الإعلام المصرى .. الأزمة والحل فاروق جويدة 0 561 طباعة المقال إذا أردنا ان نحدد بأمانة الأسباب التى تقف وراء ارتباك المشهد فى الشارع المصرى سوف نكتشف دون تردد ان الإعلام من اهم واخطر هذه الأسباب .. المصريون ساخطون على إعلامهم ..

 والدولة حائرة ما بين منظومة للحريات تحاول تأكيدها وغياب للمسئولية بكل جوانبها لدى الإعلاميين .. نحن نعيش حالة انفلات فى معنى الحقوق والواجبات واكبر شواهدها ما يحدث فى الإعلام .. وفى ظل عدد رهيب من الفضائيات المفتوحة «ليل نهار» وفى ظل اعداد مخيفة من الصحف السوداء والصفراء ومتعددة الألوان وفى ظل عشرات الأقلام التى لا تدرك مسئولية الكلمة .. وفى ظل المواقع الإلكترونية التى تطارد ملايين الشباب بالأخبار والحكايات والجرائم وامام نسبة امية تجاوزت رقم العشرين مليون انسان .. ومع نظام تعليمى متخلف وثقافة سطحت العقل المصرى تبدو منظومة الإعلام اخطر وسيلة لتهديد مستقبل الإنسان المصرى فى امنه واستقراره ووعيه وحرياته

< لا تحتاج اى دولة او مؤسسة اجنبية تعمل لإنتاج افلام أو مسلسلات او اخبار لتشويه صورة مصر امام العالم غير ان تترك المهمة لأى مخرج مبتدئ يجلس امام الفضائيات المصرية ويحذف من هنا ويوصل من هناك ويجمع بعض المشاهد لما يحدث فى الشارع ويرصد صور المذيعين والمذيعات وحالات التشنج والصرع التى تصيبهم كل يوم، هذه المشاهد لو تجمعت فى فيلم قصير فسوف يفوز بأحد الجوائز العالمية تحت عنوان «كيف تشوه وطنا وتدعو شعبا للانتحار»..

< على الفضائيات المصرية يمكن فى وقت واحد ان تضحك وتبكى وتصاب بالإحباط وربما القيت نفسك من البلكونة او حاولت اقتحام الشاشة او تخلصت من التليفزيون .. ما يحدث للمصريين الآن بسبب الإعلام والفضائيات جرائم اغتيال مع سبق الإصرار والترصد .. والأخطر من ذلك هذا الصراخ وهذه الأصوات العالية وكأننا فى مستشفى الأمراض العقلية .. وتتساءل اين مدارس الإعلام التى ينتمى اليها هؤلاء ؟ اين تعلموا وأين المهنية فيما يفعلون واين لغة الحوار فيما يقولون؟ حاول مرة ان تغلق الصوت وتشاهد الصورة فقط لتكتشف حجم المأساة التى ترتكبها هذه الوجوه فى حق هذا الشعب الغلبان .

< إذا انتقلنا من الشكل الى المضمون فسوف تجد ظواهر غريبة انتشرت بين المصريين بسبب الإعلام .. لقد زاد حجم الكراهية بين الناس حتى وصلت الى ارتفاع حالات الطلاق .. وانقسم المصريون الى فصائل وميليشيات ومع ارتفاع معدلات الفوضى والعنف اصبحت الدماء فقرة دائمة على الشاشات دون مراعاة لأطفال يجلسون او امهات يتحسرن على ابناء رحلوا دون ذنب او جريمة ..

< تستطيع ان تشاهد صورة واحدة ثابتة على عشرين فضائية مصرية فى وقت واحد .. وتسأل اين مشاكل الناس .. اين ازمات التموين والبطالة، اين اطفال الشوارع اين الباعة الجائلون وقد اصبحوا ظاهرة مخيفة فى قلب القاهرة اين سكان العشوائيات اين الدروس الخصوصية وازمة التعليم اين الأنشطة الثقافية إن وجدت .. ولا تجد شيئا من هذا كل ما تراه طوال اليوم الكاميرات التى اخذت زوايا واحدة امام جامعة الأزهر او عين شمس او القاهرة ولا شىء غير مجموعة من الطلاب يلقون الحجارة على رجال الشرطة .. هل هذه هى مصر من الإسكندرية الى اسوان .. أليست هناك فصائل اخرى تعيش وتعمل وتفكر .. هناك امهات فى الحقول .. وعاملات فى المصانع وشباب ينتج .. هناك جنود يحاربون الإرهاب فى سيناء وصيادون يصارعون الأمواج من اجل لقمة عيش شريفة .. اختصر الإعلام المصرى تاريخ مصر طوال ثلاث سنوات فى مجموعة ضيوف لا يتغيرون على جميع الفضائيات حتى يمكنك ان تشاهدهم عشرات المرات فى ليلة واحدة ما بين ناشط سياسى وخبير استراتيجى ورئيس حزب بلا تاريخ او جماهير وزعيم إعلامى يحرض فى كل اتجاه

< فى مصر الآن دولة جديدة هى دولة الإعلام لا احد يعرف اهدافها ولا مصادر تمويلها ولا انشطتها الخفية والمعلنة ووسط هذه الغيوم وهذا الضباب الكثيف لا تجد احدا تسأله او تحاسبه.. وفى غيبة كاملة من الدولة يتم إنشاء غرفة لصناعة الإعلام على غرار غرفة صناعة الموبيليا او الجلود او السيراميك والرخام .. وتجد شركات احتكارية لإنشاء كيانات إعلامية جديدة دون علم الدولة التى تقام فيها هذه المؤسسات وكأنها وكالة بلا بواب .. وإذا حاولت الدولة إصدار ميثاق شرف للعمل الإعلامى تجد من يقول وما هى مسئولية الدولة فى ذلك وبدلا من ان يناقش الإعلاميون هذا الميثاق ويعترضون عليه ويغيرون ما جاء فيه فهم يرفضونه شكلا وموضوعا ويكون السؤال هل أصدرتم ميثاقا ورفضته الدولة واين ميثاق الشرف الصحفى واين مسئوليات الإعلام وهو لا يجد من يحاسبه وهل من حق الإعلام ان يشعل كل ليلة الحرائق على الفضائيات ويلقى بالمشاهدين يمينا ويسارا وفى كل اتجاه امام السطحية والغوغائية والبطولات الكاذبة وبعد ذلك ترفضون اى حديث عن ميثاق شرف او حساب او مساءلة.

< تبحث وسط هذا الركام عن صوت عاقل ولا تجد غير المبالغات فى الرفض او القبول فى الهجوم المبتذل او النفاق الرخيص وتفتش وتسأل اين لغة الحوار .. لا أعتقد ان ما يدور فى الإعلام المصرى الآن ينتسب من قريب او بعيد الى الحوار .. فى ظل هذا الانقسام الرهيب بين ابناء الشعب الواحد تحاول ان تبحث عن نغمة هادئة عاقلة تلم الشمل وتوحد الصفوف ولا تجد إلا دعوات مغرضة للفرقة ورفض الآخر وانقسم الشارع امام الفوضى الى قوى سياسية متصارعة لا تؤمن بالحوار ولا تعترف بالتعددية .. امام هذا كان لا بد وان تختفى قيم الثقافة والمصداقية واللغة الراقية والحوار البناء وفى ظل هذه المنظومة تبحث عن اسلوب جديد ومتفتح لحوار دينى متسامح يقوم على الوسطية وتعدد الآراء والترفع فى السلوك والأخلاق ولا تجد غير لغة الرفض والتكفير والكراهية .

امام هذا كله .. انقسام مجتمعى خطير .. وغياب للرأى الآخر .. وادوار مشبوهة لا احد يعرف مصادر تمويلها ولا اهدافها ولا من يقف وراءها تتساءل هل انتهى دور الدولة تماما؟! ..

فى تقديرى ان الدولة يجب ان تضع الإعلام المصرى امام مسئولياته وليس من المعقول ان تصبح فوضى الشارع وغوغائية المشهد هى الجانب المسيطر على الساحة الإعلامية وهنا اقترح :

< لا بد من ايجاد وسيلة للتنسيق بين مؤسسات الدولة والمؤسسات الإعلامية ولا أعتقد ان ذلك يمكن ان يتم فى صورة إجراءات رقابية فقد انتهى هذا الزمن، ولكن المطلوب مشاركة فى المسئولية امام مجتمع يخوض معركة رهيبة ضد الإرهاب والعنف والفوضى .. وعلى الإعلام المصرى ان يقوم بدوره فى معالجة قضايا المجتمع وهموم الناس ومكونات العقل المصرى لا يمكن ان يقوم بها الإعلام على كاميرا تطوف الشوارع او تقف حائرة امام مشهد واحد طوال 24 ساعة ويتصور العالم ان هذه هى مصر ثم نطالب بعودة السياحة ورجوع الاستثمارات ..

فى حياة المصريين جوانب كثيرة تحتاج الى حلول وعلاج ومن اهم مسئوليات الإعلام ان يشارك الحكومة فى ذلك كله .. لقد غابت حياة المصريين تماما عن الإعلام المصرى فى السنوات الماضية ويجب ان تعود .

< اقترح إنشاء مجلس امناء للفضائيات المصرية الخاصة يتم تشكيله من عدد من اصحاب ورؤساء هذه الفضائيات بحيث يكون مسئولا عن رسم الخطوط المهمة لسياسة هذه الفضائيات بعيدا عن اجهزة الدولة وهذا المجلس يتحمل مسئولية رصد وترشيد ظواهر الشطط والتجاوز فيما يتعلق بقضايا الأمن القومى واستقرار الوطن وامن المواطنين دون توجيه من الدولة بحيث يقوم بهذا الدور بدافع وطنى خالص فى هذه المرحلة الحرجة .. وفى نفس الوقت يتم تشكيل مجلس امناء فى كل فضائية من العاملين فيها تكون مسئوليته متابعة ما يقدم فيها مع التنسيق الفنى والسياسى مع بقية الفضائيات .. إن المنافسة حق مشروع للجميع وهى وسيلة من وسائل الإجادة والسعى لجذب المشاهدين ولكن لا ينبغى ان يكون ذلك على حساب قيم مهنية واخلاقية ينبغى ان يلتزم بها النشاط الإعلامى .

< لا احد ينكر دور الإعلام المصرى الخاص فى إسقاط نظامين احدهما بقى فى السلطة حتى ترهل والآخر فشل فيها قبل ان يبدأ، وكلاهما كان يستحق الرحيل .. لقد تدفقت اموال كثيرة على الإعلام المصرى الخاص خلال هذه الأحداث بعضها من رجال الأعمال المصريين والآخر لا احد يعرف مصادره ومدى الشفافية فيه ولا يمكن فى عصرنا هذا الفصل فى مجال الإعلام بين التمويل والرسالة والمسئولية خاصة فى بلد اضطربت فيه الأحوال واصبح مهددا فى اهم مكونات وجوده وهو الاستقرار .. إن هناك قوى خارجية كثيرة تلعب فى مصر الآن ادوارا مشبوهة وتعتمد فى معركتها على الإعلام ولهذا لا ينبغى ان تتخلى الدولة المصرية عن حقها فى معرفة مصادر تمويل الإعلام الخاص من خلال أجهزتها الأمنية والرقابية، إنها ليست قضية إعلام فقط ولكنها قضية امن من الدرجة الأولى ولقد جاء الوقت لكى يتطهر الإعلام المصرى من بعض الوجوه التى اساءت له دورا وتاريخا ورسالة .

< مازلت اطالب بوضع العقل المصرى خاصة الشباب على خريطة الإعلام المصرى نحن امام اجيال تسطحت فكريا وسياسيا ودينيا وتحتاج الى إعادة بناء ولأن الإعلام الأن هو سيد الساحة فى تشكيل الأجيال الجديدة ويسبق مؤسسات التعليم واجهزة الثقافة من حيث الدور والأهمية فلا بد من إيجاد وسيلة لتأكيد اهمية هذه الجوانب فى تكوين الشخصية المصرية .. إن كل ما يتعلق بالفكر والثقافة يمثل سلعة ثقيلة فى الانتشار والتداول ولكن هذه مسئولية تفرضها الأمانة الوطنية والرسالة الإعلامية تجاه الوطن .. ولا يعقل ان يتركز النشاط الإعلامى على جلب الإعلانات والبرامج التافهة والفن الهابط وكلها افسدت العقل المصرى ودخلت به فى غيبوبة طويلة من السطحية واللامبالاة .. إن الإعلام مسئولية كبيرة ونحن الآن احوج ما نكون لوعيه وترشيده فى هذه المرحلة التى نواجه فيها ارهابا منظما وحروبا تستخدم فيها كل الأسلحة، ولا ينبغى ابدا ان يكون الإعلام من اسلحة الدمار الشامل التى تستخدمها قوى مغرضة ضد هذا الوطن .

 ..ويبقى الشعر

 

أنفاسُنا في الأُفقِ حائرة

تُفتشُ عن مكانْ

جُثثُ السنينَ تنامُ بينَ ضُلوعنَا

فأشُم رائحةً

لشىء ماتَ في قلبي وتسقطُ دمعتانْ

فالعطرُ عطرُكِ والمكانُ.. هو المكانْ

لكنَّ شيئا قد تكسَّرَ بيَننَا

لا أنتِ أنتِ.. ولا الزمانُ هو الزمانْ

>>>

عيناكِ هاربتانِ من ثأرٍ قديمْ

في الوجهِ سردابٌ عميقْ

وتِلالُ أحزانٍ.. وحُلمٌ زائفٌ

ودموعُ قنديلٍ يفتشُ عن بريقْ

عيناكِ كالتمثَال.. يروي قصةً عبرتْ

ولا يدري الكلامْ

وعلى شواطئِها بقايا من حُطامْ

فالحلمُ سافَر من سنينْ

والشاطُئ المسكينُ ينتظرُ المسافرَ أن يعودْ

وشواطُئ الأحلامِ قد سَئِمتْ كهوفَ الانتظارْ

الشاطئُ المسكينُ يشعرُ بالُّدوارْ

>>>

لا تسأليِني..

كيف ضاعَ الحبُّ منَّا في الطريقْ؟

يأتي إلينا الحبُّ لا ندري لماذا جاءَ

قد يمضي .. ويترُكنا رماداً من حريقْ

فالحبُّ أمواجٌ.. وشطآنٌ وأعشابٌ

ورائحةُ تفوحُ من الغريقْ

>>>

العطرُ عطرُكِ والمكانُ هو المكانْ

واللحنُ نفسُ اللحنِ

أسكَرنَا وعربدَ في جوانِحَنا

فذابت مُهجتانْ

لكنَّ شيئًا من رحيق الأمس ضاعْ

حُلمٌ تراجعَ..! توبةٌ فسدتْ! ضميرٌ ماتَ

ليلٌ في دروبِ اليأسِ يلتهمُ الشعاعْ

الحبُ في أعمَاقنَا طفلٌ تشرَّدَ كالضَّياعْ

نحيا الوداعَ ولم نكنْ

يومًا نُفكرُ في الوداعْ

>>>

ماذا يُفيدُ

إذا قضَينَا العمرَ أصنامًا

يُحاصِرُنا مكانْ؟

لِمَ لا نقولُ أمامَ كُلَّ الناسِ ضلَّ الراهبانْ؟

لِمَ لا نقولُ حبيبتي قد ماتَ فينَا العاشقانْ؟

فالعطرُ عطرُكِ والمكانُ هو المكانْ

لكنني

ما عدتُ أشعرُ في ُربوعِكِ بالأمانْ

شىء تكسَّرَ بينَنَا

لا أنتِ أنتِ ولا الزمانُ هو الزمانْ

قصيدة لا انت انت ولا الزمان هو الزمان سنة 1981


[email protected]


لمزيد من مقالات فاروق جويدةرابط دائم: 
          0
azazystudy

مع أطيب الأمنيات بالتوفيق الدكتورة/سلوى عزازي

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 103 مشاهدة
نشرت فى 4 إبريل 2014 بواسطة azazystudy

ساحة النقاش

الدكتورة/سلوى محمد أحمد عزازي

azazystudy
دكتوراة مناهج وطرق تدريس لغة عربية محاضر بالأكاديمية المهنية للمعلمين، وعضوالجمعية المصرية للمعلمين حملة الماجستير والدكتوراة »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

4,798,656