تحتل مصر المركز السادس دولياً ضمن أكثر الدول دعماً للطاقة، بحسب تصنيف أجراه صندوق النقد الدولى لإحصاء أكبر ٢٠ دولة تدعم الوقود الحيوى (البترول ومشتقاته).
أتت مصر فى هذه القائمة بعد الولايات المتحدة التى تحتل رأس القائمة، والصين صاحبة أكبر تعداد سكانى فى العالم والسعودية (أكبر مُصدِّر للبترول ثم روسيا،، بينما تلتها الهند ثانى أعلى تعداد سكان وأوزباكستان.
ورغم الصورة التى تصدرها بعض التقارير الصحفية والخبراء والمحللين من ضيوف الفضائيات بأن دعم الطاقة ليس ظاهرة شائعة عالمياً، وأنها تنتشر فى الدول النامية فقط، تشهد تقارير صندوق النقد الدولى بأن العديد من الدول الكبرى وعلى رأسها الولايات المتحدة تدعم الطاقة لمواطنيها بصيغ مختلفة بل تعانى من ضغوط على ميزانيتها بسبب استمرارها فى تقديم الدعم لفئات لا تستحقه، حيث ترتفع الأصوات الناقدة للإعفاءات الضريبية الواسعة التى تقدمها الولايات المتحدة لشركات البترول الكبرى العاملة فيها.
ونشر صندوق النقد الدولى دراسة فى عام ٢٠٠٦ شارك فيها الباحثون: ديفيد كودى ومعتز السعيد، وكانجى بودار، وروبرت جيلنهام، وباولو ميداس، وديفيد نيوهاوس، رصد فيها هؤلاء الباحثون المنتمون إلى بوليفيا وغانا والأردن ومالى وسيرى لانكا تجارب بلدانهم فى دعم الطاقة ومدى نجاحها فى تبنى سياسات دعم قادرة على مساعدة فئاتها الأفقر والحفاظ على العجز فى موازناتها فى حدود آمنة (صندوق النقد الدولى من أكبر المؤسسات المالية الدولية المعارضة للتوسع فى سياسات الدعم عموماً، ودعم الطاقة خصوصاً).
قبل عام واحد من نشر تلك الدراسة وفى نوفمبر ٢٠٠٥ تضاعفت أسعار الوقود عالمياً، فى حين اضطرت الحكومات لتعويض الفارق بين تلك الأسعار العالمية الجديدة وأسعار بيع المنتجات البترولية المدعومة فى السوق المحلية عبر بعض المعادلات السعرية، وبحسب هذه الدراسة المنشورة فى نوفمبر ٢٠٠٦ فإن الحكومات تواجه ضغوطاً متصاعدة لإصرار بعضها على الإبقاء على سياسات الدعم بذات الهيكل، حيث تتوسع كثير من دول العالم الثالث فى منح الدعم للفئات الثرية التى لا تحتاج للدعم فى الواقع.
ترصد الدراسة الاحتجاجات العنيفة التى اندلعت فى العديد من دول العالم فى عامى ٢٠٠٥ و٢٠٠٦ (عام صدور الدراسة) بسبب قرارات عدة دول لزيادة أسعار الوقود عبر تخفيف الدعم لملاحقة القفزات الواسعة فى أسعار البترول ومنها: احتجاجات يوليو ٢٠٠٥ التى اندلعت عقب رفع الدعم جزئياً عن الوقود وسقط خلالها ٢٢ مواطناً فى اعتداءات من قوات الأمن عليهم خلال تظاهرات احتجاجية ضد تخفيف الدعم. الاحتجاجات ذاتها اشتعلت فى الأردن لعدة أيام عقب قرار من مجلس الوزراء الأردنى فى منتصف ٢٠١٢ برفع الدعم عن المواد البترول، أدت الاحتجاجات إلى تدخل الملك بعد مطالبات بإقالة الحكومة، واتخذ قراراً بتجميد قرارات الحكومة برفع الدعم، تم تفعيل القرارات لاحقاً ولجأت الحكومة لإصدار بطاقات دعم (تماثل منظومة الكروت الذكية التى استحدثتها حكومة نظيف وطبقتها حكومة الببلاوى فى مصر) تمهيداً لإنهاء الدعم الموجه للوقود. واندلعت احتجاجات مماثلة فى الإكوادور وإندونيسيا ونيجيريا بسبب اعتزام الحكومة خفض الدعم على الوقود فى الفترة من ١٩٩٨ حتى ٢٠٠٠، وقادت قرارات حكومة البشير لخفض الدعم فى ٢٠١٢ لموجة احتجاجات عارمة استشهد خلالها مئات السودانيين فى مواجهات مع قوات الأمن النظامية وميليشيات إسلامية داعمة للنظام الحاكم.
دراسة صندوق النقد الدولى كانت الأولى ضمن سلسلة من الدراسات التى استهدفت دراسة تجارب الدول الأفريقية والآسيوية وتجارب دول الشرق الأوسط فى دعم الطاقة، استمرت تلك الدراسات حتى ٢٠١٠ وتناولت دراسات حالة لستة عشرة دولة. ونشرت خلاصتها فى ورقة أخيرة باسم: «الفوائد غير المتوازنة لدعم الوقود: استعراض لدلائل من الدول النامية».
خلصت الدراسة إلى نتيجة شبه قاطعة بأن الحكومات غير قادرة فى العالم النامى على إعادة رسم سياسات الدعم بحيث يستفيد منها من هو فى حاجة إليها بالفعل. لكن على عكس مصر فمعظم دول العالم الثالث التى تتبع سياسات دعم لمواطنيها تحاول إحداث توازن بين دعم الطاقة ودعم الغذاء ولا تترك بين نسبتهما من الموازنة فروقاً شاسعة. ففى دولة الجابون مثلاً تمنح الدولة ٤٨.٨% من ميزانية الدعم للطعام بينما توزع ٤٧.٧% من ميزانيتها للدعم على الطاقة والإسكان والتعليم والصحة وغيرها. والنموذج ذاته يتكرر فى بوركينا فاسو التى تمنح ٥٧% من الدعم للغذاء وتوزع الباقى على الطاقة وسواها من وجهات الدعم.
بالطبع تشهد الأوراق المقدمة من باحثى البنك الدولى أن سياسات إعادة هيكلة الدعم التى تبناها البنك كانت ناجحة، رغم وجود أبحاث أخرى تؤكد عكس ذلك، خاصة بعد أزمة اليونان التى تعرضت للإفلاس بعد فشل خطط التقشف.
لكن لا يوجد بحث يمكن الوصول إليه عبر المكتبات الأكاديمية المتاحة عبر الشبكة الدولية يشهد بأن هناك تجارب ناجحة بالكامل فى دعم الطاقة، وتشهد كثير من الأبحاث بأن الأسباب الرئيسية فى تعرض الدول لمشكلات عجز الموازنة تدور حول الفساد والإهدار اللذين تتميز بهما سياساتها الاقتصادية خاصة مع توجيه الدعم للأغنياء دون الفقراء.
|
ساحة النقاش