متى نخاف الله فى هذا الوطن؟ فاروق جويدة 870 طباعة المقال
بدأت العواصف تحيط بسفينة الرئيس عبد الفتاح السيسى وهو لم يكمل بعد عامه الأول فى إدارة شئون المحروسة،
ولا شك ان الرجل نفسه قد خرج من عواصف شديدة شهدها وعايشها منذ قامت ثورة يناير واسقطت نظاما فاسدا مترهلا حاول ان يغير قواعد الزمن وسنن الحياة .. ثم اطاحت ثورة يونيه بنظام فاشل متخلف انحدر بالمصريين مئات السنين الى الوراء فى تجربة فريدة حملت معها كل مقومات الفشل والتراجع .. دخل عبد الفتاح السيسى المقاتل المصرى دوامة الصراعات التى لم تكتف بالسلطة ولكنها اقتحمت بعنف الشارع المصرى بكل طوائفه وفصائله ومكوناته .. فجأة اطلت علينا مصر اخرى غير تلك التى عرفناها فى شعبها ولغتها ومشاكلها وانقساماتها وقبل هذا كله رغبة عارمة فى تغيير كل شئ ..
وقف السيسى امام هذا الواقع الجديد وخلفه تأييد شعبى جارف فى لحظة احتياج وانكسار ومحنة .. كان تأييد المصريين للسيسى خارج كل الحسابات التى اعتادت عليها حياة المصريين وامام امن ضائع وإرهاب يطاردنا وحشود خرجت من بيوتها وتأبى ان تعود وتيارات سياسية مريضة وقوى دينية تعيش خارج العصر والزمن وفلول تأبى ان تنسحب من الساحة ولديها استعداد ان تدمر كل شئ من اجل مصالحها .. وسط هذه العواصف الدامية جاء عبد الفتاح السيسى رئيسا .. كانت كل فصائل الدولة معه فى لحظة اختيار رأت فيه الأمن والملاذ .. واختار الرجل طريقه .. لو أراد السيسى ان يقدم للمصريين اليوم كشف حساب عن عامه الأول فى الحكم فلديه اوراق كثيرة يمكن ان يطرحها امام الشعب .. وقبل ان يقدم اوراقه علينا ان نشاهد ما حدث امامنا خلال هذا العام حتى نحكم على الرجل بمقياس عادل ..< لنا ان نتصور حالة الأمن فى الشارع المصرى بعد ثورة يناير والمليونيات التى كانت تحتشد فى الميادين كل يوم جمعة فى كل عواصم مصر من السلوم الى العريش وكيف فقدت الدولة سيطرتها على الشارع بصورة مخيفة .. فى كل يوم كان فريق من الفرقاء يعلن قيام دولته ابتداء بحشود ميدان التحرير وانتهاء بحصار مدينة الإنتاج الإعلامى وذبح العجول على جدرانها مع حشود اخرى فى كل المحافظات عجز الأمن فى اوقات كثيرة عن ان يتعامل معها وسقط فيها مئات الضحايا الأبرياء .. كان من الطبيعى ان تتوقف السياحة تماما وان تتوقف ادوات الإنتاج وان يجلس كل مواطن فى بيته خائفا على اسرته وابنائه وخاضت قوات الجيش والشرطة معارك ضارية لتحقيق الأمن للمواطن المصرى وامتدت المواجهة الى ارض سيناء التى شهدت ومازالت حربا حقيقية مع الإرهاب.. لنا ان نتصور لو ان الجيش والشرطة لم يحققا معادلة الأمن فى الشارع المصرى وحال مصر الأن فى ظل هذه الحشود وهذه المعارك وحالة الإنفلات التى عاشتها المحروسة ..
< لنا ان نتصور صورة مصر بعد 3 يوليو وسقوط نظام الإخوان وموقف العالم الخارجى مما يجرى فى بلادنا .. لقد تمزقت تماما علاقات مصر الخارجية امام منظومة خاطئة صورتها اطراف كثيرة بأن ما حدث فى مصر كان انقلابا ولم يكن ثورة .. ووقفت مصر وحيدة امام هذه الجحافل الرافضة شرقا وغربا ولم يؤيد مصر فى محنتها غير مجموعة من الدول العربية بقيادة السعودية والإمارات والكويت والأردن والبحرين .. وصمت الجميع.. كان من الواضح ان هناك اطرافا دولية اقامت حساباتها مع الإخوان فى ظل مستقبل آخر لمصر فيه الكثير من الحسابات والتنازلات والخطط المشبوهة ..خلال عام واحد نجح عبد الفتاح السيسى فى ان يعيد مصر الى مكانها ومكانتها .. كانت نقطة البداية رحلاته الأولى الى دول افريقيا التى اخرجناها يوما من كل حساباتنا ثم انطلقت مصر الى العمق الأفريقى وكانت نقطة الإلتقاء الأساسية مع اثيوبيا وقضية مياه النيل ثم كان دعم السودان وعادت المياه الى مجاريها بين مصر ودول افريقيا .. وكانت رحلة الصين وروسياانطلاقة اخرى فى علاقات مصر الخارجية ثم ايطاليا واليونان وقبرص واسبانيا وفرنسا وفى كل محطة من هذه المحطات كانت هناك اتفاقيات ومصالح .. على طريق آخر كانت مسيرة العلاقات مع دول الخليج خاصة السعودية والإمارات والكويت وهذه المواقف التاريخية التى لن ينساها المصريون فى يوم من الأيام .. وجاء مؤتمر شرم الشيخ لدعم الإقتصاد المصرى صورة حضارية اكدت للعالم ان مصر عادت الى موقعها ومكانتها .. وكانت القمة العربية فى شرم الشيخ وما ترتب عليها من قرارات محاولة ناجحة لإنقاذ هذه الأمة من مؤامرات التقسيم والفتن.. على جانب آخر اخذت العلاقات المصرية الأمريكية مسارا آخر يقوم على الندية واحترام إرادة الشعوب .. كيف تمت كل هذه الإنجازات فى فترة زمنية قصيرة وكيف عادت مصر تتصدر المشهد العربى وتستعيد مكانتها فى افريقيا وتقيم علاقات متوازنة مع كل دول العالم .
< حين انطلق مشروع قناة السويس الجديدة وهذه العملية الضخمة فى اهم مجرى ملاحى عالمى تساءل الكثيرون عن جدوى مثل هذا المشروع فى هذه الظروف الصعبة، وكان الرد ليس من المنطقى ان يكون هذا حال قناة السويس منذ انشائها وافتتاحها فى عهد الخديو إسماعيل، هل من المعقول ان يتوقف كل النشاط الإقتصادى على هذه المساحة الرهيبة وهذا الموقع الفريد على مرور السفن وتحصيل الرسوم ولدينا مساحة على ضفتى القناة يمكن ان تكون اكبر سوق حرة فى العالم انتاجا وتصديرا وخدمات، وبعد شهور قليلة تدخل قناة السويس مرحلة جديدة فى تاريخ الإقتصاد المصرى والملاحة العالمية حين قدم المصريون لهذا المشروع 65 مليار جنيه فى اسبوع واحد كان ذلك تأكيدا لوعى هذا الشعب وثقته فى مشواره مع المستقبل ..ولا شك ان حكومة محلب تقوم بجهد كبير فى مجالات كثيرة ولكن البيروقراطية المصرية العريقة وحالة الترهل التى اصابت مواقع العمل والإنتاج تحول دون اشياء كثيرة يحلم بها الإنسان المصرى، هناك مشروعات الطرق وهى ثورة حقيقية فى النشاط الإقتصادى على ربوع مصر وهناك محاولات انتشال سيناء من سياسات حكومات سابقة فشلت فى تنمية هذا الجزء العزيز من الوطن وهناك خطط لإنشاء عاصمة جديدة وزراعة مليون فدان وانقاذ المصانع المتوقفة عن العمل .. نحن امام منظومة من التخلف التاريخى فى العمل والإنتاج والإدارة والأولويات وليس من العدل ان نحاسب احدا على ثلاثين عاما من النهب والتحايل والفساد فى ظل اجهزة ومؤسسات ترهلت وقامت على سياسات وبرامج لخدمة مصالح واهداف مجموعة من البشر وليس مستقبل وطن وشعب.
< فى ظل هذا كله لا احد ينكر الدور الذى يقوم به الجيش المصرى والشرطة المصرية فى تطهير سيناء من الإرهاب هذه اللعنة التى حلت بأرض الأنبياء وشوهت حياة الناس ودخلت بنا الى طريق من العنف لا يتناسب مع سماحة اهل سيناء وترابها المقدس .. وبجانب هذا فإن الجيش يتحمل مسئولياته فى حماية حدود مصر من كل اتجاه وهو قادر على ان يصون تراب هذا الوطن .. ان شهداء الجيش والشرطة الذين يسقطون كل يوم على تراب مصر يجسدون المعنى الحقيقى للشهادة والتضحية والفداء..< بعد عام واحد يمكن ان نقف امام انجازات كثيرة واضحة وصريحة فى فترة حكم عبد الفتاح السيسى لا شك ان احلام الناس تتجاوز كل الإنجازات ولو كان لدى السيسى الموارد والإمكانيات ما بخل بها ولكن هذه حالة وطن منهوب خرج من محنتين وكارثتين ونجاه الله من حرب اهلية محققة.
يبقى امامى نقطتان لا بد ان اتوقف عندهما وهما الإعلام ورجال الأعمال وفلول العهد البائد ..لا ادرى ما هو المبرر لدى الزملاء الإعلاميين فى هجومهم على الرئيس السيسى وهم يعلمون اننى لا ادافع عن شخص ولكن ادافع عن مستقبل وطن .. معظم هؤلاء الزملاء كانوا منذ شهور قليلة يشيدون بالرجل ومواقفه وقد وضع قلبه على يده فى محنة شهدها الجميع كانت تهدد مصر امنا واستقرارا ومستقبلا .. ما الذى تغير .. ان عبد الفتاح السيسى هو نفس الشخص .. فلماذا كل هذا الهجوم ..
على جانب آخر مازال موقف رجال الأعمال يتسم بالغموض الشديد .. هل كانوا يطمعون فى مكاسب ومصالح جديدة ولم تتوافر لهم الفرصة كما اتاحتها سنوات النهب والفساد، ان رجال الأعمال يتابعون المشهد من بعيد وصورتهم ومواقفهم تدعو للإرتياب وإذا كانوا يتحصنون فى الفضائيات وبرامجهم التافهة فهم بذلك يفرطون فى مسئوليتهم تجاه مصر والمصريين .. وإذا كانوا قد انفقوا اموالا كثيرة على الإعلام وجاءت السنوات العجاف التى يتصورون ان الدولة يمكن ان تقدم لهم الدعم المالى لإنقاذ هذه الفضائيات المغرضة فهم واهمون ولن يغضب احد إذا اغلقت كل هذه الفضائيات ابوابها لأنها لم تضف شيئا الى عقل مصر وثقافتها .. اما إذا كانت لديهم اوهام مريضة بأن الماضى يمكن ان يعود فإن الماضى الأن فى رحاب التاريخ وسوف يلقى محاكمة عادلة بماله وما عليه، على فلول الماضى ان تغلق صفحاتها وتنتظر كلمة التاريخ .< بقيت عندى كلمة اخيرة اننى على يقين ان مصر كل مصر فى حاجة لأن تلقى بعيدا عفن سنوات مضت وصراعات مريضة ومعارك وهمية وان نتخلص كشعب من كل ادران الماضى لكى نبنى معا مصر الجديدة .. رجال الأعمال فى منظومة جديدة تكون اكثر حرصا واكثر ولاء لهذا الوطن والنخبة لكى تأخذ دورها الحقيقى فى بناء وترشيد العقل المصرى فكرا وسلوكا وتدينا .. والإعلام المصرى صاحب الدور والرسالة والمسئولية وليس صاحب الدعم المالى الخارجى المشبوه .. ان انتقاد الدولة المصرية فى اى مجال حق مشروع لكل مواطن وكل اعلامى وكل صاحب موقف او رأى ولكن القاء الحجارة لا يصلح للبناء، وتشويه الحقائق إفساد للعقول والسعى الى الباطل مذبحة للضمائر .
من الخطأ الجسيم ان تبدو الدولة ضعيفة امام سطوة رأس المال مهما كانت حاجتها له او ان تفقد هيبتها امام الإعلام او ان تفتح ابوابا لإنقسامات جديدة تهدد امن مصر واستقرارها.القضية ليست عبد الفتاح السيسى الرئيس ولكنها قضية مصر الأمن والإستقرار والبناء.
فلنتق الله فى هذا الوطن ونفتح قلوبنا لزمان جديد تستعيد فيه مصر هيبتها ودورها ومكانتها التى شيدتها فى كل العصور .
..ويبقى الشعر
وحين نظرتُ فى عينيكِ.
لاح الجرحُ. والأشواقُ والذكرى
تعانقـْنا. تعاتـْبنا
وثار الشوقُ فى الأعماق ِ.
شلالا ً تفجر فى جوانحنا
فأصبح شوقـُنـَا نهرا
زمانٌ ضاع من يدنا.
ولم نعرف له أثرا
تباعدْنا. تشردْنا
فلم نعرف لنا زمنـًا
ولم نعرف لنا وطنا
تـُرى ما بالـُنا نبكى؟
وطيفُ القـُربِ يجمعنا
وما يُبكيكِ. يُبكينى
وما يُضنيكِ. يُضنينى
تحسستُ الجراحَ. رأيت جُرحًا
بقلبكِ عاش من زمن ٍ بعيدْ
وآخرَ فى عيونكِ ظل يُدمى
يُلطـّخ وجنتيْكِ. ولا يريدْ
وأثقل ما يراه المرءُ جُرحًا
يعلُّ عليه. فى أيام عيدْ
وجُرحك كلَّ يوم ٍ كان يصحو
ويكبرُ ثم يكبرُ . فى ضلوعى
دماءُ الجرح ِ تصرخ بين أعماقى
وتنزفها . دموعى
لأنكِ عشتِ فى دَمِنا. ولن ننساكِ
رغمَ البعدِ. كنتِ أنيسَ وَحدتنا
وكنتِ زمانَ عفـِّتنا
وأعيادًا تجددُ فى ليالى الحزن ِ. فرحَتـَنا
ونهرًا من ظلال ِالغيبِ يَروينا. يُطهِّرنا
وكنت شموخَ قامَتنا
نسيناكِ!
وكيف. وأنتِ رغم البعدِ كنتِ غرامَنـَا الأولْ؟
وكنتِ العشقَ فى زمن. نسينا فيه
طعمَ الحب. والأشواق. والنجوَى
وكنتِ الأمنَ حين نصيرُ أغرابًا. بلا مأوى؟!
وحينَ نظرتُ فى عينيكِ..
عاد اللحنُ فى سمعى
يذكـّرنى.. يحاصرنى .. ويسألنى
يجيب سؤالـَه.. دمعى
تذكرنا أغانينـَا
وقد عاشت على الطـُّرقاتِ مصلوبهْ
تذكرنا أمانينـَا
وقد سقطت مع الأيام ِ.. مغلوبهْ
تلاقـْينا.. وكل الناس قد عرفوا حكايتنا
وكل الأرض قد فرحت.. بعودتِنـَا
ولكن بيننا جُرحٌ..
فهذا الجرحُ فى عينيكِ شىء لا تـُداريهْ
وجُرحى.. آهِ من جُرحى
قضيْتُ العمرَ يؤلمنى.. وأخفيهْ
تعالىْ .. بيننا شوق طويلٌ ..
تعالىْ .. كى ألملمَ فيكِ بعضى
أسافرُ ما أردتُ وفيك قبرى. .
ولا أرضَى بأرض ٍ.. غير أرضى
من قصيدة «لأنك عشت فى دمنا» سنة 1983
لمزيد من مقالات فاروق جويدةرابط دائم:
ساحة النقاش