التكافل الاجتماعي

(أهمية التكافل المعنوي)


قد يتصَّور بعضهم أن التكافل المعنوي والأدبي والأخلاقي والروحي أقلُّ رتبةً من التكافل المالي والاقتصادي، بل قد يَعتبرونه نوعًا من الهروب من الإطار الحقيقي للتكافل الاجتماعي المادي، ونحن لا نوافِقهم على رأيهم هذا، بل إننا نرى أن التكافل المادي لا تتحقَّق أهدافه إلا بالوقوف فوق الأرضية المعنوية والأدبية، ونرى أيضًا أن التكافل المعنوي هو الذي يضمَن فعالية التكافل المادي، فما معنى أن يتكافل المسلمون ماديًّا - في بلاد الاغتراب[1] مثلاً - التي قد تُقدِّم فيها الدولة ألوانًا من الضمان الاجتماعي المادي، بينما يتْرك بعضهم بعضًا ينحدر في عقيدته وعبادته وأخلاقه؛ بحيث يَكاد يذوب في القيَم الانحلالية والمادية واللاأخلاقية التي تَطرحها - في الشارع والإعلام - المنظومة القيمية اللادينيَّة؟!

 

• وهكذا فإنه على الرغم مِن أن الإسلام قد قدَّم إطارًا قانونيًّا مُتكاملاً لتحقيق العدالة الاجتماعية المادية، إلا أن الأساس المعنويَّ يَقوم على مخاطبة الإنسان مِن داخله وليس مجرَّد قيادته من ظاهره، وتحريك ضميره بدل سَوقه بالقوة القاهرة، واستجاشة مشاعر الفطرة النبيلة بدل تحويل الحياة إلى صراع كئيب، والحق أن الإسلام في تشريعه الاجتماعي قد اعتمد هذا الأساس المعنوي على نحو لم تصل إليه أرقى النظُم التي ظهرت في التاريخ، وقد أطلق على هذا الأساس اسم "التكافل الاجتماعي" شاملاً المعنويات والماديات.

 

• ولئن كانت بعض البلدان غير الإسلامية قد بدأت تلجأ إلى أسلوب التكافل الاجتماعي عن طريق ما يُسمى بالجمعيات الخيرية، ومؤسَّسات البرِّ، والمستوصفات، والمستشفيات المجانية، والضمان الاجتماعي، وحماية الضعفاء، وما إلى ذلك، إذا كان الأمر كذلك، فليس ما تفعله هذه الدول إلا تقليدًا متأخِّرًا منها لما جاء به الإسلام منذ أربعة عشر قرنًا، بعد أن طحنتْها القوانين الجافة وأساليب الصراع الاجتماعي.

 

وفي هذا العصر؛ حيث أصبح العالم قرية إعلامية أو إلكترونية، فيتعرَّض كل الناس لغزوات - وهم في بيوتهم - تُريد أن تفرض عليهم قيم اللادينية والمادية والانحلالية، والذاتية والأنانية التي لا تأبه بالمصلحة الكبرى للدِّين أو للأمة أو للجماعة، في هذا العصر - ولا سيما في بلاد الأقليات - يحتاج المسلمون إلى توظيف المساجد والمراكز الإسلامية والجمعيات الخيرية توظيفًا معنويًّا ودينيًّا يتكافلون من خلاله في تحقيق قوله تعالى: ﴿ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ﴾ [العصر: 3]، وقوله تعالى: ﴿ وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى ﴾ [المائدة: 2]، ربما بدرجة أكبر مِن تكافلهم في الجوانب المادية، الذي يُعدُّ التكافل فيه أمرًا منظمًا ومتفقًا عليه، وتساعد عليه الدول مساعدة إيجابيَّة في بلاد الاغتراب، بينما تبقى الشخصية الإسلامية معرَّضة لأكبر الأخطار، بل إنَّ هذه الدولة تضع - أو بعضها على الأقل - خططًا محكمة لتذويب المسلمين فيها، وقد تصف كل مَن يتمسَّك بشخصيته بالتطرُّف والمبالغة، وتَعتبر المسلم المتحرِّر - كما ذكر ممثِّل للجالية المسلمة في فرنسا - هو المسلم الذي يشرب الخمور، ويتجاوز في العلاقات الاجتماعية!

 

وفي ضوء هذا، فإن تكافل المسلمين المعنوي والفكريَّ والسلوكي في بلاد الغُربة أشدُّ حاجةً من التكافل المادي، بل هو الطريق لبقاء الأواصر والعلاقات - بصفة عامة - بين المسلمين؛ فلن يكون ثمة التقاء تكافليٌّ أو غير تكافلي حين يُصبح بعض المسلمين شيوعيِّين، وبعضهم علمانيِّين مُتحلِّلين، وبعضهم يعيشون لأنفسهم وشهواتهم وجمع ثرواتهم، ولا يفكرون في الآخرين، ولا يهتمون بأمر المسلمين، و((مَن لم يهتمَّ بأمر المسلمين، فليس منهم)).

 

ومِن هنا؛ تتَّضح ضرورة التفكير في تنمية مساحة التكافل المعنوي، واستحداث صور اجتماعية جديدة لها.



[1] مثل بلاد أوربا وأمريكا وأستراليا.

 



   


 


رابط الموضوع: http://www.alukah.net/Culture/0/54853/#ixzz2UHAvyYGA

azazystudy

مع أطيب الأمنيات بالتوفيق الدكتورة/سلوى عزازي

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 110 مشاهدة
نشرت فى 25 مايو 2013 بواسطة azazystudy

ساحة النقاش

الدكتورة/سلوى محمد أحمد عزازي

azazystudy
دكتوراة مناهج وطرق تدريس لغة عربية محاضر بالأكاديمية المهنية للمعلمين، وعضوالجمعية المصرية للمعلمين حملة الماجستير والدكتوراة »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

4,762,325