ذي القرنين أول وأقوى رحالة منذ أن خلق الله الأرض ومن عليها (1)
بقلم: حسنى كمال
حينما يعيش الإنسان لحظة صدق مع خالقه وبالتحديد في كتابه الكريم يشعر أنه عاد إلى حياة الأولين وصفاتهم، كأنه يعيش بينهم ومعهم، والقرآن لم يترك صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها،
ويقول الله عز وجل "حتى إذا فتحت يأجوج ومأجوج وهم من كل حدب ينسلون ، واقترب الوعد الحق فإذا هي شاخصة أبصار الذين كفروا يا ويلنا قد كنا في غفلة من هذا بل كنا ظالمين " الأنبياء:96-97
كشف ذي القرنين عن وجود يأجوج ومأجوج من خلال رحلته المعروفة التي ذكرها القرآن الكريم، وهي بالطبع لم تكن رحلة واحدة فقط، وإنما كانت ثلاث رحلات من أكبر وأخطر الرحلات، تفرد بها ذي القرنين، فهو ليس نبيا، ولكنه ملكا صالحا مؤمنا بالله ، كما أنه أحد هؤلاء الأربعة الذين ملكوا الأرض من مشارقها إلى مغاربها، فهؤلاء الأربعة كان (أولهم سليمان عليه السلام، وذي القرنين) فهما اثنين من المؤمنين الصادقين بخلاف اثنين من ملوك الأرض غير مؤمنين وهما (النمرود بن كنعان، وبخت بنصر) وكان ذي القرنين يعيش في عهد سيدنا إبراهيم عليه السلام، واستقبله إبراهيم وطاف معه الكعبة، وحينما فكر ذي القرنين في أن يدعو إلى التوحيد والإيمان لم يفكر في منطقته التي يعيش فيها فقط، ولكنه أراد أن يجوب كل الأرض من مشارقها حتى مغاربها، فخطط لثلاث رحلات، لم ينفرد أي مخلوق من قبله أو من بعده على وجه الأرض بهذه الرحلات سوى ذي القرنين، كما انفرد سليمان بأن يفهم لغة وتسخير الطير والجن، انفرد أيضا ذي القرنين بأنه أقوى رحالة ، كان يمتلك جيشا قويا، وهيئ الله له أسباب القوة (علم وقوة وسلاح) فقبل أن يخطط لهذه الرحلات الإيمانية تعلم كل لغات العالم كي يخاطب كل قوم بلغاتهم، وبدأ في أول رحلة مكونة ( من أهم ثلاث رحلات كبرى حدثت على مستوى الخلق) الأولى بدأت إلى مغرب الشمس، آخر مكان في الأرض تغرب فيه الشمس، وظهرت الشمس وكأنها تغوص في الماء وكلما سار بجيشه قابل أمم، وحارب آخرين، وظفر بالنصر في كل معركة قابلته في هذه الرحلة، "حتى إذا بلغ مغرب الشمس وجدها تغرب في عين حمئة ووجد عندها قوما، قلنا يا ذا القرنين إما أن تعذب وإما أن تتخذ فيهم حسنا" فحينما عرض الإسلام على هؤلاء القوم بعد هزيمتهم، وتمكينه منهم، فخيره الله بين أمرين "العذاب أو الحسنى" لأن منهم من لم يسلم، فكان قلبه رحيما فقال : "أما من ظلم فسوف نعذبه، ثم يرد إلى ربه فيعذبه عذابا نكرا، وأما من آمن وعمل صالحا فله جزاءً الحسنى وسنقول له من أمرنا يسرا" ونجحت الرحلة، وتركهم، وبدأت الرحلة الثانية بعكس الأولى تماما وهي إلى آخر مكان في الكرة الأرضية عرضا، متجها إلى أقصى الشرق، وهذا الأمر حينما يفكر فيه الإنسان يجده من الصعب أن يتجه الإنسان من منتصف الأرض إلى أقصى الغرب عن طريق الصحراء ويقابله عوائق كثيرة وموانع مائية خطيرة، بخلاف القبائل التي تقتل وتبيد كل غريب تراه ، ثم إلى الاتجاه العكسي للمشرق، حيث تشرق الشمس، فوجد قوما عجيبا، لايفقهوا شيئا في الحياة، لايقطنون بيوتا، ولايزرعون نباتا، ولا شجرا، فلم يجد سوى أرضا ملساء خالية صافية تلسعها حرارة الشمس، هؤلاء القوم يقطنون خنادق تحت الأرض متصلة بالمياه التي تغمرها من أسفل فتجعلها باردة تحميهم من لهيب الشمس، وحينما يأتي الصباح، وتشرق الشمس لا يستطيعوا الخروج للعمل أو التجارة، لقوله تعالى "وجدها تطلع على قوم ، لم نجعل لهم من دونها سترا" وهذه الآية الكريمة تدل على أن هؤلاء القوم تشرق عليهم الشمس ولم يكن لهم سترا من حرارة الشمس، وحينما وصل ذي القرنين لهؤلاء القوم بدأ يعرض عليهم أحدث أنواع العلم في البناء، وشاهدوا لأول مرة كيف تبنى البيوت، فكان ذي القرنين ليس داعية للدين فقط، ولكن منقذ لهؤلاء القوم فنقلهم من الجهل إلى العلم، ومن الظلام إلى النور بعد معيشتهم تحت الأرض، أنشأ لهم بيوتا مرتفعة بها وسائل المعيشة، وعلمهم الزراعة والصناعة ، وعرفوا الستر من الشمس، بدأ ذي القرنين يدعوهم لتوحيد الله ودين الفطرة، فأسلموا لله جميعا، ومن هنا نجحت رحلته بأن أفادهم في دينهم ودنياهم، وامتلأت قلوبهم بلذة التوحيد، غادرهم معلنا القيام برحلته الثالثة، نتوقف عند بداية الرحلة الثالثة، وهي أخطر الرحلات، لنستكملها في الحلقة الثانية ، "ويسألونك عن ذي القرنين قل سأتلو عليكم منه ذكرا"" .
المزيد من مقالات حسنى كمال
ساحة النقاش