ليست بعمليات التجميل وحدها تحيا:
جمال المرأة.. في رجاحة عقلها ونقاء روحها
كتبت:سعدية شعيب
159
بمفردها وفي خلسة ممن حولها.. كثيرا ماتقف المرأة في خريف العمر أمام المرآة.. تتفحص آثار الزمن علي جمالها, فهي ليست بجمال زمان أيام الشباب, تتحسر علي إنطفاء عيونها, وتهدل ماتحت ذقنها وإمتلاء جسدها, لتبدأ رحلة البحث عن كل ماهو جديد في عالم التجميل.
, الذي قد يرهق ميزانية الأسرة ويحول حياتها إلي مشقة ورحلة عناء وقلق ولهث وجري بين عيادات التجميل, أملا في أن يرجع بها الزمان للوراء سنوات وسنوات, وقد نسيت أن لديها جمالا دفينا كالجوهرة لايمكن أن يقضي عليه الزمان هو نقاء روحها.. ورجاحة عقلها الذي يتقد كلما مرت الأعوام, فجمال الجسد فان.. ولكن جمال الروح ورجاحة العقل باقيان.. وهو كل ما يراه ويفضله الأصدقاء والأحباب.
د. محمد أحمد عويضة أستاذ الطب النفسي جامعة الأزهر يقول: إن رحلة بحث المرأة عن الجمال لدي خبراء التجميل كثيرا ماتصيبها بخيبة أمل كبيرة لعدم تحقيقها الغرض المطلوب بالدرجة التي تتمناها وترغبها, وتركيز المرأة علي جمالها الظاهري الذي ماهو إلا وهم كبير تقع فيه, فمن المفترض أن مقاييس الجمال ومواصفاته تتعدد وتختلف من شعب إلي آخر ومن عصر إلي آخر, لكن المرأة في الآونة الأخيرة وفي عصر العولمة وبعد أن أصبح العالم واحدا, إنصبت كل مقاييس الجمال لديها وللأسف الشديد في بوتقة واحدة ونموذج واحد, هو ماتبثه الفضائيات من التشبه بفتيات الفيديو كليب والإعلانات والممثلات, وقد شجع علي الترويج لهذه الفكرة الرجال عموما- والأزواج بشكل خاص- الذين أعطوا اهتماما بالغا لهذا الجمال بمقاييسه المبالغ فيها, ووضعوا زوجاتهن في مقارنة غير عادلة مع هؤلاء النجمات بل والراقصات في بعض الأحيان, وبسبب هذه الثقافة السائدة وبسبب الأحاديث اليومية التي تدور فيما بينهن, تشعر كثير من السيدات بعدم الرضا عن أنفسهن مما دفع بالكثيرات للبحث والجري وراء أحدث عمليات التجميل التي استنفذت معظم مدخراتهن, وقضت علي راحة بالهن, وأصابتهن بالقلق الشديد, وقد تناست هؤلاء السيدات أنهن في المقام الأول أمهات وسيدات عاملات مسؤلات في مختلف المهن وأهمها, وأن هذه المقاييس الجمالية المعروضة من خلال السينما والفضائيات هي مجرد مهنة لبعض السيدات- أو الفتيات- يقمن بها أثناء التصوير, وليس أسلوبا لحياتهن بعيدا عن الكاميرا.
ويؤكد د. عويضة أنه بالرغم من نجاح بعض هذه العمليات التجميلية التي قد تجريها المرأة- من شد أو نفخ وجه أو تصغير أنف أو شفط دهون من الجسم وغيرها- من الناحية الطبية, فإننا قد نجدها مازالت غير راضية عن مقاييس جمالها بعد إجرائها, رغم ظهور النتيجة المطلوبة التي كانت ترغبها, مما يعكس ويدل علي عدم فهمها لمفهوم الجمال الشامل ومعناه الصحيح, فالجمال ليس دائما في جمال الملامح أو تناسق الجسم, لكنه دائما وأبدا في جمال العقل والروح الذي لا ينافسهما أبدا أي نوع آخر من الجمال, وهما بطبيعة الحال غير موجودين لدي أكبر وأشهر خبراء التجميل, وأكبر مثال عالمي يدل علي جمال الروح الذي يطغي علي الحضور والذي لن ينساه التاريخ, الجمال الروحي للأم تريزا الحاصلة علي جائزة نوبل للسلام لعام1985 وذلك لجهودها الفائقة في رعاية المسنين والمصابين بالأمراض المزمنة والمعدية, ولرعايتها للفقراء بطول الهند وعرضها, وقد كان لديها كم هائل من الجمال الروحي وسماحة القلب شمل الناس جميعا, مما انعكس نورا مضيئا في وجهها لطالما أحب الناس النظر إليه, وهو جمال رباني لايملكه ولايستطيع صنعه أمهر خبير تجميل, وقد بهرت الأم تريزا العالم بهذا الجمال الروحي والذي إستقبله العالم بالتقدير والإجلال وليس أدل علي ذلك من ظهور الحزن الشديد علي شعوب العالم- مسيحيين ومسلمين- الذي ظهر جليا في وسائل الإعلام عند وفاتها.
وعن جمال العقل الذي يطغي دائما علي جمال الشكل كان للعالمة ماري كوري النصيب الأكبر فيه, فهي أول إمرأة في العالم تفوز بجائزتين لنوبل, إحداهما في الفيزياء عام1903, والأخري في الكيمياء عام1911, وكانت ماري كوري أول امرأة تعمل في مجال الإشعاع, وقد إكتشفت الراديوم في علاج السرطان العلاج الوحيد المعروف لزمن طويل, ورغم عدم جمال ماري كوري الملحوظ, إلا أن زوجها العالم ريمون كوري أحبها كما لم يحب رجل زوجته من قبل, وقد أحبها العالم كله وكانت في نظرهم أكثر النساء جمالا وروعة, ولاننسي في ذات الحديث الكاتبة سيمون ديبفوار زوجة الفليسوف جان بول سارتر, وكان زوجها مولعا ومغرما بها, وكان المقربون وكل من يحيطون بهما يلحظون هيامه بها, وغيرها من الأمثلة التي تؤكد وجود جمال رباني آخر لنساء لم يجوبوا عيادات خبراء التجميل بل لم يعرفوا وضع أي من المساحيق, وهو مايدل علي أن جمال الروح والعقل طاغيان باقيان كالجواهر الثمينة يزيدهما الزمان توقدا, وهما أكثر قيمة وتأثيرا علي الآخرين, مقارنة بالجمال الخارجي الذي يتأثر بسرعة وبشدة عاما بعد عام, ويتأثر بدرجة ملحوظة بمرور الزمان, ولذلك كله يجب ألا تعتمد المرأة جمال شكلهاوحده في رحلتها مع الحياة.
ولحصول المرأة علي جواهر جمال الروح والعقل في الوقت نفسه يري د. عويضة ضرورة مواظبتها علي التدريبات الروحية, والإكثار منها خاصة أثناء الصلاة, وتأمل جمال الكون قدر الإمكان, والإكثار من فعل الخير ونشر السلام علي كافة المستويات العائلي والمجتمعي والوطني, وأن تكون البسمة والكلمة الطيبة علي الشفاه بإستمرار, وألا تتصيد الأخطاء للأهل وللأصدقاء بل ولا تتصيدها للغرباء, وأن تغفر للآخرين أخطاءهم ولاتفضحها, ولاتجعلها مشاعا بل تساعدهم علي تصحيحها قدر المستطاع.. ولإظهار جمال عقل المرأة نقول: كثفي قراءاتك في كل العلوم والمعارف الإنسانية, وإحضري المزيد من الندوات والمحاضرات التي تناقش العلوم الإنسانية, شاركي قدر الإمكان في حل قضايا مجتمعك, أيضا من المفيد لك ممارسة مختلف الفنون الثقافية من كتابة ورسم وموسيقي, وأخيرا تمسكي بقيمة العمل ولاتتراجعي عن طموحاتك وأحلامك المهنية فهو رجوع للخلف, فالعمل هو الطاقة والمدد لجمالك وجمال روحك والغذاء الكامل لعقلك, وهو صديقك المخلص,عندما ينشغل أولادك وينفضون من حولك.. وكلمة في أذنك: أن تغذية طاقات جمال روحك بحب الناس وإلتفاف الأهل والأحباب حولك أفضل ألف مرة من عمليات شد.. ونفخ تجرينها لدي خبراء التجميل.. تجعلك متعبة ومتوترة وغير راضية وبعيدة عمن تحبين!!
ساحة النقاش