)، أو وسيلة عرضه (برنامج كمبيوترى- برنامج انترنت- برنامج فيديو، ..الخ) وبما يتناسب مع طبيعة المتعلمين ( أطفال – شباب – كبار )، أو جنس المتعلمين (ذكور – إناث)، وكذلك عدد المتعلمين ( فرد – مجموعة صغيرة – جمهور كبير).
      وقد تتطلب ذلك وجود كوادر بشرية على علم ودراية كبيرة بأساليب التصميم التعليمى ونظريات التعليم والتعلم ودراسة حركة البحث العلمي فى هذا المجال.
مرحلة ظهور مفهوم الاتصال Communication:
      فلقد كان لإدخال مفهوم الاتصال فى مجال التعليم دور كبير فى إبراز وإيضاح المفهوم النظري لتكنولوجيا التعليم حيث أصبح التركيز على عملية نقل المعلومات من المصدر(Source) المعلم أو أي وسيلة أخرى إلى المستقبل (Receiver) المتعلم وكان لنماذج الاتصال التي اكتشفت الفضل فى تحديد عناصر الاتصال والعلاقة بين هذه العناصر، وبينما نجد العديد من نماذج الاتصال ظهر إلا أن النموذج الذى عرفه وحدده Berlo عام 1960 هو ابسطها أكثرها شيوعا واستخداما فى مجال  تكنولوجيا التعليم.
مرحلة ظهور الفكر المنظومى  Systematic Approach :
يؤكد (على عبد المنعم، 1998، 44) أن ظهور الفكر المنظومى ساعد وبدرجة كبيرة فى تغيير النظرة إلى تكنولوجيا التعليم ومجالها، كما بدأ المربين فى استخدام مصطلح المنظومة التعليمية والذى يشير إلى النظرة المتكاملة والتأثير المتبادل لمكونات العملية التعليمية من أهداف ومحتوى وطرق ومواد وإدارة وأساليب تقويم، واعتبرت تكنولوجيا التعليم طريقة منهجية تقوم على تطبيق المعرفة القائمة على أسس علمية فى مجالات المعرفة المختلفة لتخطيط وتصميم وإنتاج وتنفيذ وتقويم وضبط كامل للعملية التعليمية فى ضوء أهداف محددة، ويشير مفهوم النظم إلى مجموعة منظمة ومترابطة من الأشياء أو مجموعة من الأشياء المترابطة التى تكون مع بعضها وحدة متكاملة، أو هو كل شيء مركب من مجموعة من الأجزاء المرتبة بنظام معين.

 

المصدر: د محمد جابر
azhar-gaper

أ. د/ مـحمـد جـابـر خـلف الله

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 2187 مشاهدة
نشرت فى 29 نوفمبر 2011 بواسطة azhar-gaper

ساحة النقاش

دمحمد جابر خلف الله

azhar-gaper
دمحمد جابر خلف الله- أستاذ تكنولوجيا التعليم بكلية التربية جامعة الأزهر »

البحث داخل الموقع

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

1,062,094