بقلم: فاروق جويدة 1846
أقترح علي رئيس مصر الجديد المنتخب د. محمد مرسي ان يعلن إنشاء حزب جديد وسوف أكون أول المنضمين إلي هذا الحزب واقترح ان يطلق عليه حزب الفقراء.. فإذا كان د.مرسي قد استقال من حزب الحرية والعدالة ومن جماعة الإخوان المسلمين فهناك ملايين البشر.
الذين يحتاجون دعمه لكي يواجهوا معه وبه أعباء الحياة.. إن فقراء مصر وهم الأغلبية يتطلعون إلي رئيس يحس بمعاناتهم ويستجيب لشكواهم ويخاف الله فيهم وهم ينتشرون في أرجاء هذا الوطن الفسيح الذي لم يكن يوما لهم بل انهم كانوا دائما في رأي أصحاب القرار يمثلون العبء والإزعاج والمشاكل..
< يحتاج فقراء مصر إلي يد تنتشلهم من ظروف صعبة حاصرتهم سنوات و سنوات في ظل عصابة استباحت موارد الوطن وإمكانياته وهرب من هرب واقام في المنتجعات من اقام وبقيت منتجعات الفقر أكبر وصمة في جبين العهد البائد الذي لم يرحم ذل الحاجة وضعف المقدرة والهوان علي الناس
أعجبتني كلمة قالها د. مرسي في خطابه بعد إعلان فوزه لن أخون الله فيكم إن هذا العهد الذي قطعه الرئيس الجديد علي نفسه هو عهد امام الله وليس مجرد شعار أطلقه وينبغي ان يكون ميثاقا بينه وبين هذا الشعب.
في مصر حزب كبير للفقراء ودولة واسعة من أصحاب الحاجات ينظرون الآن إلي رجل جاء من أعماق الريف المصري يحمل سماته وبساطته وإيمانه كثيرون جاءوا من الريف قبله ولكنهم خذلوا شعوبهم ونسوا حزب الفقراء وعاشوا في قصور فارهة ولم يتركوا خلفهم غير اللعنات.. إن الرئيس الجديد يعرف التاريخ جيدا ويعرف سيرة هؤلاء الذين حرموا الشعب من حقوقه دون ان يتذكروا قول الله تعاليواتقوا يوما ترجعون فيه إلي الله..
< علي الرئيس الجديد ان يبدأ رحلته مع العشوائيات وليس مع المنتجعات وحين يدخل القصر الجمهوري ويري الحراس والحاشية ومفاتن السلطان وأبهة الملك عليه ان يتذكر صرخات المواطنين البسطاء التي حاصرته في ميدان التحرير طوال ايام الثورة.. عليه ان يتذكر أمهات الشهداء وكل واحدة منهن تكفن صورة وحيدها في عينيها كل يوم قبل أن تنام.. عليه ان يتذكر سكان العشوائيات في منتجعات الخنازير ومنهم من ينام علي الهلال ومنهم من يعانق الصليب وكلهم ضحايا عهد موبوء ونظام فاسد..
أول أبواب المعرفة في حياة هذا الشعب ملاجئ الفقراء, ولو ان الرئيس الجديد أخرج نصفهم من نصف همومهم ومعاناتهم فسوف يدخل التاريخ من أوسع ابوابه..
هذا الوطن يفتقد العدالة حتي لا يأكل بعضه بعضا.
امام الرئيس الجديد تبدو مواكب الفقراء في مصر ورغم انهم أصحاب حق في كل شيء في هذا الوطن فلم يأخذوا منه شيئا.. إن سكان العشوائيات ويقدر عددهم بأكثر من12 مليون مواطن يشربون مياه المجاري واكلتهم الأمراض والجهل والمخدرات والتطرف.. يستطيع الرئيس الجديد ان يطلب من مساعديه دراسة سريعة عن أحوال هؤلاء وكيف يعيشون في ظروف صعبة.. إن الأمر يتطلب حلولا سريعة لهم:
> مستوصفات توفر لهم قدرا من الرعاية الصحية بما في ذلك الدواء المجاني والعلاج..
> مجمعات صغيرة توفر لهم السلع الضرورية وهي ليست أكثر من رغيف خبز وكوب ماء وكيلو مكرونة وزجاجة زيت..
> مجموعة من رجال الأمن توفر لهم الأمن ليلا والإنضباط صباحا.
> مدرسة صغيرة وعدد من المدرسين النبلاء الذين يدركون مسئولية العلم.
قسم صغير للشرطة يحترم آدميتهم ويدرك انهم شركاء في الوطن واخوة في الله ولهم نفس الحقوق.
< علي الرئيس الجديد ان يختار مقهي صغير في أي مكان في المحروسة سوف يجد فيه مئات الشباب من خريجي الجامعات في جميع التخصصات, حيث يجلسون بلا عمل أو أمل أو مستقبل.. عليه فقط ان يشاركهم كوب شاي ويسألهم عن احلامهم.. إنها أشياء صغيرة.. ان يذهبوا إلي سيناء الخالية يعمرون صحاريها, حيث توجد الأرض والماء والبشر.. ان يتم تدريبهم علي الصناعات الصغيرة التي تؤهلهم لحياة عملية جديدة وان تتيح لهم الدولة فرصا لإنشاء مشروعات جديدة كالورش ومراكز الخدمات وان توفر لهم أسواقا لتسويق منتجاتهم.
إن قضية البطالة هي أخطر ما يواجه مصر الآن ويجب ان يعلن لنا الرئيس الجديد الأرقام الحقيقية للبطالة بلا تزييف أو تحايل من الأجهزة المسئولة. إن ملايين الشباب الذين يتسكعون في الشوارع يمثلون الغاما تهدد أمن الوطن وإستقراره كما انهم جهد ضائع وعمر من سراب.
علي الجانب الآخر يجب ان يدرس الرئيس الجديد أعداد المستشارين في أجهزة الدولة والمليارات التي تنفقها عليهم الصناديق السرية والمؤسسات المجهولة لأنهم يسرقون مستقبل الشباب وحقهم في الحياة والعمل.
< علي الرئيس الجديد ان يتوقف قليلا في إحدي الإشارات ليتجمع حوله المئات من المتسولين من أطفال الشوارع الصغار الذين ينامون تحت الكباري وفي الأزقة والحارات ويتسولون طوال النهار ثم يتجمعون ليلا في ظلمات المباني المنهارة حيث يعيشون عالم الضياع والفقر والتخلف.
لا توجد مؤسسة رسمية في مصر تعرف العدد الحقيقي لأطفال الشوارع ولكنهم يمثلون أوكار الجريمة بكل الوانها وبينهم تنتشر امراض كثيرة تنقلها المخدرات وليالي الصقيع الباردة والطفولة المشردة في وطن استباحته مواكب الفساد
< علي الرئيس الجديد الذي درس في جامعة القاهرة واكمل رسالة الدكتوراة في امريكا ان يتذكر ان هذا الوطن الذي يحكمه كان صاحب أول سطر في تاريخ الحضارة الإنسانية وأول وطن علم الكون أبجدية الحرف وأصبح الآن يجمع بين اطلالة أكثر من20 مليون مواطن يعانون الأمية حيث لا يقرأون ولا يكتبون وان هذا المرض الخطير يمثل عقبة رهيبة امام تطور المجتمع في كل المجالات ابتداء بالإنتاج وانتهاء بالحريات وحقوق الإنسان.. وقبل هذا كله فإن حزب الفقراء يضم الأغلبية من الأميين والمرضي والعاطلين.
< علي الرئيس الجديد بعد ذلك ان يفتح الطريق امام مصالحة وطنية بعد الجراح العميقة التي خلفتها معارك الإنتخابات و زوار الفجر والمعتقلات واللهو الخفي وان يثبت للجميع انه رئيس لكل المصريين باختلاف عقائدهم وافكارهم لا فرق بين صليب أو هلال ومسئول ومعارض واننا جميعا امام الوطن والقانون والعدالة أصحاب حقوق وعلينا واجبات.
إن المصالحة الوطنية تمثل ضرورة من ضرورات إنقاذ هذا الوطن,علينا ان نفتح صفحة جديدة تعيد الحقوق لأصحابها وتعيد للشعب امواله الهاربة وتعيد لحزب الفقراء ما نهبه الأثرياء والمغامرون من مال هذا الشعب وتعيد للشهداء حقهم الضائع ودمائهم المهدرة
علي الرئيس الجديد ان يراجع ملفات التعليم والثقافة والإعلام هذه الثلاثية التي أفسدتها مؤسسات النظام السابق.. نحن في حاجة إلي تعليم عصري حقيقي يعيد تشكيل وبناء مجتمع عبثت به الخرافات ومواكب التخلف والجهالة.. وفي حاجة إلي جامعات حقيقية تعيد للعقل المصري دوره ومسئولياته.. وفي حاجة إلي ثقافة جادة تعيد التواصل بيننا وبين جذورنا الحضارية والتاريخية والفكرية والدينية بلا تجاوز أو ادعاء.. ونحن في حاجة إلي إعلام يدرك مسئوليته في بناء عقل ووجدان سليم بحيث نغلق دكاكين التجارة والسمسرة الإعلامية التي أفسدت المجتمع المصري..
لابد ان تستعيد مصر جسورها ودورها الحضاري والإنساني وترجع إلي جذور ثقافتها العربية الأصيلة بحيث نستعيد علاقاتنا الثقافية مع العالم العربي والإسلامي هذا الدور الذي اهملناه سنوات طويلة امام دعاوي الفرنجة والحوار مع الآخر.. إن مجتمعاتنا هي الأحق بالحوار وشعوبنا هي الأجدر بأن نفتح لها ابواب الحرية وآفاق الفكر.
لابد ان تعود مواكب الثقافة المصرية تشق طريقها إلي الدول العربية الشقيقة وان تكمل مشوارها الحضاري مع دول إفريقيا ومنابع النيل والدول الإسلامية في كل ربوع الأرض وان يستعيد الأزهر الشريف رسالته في بناء دين صحيح وفكر واع وإيمان مستنير. إن أخطر ما يواجه مصر الأن هي حالة التصحر التي أصابت أغلي وأثمن ثرواتها وهو العقل المصري المبدع.
< علي الرئيس الجديد ان يعيد الإنتاج إلي ربوع مصر في كل المجالات.. هناك إنتاج زراعي أهملناه وأصبحنا نستورد رغيف خبزنا ونستورد القطن لمصانعنا ونستورد الفول والعدس لحزب الفقراء.. لا أتصور ان تتوقف آلات أعرق الصناعات المصرية وأكثرها شهرة في العالم وهي صناعة الغزل والنسيج وان تتوقف السياحة وهي أهم مصادر الدخل عندنا وان نستورد الأسماك بينما تمتد في أراضينا بحار وبحيرات تتجاوز ثلاثة آلاف كيلو متر مربع وفي أسوان أكبر بحيرة في العالم امام السد العالي.. لا بد ان يعود الإنتاج وتعود الإستثمارات المصرية والعربية والأجنبية وان تفتح البنوك المصرية خزائنها لإنشاء مشروعات جديدة لصغار المستثمرين و تزيد الإنتاج وتوفر فرص العمل وترفع موارد الدولة.
< علي الرئيس الجديد ان يقيم مؤسسة جديدة لدراسة ما وصلت إليه أخلاق المصريين وسلوكياتهم في ظل العهد البائد.. لابد ان نعيد دراسة واقعنا الأخلاقي والسلوكي وان نسأل علماء الاجتماع وعلماء النفس..ماذا جري للمصريين في لغتهم وحواراتهم وصراعاتهم وافكارهم؟.. وان نعيد للنخبة المصرية بريقها القديم وتاريخها الحافل.
لا أعتقد ان شيئا من ذلك كله يمكن ان يتحقق في ظل حالة الارتباك والفوضي التي تجتاح الشارع المصري الآن.. لابد ان نساعد الرئيس الجديد ونمد له أيدينا وان نوفر له المناخ المناسب لكي يعبر الوطن هذا النفق الصعب وهنا ينبغي وضع قواعد وقوانين تحمي حريات الأفراد وتضع نظاما واضحا للاعتصامات والتظاهرات بما يحمي حقوق الناس ويضمن سلامة المجتمع..لا بد ان تستعيد الدولة هيبتها وان يعود الانضباط إلي سلوكيات الناس وان نفتح صفحة جديدة أبعد ما تكون عن الانتقام وتصفية الحسابات.
..ويبقي الشعر
فـــيأي شيء أمام الله قد عدلوا
تاريخنا القتل.. والإرهاب.. والدجل
مـن ألف عام أري الجلاد يتبعنا
في موكب القهرضاع الحلم..والأجل
نـــبكي علي أمة ماتت عزائمها
وفوق أشلائهــــــــا.. تساقط العــلل
هل ينفع الدمع بعد اليوم في وطن
من حرقة الدمع ما عادت له مقل
في جرحنا الملح هل يشفي لنا بدن
وكيف بالملح جرح المرء يندمل
أرض توارت وأمجاد لنا أندثرت
وأنجم عن سماء العمر ترتحل
مازال في القلب يدمي جرح قرطبة
ومسجد في كهوف الصمت يبتهل
فكم بكينا علي أطلال قرطبة
وقدسنا لم تزل في العار تغتسل
في القدس تبكي أمام الله مئذنة
ونهر دمع علي المحراب ينهمل
وكعبة تشتكي لله غربتهــــــــــا
وتنزف الدمع في أعتاب من رحلوا
كانوا رجالا وكانوا للوري قبسا
وجذوة من ضمير الحق.. تشتعل
لم يبق شيء لنا من بعد ما غربت
شمس الرجال.. تساوي اللص والبطل
لم يبق شيء لنا من بعد ما سقطت
كل القلاع.. تساوي السفح والجبل
في ساحة الملك أصنام مزركشة
عصابة من رماد الصبح تكتحــــل
وأمة في ضلال القهر قد ركعت
محنية الرأس للسياف تمتثــــــل
في كل يوم لنا جرح يطـــاردنا
وقصة من مآسي الدهر تكتمـــــــل
من ذا يصدق أن الصبح موعدنا
وكيف يأتي وقد ضاقت بنا السبل ؟
قد كان أولي بنا صبــح يعانقـــــــنا
ويحتوي أرضنا لو أنهم..
عدلــــواعمري همـوم وأحلام لنا سقطــــت
أصابها اليأس.. والإعياء.. والملل
يا أيها العمر رفقــا كان لي أمـــــلأن يبرأ الجرح.. لكن خانني الأمل
ففي خيالي شمــوخ عشت أنشـــــده
صرح تغنت به أمجـــــــادنا الأول
لكنه العار يأبـــــــي أن يفارقنــــــــــا
ويمتطي ظهرنا أيان نرتحـــــليا
أيها الجرح نار أنت في جســـــــدي
وجرحنا العار كيف العار نحتمـل؟
قالــــوا لنا أرضنــــا أرض مباركة
فيها الهدي.. والتقي والوحي والرسل
ما لي أراها وبحر الدم يغــــــــرقـهـا
وطالع الحظ في أرجائها.. زحل ؟
لم يبرح الدم في يـــــــــوم مشانقهــــا
حتي المشانق قد ضاقت بمن قــتلوا
يا لعنة الدم من يوما يطهرهـــــــــــا ؟
فالغدر في أهلهـــا ديـن له مــــــلل
في أي شيء أمــــــــــام الله قد عدلوا ؟
وكــلهم كاذب.. قالــــوا وما فعلـــوا
هذا جبـــــــــان وهذا بــاع أمتــــــــــه
وكلهم في حمي الشيطان يبتهـــــــل
من يوم أن مزقوا أعـــــــراض أمتهم
وثوبها الخزي.. والبهتـان.. والزلـل
عار علي الأرض كيف الرجس ضاجعها
كيف استوي عندها العنين.. والرجل ؟
يا وصمـة العار هزي جذع نخلتنـــا
يساقط القهر والإرهاب.. والدجـل
ضاعت شعـوب وزالت قبلـنا دول
وعصبة الظـلم لن تعـلــو بها دول
قصيدة ((مرثية)) ..ما قبل الغروب سنة 1997
المزيد من مقالات فاروق جويدة
ساحة النقاش