دفتــر أحـوال التعليـم فـــى مصر

تعليقات: 1 شارك بتعليقك


نشر فى : الجمعة 17 مايو 2013 - 10:10 ص
آخر تحديث : الجمعة 17 مايو 2013 - 12:31 م


المبنى الرئيسي للجامعة أثناء تشييده سعيد إسماعيل على

فى عام 1923، وبعد أن حصلت مصر على استقلالها «الشكلى»، عام 1922، وتم إعداد دستور لها، كان الوزير الذى يتولى إدارة التعليم (المعارف) هو محمد توفيق رفعت، الذى أصدر تقريرا مهما للغاية بعنوان (تقرير يبين حال التعليم الذى تتولاه وزارة المعارف أو تشرف عليه من سنة 1917 إلى سنة 1922.

 

وكان تاريخ التقرير هو الأول من أغسطس عام 1923، يهمنا من موضوعاته المتعددة، الخاصة بمراحل التعليم ومشكلاته وقضاياه اليوم ما جاء بعنوان (مشروع الجامعة الأميرية)، حيث كانت الجامعة المصرية الأهلية قد بدأت خطواتها تتعثر لأسباب متعددة، ليس الآن وقت بيانها، وفى الوقت نفسه، كانت الولايات المتحدة الأمريكية، قد بدأت تعرف الطريق إلى المنطقة العربية، التى كانت حِكرا لزعيمتى الاحتلال الأوروبى فى ذلك الوقت: بريطانيا، وفرنسا، وكانت خطوات الولايات المتحدة الأولى تتم عن طريق المؤسسات التعليمية، حيث أوكلت مهمة نشرها إلى إرساليات دينية، مما كان يسهل مهمتها، ويبعدها ــ شكلا ــ عن الشبهات السياسية!.

 

 إذا كانت خطوات الولايات المتحدة قد بدأت فى أواسط القرن التاسع عشر على وجه التقريب، فإن خطوتها التى بذرت بذور شك وتخوف فى قلوب المحتل البريطانى، تمثلت فى إقدامها على اتخاذ خطوات مهمة على طريق إنشاء الجامعة الأمريكية فور انتهاء الحرب العالمية الأولى، والتى رأت أنها ما دامت صاحبة الفضل فى كسبها، فهذا مما يسوغ لها حسب منطقها أن تحصل على الثمن!

 

 هنا أوعزت قوى الاحتلال البريطانى فى مصر، إلى الحكومة المسارعة فى تنفيذ ما كانت قد سبقت التفكير فيه من إنشاء جامعة حكومية، اعتمادا إلى أن بريطانيا سوف تكون صاحبة نفوذ وتوجيه ربما عن طريق ما سوف يتيحه لها مشروع مثل هذا من استعانة ضرورية بعدد من العلماء والمفكرين الإنجليز، فى مواجهة ما سوف يأتى من مد أمريكى.

 

 وكان تعثر الجامعة الأهلية مناسبة ملحة، فضلا عن حاجة فعلية لمصر لمزيد من التعليم الجامعى.

 

 كان من أبرز المبررات التى ساقتها وزارة المعارف أن صورة التعليم العالى التابع للدولة، المتمثل فى «المدارس العليا»، قد بدأت مدارسه «تضيق ذرعا بكل راغبى تحصيل التعليم العالى من خريجى المدارس الثانوية».

 

 وللتدليل على ذلك، يكفى أن نعرف أن عدد الناجحين فى امتحان شهادة الدراسة الثانوية عام 1891 كان فقط ثمانية وعشرين طالبا، أصبحوا 638 عام 1917، ثم 748 عام 1922.

 

 وكان عدد طلاب المدارس العالية عام 1892 يبلغ 229 توزعوا بين مدارس الطب والصيدلة، والحقوق، والهندسة، والمعلمين العليا، والزراعة العليا، ودار العلوم، التى حظيت بالعدد الأكبر من الطلاب 74، تلتها الحقوق 64، وأقلها الزراعة 4 طلاب تليها مدرسة المعلمين العليا 22 طالبا.

 

  أما عام 1922 فقد أصبح العدد الكلى 2496، أكثرهم فى الحقوق 546، تليها الهندسة510، وأقلهم فى الطب البيطرى 31، تليها التجارة العليا 49.

 

  وبرز لأول مرة الوعى الحقيقى بوظيفة التعليم الجامعى والتفرقة بينه وبين التعليم فى المدارس العليا، على أساس أن وظيفة هذه المدارس، أن يشغل خريجوها «ما ينتظرهم فى مصالح الحكومة»، وبالتالى فليس ثمة مجال فى مناهج تلك المدارس «لمن يرغبون فى تحصيل دراسة عامة تعد لترقية المدارك وتهذيب العقول، وتفسح المجال أمام الطالب لمواصلة البحث حتى الكشف والابتكار بطلب العلم لذاته، كما هى الحال فى الجامعات الأجنبية».

 

 كانت تلك نظرة متوارثة عبر قرون طويلة، منذ زمن الحضارة الإغريقية، حيث نظّر أفلاطون للقضية فى الجمهورية التى تخيلها مدينة فاضلة، لما ينبغى أن يكون، وما ينبغى أن يكون هنا أن العمل اليدوى، والممارسة العملية بأشكالها المختلفة، هى مهمة الشرائح الاجتماعية الدنيا، حيث لا تتطلب هذه المهام مستوى عقليا عاليا، فضلا عما تقتضيه من مخاطرة وجهد جثمانى شاق، يكون الأنسب للعبيد، أما الجهد النظرى، وعالم التأملات والتنظير، فيكون من شأن الأحرار «الذين هم على الأرائك ينظرون وتعرف فى وجوههم نضرة النعيم».

 

 كذلك كانت الشرائح الاجتماعية التى احتلت قمة الهرم الاجتماعى فى مصر فى هذا الوقت الذى برز فيه التفكير فى جامعة حكومية، لا يقلقها الحصول على لقمة العيش، فهى تعتمد على الأملاك الزراعية الوفيرة، التى تدر دخولا ضخمة، ويقوم بالعمل فيها أجراء من الفلاحين، تماما مثلما قال أفلاطون وفكر فى جمهوريته الموعودة.

 

 وبالتالى كان التعليم المهنى الذى تقدمه المدارس العالية، لا يطابق أمانى أبناء الأرستقراطية الزراعية، فكان منهم من يذهب لاستكمال تعليمه العالى فى أوربا، حتى إن عددهم كان فى عام 1892 لا يتجاوز أربعين طالبا، أصبحوا 1072 طالبا فى سنة 1922.

 

  وكانت الحكومة قد ألفت لجنة للنظر فى سبل إخراج جامعة حكومية إلى عالم النور، وقد لحظت تلك اللجنة «أن ما يصل إليه التلاميذ فى المدارس الثانوية من المعلومات اللغوية والعلمية لا يكفى أن يكون مبدأ للدراسة العالية الفنية، واستشهدت على ذلك بما تشعر به المدارس العالية فى ذلك الوقت من ضرورة تخصيص الدراسة فى الفرق الأولى بها لتزويد هؤلاء الطلاب بالعلوم التمهيدية كالطبيعة، والكيمياء، واللغات، قبل الشروع فى الدراسة الفنية، وهو الأمر الذى ظل طويلا، وحتى وقت قريب، نهجا متبعا فى الكليات التطبيقية، مثل الهندسة والطب، مما كان يسمى بالعلوم الساسية، مثل الفيزياء والكيمياء والرياضيات، فى الفرقة الأولى.

 

  ورأت اللجنة أن فى هذا تبديدا للجهد والنفقات، مما دفع إلى اقتراح إنشاء دراسة إضافية مدتها سنتان وتقسيمها قسمين، أحدهما خاص بالعلوم والآخر بالآداب، يلحق بهما الطلاب، قبل الشروع فى التخصيص للدراسة الفنية فى المدارس العالية، وهو ما أسس لوجود شعبتى الأدبى والعلمى فى الثانوية العامة حتى اليوم.

 

  واقترحت اللجنة كذلك تأليف الجامعة الحكومية من سبعة أقسام على الوجه التالى:

 

 1- قسم الآداب ويشمل فروعا خاصة بالتربية والعلوم الشرقية وعلم الآثار.

 

 2- قسم العلوم.

 

 3- قسم الطب ويشمل طب الأسنان.

 

 4- قسم الحقوق.

 

 5- قسم الهندسة وعلم البناء.

 

 6- قسم الزراعة والطب البيطرى.

 

 7- قسم التجارة والعلوم الاقتصادية.

 

  كما أوصت اللجنة أن تدمج المدارس العالية التى كانت قائمة فى الجامعة المقترحة، وأن تلقى أمورها إلى مجلس إدارة الجامعة، بدلا من الوزارات المختلفة كما كان متبعا، حيث كانت مدرسة الزراعة مثلا تتبع وزارة الزراعة، والحقوق تتبع لوزارة الحقانية وهكذا!

 

  وحرصت اللجنة على الاستعانة بالخبرة الجامعية الأجنبية، فدعت إلى انتداب إخصائى من كبار الغربيين الواقفين على شئون الجامعات الكبرى ونظمها ليدرس المشروع المقترح، بالاشتراك مع نظار المدارس العالية، وكان قصد الوزارة بهذا «التوثق من أن يتم المشروع على أساس متين ونظام محكم يشبه ما هو متبع فى الجامعات المشار إليها».

 

  أما ما سارت إليه الأمور بالفعل، فكان أن تلاقت رغبة القائمين على ما كان بالنسبة للجامعة المصرية الأهلية التى كانت قد بدأت عام 1908، من حيث تراجع الإقبال عليها، وكذلك التبرعات، مما أبرز الحل الوسط، وهو أنه بدلا من أن تنشئ الحكومة جامعة رسمية جديدة، فلتضم إليها الجامعة الأهلية، ويتم فيها إجراء التحديث والتجديد، بعد ضم عدد من المدارس العليا، وتأخر البعض الآخر، خاصة تلك المدارس ذات الطبيعة التطبيقية الواضحة، وذلك بفعل تلك الفكرة البارزة، وهى أن الجامعة ليس من مهمتها الإعداد المهنى.

azazystudy

مع أطيب الأمنيات بالتوفيق الدكتورة/سلوى عزازي

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 82 مشاهدة
نشرت فى 17 مايو 2013 بواسطة azazystudy

ساحة النقاش

الدكتورة/سلوى محمد أحمد عزازي

azazystudy
دكتوراة مناهج وطرق تدريس لغة عربية محاضر بالأكاديمية المهنية للمعلمين، وعضوالجمعية المصرية للمعلمين حملة الماجستير والدكتوراة »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

4,794,162