اتقوا الله في مصر
بقلم: فاروق جويدة 1638
كان الأسبوع الماضي حدثا كبيرا كاشفا لجوانب كثيرة في واقع مصر السياسي والفكري والإنساني.. لقد كشف عن جوانب قصور خطيرة في المواقف والحسابات والصراعات بين القوي السياسية..
وصلنا إلي حافة الهاوية امام مواقف لا يستطيع أي إنسان عاقل ان يجد لها مبررا غير اننا امام مجتمع فقد البصر والبصيرة ولم تعد لديه القدرة علي ان يحدد مسارا أو يسلك طريقا..
ان مصر الشعب والمستقبل والحاضر في خطر هذه حقيقة يجب ان يدركها الجميع وقد يكلفنا ذلك ثمنا باهظا إذا لم نجمع الصفوف ونوحد الإرادة مرة أخري.
لقد كشف الأسبوع الماضي بأحداثه الدامية اننا امام مجتمع يعاني خللا رهيبا في قدرات وإمكانات البشر ولم تعد مصر التي كانت وطن الكفاءات والتميز والقدرات ومن يتابع الأحداث سوف يشاهد علي الساحة هياكل بشرية انتهي عمرها الإفتراضي واصبحت عاجزة عن حمل المسئولية وإدارة شئون الوطن.. ان خطيئة النظام السابق كما قلت أكثر من مرة انه جرف قدرات هذا الوطن واستباح قدرات الإنسان فيه
< من يصدق ان النخبة المصرية بكل ثرائها عاجزة عن إيجاد لغة للتفاهم والحوار جبهات كثيرة بعضها يرفع راية الإسلام بسماحته والبعض الأخر يرفع راية الحريات بكل رصيدها التاريخي في الوعي والإستنارة كيف عجزت كل هذه القوي عن الوصول للغة للحوار امام وطن يقف علي حافة الهاوية..
نحن امام سلطة اصابتها مبكرا امراض التعالي والغرور قبل ان تكمل شهورا في مواقعها وامام معارضة فقدت القدرة علي التواصل امام حالة من الإرتباك والشطط.. نحن امام سلطة عاجزة ومعارضة كسيحة ولهذا لم يكن غريبا ان نصل إلي ما نحن فيه..
نحن امام حالة ارتباك في القرار وقد شهدت الساحة السياسية إجراءات كثيرة افتقدت الدراسة ابتداء بقرارات الأسعار والضرائب وانتهاء بالإعلان الدستوري مرورا علي ردود افعال مرتجفة تجاه قضايا كثيرة وفي مقدمتها قضية المصالحة الوطنية.. كان ينبغي ان تسخر سلطة القرار كل إمكاناتها من أجل الوصول إلي صيغة للمصالحة مع القوي السياسية ولكن التسويف والتأجيل والمراوغة أفسد كل المحاولات الجادة واضاع علي مصر فرصة جمع الشمل وتوحيد الهدف.. كان ينبغي ان ينتهي الرئيس محمد مرسي من ملف المصالحة الوطنية في الأيام الأولي من وصوله إلي كرسي الرئاسة بالإتحادية وان يبذل كل ما يستطيع من الفكر والجهد لتحقيق هذا الهدف ولكنه تجاهل هذا الملف واسنده إلي عدد من معاونيه وكان ينبغي ان يتولاه بنفسه ويحسم الأمر فيه..
تأخرت مؤسسة الرئاسة كثيرا في معالجة قضية المصالحة الوطنية حتي وصلت درجة الإنقسام في الشارع المصري إلي صراع بين ابناء الأسرة الواحدة في كل بيت ولا شك ان الرئيس مرسي خسر رصيدا شعبيا كبيرا امام عجز مؤسسة الرئاسة عن إنهاء هذا الملف وقد تأكد ذلك في احداث الإتحادية عندما عاد الرئيس إلي جماعته يخطب فيها متجاهلا شعبا اختاره رئيسا له.
لقد تعجبت كثيرا من تصريحات للرئيس مرسي يوم الجمعة الماضي قال فيها ان الوطنيين المصريين في بداية أولوياتي وان يده ممتدة للمصريين الذين لا يحملون اي ايدلوجية وهذا كلام لا يتناسب مع موقع الرئاسة لأن الرئيس مرسي رئيس لكل المصريين ايا كانت الإنتماءات والأفكار والعقائد ولا توجد صكوك للمواطنة يمنحها الرئيس أو يمنعها ولكن من حق اي مصري ان يعتنق الفكر الذي يريد وليس من حق احد حتي لو كان الرئيس ان يصنف شعبه بين وطني وغير وطني حسب الفكر والعقيدة لأننا جميعا مصريون ووطنيون.
لقد كان خطأ فادحا ان يتم تصنيف النخبة المصرية من المثقفين والكتاب في معرض الكتاب هذا العام وإبعاد اعداد كبيرة منهم من المشاركة في هذا الحدث الفكري السنوي الكبير لأسباب دينية أو ايدلوجية أو لأنهم معارضون للنظام.. ان نجاح اي نظام سياسي يستند إلي قدرته علي اجتذاب معارضيه وزيادة حجم مؤيديه وقد كانت سياسة الإقصاء من اسوأ الظواهر في العهد البائد.
< من المفارقات الغريبة والعجيبة ان يتأزم الحوار السياسي مع قوي المعارضة بينما تجري في الكواليس مفاوضات سرية بين رجال الأعمال الهاربين وعدد من قيادات الإخوان المسلمين حول استرداد الأموال والتصالح مع رموز العهد البائد ورفض كامل لأي مفاوضات سياسية مع رموز الثورة والثوار وقوي المعارضة السياسية.. هذا التناقض في المواقف والحسابات يعكس خللا رهيبا في الرؤي.. كيف تجري تسويات مالية مع رجال اعمال هاربين بأموال الشعب ولا تجري مفاوضات سياسية مع رموز المعارضة والقوي السياسية الوطنية وماذا يعني ذلك؟.. هل هي عملية توريث ونقل ملكية اصول العهد البائد لأسماء جديدة ؟.. هل هي مجرد صفقات لوراثة حكم واستبدال شخوص أم اننا امام ثورة ودولة وشعب يعاني ومستقبل غامض ومخيف ؟.. والأخطر من ذلك ان الذين يقودون عملية التفاوض المالي رجال اعمال ينتمون إلي جماعة الإخوان المسلمين وليست لهم صفة رسمية في مؤسسات الدولة حتي يسند إليهم هذا الملف الخطير فهل نحن امام زواج باطل جديد بين السلطة ورأس المال ؟.
< في الوقت الذي تتعثر فيه إجراءات كثيرة في سلطة القرار نجد سرعة مريبة في مجالات اخري.. نجد مشروع الصكوك يخترق كل الحواجز الإدارية والمالية والسياسية ونجد اسعارا ترتفع ليلا وقوانين تصدر بلا دراسة بينما الشارع يغلي والمعارضة تصرخ ولا احد يسمع الأخر ونجد قوانين يتم سلقها في مجلس الشوري بنفس اساليب النظام السابق في التحايل والمراوغة.
< علي الجانب الأخر من النهر تقف قوي المعارضة أو جبهة الإنقاذ وفي تقديري انها تضم مجموعة من الرموز الوطنية التي تريد ان تفعل شيئا لهذا الوطن ولكنها للاسف الشديد وقعت في اخطاء كثيرة من البداية حين انقسمت علي نفسها وبددت جهودها امام طموحات وحسابات شخصية.. ان مصر لا تبحث الأن عن زعامة ولكنها تبحث عن رجال يشاركون في إنقاذها من هذه المحنة وهذا الواقع الكئيب..
ان المعارضة تعاني من محاولات استنساخ الماضي برموزه المضيئة والشعوب لا تستنسخ تجاربها والرموز غير قابلة للتكرار.. وعلي رموز المعارضة ان يدركوا اننا نعيش زمانا اخر في فكره واساليبه وقضاياه وهمومه.. علي المعارضة ايضا ان تكون اكثر مرونة بشرط ان تحرص علي ثوابت مصر الدولة ومكوناتها الأساسية دينا وتاريخا وحضارة علي المعارضة ايضا ان تنزل إلي الشارع في ابعد نقطة فيه ولا تكتفي ببريق الفضائيات ولقاءات النخبة والدعاية السياسية.. وإذا كان النظام يرفض الحوار فإن المعارضة قادرة علي ان تفتح الف باب لهذا الحوار وتفرضه فرضا ولن يكون ذلك بالفوضي أو العنف أو المزيد من الإنقسامات والصراعات والمعارك.
ان امام المعارضة الأن فرصة تاريخية وهي انتخابات مجلس النواب وهي تأتي والنظام السياسي وجماعة الإخوان المسلمين في اضعف حالاتهم سياسيا وجماهيريا ولاشك ان الوصول إلي السلطة التشريعية سوف يكون إنجازا تاريخيا للمعارضة المصرية بما يعيد التوازن للمشهد السياسي المرتبك
والخلاصة عندي الأن ان الصورة قاتمة للغاية وان مصر الوطن والشعب في خطر وان علينا جميعا مسئولية تاريخية في إنقاذ السفينة..
يجب ان يتحمل الرئيس محمد مرسي مسئوليته الكاملة في مواجهة الإنقسامات في الشارع المصري وان يقوم بنفسه بمشروع متكامل للمصالحة الوطنية وان يتفرغ تماما لهذا الملف مستعينا بكل خبرات هذا الوطن ورصيده الديني والفكري والإنساني لجمع الشتات وتوحيد الأمة والخروج من هذه المحنة.. ان ملف المصالحة الوطنية هو أخطر ملفات المرحلة الحالية.. وليس هناك ما يمنع ان يشارك عدد من عقلاء جماعة الإخوان المسلمين والسلفيين وبقية التيارات الدينية والأخوة الأقباط والقوي المدنية مؤسسة الرئاسة في هذا الملف لأنه قضية شعب ووطن وليس قضية رئاسة ومعارضة وجري وراء المناصب.
ان حكماء وعقلاء مصر مطالبون الآن بالمشاركة في الخروج من هذا المأزق التاريخي ومن يتابع اعمال العنف في الشارع المصري يدرك حجم المأساة..
يجب ان تدين جميع اطراف اللعبة السياسية حالة الفوضي والعنف التي تسود الشارع المصري وان تقف جميعا خلف مؤسساتنا الأمنية لدعم وتأكيد دورها في حماية أمن الوطن.. لا نريد كارثة جديدة لجهاز الشرطة تجهض ما بقي من قدراته ولا نريد عدوانا جديدا علي مكانة الجيش في قلوب المصريين أو تشويها لدوره وصورته وتاريخه ومسئولياته.. وعلي المعارضة ان تقفز فوق الحسابات والمصالح وعلي الرئاسة ان تنزل للشارع لأن الأبراج العاجية ليست طريقا للمواجهة والحسم لأن الوطن أكبر من الجميع.
ان الصراع الذي يجري الأن علي الساحة المصرية لن يكون فيه منتصر أو مهزوم ويجب ان يدرك النظام وان تدرك المعارضة وجميع القوي الوطنية ان مصر في محنة وان حسابنا جميعا سيكون عسيرا امام الله و التاريخ وامام اجيال قادمة سوف تحاسبنا..
اتقوا الله في مصر
..ويبقي الشعر
كم عشت أسأل: أين وجــــــــه بــــلادي
أين النخيل وأيـن دفء الــوادي
لاشيء يبدو في السمـــاء أمـامنــــــــــا
غير الظـلام وصــورة الجــلاد
هو لا يغيب عن العيــــــــون كأنــــــــه
قدر.. كيوم البعــث والميــــلاد
قـد عشت أصــــرخ بينـكـم وأنــــــادي
أبني قـصورا من تـلال رمـــاد
أهفــو لأرض لا تـســــاوم فـرحتـــــي
لا تـستبيح كـرامتي.. وعنــادي
أشتــاق أطـفــــــالا كـحبــات النـــــدي
يتـراقصون مـع الصباح النـادي
أهـــفـــــو لأيــام تــواري سحــرهـــــا
صخب الجـياد.. وفرحة الأعياد
اشتـقـــــت يومـا أن تـعـــود بــــــلادي
غابت وغبنـا.. وانـتهت ببعادي
في كـل نجــم ضــل حلــــم ضائــــــع
وسحابــة لـبســت ثيـــاب حداد
وعلـي الـمدي أسـراب طـيــر راحــــل
نـسي الغناء فصار سـرب جراد
هذي بلاد تـاجـــرت فـــي عرضهـــــا
وتـفــرقـت شيعا بـكــــل مـــزاد
لـم يبق من صخب الـجياد سوي الأسي
تـاريخ هذي الأرض بعض جياد
في كـل ركـن من ربــــوع بــــــلادي
تـبدو أمامي صـورة الجــــــلاد
لـمحوه من زمن يضاجـــع أرضهـــا
حملـت سفـاحا فـاستباح الـوادي
لـم يبق غير صــراخ أمـــس راحــل
ومقـابـر سئمت مـــن الأجـــداد
وعصابة سرقـت نـزيــف عيــوننـــــا
بـالقـهر والتـدليـس.. والأحقـاد
ما عاد فيها ضوء نـجــــم شـــــــارد
ما عاد فيها صوت طـير شــــاد
تـمضي بـنـا الأحزان ساخــــرة بـنـــا
وتـزورنـا دومــا بــلا ميعـــــاد
شيء تـكـسر في عيونـــــي بعدمـــــا
ضاق الزمان بـثـورتي وعنادي
أحببتـها حتـي الثـمالــــــة بينـمـــــــا
باعت صباها الغـض للأوغـــاد
لـم يبق فيها غيـر صبــح كــــــــاذب
وصراخ أرض في لـظي استعباد
لا تـسألونـي عن دمـوع بــــــــلادي
عن حزنها في لحظة استشهادي
في كـل شبر من ثـراهـا صــرخـــة
كـانـت تـهرول خـلـفـنـا وتـنادي
الأفـق يصغر.. والسمــاء كـئيبــة
خـلـف الغيوم أري جـبال سـواد
تـتـلاطـم الأمواج فـــوق رؤوسنـــــــا
والريح تـلـقي للصخور عتـادي
نامت علـي الأفـق البعيـــد ملامــــــح
وتـجمدت بين الصقيـع أيــــــاد
ورفـعت كـفـي قـد يرانـي عابـــــــــر
فرأيت أمي في ثيـــاب حــــــداد
أجسادنـا كـانـت تـعانــــق بعضهـــــا
كـوداع أحبــاب بــــلا ميعـــاد
البحر لـم يرحم بـراءة عمرنــــــــــا
تـتـزاحم الأجساد.. في الأجساد
حتـي الشهادة راوغـتـنــي لـحظـــة
واستيقـظـت فجرا أضاء فـؤادي
هذا قـميـصــــي فيه وجــــه بنـيتــي
ودعاء أمي.. كيسملـح زادي
ردوا إلي أمي القـميـــص فـقــد رأت
مالا أري من غـربتي ومـرادي
وطـن بخيل باعنــي فـــــي غفلـــــة
حين اشترتـه عصابة الإفـســـاد
شاهدت من خـلـف الحدود مواكبـــا
للجوع تصرخ في حمي الأسياد
كـانـت حشود الموت تـمرح حولـنـا
والـعمر يبكي.. والـحنين ينادي
ما بين عمـــــر فـر منـي هاربــــــا
وحكاية يزهـــو بـهــــا أولادي
عن عاشق هجر البـلاد وأهلـهــــــــــا
ومضي وراء المال والأمجــــاد
كـل الحكـاية أنهــــــا ضاقـت بـنــــــا
واستـسلـمت للـــص والقــــواد!
في لـحظـة سكـن الوجود تـنـاثــــرت
حولي مرايا الموت والميــــلاد
قـد كـان آخر ما لـمحت عـلـي الـمـدي
والنبض يخبو.. صورة الجـلاد
قـد كـان يضحـك والعصابة حولـــــــه
وعلي امتداد النهر يبكي الوادي
وصرخت.. والـكـلمات تهرب من فـمي:
هذي بـلاد.. لم تـعـــد كـبـلادي
قصيدة هذى بلاد لم تعد كبلادى سنة 2007
[email protected]
ساحة النقاش