سامى عبد العزيز فى أول دراسة علمية عن ألفاظ الإعلام: الإيحاءات الجنسية والشتائم جريمة المشاهير على فيس بوك وتويتر والتوك شو وأعمدة الرأى فى الصحافة
الجمعة، 8 نوفمبر 2013 - 16:05
سامى عبد العزيز‮◄إيحاءات جنسية ضمنية «%23».. واستخدامات جنسية صريحة «%19».. وسباب جنسى «%15».. وألفاظ سوقية «%24»..و المطالبة بفرض رقابة تزايدت بما يعنى تراجعا فى مطالب الحريات بسبب الألفاظ السوقية والإيحاءات
سُئِل الفيلسوف الصينى كونفوشيوس، هل تستطيع أن تصلح العالم الذى نعيش فيه؟ فأجابهم على الفور: نعم.. إذا استطعت أن أصلح اللغة التى يتعامل بها الناس! فإذا كانت اللغة التى يتعامل بها الناس غير دقيقة تاهت المعانى وضلت العدالة، وإذا ضلت العدالة فسدت الفنون، وإذا فسدت الفنون تاه الناس وانهارت الحضارة.. فسلامة اللغة- من وجهة نظر كونفوشيوس- من سلامة المجتمع.
وقد أشار إميل دور كايم فى أهم كتبه «الانتحار» إلى ظاهرة الأنوميا الاجتماعية، أو كما تتم ترجمتها من قبل علماء الاجتماع «اللامعيارية»، والتى تشير إلى حالة الاضطراب والقلق التى تصيب الأفراد والمجتمعات نتيجة انهيار المعايير والقيم الاجتماعية، خاصة بعد الأحداث والثورات الكبرى، بحيث يبدو المجتمع والأفراد فى حالة «تحلل» من جميع القيم التى تحكم سلوكهم.. ولا شك أن هذه الحالة تنعكس سلبًا على اللغة التى يتعامل بها الناس، فاللغة حاملة للفكر، وإذا كان الفكر فى أزمة، فاللغة تكون فى أزمة أشد.
والمتتبع لحالة اللغة التى يتعامل بها الناس فى مصر لابد أن يشعر بأن هناك أزمة.. ومن يحلل اللغة المستخدمة فى وسائل الإعلام يصل بسهولة إلى حكم عام يشير إلى تدنى مستوى اللغة المستخدمة، بحيث لم تعد هى «المستوى الثالث» الذى طالما تحدث عنه الباحثون فى مجال الدراسات الإعلامية، باعتباره مستوى وسطًا بين الفصحى والعامية، وإنما أصبحت ذات مستوى جديد يمكن أن نسميه «المستوى الرابع» باعتباره مستوى يقع بين العامية والسوقية!
كثير من الألفاظ السوقية «غير المهذبة» بدأت تشق طريقها إلى عالمنا اللغوى الحياتى والإعلامى.. كثير من الكلمات «غير اللائقة» أصبحت تتصدر قائمة الكلمات الأكثر شيوعًا فى حياتنا المعاصرة.. كثير من التعبيرات التى لم نكن نسمعها إلا على استحياء أصبحنا نسمعها وكأنها مقرر يومى.
ولقد أصبح استخدام هذه التعبيرات والألفاظ غير المهذبة ضرورة لكى تثبت أنك تنتمى إلى هذا المجتمع، وأنك تنتمى إلى الناس ولست غريبًا عنهم.. الألفاظ السوقية أصبحت جواز المرور لدى البعض إلى عالم «ولاد البلد» الفاهمين «المدردحين»، وأصبحت كلمة السر لدخول عالم الشباب المثقف المرتبط بالواقع فى مقابل الشباب «السيس» الذى لا يجيد هذه اللغة..
وفى محاولة لدراسة هذه الظاهرة، فقد قمت بدراسة لقياس نسبة انتشار الألفاظ «غير اللائقة» فى شبكات التواصل الاجتماعى، وفى وسائل الإعلام المصرية، وذلك خلال الفترة من 15 سبتمبر حتى 15 أكتوبر 2013.. كان الهدف الرئيس لهذه الدراسة هو قياس نسبة انتشار هذه الألفاظ فى هذه الوسائل، وقياس اتجاهات الجمهور المصرى نحوها.. وقد تم تعريف الألفاظ غير اللائقة فى الدراسة على أنها «الألفاظ التى تحتوى على سباب صريح، أو على إيحاءات جنسية صريحة أو ضمنية، أو الألفاظ السوقية التى لا تتناسب مع الذوق العام»، وقد تم فى هذه الدراسة تحليل 200 صفحة مشترك فى الـ«فيس بوك» ممن يتراوح عدد الأصدقاء فيها بين 3000 و5000 مشترك.. كما تم تحليل 150 اشتراكًا على «تويتر»، تمثل النشطاء السياسيين، والمثقفين والفنانين، والشخصيات العامة، والشباب الذين يزيد عدد المتابعين لهم على 5000 مشترك... كما تم تحليل 150 حلقة من برامج التوك شو المسائية، موزعة على أكثر 10 برامج مشاهدة.. وكذلك تم تحليل ما يقرب من 1500 مقال وعمود فى ست صحف يومية مصرية.. أما عينة الجمهور، فقد تم تطبيق الدراسة على عينة من 1000 شخص، فى أربع محافظات مصرية، هى القاهرة، والإسكندرية، والغربية، وأسيوط.
وقد خلصت الدراسة إلى عدة نتائج، أهمها أن انتشار الألفاظ غير اللائقة فى وسائل الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعى ليست ملاحظة عابرة، إنما هى واقع مستقر.. فقد بلغت نسبة انتشار واستخدام هذه الألفاظ فى شبكات التواصل الاجتماعى %21 من إجمالى المشاركات، وبلغت هذه النسبة %11 فى المقالات والأعمدة، وبلغت حوالى %8 فى برامج التوك شو، بينما تشير نتائج الدراسة إلى أن هذه الألفاظ لم تعرف طريقها إلى الإذاعة المصرية بعد.
ومن النتائج ذات الدلالة التى كشفت عنها هذه الدراسة هى أن النشطاء السياسيين والحقوقيين هم أكثر الفئات استخدامًا للألفاظ غير اللائقة على شبكات التواصل الاجتماعى، وأن أكثر من %90 من هذه الألفاظ التى ظهرت فى الدراسة كانت على صفحاتهم.. وقد وصل الأمر ببعضهم إلى أنه لا تكاد تخلو تغريدة من تغريداتهم على «تويتر» أو مشاركة لهم على الـ«فيس بوك» من لفظ مخل أو غير لائق.. وهو ما يثير التساؤل عن طبيعة الخلفيات الثقافية والتعليمية لهؤلاء النشطاء، ولطبيعة المصادر التى يستقون منها ثقافتهم وأفكارههم.
وقد أشارت نتائج الدراسة إلى أن الألفاظ غير اللائقة يتم عرضها فى مضامين وسائل الإعلام، وشبكات التواصل الاجتماعى فى شكل نكت وإفيهات، أو تعليق ساخر على الأحداث، أو التعبير عن مواقف واتجاهات شخصية، أو عرض صور وكاريكاتيرات تحمل أفكارًا ساخرة، أو مقاطع لأفلام ومسلسلات تحمل هذه المعانى.. ولعله من المثير للتفكير هنا ذلك الربط الدائم بين السخرية والفكاهة، واستخدام الألفاظ غير اللائقة أو الاستغراق فى الإيحاءات الجنسية، وكأن الفكاهة لا تكون بغير هذه الألفاظ، والضحك لا يكون بغير تلك الإفيهات ذات المعانى الجنسية.
ومن النتائج المهمة التى أسفرت عنها دراسة الجمهور أن هناك درجة من عدم الرضا عن أداء وسائل الإعلام فى الفترة الأخيرة، وعن طبيعة اللغة المستخدمة فى هذه الوسائل.. فقد أشار %41 إلى رضاهم عن أداء وسائل الإعلام فى مقابل %59 أشاروا إلى عدم رضاهم.. وأشار الجمهور إلى أن أهم أسباب عدم رضاهم عن هذه الوسائل يتمثل فى شيوع الألفاظ والتعبيرات غير اللائقة، وتشابه القنوات وتكرارها لمضامينها، وكثرة الإعلانات والفواصل، وتكرار الضيوف وظهورهم فى كل القنوات بشكل مستمر.
غير أن النتيجة التى يمكن الوقوف عندها كثيرًا هى تلك النتيجة المتعلقة بما يجب أن يكون عليه التعامل مع وسائل الإعلام التى تعرض ألفاظًا غير لائقة، إذ أشار %90 إلى أنه يجب فرض الرقابة عليها، فى مقابل %7 أشاروا إلى أن كل وسيلة إعلامية حرة فى أن تعرض ما تشاء، وأشار %3 إلى عدم قدرتهم على تحديد ما يجب فعله... وكأن الجمهور بهذه النتيجة يرجعنا إلى المربع صفر فى حرية الإعلام مرة أخرى.. فعندما تتجاوز الوسائل الإطار المقبول الذى وضعه المجتمع لها، فقد يفضل الجمهور أن يتم فرض رقابة عليها، بعيدًا عن مفاهيم حرية الإعلام والتعبير..
منذ عدة سنوات، أصدر الكاتب الأمريكى بول تيليتش كتابًا مهمًا هو «زعزعة الأساسات»، أشار فيه إلى ضرورة أن يتم هز الأساسات التى اعتاد المجتمع عليها كشرط مسبق للتقدم والرقى، غير أنه لم يكن يقصد أن تتم زعزعة أساسات اللغة أو زعزعة أساسات الاحترام واللياقة فى المجتمع، فهى أساسات لا يجب زعزعتها، إنما يجب تقويتها والالتزام بها وإلا ضاع الناس، وفسدت الحضارة، تماما مثلما أشار إليه كونفوشيوس منذ أكثر من ألفى عام.
ساحة النقاش