إنسان القرن الواحد والعشرين
(قصص قصيرة جدًّا)
1- كان بمنزلنا - يوم كانت التكنولوجيا صبية في خِدر أمها - قناةٌ تلفزيونية واحدة تُدعى: "اليتيمة"، تجمعنا جميعًا - أفراد العائلة، لكن عندما كبرت التكنولوجيا، وأصبحتْ شابَّة فاتنةَ الجمال، أصبح في بيتنا آلاف القنوات والإنترنت، والعشرات من الهواتف الخلوية، أُصِيبَتْ عائلتي بمرض التوحُّد مشردة، يُطاردها التشتُّت والعزلة حيثما حلَّتْ وارتحلتْ.
2- يوم كانت الطبيعةُ رفيقة الإنسان، كان ابني يخرج في الصَّباح ولا أراه إلا في المساء، وتخرج زوجتي ولا أسأل عنها، وتتأخَّر ابنتي ولا أقلق مِن تأخرها، كانت الطبيعةُ تملؤنا دفْئًا وأمنًا ومحبةً، تحضن كل مَن يرتمي في أحضانها، أمَّا اليوم فقد حلَّت محلها التكنولوجيا، وبحكم طبيعتها الجامدة والجافة أصبح الخلوي لا يُفارقني، ولا يفارق أحدًا مِن أفراد أسرتي الصغيرة، مَن يتأخر دقيقة يقع تحت رحمة المكالمات من كلِّ مكان!
3- في الأربعينيات مِن القرن الماضي كانت الزاوية - قِبلة العلم والعلماء - على بُعْدِ عشرة أميال نقطعها مشْيًا على الأقدام، شتاء تحت وابل مِن المطر، وصيفًا تحت رحمة الحرِّ الشديد، في السبعينيات اقتربت المدرسة إلى ثلاثة أميال نقطعها شتاءً أو صيفًا على متْنِ حافلة، مِن وإلى البيت، أما في القرن الواحد والعشرين أصبحت المدرسةُ على بُعد عشرات الأمتار نقطعها على متن سيارةٍ فخمة، وننتظر دخول فلذات أكبادنا إلى المؤسسة خوفًا مِن المجهول.
4- ارتميتُ في أحضان جدي ذات ليلة مقمرة، ونحن في فناء البيت نتبادل الحكايات، فقلت: يا جدي، صِفْ لي ألعابك يوم كنتَ في سنِّي، وأيها كانتْ أشد قُربًا إليك؟
قال جدي: إنها لعبة (طُبْ قَقَ طِلِّحْ) (بالأمازيغية، تعني: نضجت فاكهة التين)، نضع حبة التين فوق حجرة، ندور حولها، ونغني: (طُبْ قَقَ طِلِّحْ)، مَن يأكل حبة التين هذه سيُعاقَب بالضرب، وكثيرًا ما كنتُ أختطفها، فيُشبعني أصدقائي ضربًا! قلتُ: ما أسعدك يا جدي! لقد كرهتُ كلَّ هذه اللعب التي تملأ غرفتي، وأحببتُ أن ألعب لعبتكم!
5- كنتُ ألعب مع أمي حين ناداني والدي، وطلب مني الحضور إليه بسرعةٍ، اعتقدتُ أنها لعبة جديدة، أو هدية ما، أو مُفاجأة تنتظرني، أسرعتُ إليه، وطلبتُ منه الإفصاح، قال: مِن الآن فصاعدًا لن تذهبَ إلى المدرسة، بل ستأتيك هي إلى البيت! قلتُ: لم أفهمْ يا أبي، قال: تأخذ حاسوبك إلى غرفتك، وتتصل بمعلمك الذي يُقَدِّم لك الدرس بالشرح والإيضاح في البيت، ولا حاجة لك في المدرسة ذهابًا وإيابًا كل يوم.
قلتُ: وأصدقائي، والراحة بين الدروس، نجري ونلهو ونصرُخ، والاستيقاظ باكرًا، وتوديع أمي! ألَمْ تُفَكِّر في كل ذلك؟
- قصص قصيرة جدا
- قصص قصيرة جدا
- تبعية (قصص قصيرة جدا)
- الأب الصراخ ( قصص قصيرة جدا )
- قصص قصيرة جدا من واقع التعليم
- قصص قصيرة جدا من واقع القيم
- أربع قصص قصيرة جدا
- نوافذ أم شرفات؟ ( قصص قصيرة جدا )
- الهند: مؤتمر "الهند والعالم الإسلامي في القرن الواحد والعشرين"(مقالة - المسلمون في العالم)
- علم الجغرافيا بين المنهج الواحد وتعدد المناهج(مقالة - ثقافة ومعرفة)
- مؤتمر " يا أمة الجسد الواحد.. وا شاماه "!(مقالة - المسلمون في العالم)
- سورة الأنفال والموضوع الواحد(مقالة - آفاق الشريعة)
- سورة طه والموضوع الواحد(مقالة - آفاق الشريعة)
- الشيخ عبد الحق بن عبد الواحد الهاشمي(مقالة - ثقافة ومعرفة)
- الإنسان ذئب الإنسان خصوصًا في هذا الزمان...(مقالة - موقع أ. حنافي جواد)
- علاقة الإنسان بالإنسان(مقالة - آفاق الشريعة)
- أزمة الذات المسلمة وضياع الإحساس بالسنن الكونية(مقالة - موقع أ. د. عبدالحليم عويس)
- الحقوق بين الأنظمة الشمولية والأنظمة الليبرالية والنظام الإسلامي(مقالة - الإصدارات والمسابقات)
رابط الموضوع: http://www.alukah.net/Literature_Language/0/58529/#ixzz2cJMvwNT4
ساحة النقاش