authentication required

قناة السويس الجديدة “مانع استراتيجي أم مدخل للتنمية” (دراسة بحثية)

الخميس, يوليو 30, 2015 | هيثم البشلاوي | 3:09:00 م
هذه الدراسة البحثية فصل من كتاب كامل تحت عنوان “سيناء استراتيجية الدفاع والتنمية” والذي سيصدر قريبا عن مؤسسة البديل للطباعة والنشر والتوزيع 
اعداد: هيثم البشلاوي

المقدمة

“لم يؤثر عمل انساني مادي على علاقات الأمم بالقدر الذي فعله شق قناة السويس، إذ من الصعب أن نتصوَّر إنجازًا آخر في حدود القدرة البشرية يمكن أن يغيّر أوضاع الطبيعة أكثر منها، فبعملية «جراحية» جغرافية بسيطة، تمَّ اختزال قارة بأكملها هي إفريقيا. القناة أعادت وضع مصر، والمشرق العربي في قلب الدنيا وجعلتها بؤرة الخريطة العالمية”. (البروفسور هالفورد هوسكينز مؤرخ أميركي)

فمع أول معول لحفر برزخ السويس عند ساحل بالوظة على البحر الابيض المتوسط، كان أبرز تحول جيوستراتيجي شهدته الكرة الأرضية في مستهل النصف الثاني من القرن التاسع عشر يتحقق. ومع أخر معول كان تاريخ طويل من الصراع ينتظر ،ليصنع أرشيف طويل لقوة القناة الاستراتيجية لتؤكد الدلالة التي تقول أن القناة هي محور قوة سيناء بل ومصر كما هي عامل التهديد والعزلة والفراغ حال وجود صراع العسكري علي ضفتها.

 

بالتأكيد أن موضوع الدراسة “قناة السويس الجديدة ..مانع استراتيجي أم مدخل للتمية” كان محل بحث وتدقيق من القائمين على الأمن القومي المصري، ويبدوا هذا واضح في مخطط الربط الجغرافي لوجهين القناة الذي تم طرحة ضمن مشروع القناة الجديدة، ولكن كل ما يجب الإشارة له هنا أننا نحاول وضع فرضية بحيثه تبدوا جديدة رغم دلالة قدمها .تلك الفرضية تقول هل تكون القناة الجديدة مدخل للتنمية الدفاعية بقدر ما هي بالفعل مانع استراتيجي؟ هل القناة المستحدثة وقت الصراع تحارب معنا أم ضدنا. ومن هنا ويجب أن نشير الإشارة المعتادة بأن تلك الدراسة ليست مدفوعة بخصومة أو انفعال ..فالعلم لا يفهم كلاهما. وكل ما يمكن أن ندعيه هنا أننا نحاول أن نثبت دلالة دامغة تقول أن ازدواج مانع مائي علي أكثر الجبهات الاستراتيجية حساسية للصراع يجب أن يوظف كمدخل لتنمية دفاعية ووضعة ضمن صياغة استراتيجية أوسع .حتي لا يكون عامل عزلة مضافة لسيناء .

 أولاً: ما قبل القناة: 

ربما تكون قناة السويس بشكلها القائم هي أول ربط جغرافي مباشر بين البحر الأحمر والمتوسط ..إلا أن الفكرة الربط الجغرافي ذاتها ليست الأولى في التاريخ ..فقبل 40 قرن تم هذا الربط الجغرافي بين البحرين بشكل غير مباشر بوساطة نهر النيل وتكرر حفرها أكثر من مرة عبر التاريخ. وتظهر النقش الموجود في قبر رجل الدولة ويني الذي عاش خلال الأسرة السادسة من المملكة القديمة (2407-2260 ق م) الكثير عن القناة المصرية وأسباب إنشائها
وسجل التاريخ إعادة حفر القناة القديمة أكثر من مرة .وفيما يلي تتبع لهذا السجل.. بدءا من عصر الفراعنة لربط الأسطول البحري ونقل النصب الحجرية وحتى أخر حفر لها في العصر الإسلامي لنقل الغذاء الى الجزيرة العربية في سنوات الجفاف.

 

(1) قناة الملك سنوسرت الثالث عام 1874 ق.م

رغم الخلاف بين المؤرخين حول أول من شق تلك القناة .إلا أن الراجح أن أول قناة حفرت تحت حكم فرعون مصر سنوسيرت الثالث أحد ملوك الأسرة الثانية عشرة (1887-1849 ق م) و سميت هذه القناة قناة سيزوستريس (التسمية الإغريقية لسنوسرت).

قام الملك سنوسرت الثالث بشق قناة تربط البحرين المتوسط والأحمر عن طريق النيل وفروعه. فكانت السفن القادمة من البحر الأبيض تسير في الفرع البيلوزي من النيل حتى”بوباستس” (الزقازيق) ثم تتجه شرقاً إلى “تيخاو” (أبو صوير) ومنها عبر البحيرات المرة التي كانت خليجاً متصلاً بخليج السويس ومنها إلى البحر الأحمر. ومازالت آثار هذه القناة واضحة المعالم حتى الآن بمحاذاة المجرى الحالي لقناة السويس بالقرب من (جنيفة). إلا أن هذه القناة كثيراً ما ردمت وتجددت في عصور الفراعنة والرومان.

(2) قناة سيتى الأول عام 1310 ق.م

جاء سيتي الأول ملكا على مصر خلفاً لأبيه “رمسيس الأول” مؤسس الأسرة التاسعة عشر، وقد اختلف المؤرخون في دوره في حفر القناة، ولكن الأرجح أنه أعاد حفر القناة في عهده من عام 1319 ـ 1300 ق.م.

(2) قناة نخاو عام 610 ق.م

هو أحد ملوك الأسرة السادسة والعشرين، فكر في حفر قناة تصل بين النيل والبحر الأحمر وحول هذا الموضوع يقول “هيرودوت” (القرن الخامس ق.م) وكان نخاو أول من قام بمحاولة حفر قناة الى بحر ارو تري (خليج السويس والبحر الأحمر حاليا وكان يمتد ليصل قرب مدينة الإسماعيلية الحالية).

(4) قناة دارا الأول عام 510 ق.م

في عهد الاحتلال الفارسي لمصر، ظهرت أهمية برزخ السويس، حيث ازدهرت خطوط المواصلات البحرية بين مصر وبلاد فارس عبر البحر الأحمـر، وإبان حكـم “دارا الأول” مـلك الفرس مـن عام 522 ـ 485 ق.م الذي أعاد الملاحة في القناة، وتوصيل النيل بالبحيرات المرة، وربط البحيرات المرة بالبحر الأحمر. ، وكانت القناة وبمحاذاة سلاسل الجبال التي تمتد مقابل (منف) حيث توجد المحاجر. فعلى طول قاعدة هذه السلاسل الجبلية نجد القناة كانت تجري من الغرب إلى الشرق ثم تسير في منحدرات متجهة من الجبل نحو الجنوب ونحو مهب الريح الجنوبية حتى تبلغ الخليج (خليج السويس). من هذا المكان نجد أن الرحلة كانت تأخذ أقل وأقصر مسافة من البحر الشمالي (البحر الأبيض) إلى البحر الجنوبي (البحر الأحمر).

(5) قناة الإسكندر الأكبر 335 ق.م

عندما دخل الإسكندر الأكبر مصر عام 332ق.م أشرف على تخطيط مشروع القناة لنقل سفنه الحربية من ميناء الإسكندرية وميناء أبي قير بالبحر المتوسط إلى البحر الأحمر عبر الدلتا والبحيرات المرة، وبالفعل كان قد بدأ تنفيذ مشروع قناة الشمال، إلا أن المشروعين توقفا لوفاته
ليستكمل العمل في 285ق.م علي يد بطليموس الثاني وكانت القناة ممتدة من النيل حتى “أرسناو” (السويس حالياً)ولكن البيزنطيين أهملوها فطمرتها الرمال.

(6) قناة تراجان عام 117 ق.م

وأثناء الحكم الروماني لمصر، وتحديداً في عهد الإمبراطور الروماني “تراجان ” أعيدت القناة للملاحة، كما أنشأ فرع جديد للنيل يبدأ من “فم الخليج” بالقاهرة، وينتهي في “العباسة” بمحافظة الشرقية، متصلاً مع الفرع القديم الموصل للبحيرات المرة. واستمرت هذه القناة في أداء دورها لمدة 300 عام، ثم أهملت وأصبحت غير صالحة لمرور السفن..

(7) قناة أمير المؤمنين 642م

عندما فتح المسلمون مصر في عهد الخليفة “عمر بن الخطاب” على يد الوالي “عمرو بن العاص” عام 640م أراد توطيد المواصلات مع شبه الجزيرة العربية، فأعاد حفر القناة من الفسطاط إلى القلزم (السويس).. وأطلق عليها قناة أمير المؤمنين .. وكان المشروع في واقع الأمر ترميماً وإصلاحاً للقناة القديمة .. كان ذلك في عام 642م واستمرت هذه القناة تؤدي رسالتها ما بين 100 إلى 150 عاماً ..إلى أن أمر الخليفة “أبو جعفر المنصور” بردم القناة تماماً، وسدها من ناحية السويس، منعاً لأي إمدادات من مصر إلى أهالي مكة والمدينة المتمردين ضد الحكم العباسي …مما ترتب علية أغلق الطريق البحري إلى الهند وبلاد الشرق وأصبحت البضائع تنقل عبر الصحراء بواسطة القوافل

أما حديثا فعقب اكتشاف طريق رأس الرجاء الصالح ‏،‏ تضرر اقتصاد وتجارة مصر المملوكية واقتصاد البندقية ،‏ فما كان من أمراء البندقية إلا أن وفدوا على مصر عام ‏1501‏ م .ليعرضوا علي السلطان الغوري فكرة الاستغناء عن طرق القوافل واستبدالها بالنقل عبر النيل بحفر قناة تصل بين البحرين الأحمر والأبيض‏،‏ إلا أن ظروف مصر وصراعها مع العثمانيين في ذلك الوقت 1517‏ م, لم يسمح بإنشاء مشروع بهذا الحجم‏، ومات المشروع .حتى جاءت حملة نابليون بونابرت على مصر وكان أول تفكير علمي لبناء قناة حديثة للربط المباشر بين البحريين ، وتحديداً في 14 نوفمبر 1799م، كُلّف أحد المهندسين الفرنسيين ويدعى لوبيير بتشكيل لجنة لدراسة منطقة برزخ السويس لبيان جدوى حفر قناة اتصال مباشر بين البحرين. إلا أن التقرير الصادر عن لجنة لوبيير كان خاطئاً وذكر أن منسوب مياه البحر الأحمر أعلى من منسوب مياه البحر المتوسط بمقدار 30 قدم و 6 بوصات، بالإضافة لوجود رواسب وطمي النيل و ما يمكن أن يسببه من سد لمدخل القناة مما أدى لتجاهل تلك الفكرة..

ثمّ وفي أثناء حكم محمد علي باشا لمصر كان قنصل فرنسا بمصر هو مسيو ميمو ونائبه هو مسيو فرديناند دى لسبس و كان في ذلك الوقت عام 1833 جاء أصحاب سان سيمون الفرنسي الاشتراكي إلى مصر لطرح عدد من المشروعات علي محمد علي وكان منها إنشاء قناة السويس و عرضا الفكرة على محمد على باشا إلا انه رد أنه لا يريد بسفور أخر في مصر و فضل إنشاء قناطر على النيل لمنع إهدار ماء النيل في البحر.

ولم تنتهى الفكرة عند رفض محمد علي لفكرة البعثة الفرنسية ففي عام 1840 وضع المهندس الفرنسي لينان دى بلفون بك و الذى كان يعمل مهندساً بالحكومة المصرية وضع مشروعاً لشق قناة مستقيمة تصل بين البحرين الأحمر و الأبيض و أزال التخوف السائد من علو منسوب مياه البحر الأحمر على البحر المتوسط و أكد أن ذلك لا ضرر منه بل على العكس سوف يساعد على حفر القناة .ولكن ظلت الفكرة محل جدل ولم تنال الاهتمام..

فى 15 ابريل 1846 م أنشأ السان سيمونيون بباريس جمعية لدراسات قناة السويس و أصدر المهندس الفرنسي بولان تالابو تقريرا في أواخر عام 1847 مبنياً على تقرير لينان دى بلفون أكد فيه إمكانية حفر قناة تصل بين البحرين دون حدوث أي طغيان بحرى…ومن هنا جاءت فكرة التاريخ في اختزال الجغرافيا لتسيطر علي المستقبل.

ثانياً: القناة…من المؤامرة إلى العبور

شكلت القناة منذ حفرها مدى حيويًا و جيوستراتيجيًا لأمن الغرب ومصالحه. ومن هنا كان التركيز الدولي في الاستحواذ على مصر والقناة كمفتاح استراتيجي خيضت من أجله حروب كثيرة للسيطرة عليه . بل ان أعماق المؤامرة وجذور هذا الصراع امتد لما قبل حفر القناة فقد كانت فكرة مشروع حفر القناة تراوض كلا من فرنسا وبريطانيا وفى 1798 م دخلت الحملة الفرنسية مصر وحاولت فرنسا شق القناة فأرسلت بعثات علمية لموقع الحفر الا انها توقفت لخطا علمي حول قياس مناسيب البحر الاحمر والمتوسط ثم ما ان فشلت الحملة الفرنسية وفشل مشروعها حتى جاء احياء فكرة حفر القناة وعرضها على محمد من خلال بعثة فرنسية أهتمت بالمشروع وكانت تلقب ب” السان سيمونيين ” ورفضة محمد على مشيرا الى انه لا يرد بسفور اخر في مصر (مضيق بتركيا).

يؤكد التاريخ ان حفر قناة السويس كان مؤامرة على جنبات الصراع الاستعماري بأوروبا،  فقد كان الامتياز الأول الذى حصل علية (فردناند دي لسبس) من خديوي مصر (محمد سعيد ) في 30 نوفمبر 1854م بمثابة توثيق لتلك المؤامرة.

حيث جاء في هذا الامتياز: ”حيث أن صديقنا مسيو فردينال دى ليسبس قد لفت نظرنا إلى الفوائد التي قد تعود على مصر من وصل البحر المتوسط بالبحر الاحمر بواسطة طريق ملاحي للبواخر الكبرى ,وأخبرنا عن امكان تكوين شركة لهذا الغرض من أصحاب رؤوس الأموال من جميع الدول وقد قبلنا الفكرة التي عرضها علينا .وأعطيناه بموجب هذا تفويض بإنشاء وإدارة شركة عالمية لحفر برزخ السويس ,واستغلال قناة بين البحريين وله أن يباشر أو يسند إلى غيرة جميع الأشغال والمباني اللازمة لذلك”

وبتدقيق بسيط في صياغة الفرمان نجد أنه تفويض مباشر لشخص دى ليسبس ..ليفوض بموجبة من يريد ..وكان ..فقد تحرك دي ليسبس ليفاوض فرنسا ويراهن علي الجغرافيا الجديدة التي ترسم على وجه مصر ..وبدأت المأساة والمؤامرة التي امتددت من كون المشروع مجرد ‘اختزال للجغرافيا إلى صراع على الجغرافيا ذاتها.

وقد عدلت بعض أحكام هذا الفرمان بآخر صدر في 5 يناير 1856 م والذي كان أسوء من الأول .حيث تم النص فيه على سخرة المصريين لحفر القناة، ليبدأ العمل في حفر القناة في 25 أبريل 1859 م،ولكن سرعان ما وقعت بعض الخلافات بين الشركة والباب العالي، ثم سويت بإبرام اتفاقية جديدة في 22 فبراير 1866م والتي حددت الشروط النهائية لوضع شركة القناة.

أدت تلك المؤامرة إلى الدفع بمليون عامل وفلاح مصري وبشكل مجاني في حفر هذه القناة ولمدة عشر سنوات بدأت في العام 1859م حتى العام 1869م وخلال ذلك قدرت الوفيات بين العمال الذين شاركوا بأعمال الحفر نحو 120 الفا وذلك لأسباب متعددة منها نقص مياه الشرب (العطش) وتعرضهم لوباء الكوليرا القاتل وانهيار الاتربة والحجارة .إضافة إلي عليهم ضخامة المشروع فقد كانت القناة طويلة وعميقة وصعبة الجغرافيا فكانت تمتد بطول 173 كيلومتر وبعرض اقصاه 150 مترا وبعمق يصل الى 12 متر .وكما أشارت الدراسة التجريبية بأن مجموع 2.613 مليون قدم مكعب من التراب تم رفعها، بما فيها 600 مليون يابسة ، و 2.013 مليون تكريك مائي. وبلغت مجمل التكلفة الأصلية لشق القناة 200 مليون فرنك. وقد كانت تلك التكلفة ضخمة على الشركة وسريعاً ما واجهت مشاكل مالية في التمويل، وتدخل سعيد باشا بشراء 44% من الشركة للإبقاء على تشغيلها . ووضعت البلاد تحت تصرف الشركة جميع وسائل النقل البري والنهري تستخدمها دون ان تدفع اجرا وقامت الجهود المصرية في كل من ترسانة القاهرة وترسانة الاسكندرية بإعداد المشروعات اللازمة لإكمال حفر القناة .استمرت الشركة في العمل حتي صعود إسماعيل للعرش لتأخذ الحكومة المصرية خطوات لتعديل شروط الامتياز الأول والثاني 1854 و1856 . فأوفدت مصر وزير خارجيتها “إرتين نوبار” ليتحرك إلى الأستانة ومنها إلى فرنسا في محاولة لتخفيف شروط امتياز القناة ولكن تحركت الدوائر السياسية والمالية في فرنسا لتدافع عن الامتياز ولا تقبل التفاوض عليها .دفع الخلاف إلى تحكيم نابليون الثالث وصدق علي الباب العالي الحكم، وما لحقه من تعديل ـ وقد تمثلت نتائج هذا التحكيم في التالي:

استرجاع مصر ملكية 60 ألف هكتار ( 143 ألف فدان ) من الأراضي غير اللازمة للمشروع وبقى للشركة 30 ألف هكتار لزوم المشروع أي استرجعت ثلثي أرض المشروع وقد عوضت الشركة عن ذلك بمبلغ 30 مليون فرنك. واستعادت مصر ملكية رقبة ترعة المياه العذبة، وأبقت حق الانتفاع لشركة القناة، وقد تحملت مصر50 مليون فرنك تكاليف استكمال حفر الترعة، في حين حصلت الشركة على تعويض مقداره 16 مليون فرنك وسبعون ألف متر مكعب من المياه يوميا.

تم إلغاء السخرة التي فرضت على العمالة المصرية بموجب تفسير ديليسبس للمادة الثانية من فرمان الامتياز الثاني لعام 1856، مقابل 38 مليون فرنك.
تم حفظ حق الحكومة المصرية في إقامة التحصينات والاستحكامات الحربية التي ترى ضرورتها لحماية البلاد شريطة ان لا تضر بالملاحة.

ورغم حكم نابليون الظالم على مصر إلا أن مصر حصلت بموجب التحكيم على وجود شكل من أشكال السيادة المصرية على برزخ القناة.

فتم إنشاء محافظة القنال. كما تضمن إلزام لدي ليسبس بتحويل الشركة العالمية لقناة السويس البحرية، والتي مقرها باريس، إلى شركة مساهمة مصرية مقرها القاهرة .وبهذا حصلت الشركة بموجب هذا التحكيم وتحت مزاعم ملكيتها لحيز المشروع على ثلاثة ونصف مليون من الجنيهات المصرية أي ما يقارب من نصف رأس مال الشركة.

 

وعلى نحو ليس بعيد كانت إنجلترا تدرك أن المشروع سيتجاوز تفويض شخص دى ليسبس إلى تفويض فرنسا نفسها وعلى هذا رسمت إنجلترا تصور لصياغة استراتيجيتها الاستعمارية للمنطقة في ظل القناة ..وقد تجلت تلك الاستراتيجية في تقرير “مستر بروس” قنصل إنجلترا في مصر في 1954م والذى كان بمثابة شرح تفصيلي لمستقبل المنطقة في ظل المشروع الجديد فقد كتب لحكومة لندن يقول: “إن شق هذا القناة سيؤدى حتماً إلى زيادة حركة المواصلات التجارية بين أوربا والبلاد الواقعة على البحر الأحمر مما سيدفع أوربا إلى إنشاء مراكز لها في تلك المنطقة ..وسينتهى هذا بقيام صراعات بين أوربا وبين دول تلك المنطقة ,مما سيكون ذريعة للتدخل العسكري في شؤون البحر الأحمر ..وهذا التدخل معناة الاحتلال الدائم .ويتوقع أن تحدث تلك النتائج في مصر نفسها”.

وعلى هذا فقد قررت لندن أن تكون عنصر فاعل لعملية الاحتلال المتوقعة بعد أن شعرت أن فرنسا مدت يدها بموجب تفويض دى ليسبس إلى قلب إمبراطورية. أل عثمان. وعلى هذا تحركت إنجلترا إلى تركيا بعد عن علمت بتفويض سعيد ل “دى ليسبس ” وكونه مشروط بموافقة السلطان العثماني. ففي الوقت الذى كان قد تحرك فيه دى ليسبس إلى الأستانة ..كان وزير خارجية بريطانيا اللورد “بالمرستون” قد أرسل تعليمات إلى سفير بلادة في تركيا لعرقلة مباركة الباب العالي على امتياز سعيد .فعاد دى ليسبس من تركيا إلى مصر وبدأ في 25 ابريل 1859م العمل في القناة بدون الحصول موافقة السلطان .واضعاً بذلك كلاً من تركيا وانجلترا أمام واقع جديد يتفاوض علية .فأرسلت بريطانيا أسطولها إلى سواحل إسكندرية في يونيو 1859م بقصد خلع سعيد لخروجه عن طاعة الباب العالي موكلة نفسها مدافع خادع عن السيادة العثمانية .وهنا طلب سعيد من دي ليسبس إيقاف العمل .فتحركت فرنسا لتدفع الباب العالي على الموافقة على اعتماد امتيازها.

وعند تلك النقطة وصلت المؤامرة ذروتها فقد كانت إنجلترا قد وصلت للقناعة بأمر من الأثنين .وهما :أما القضاء على المشروع نهائياً .أو وضعة تحت سيادتها .وبعد فشل إنجلترا في الاختيار الأول كان الثاني هو قرار إنجلترا ..ومهما كان مكلفاً .ووقفت بريطانيا تترقب لحظة وضع يدها على أسهم القناة وبالفعل استطاعت شراء نصيب مصر في أسهم الشركة بالسيطرة على البورصة وخفض قيمة اسهمها: فيما عرف «بصفقة دزرائيلى» رئيس وزراء بريطانيا في 15 فبراير 1875م والتي تم الشراء بموجبها عدد 176.602 سهم بما يمثل 44 % من أسهم الشركة وتمت الصفقة نظير 3.976.580 جنيه إسترلينيا أي 700.000 جنيه مصري فقط وبعد عام وصلت قيمة تلك الأسهم في نوفمبر 1876 مبلغا وقدره 23.841.270 جنيها إسترلينيا ـ 4.257.369 جنيها مصريا ـ ليكون الفرق بين ثمن شرائها من مصر وقيمتها في سوق المال مبلغ قـدره 3.557.369 جنيه وضاعت حصة مصر من الأسهم بعد أن كلفت مصر 16.000.000 جنيه كنفقات حفر قناة السويس.

وكانت جائزة المؤامرة الكبرى مصر حيث يقع شريان العالم وبالفعل وقع الاحتلال الإنجليزي لمصر عام 1882م ، و تحركت بقية الدول للحصول على ضمانة من إنجلترا لحرية الملاحة في القناة فاجتمعت الدول الكبرى في باريس عام 1885 م، لوضع وثيقة دولية لضمان حرية الملاحة في قناة السويس، لكن لم ينجح الاجتماع الأول، فكان الاجتماع الثاني في القسطنطينية في أكتوبر 1888م حيث وقعت وثيقة القسطنطينية ووقع عليها كل من (بريطانيا العظمى، فرنسا، النمسا، المجر، إسبانيا، إيطاليا، هولندا، روسيا ،و تركيا التي وقعت الاتفاقية نيابة عن مصر.

وتنص أهم أحكام تلك الاتفاقية علي حرية الملاحة في القناة، حيث تشير المادة الأولي منها إلي أن الملاحة في قناة السويس حرة لجميع السفن بدون تمييز سواء بين السفن التجارية أو الحربية، ودون النظر إلي علم السفينة، وسواء كان المرور في وقت السلم أو الحرب، محذرة من خطورة التمييز في المعاملة بين السفن التابعة للدول المختلفة. وأعلنت الحكومة البريطانية في مؤتمر القسطنطينية عن تحفظها على الاتفاقية، لأن مبادئها تتعارض مع ما يقتضي وضعها في مصر ، وفيما بعد سحبت إنجلترا هذا التحفظ في التصريح الفرنسي البريطاني الصادر في 18 أبريل 1904 م، والمعروف باسم الاتفاق الودي، وأصبحت اتفاقية القسطنطينية هي الميثاق الأساسي لحرية المرور في قناة السويس، والتي أشير إليها في أغلب المواثيق الدولية التي أبرمت بين الدول الكبرى عامة.

وعلى كل الأحوال فأن أغلب الظن أن الامتياز الاول والثاني ومن ثم التحكيم بل واتفاق القسطنطينية كانت جميعها اوراق استعمارية في كتاب المؤامرة.

القناة في التاريخ العسكري

بعد احتلال بريطانيا لمصر في عام 1882م . تحركت الدولة العثمانية لتسترد مصر والقناة بعد الادراك المتأخر لقيمة القناة الاستراتيجية .فدفع العثمانيون بالتعاون مع الالمان بحملة عسكرية تستهدف السيطرة على مصر من خلال طريق الشرق المعتاد (سيناء ) وبالفعل انطلقت الحملة عام 1916م لتكون اول تحرك عسكري على ارض سيناء بعد شق القناة لتقف القناة مانع وخندق منيع الاختراق ، ثم تعود القناة لتكون هدف استراتيجي للصراع بين المحور والحلفاء في الحرب العالمية الثانية لتحاول المانيا الوصول للقناة وبهذا تكون قد فصلت بين بريطانيا ومستعمراتها في الهند الا انها فشلت بعد هزيمتها في العلمين. وظلت بريطانيا باسطة سيادتها العسكرية على القناة وحاولت عزلها عن القاهرة . واستمرت القناة ساكنة حتى أعلنت مصر تأميم القناة في 1956م فشنت كلاً من بريطانيا وفرنسا وإسرائيل العدوان الثلاثي على مصر في 29 أكتوبر من نفس العام. ثم تعود أهمية القناة الاستراتيجية كمانع مائي لتوظفه إسرائيل في عدوان 1967م وتستطيع احتلال شبه جزيرة سيناء وتصل بقواتها إلى الضفة الشرقية لقناة السويس وحاولت إسرائيل استثمار هذا الفوز العسكري لخلق حقوق لها في قناة السويس من خلال الادعاء أن الحد الفاصل بين مصر وإسرائيل يجب أن يمر في منتصف المجرى المائي للقناة وبررت إسرائيل مطلبها هذا قائلة إن شبه جزيرة سيناء أرض غير مصرية وأن مصر حازت عليها بشكل غير قانوني عام 1906م. وقد رفضت مصر هذه المزاعم وهدد الرئيس عبد الناصر بإغلاق القناة نهائياً‏. ثم دخلت القناة مرحلة حرب الاستنزاف لتكون المانع الاقوى بين صحاب الحق وحقة ثم كان العبور العبقري لقواتنا في أكتوبر 1973 الذى كان مستحيلا بالنسبة لجغرافيا القناة المنيعة وجغرافيا الموانع الهندسية للعدو على الضفة الشرقية ليتحقق بهذا الانتشار والتمركز لقواتنا على طول ضفة القناة وقد أول عبورا بريا لقوات من الغرب الى الشرق .ورغم أن العدو وظف الثغرة الميدانية بين القوات المصرية لعبور القناة بشكل مضاد من الدفرسوار نحو السويس الا ان محاولته كانت مستهلكة ومحاصرة واستمر الوضع حتى جاء فض الاشتباك الاول عام 1974م والذى بموجبة انسحبت اسرائيل من غرب القناة الى خط المضايق( خط الدفاع الثاني للعدو عن سيناء).

 

بعد هذا دخلت مصر واسرائيل المفاوضات برعاية امريكية وكان لإعادة فتح قناة السويس أمام الملاحة الدولية اولوية قصوى بالنسبة للغرب وظهر ذلك خلال السنوات التي سبقت التوقيع على اتفاقية السلام في 1979م. ويؤكد ذلك ما يقوله رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق، إسحاق رابين. “لقد حدد الموقف الأمريكي النهائي حيال نزاع الشرق الأوسط في بداية اللقاء الذي تم بين نيكسون وجولدا مائير في 1971م وخلال محادثاتنا اتفقنا على شروط الحوار بين مصر وإسرائيل وإجراءاته برعاية الولايات المتحدة بهدف التقدم نحو التسوية المؤقتة لفتح قناة السويس وإعادة الحياة الطبيعية إلى منطقة قناة السويس.
وربما يكون هذا سبب كافي لندرك ان القناة اولوية للغرب كما هي اسرائيل .وانه لا يفصل بين امن اسرائيل وبين تامين تجارته عبر القناة وتلك هي ازدواجية الدور الغرب الذى ظهر لنا خلال جولات السلام .

وللإشارة فلم يكن الاغلاق الاول للقناة بعد العدوان الثلاثي في 1965 م بل كان إبان الاحتلال الإنجليزي لمصر عام 1882م في أعقاب الثورة العرابية لمدة مؤقتة ، ومن مجمل هذا السرد التاريخي تتضح الدلالة التي تقول أن القناة هي محور قوة سيناء بل ومصر كما هي عامل التهديد والعزلة والفراغ حال وجود صراع العسكري علي ضفتها.

 ثالثاً: عن القناة .القديمة والجديدة 

(1) توصيف قناة السويس

هي ممر مائي اصطناعي بطول 193.30 كم يصل ما بين البحرين الأبيض والأحمر وتنقسم إلى قسمين، شمال وجنوب البحيرات المرّة. تسمح القناة بعبور السفن بين أوروبا وآسيا، وتعتبر أسرع ممر بحري بين القارتين وتوفر نحو 15 يوماً في المتوسط من وقت الرحلة عبر طريق رأس الرجاء الصالح. كما أنها تستحوذ علي‏ 8%‏ إلي‏ 12% من حجم التجارة العالمية.

وتتميز قناة السويس بأنها ذات مستوى واحد ويختلف ارتفاع متوسط منسوب المياه في حدود ضيقة واقصى ارتفاع للمد في الشمال حوالي 65سم وفى الجنوب حوالي 190 متر . ويبلغ ارتفاع المد في الشمال حوالي 65 سم ويتسبب ذلك في إحداث تيارات بحرية بين البحر الأبيض المتوسط وبحيرة التمساح. يبلغ ارتفاع المد في الجنوب حوالي 1.9 متر ويتسبب ذلك في إحداث تيارات بحرية بين خليج السويس والبحيرات المرة.

ولهذا تغطى جوانب القناة بتكسيات حجرية وستائر حديدية يختلف تصميمها طبقا لطبيعة المنطقة وذلك لحمايتها من الانهيار نتيجة الضغط الواقع من الأمواج الناشئة عن مرور السفن في القناة..

وتتباين طبيعة التربة في هذه المنطقة من التربة الطينية شمالا إلي التربة الصخرية جنوبا. ففي بورسعيد شمالاً يوجد ترسب الطمي والطين القادم من خلال فرع دمياط منذ آلاف السنين و يمتد هذا التكوين الطيني للتربة حتى مدينة القنطرة 40 كم جنوب بورسعيد حيث يختلط الطمي مع الرمال. وتتكون التربة في القطاع الأوسط من القناة في المنطقة بين القنطرة وكبريت من خليط من الرمال الناعمة والخشنة. في حين تتكون التربة في القطاع الجنوبي من طبقات من الصخور الرملية والصخور الجيرية.

ومرت القناة بكثير من التطوير إلا أن جغرافية وطبيعة برزخ السويس الممتدة بطولة كانت دوما حاكمة وثابتة بل وتخضع التطوير للمجرى الملاحي لحتمية الجغرافيا المتباينة على ضفتيه .ومن هنا سنستعرض مراحل التطوير التي مرت بها القناة منذ الحفر وصول للقناة الجديدة.

(2) مراحل تطوير قناة السويس

بلغ عمق القناة وقت افتتحها حوالى 8 متر وكان أكبر حمولة لسفينة يمكن أن تعبر القناة 5000 طن وكان ذلك يتناسب مع حمولات السفن في ذلك الوقت. مع استمرار تطور صناعة السفن وبناء سفن أكبر في الحجم والحمولة، فتم تطوير قناة السويس حتى وصل غاطس السفن إلى 35 قدم قبل تأميم القناة في 26 يوليو 1956. اهتمت الإدارة المصرية بالاستمرار في تطوير القناة وتم ذلك على عدة مراحل وتم تعميق الغاطس إلى 38 قدم . لتعلن إدارة القناة بعد 10 سنوات في يونيو 1966 عن خطة طموحة لتطوير القناة على مرحلتين لتصل بالغاطس إلى 48 ثم 58 قدم على التوالي. بدء هذا البرنامج ثم توقف نتيجة للحرب التي نشأت في 5 يونيو 1967 حيث توقفت الملاحة في القناة. أعيد فتح القناة للملاحة الدولية في يونيو 1975 بعد تطهيرها من مخلفات الحروب ورفع السفن الغارقة بين حربي 1967 و 1973 ولتظل القناة بنفس العمق والقطاع المائي لها قبل الإغلاق.

استمرت الإدارة المصرية بعد ذلك في مشروعات التطوير حتى بلغت حمولة السفينة المسموح بعبورها 210 ألف طن بكامل حمولتها، ليصل غاطس القناة إلى 62 قدم. كما تم حفر تفريعة جديدة تبدأ من الكم 17 جنوب بورسعيد شمالا حتى البحر الأبيض المتوسط شرق مدينة بورفؤاد لتسمح للسفن المتجهة شمالا للوصول إلى البحر المتوسط بدون الدخول إلى ميناء بورسعيد. واستمر التطوير حتى وصل غاطس السفن المسموح لها عبور القناة إلى 66 قدما في عام 2010.

وكانت القناة في أغلب مسارها ممر يسمح بالمرور في اتجاه واحد ، غير أن بالقناة أربع مناطق مزدوجة بها ست تفريعات تسمح بالملاحة في اتجاهين ومن المعلوم أنه كلما ازداد طول الأجزاء المزدوجة من القناة كلما قل زمن عبور السفن وكذلك زاد عدد السفن التي يمكن عبورها، ويبلغ طول التفريعات بقناة السويس 80.5 كم) (طبقاً للترقيم الكيلومتري لشمندورات البداية والنهاية بكل تفريعة)
1- تفريعة بورسعيد :بطول 40.1 كم وقد تم حفرها عام 1980.( تم مد طولها عدة مرات)
2- تفريعة البلاح : بطول 8.9 كم وقد تم حفرها عام 1955
3- تفريعة التمساح : بطول 4.3 كم وقد تم حفرها عام 1980
4- تفريعة الدفرسوار :بطول 8.4 كم وقد تم حفرها عام 1980
5- تفريعة البحيرات :بطول 11.8 كم وقد تم حفرها عام 1955
6- تفريعة كبريت: بطول 7.0 كم وقد تم حفرها عام 1955

 (3) القناة الجديدة

‏ في 5 أغسطس 2014 تم تدشين مشروع حفر قناة موازية للمر الملاحي الحالي بطول (72 كم) منقسمة من الكيلو متر 60 إلى الكيلو متر 90 بطول 35 كم مضاف إليها توسيع وتعميق تفريعات البحيرات المرة وتفريعة البلاح بطول 37 كم .
و تعد القناة الجديدة ازدواج طولي مكمل للتفريعات القائمة لتشكل مجتمعة ازدواج متصل على جسم القناة بطول (80.5كم) وذلك من خلال ربط القناة الجديدة بتفريعة البلاح (8.9 كم) لتتمكين السفن والناقلات من عبور القناة في كلا الاتجاهين في ذات الوقت. وتلافي مشكلة الانتظار الطويل للقوافل بمنطقة البحيرات المرة والذي كان يصل إلى11 ساعة . ويستهدف المشروع تخفيض زمن رحلة عبور القناة بشكل عام ، كما أن المشروع سيسمح للسفن العملاقة بغاطس 65 قدم بالمرور. والمتوقع أن يحقق المشروع زيادة دخلها بنسبة 259% بتكلفة تصل إلى 4 مليار دولار. وتم جدولة المشروع زمنياً علي أن يتم خلال عام واحد لينتهي في 6 أغسطس2015 وعلى هذا يتضح أنه كما كانت القناة القديمة نقطة التفات للتاريخ بعين المستقبل فالقناة الجديدة نقطة التفات عند مستقبل الصراع بعين التاريخ.

(4) الميزة التنافسية للقناة القديمة والميزة المضافة للقناة الجديدة

تعتبر قناة السويس أقصر طريق يربط بين الشرق والغرب ويصبغ عليها هذا الموقع الفريد طابعا من الأهمية الخاصة للعالم ولمصر كذلك
وتتعاظم أهمية القناة بقدر تطور و تنامي النقل البحري و التجارة العالمية؛ حيث يعد النقل البحري أرخص وسائل النقل ولذلك يتم نقل ما يزيد عن 80% من حجم التجارة العالمية بواسطة النقل البحري.

ومن هنا تأتي الأهمية الاقتصادية للقناة لما توفره من الوقت والمسافة وبالتالي وفر في تكاليف تشغيل السفن العابرة .إضافة إلى الميزة النسبية للقناة كونها:

1- أطول قناة ملاحية في العالم بدون أهوسة بعكس قناة بنما التي تمر علي 12 هويس لرفع السفن لمستوى الارض المرتفعة علي طول المجري .
2- انخفاض نسبة الحوادث فيها تكاد تكون معدومة بمقارنة بالقنوات الأخرى
3- تتم حركة الملاحة فيها ليلاً و نهاراً (وهو ما تم توظيفة فى شق القناة الجديدة)

4- مهيأة لعمليات التوسيع والتعميق كلما لزم الأمر لمجابهة ما يحدث من تطوير في أحجام وحمولات السفن، مزودة بنظام إدارة حركة السفن  (VTMS) وهو نظام يقوم على استخدام أحدث شبكات الردار والكمبيوتر ، ليكشف ويتابع حركة السفن على طول القناة ، ويتيح بذلك إمكانية التدخل في أوقات الطوارئ تستوعب القناة عبور السفن بحمولة مخففة ، لحاملات النفط الخام الكبيرة جداً (ULCCs) (VLCCs)

5- يمكن أن تمر عبر القناة كل السفن الفارغة مهما كانت حمولتها

أما القناة الجديدة فمن المستهدف لها أن تحقق ميزة تنافسية مضافة تتمثل في:

1- زيادة القدرة الاستيعابية للقناة لتكون 97 سفينة قياسية عام 2023 بدلا من 49 سفينة عام 2014
2- تحقيق العبور المباشر دون توقف لعدد 45 سفينة في كلا الاتجاهين مع إمكانية السماح لعبور السفن حتى غاطس 66 قدم في جميع أجزاء القناة.
3- زيادة عائد قناة السويس بنسبة 259% عام 2023 ليكون 13.226 مليار دولار مقارنة بالعائد الحالي 5.3 مليار دولار مما يؤدي إلى الانعكاس الإيجابي المباشر على الدخل القومي المصري من العملة الصعبة..
4- زيادة فرص العمل لأبناء مدن القناة و سيناء والمحافظات المجاورة مع خلق مجتمعات عمرانية جديدة
5- تعظيم القدرات التنافسية للقناة و تميزها على القنوات المماثلة رفع درجة التصنيف العالمي للمجرى الملاحي

رابعاً: القناة الجديدة. بين التنمية والأمن القومي

 (1)القناة الجديدة ..مدخل للتنمية 

فالثابت من وقائع التاريخ أن القناة كانت اختراعا عالميا في زمن كان مترعا بالتحديات المنشطة لقوي الابتكارات التي بدورها تتحدي هذه التحديات . وقد حاول العالم بشتي الطرق أن الاستفادة من القناة لمواكبة رأسمالية الاقتصادية لاسيما التجارية وعلي نحو خاص المحمول منها بحرا . ففي كل المخططات الكبرى للتجارة الدولية المنقولة بحرا كانت قناة السويس حاضرة بوزنها الاستراتيجي وتأثيرها الاقتصادي .ولذلك لا يمكن إغفال قيمتهما الاقتصادية باعتبارهما مكونا فعالا في حسابات القيم المضافة للسلع .وبقدر معدلات النقد الأجنبي القادم للدخل القومي من القناة الحالية أو المتوقع للقناة الجديدة بقدر ما يجب توظيف جسد القناة نفسة لتكون مدخلاً لتنمية دافعية تربط الاقتصاد الوطني بالأمن القومي. وقد سبق وحدث بشكل تلقائي للقناة عندما كانت سبب لامتداد المعمور غرب مجراها لتشكل بالزمن كثافة سكانية لا تنقطع لا تتمثل في مدنها الثلاث الشهيرة، بورسعيد، الإسماعيلية، السويس، بل خلقت خطا سكانيا عريضا يعمره الآن ملايين المصريين بالبيوت والمزارع والمدارس والمصانع والحقول . مما يعني أن القناة قديماً صنعت من ضفتها الغربية خط تماس بين الدلتا وبين برزخ السويس يعطيها صبغة الوادي لا الصحراء أما شرق مجري القناة كان وجه البرزخ القديم الغير معمور ظل فراغ مؤهل بالإمكانيات لا البشر. ومن هنا تأتى القناة الجديدة لتطرح فرصة تاريخية يمكن توظيفها من خلال ربط جغرافي واسع بين ضفتي القناة عند الشمال والجنوب وعند رباعية الضفاف عند الوسط (القناة الجديدة)..وهو بالفعل ما تم التخطيط له من خلال شبكة الأنفاق المطروح ضمن التنمية الشاملة للمشروع. ولكن يجب أن تكون النظرة إلى شرق القناة بعين غربها بمعنى أن تكون معكوس عمراني لضفتها المقابلة. بمعنى أنه كيفما أصبح غرب القناة معكوس للدلتا يجب أن يتحول شرقها معكوساً له .وذلك بتأسيس ثلاثية مدن القناة (بورسعيد ,الإسماعيلية ,السويس) ولكن شرق القناة. وبالفعل فضمن مشروع القناة إنشاء مدينة بمقابل الإسماعيلية لاستيعاب 10 ألاف وحدة سكنية مما يعنى أنه تم الوضع في الاعتبار وجود كتلة سكنية على منعطف القناة الجديدة وهذا جهد واعي لمخاطر القناة نتمنى أن ينتج في النهاية تنمية كلية ليس للضفة الشرقية للقناة الجديدة بل والقديمة بل وسيناء كلها.


فبهذا فقط تكون القناة الجديدة أصبحت مدخل للتنمية الدفاعية على طول المجري الملاحي وظهير سكاني قوي يلعب دور مدن القناة قديماً حال الصراع ولكن تلك المرة غرب القناة لا شرقها. ولسنا هنا نحاول معارضة المشروع اقتصاديا ولا حتي استراتيجيا بقدر كوننا نحاول لفت النظر لضرورة صراع قادم لا محالة.

 (2) قوة القناة الاستراتيجية

*القناة في الفكر العسكري

بدايتا يجب إدراك أن سيناء بشكل أو باخر تنتمى للقناة لا العكس فهي حاجز جغرافي عند عبوره شرقا يجبرها لخضوع امتدادها أمامه حيث المضايق ..فإذا عبرنها من الشرق كان امتداد مضايق ومحاور سيناء على ضفاف القناة الشرقية يخضع لجغرافيا القناة. أي أن سيناء هي من تخضع للقناة عند عبورها شرقا ..وتخضع القناة لها عند عبورها غرباً. وبهذا تصبح سيناء بالقناة و بجغرافيتها العنيدة تعاقب من يتخلى عنها وعن سيناء وعلى هذا تكون القناة أما أن تحارب معنا أو علينا. وعند تلك النقطة يمكننا أن نضع أساس نظرية قوة القناة .لنقول أن القناة ليست خط الدفاع الأخير لنا بقدر ما هي محور الهجوم المضاد الأول والهدف الأول للقوة الجوية للعدو من خلال (خليج العقبة وصولاً لمنحنى خليج السويس ومنة للشمال حيث القناة .أو من خلال ساحل المتوسط ومنة إلى الجنوب عبر بور سعيد )والأرجح أن القناة تحارب معنا إذا كنا نتحرك هجوماً منها وليس عبرها وتحارب ضدنا إذا انسحبنا للتحصن خلفها . فالوصل إليها من الشرق هو استراتيجية تحسم أمر سيناء بأكملها .والعبور منها للشرق يكون مصيدة طولية وخاصة عند الدفاع لا الهجوم. أما عند وضعها كظهير للدفاع تكون خط إمداد مثالي يصعب قطعة بشكل طولي ويسهل تغطيته وتأمينه بشكل فعال كما سبق وحدث بحائط الصواريخ . فصحراء سيناء التي تنبسط وتستوي علي شمال ووسط ضفتها الشرقية تجعل سمائها مكشوفة وكذلك شمالها حيث البحر المتوسط الملتوي الساحل وجنوبها عند مدخل خليج السويس .لذا يمكننا أن ندعي أن قوة القناة الاستراتيجية ..أن من يسيطر عليها فقد أفقد مصر توازنها ووزنها الاستراتيجي وجعل من جغرافيا الشرق حصناً يصعب تجاوزه وخاصة إذا تم تعزيزه بمانع جديد بمحازة خط الأوسط( مضيق جفجافة وممر متلا). والقناة مانع مائي غير تقليدي في الفكر العسكري فهي كما قال عنها سعد الدين الشاذلي في مذكراته فقد كتب عنها ضمن مشكلات العبور قائلا ” لم تعد الانهار والقنوات تشكل عائقا امام الجيوش الحديث بعد تطور أسلحة القتال وادخال الدبابات والمركبات البرمائية التي تستطيع الغوص في الماء والسير على قاع المانع المائي ضمن تنظيم القوات البرية .لقد اصبح في مقدار القوات البرية ان تقتحم المانع المائي بالهجوم من الحركة وعلى مواجهه واسعة, وذلك بان تدفع القوات الرئيسية امامها بمفرزة برمائية تقوم بإنشاء راس كوبري ,ويتبعها المهندسين الذين ينشئون الكوبري الذى تعبر علية القوات الرئيسية عند وصولها الى المانع المائي . واذا كان ذلك ينطبق على جميع المانع المائية ,فانة لا ينطبق من قريب او بعيد على قناة السويس ,حيث أنها مانع مائي من نوع فريد في طبيعته وقد اضاف اليها العدو –علاوة على ذلك-كثيرا من العوائق الصناعية مما جعلها تبدوا في اعين الكثيرين من العسكريين مانعا مائيا لا يمكن اقتحامه ” .
فاذا كانت القناة كمانع مائي في الفكر العسكري المصري بتلك الخطورة .فكيف يكون ازدواج المجري الملاحي للقناة في معادلة أي صراع محتمل .
وللتنويه والتأكيد ان الاشارة الى قناة السويس بهيئتها القديمة والجديدة كموانع ليس رفضا أو تحاملا على لمشروع القناة الجديدة من الجانب الاقتصادي بل هي مجرد تحفظات على المستوى الاستراتيجي يجب وضعها في الاعتبار لاستيعاب درس التاريخ بكونها مانع مائي مضاف .

*جغرافيا ثغرة أكتوبر وموقع القناة الجديدة.

هناك قاعدة تقول أن النجاح في فتح ثغرة كاستراتيجية لأي معركة ليس هدفا عسكريا في حد ذاته طبقا للمفاهيم العسكرية . والعدو الصهيوني لم يكن غبيا في حربه معنا ، ولم يُعرف عنه يوما ما أنه من هواة المخاطرة برجاله من أجل حب المخاطرة والاستعراض ويبدوا هذا واضحاً في كل حروبه الخبيثة .. وعلي هذا لم تكن خطط الاختراق الإسرائيلي إلى غرب القناة خططاً حديثة أو وليدة حرب أكتوبر ففكرة عبور القناة من الشرق إلى الغرب وعند البحيرات المرة بالتحديد برزت للوجود في خطط الجنرالات الالمان الذين كانوا يقودون الجيوش التركية في محاولة لاستعادة مصر أثناء الحرب العالمية الأولى. وقد تنبهت القيادة العسكرية الاسرائيلية إليها أثناء حرب الاستنزاف و بدأت التفكير فيها ضمن عملية محدودة في عام 1970م بهدف تحطيم جزء من شبكة الصواريخ المصرية لتستطيع من خلاله الطائرات الاسرائيلية تحطيم باقي الشبكة وبالفعل قد تم التخطيط والإعداد لهذه العملية قبل أكتوبر فالجسر الذي استخدم في عبور القوات الإسرائيلية تم إعداده قبل عام من أكتوبر وكان يزن 400 طن وأخذ 3 أيام لإعداده و نظراً لعدم وجود إنذار أو تحذير مسبق فقد فوجئت عناصر الدفاع الجوي المصرية بقصف الدبابات الإسرائيلية عليها مستهدفة الرادارات و هوائيات البطاريات مما أدى إلى فتح ثغرة في السماء .حتي أن جولدا مائير أعلنت وقتها في البرلمان الإسرائيلي أن النصر قادم وأنهم عبروا لأفريقيا ,وبدون الخوض كثيراً في تفاصيل الثغرة .يمكننا أن ندعى أن عبور القناة كما كان هدفاً لنا فقد كان خطة بديلة وأخيرة لهم حال انهيار خط برليف . ويبقي سؤال هل موقع القناة الجديدة ومرورها بموقع عبور العدو إلى غرب القناة كان ضمن الرؤية الدفاعية لمشروع القناة الجديدة أم أنه كان مجرد صدفة جغرافية ؟.

 *هل القناة الجديدة.. مانع استراتيجي؟

بالتأكيد أن تساؤل ما إذا كانت “قناة السويس الجديدة ..مانع استراتيجي أم مدخل للتمية” كان محل بحث وتدقيق من القائمين على الأمن القومي المصري . ويبدوا هذا واضح في مخطط الربط الجغرافي لوجهين القناة الذي تم طرحة ضمن مشروع القناة الجديدة .ولكن كل ما يجب الإشارة له هنا أننا نحاول وضع فرضية بحيثه تبدوا جديدة رغم دلالتها القديمة . تلك الفرضية تقول هل تكون القناة الجديدة مدخل للتنمية الدفاعية بقدر ما هي بالفعل مانع استراتيجي؟  هل القناة المستحدثة وقت الصراع تحارب معنا أم ضدنا؟.

ومن هنا ويجب أن نشير الإشارة المعتادة بأن تلك الفرضية البحثية ليست مدفوعة بخصومة أو انفعال .. فالعلم لا يفهم كلاهما. وكل ما يمكن أن ندعيه هنا أننا نحاول إثبات دلالة دامغة تقول أن ازدواج مانع مائي علي أكثر الجبهات الاستراتيجية حساسية للصراع يجب أن يوظف كمدخل لتنمية دفاعية ووضعة ضمن صياغة استراتيجية أوسع .حتي لا يكون عامل عزلة مضافة لسيناء .

وهنا حقيقة لابد من التوقف عندها قليلا فسيناء بشكل أو باخر تنتمى للقناة لا العكس فهي حاجز جغرافي عند عبوره شرقا يجبرها لخضوع امتدادها أمامه حيث المضايق ..فإذا عبرنها من الشرق كان امتداد طرق ومحاور سيناء على ضفاف القناة الشرقية ..أي أن سيناء هي من تخضع للقناة عند عبورها شرقا ..وتخضع القناة لها عند عبورها غرباً ..وبهذا تصبح سيناء بالقناة و بجغرافيتها العنيدة تعاقب من يتخلى عنها. قناة السويس حولت مصر من يابس واحد وبحرين إلى بحر واحد ويابسين .

ثم زاد عناد ومعضلة جغرافيا القناة بشق ممر ملاحي موازى شكل مانع مضاف يجعل من هذا الازدواج انجاز عاجز في حال عدم الالتفات لواقع وتوابع جغرافيا القناة الجديدة .. ‏وبرغم عظمة إنجاز مشروع قناة السويس الجديدة إلا أننا يجب أن ندرك أنه بقدر عظمة المشروع بقدر ما يجب توظيفه بالضرورة كمدخل لتنمية سيناء .فهو وعلى الرغم من عائدة الاقتصادي الا انه يشكل في جغرافيته مانع مائي مزدوج يقف بين الشرق والغرب ..ولا ينبغي أن يكون هذا المشروع عامل عزلة مضاف لعزلة سيناء ..بل ويجب إدراك أن هذا التحول في إدارة الجغرافيا سينعكس بطبيعة الحال على ما بعد حفر القناة وما بعد تنمية اقليم القناة اقتصاديا ..فما هو أبعد من الهدف الاقتصادي هو البعد الاستراتيجي لقوة القناة ..

بمعنى وصياغة أخري.. هل القناة مدخل للتنمية أم أنها مانع استراتيجي يحول بيننا وبين العبور وقت الضرورة. وإذا كانت كذلك فما هو الحل؟

وإذا كان مدخل للتنمية كيف نوجد من التنمية كمخطط اقتصادي استراتيجية دفاع وتمركز تعمل بفاعلية في مواجه ضرورات الصراع الواردة في المستقبل ..فبوضع القناة القديم كان عبو�

azazystudy

مع أطيب الأمنيات بالتوفيق الدكتورة/سلوى عزازي

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 177 مشاهدة
نشرت فى 8 أغسطس 2015 بواسطة azazystudy

ساحة النقاش

الدكتورة/سلوى محمد أحمد عزازي

azazystudy
دكتوراة مناهج وطرق تدريس لغة عربية محاضر بالأكاديمية المهنية للمعلمين، وعضوالجمعية المصرية للمعلمين حملة الماجستير والدكتوراة »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

4,793,647