فاروق جويدة.. وحديث التريليونات والتعذيب بقلم نيوتن ٢٩/ ٢/ ٢٠١٢ |
ازدحم بريدى بمجموعة من الرسائل المتوالية التى تبادلها عدد من القراء الكرام فيما بينهم ووضعونى فى قائمة العناوين تعليقا على ما كتب الأستاذ فاروق جويدة يوم الجمعة الماضى فى جريدة «الأهرام». كتب الشاعر الكبير مقالا بعنوان: «أموال مصر الهاربة». ادعى فيه أن ما تم تهريبه من مصر قدره «خمسة تريليونات دولار». لوهلة ظننت أنه قد أخطأ مطبعيا أو لفظيا فى التفرقة بين المليار والتريليون. الأول هو رقم إلى يمينه تسعة أصفار والثانى إلى يمينه اثنا عشر صفرا. أى مليون المليون! للحظة اعتقدت أن الكاتب قد أخطأ فى تعريف العملة بأن كتب «دولار بدلا من جنيه» لكن بقية مقاله بنيت على أساس أنه حسب الأرقام بالدولار. أتحفظ كثيرا وأنا أقرأ مقالات الأستاذ فاروق جويدة السياسية. فى النهاية هو شاعر يحلق فى الآفاق ولا تربطه بقواعد التحليل السياسى المتعمق أصول موثقة. زاد تحفظى حين أثار جدلا كبيرا حول ما قال إنه تهريب لمقتنيات القصور الجمهورية بعد فبراير ٢٠١١. أثبتت لجنة قانونية شاملة من خبراء متنوعين أن كل شىء فى القصور كما هو. انتظرت منه أن يكتب استدراكا ولو لم يرق إلى مستوى التراجع. لم يفعل. عدت إلى مقال يوم الجمعة الماضى فى «الأهرام» بسبب البريد الكثيف الذى وصلنى. سبب آخر هو أننى وجدت عبارة غريبة جدا فى نهاية المقال لا يمكن أن تصدر من كاتب وشاعر كبير مرهف الحس يدافع عن حقوق الإنسان. فى بريدى كتب الأستاذ صلاح حافظ منتقدا مقال الأستاذ جويدة ومعلقا عليه، ضمن رسالة قال إنه أرسلها إليه. أقتطع هنا بعضا مما قال له: «الرقم الذى استندت إليه أكبر من ميزانية الولايات المتحدة البالغة ٣.٥ تريليون دولار». «استندت فى مقالك إلى تصريح للمفوضة الأوروبية أشتون - إن كانت قد قالته - لا يمكن تصديقه من أى عاقل». «إذا كانت المتكلمة مجنونة فلابد أن يكون المستمع عاقلاً». «إذا كان متوسط سعر الأرض فى مصر مائة ألف جنيه للفدان فإن سعر الستة ملايين فدان زراعى كلها ٦٠٠ مليار جنيه، أى أنك تستطيع بهذا الرقم، الذى تقول إنه مسروق، أن تشترى خمسين ضعف الرقعة الزراعية المصرية». «فى اليوم الواحد يباع ٤٠ مليون برميل بترول أى فى السنة ١٥ مليار برميل ثمنها كلها فى العام ١.٥ تريليون دولار لو حسبنا سعر البرميل مائة دولار جدلا»!!! فى بريدى كذلك كتب الأستاذ عبدالعزيز الحبال ما يلى: «الأستاذ فاروق جويدة أرجو ألا تكون شريكا فى بيع الوهم للمصريين حتى ينصرفوا للعمل لإنقاذ مصر، فالمعلومات التى وردت فى مقالك لا يمكن لعاقل أن يصدقها. وقد وجدت أن من واجبى الاتصال بمكتب الاتحاد الأوروبى لاستجلاء الحقيقة فجاءنى الرد التالى من السيدة المتحدثة باسم كاترين أشتون قالت فيه: «هذه مقابلة لم تتم مع الجريدة وقامت باختلاقها. السيدة أشتون لم تتحدث قط. لقد طلبنا من الجريدة أن تسحب المقابلة التى لم تتم وأعلمنا كل وسائل الإعلام بذلك». بهذا النص الذى اجتهد فى الوصول إليه أحد القراء الكرام تم نفى الأصل الذى استند إليه الأستاذ فاروق جويدة وأقام عليه مقاله. تبين مرات أن تصريحات أشتون حول الأموال المهربة من مصر قد فبركتها جريدة روزاليوسف. ما استوقفنى شخصيا هو أن كاتبا بحجم الأستاذ فاروق جويدة لم يلجأ إلى أساليب التدقيق المعتادة صحفيا كما لم يذهب نحو تقييم عقلى للأرقام التى وصفها بأنها هربت من مصر. النقطة المحورية فى هذا الموضوع ليست فقط أن يقع كاتب كبير فى فخ كهذا. إنما أن يكون حديث الأموال الهاربة هو الذى يلجأ إليه البعض لكى يغفل الشعب عما لابد أن يقوم به، منتظرا وصول الأموال التريليونية الهاربة. كتب الأستاذ صلاح حافظ للأستاذ فاروق جويدة قائلا: «أرجو من سيادتكم أن تحث شعبنا على العمل والإنتاج وعدم تضييع الوقت إلا فيما يفيد فلا توجد هناك كنوز ضائعة، وحتى لو افترضنا جدلا أنها وجدت فسوف تحميها الدول التى هى بها الآن لأن هذا سيعود بالضرر على اقتصادها لو عادت»!! لابد أن أعود مجددا إلى موضوع «الأموال الهاربة» تلك. أختتم اليوم بما ذهب إليه الكاتب الكبير فى نهاية مقاله، حين طالب وزارة الداخلية بما يلى: «إذا استحالت إجراءات استعادة الأموال فلا مانع أبدا من استخدام أساليب تقليدية تعرفها أجهزة الأمن لإعادة هذه الأموال المنهوبة». انتهت العبارة التى لا يمكن ترجمتها إلا بأن الكاتب الكبير يطلب من الداخلية استنطاق من يعتقد أنهم هربوا الأموال بطرق تقليدية معروفة. لا أعتقد أن هذا كلام يجوز أبدا من كاتب حر وشاعر كبير يحلق فى سماء المعانى بعيدا عن أرض الواقع. |
ساحة النقاش