تجديد دماء الشرطة.. أولي الخطوات نحو الإصلاح
رسالة تبليسي: نجوي عبدالله 287
منذ اندلاع الثورة المصرية في يناير الماضي والشعب المصري يطالب بهيكلة وزارة الدخلية التي كانت ممارساتها قبل وبعد الثورة أبشع مما تخيل الجميع. وبرغم أن الكثيرين اقترحوا القيام بإحلال واستبدال عناصر الشرطة كحل لإنهاء الممارسات السيئة للداخلية, إلا أنه تم تجاهل الاقتراح من الحكومات المتعاقبة بعد الثورة
مبنى وزارة الداخلية الجورجية الزجاجى
جورجيا صاحبة الثورة الوردية عام2003, أدركت أن من نادي بإحلال واستبدال عناصر وزارة الداخلية كان محقا كل الحق في مطلبه. فوضع وزارة الداخلية وممارساتها في جورجيا لم يكن يختلف كثيرا عن مثيلتها في مصر, والتي تمثلت في سوء المعاملة والاعتقال والتعذيب. فقد أدرك ثوار جورجيا الذين نجحوا في إدارة بلادهم بعد ثورتهم أنه لا سبيل للنجاح والإصلاح والتحول الديمقراطي ما لم يحدث تغيير سريع وفعال في وزارة الداخلية.
فبحسب وزير الداخلية الجورجية ايفانه ميراييشفيلي إن بلاده كانت من أكثر دول العالم فسادا قبل الثورة الوردية, وكانت المافيا الجورجية أخطر من المافيا الروسية و الرشوة جزءا من الثقافة الجورجية, خاصة في وزارة الداخلية التي عم فيها الفساد وبات قبول الرشاوي جزءا من ممارساتها اليومية التي بدونها لا تستقيم الأمور. واستطرد قائلا إلا أن حكومة ما بعد الثورة قررت الاستغناء عن رجال الشرطة, فعلي سبيل المثال ظلت البلاد طيلة شهرين عقب الثورة بدون شرطي مرور واحد, وهو أمر لم يكن من السهل تجنبه خاصة إذا ما كان الهدف الأسمي هو إنشاء جهاز شرطة أكثر كفاءة ونزاهة واحتراما لحقوق الإنسان. وكان خيار الاصلاح صعبا علي حد قول وزير الداخلية الجورجية, وهو ما يعني الاعتماد علي جيل جديد تماما من رجال الشرطة حتي ولو كانوا عديمي الخبرة. وبالفعل قامت الحكومة الجورجية بفصل نحو40 ألف شرطي وضابط وتلي ذلك الاستعانة بشباب لم يعملوا من قبل بالشرطة واعطتهم تدريبا كافيا ليمثلوا بعد ذلك أكثر من90% ممن يعملون بالداخلية.
المظاهرات امام مبنى وزارة الداخلية الجورجية
ومن بين رجال الشرطة الذين تم فصلهم رجال شرطة المرور التي كانت تعد من أكثر القطاعات فسادا, وبلغ عددهم16 الف شرطي وتم الاستعاضة عنهم برجال الشرطة الدارجة. كما تمت محاكمة1064 ضابطا لارتكابهم مختلف أنواع الجرائم في الفترة من2003 إلي.2010 كما تبنت وزارة الداخلية سياسة عدم التسامح علي الإطلاق مع الجريمة المنظمة.
وكانت النتيجة أن عدد رجال الشرطة انخفض من85 ألفا ليصل إلي26 ألف شرطي, ومع ذلك انخفض معدل الجريمة في البلاد بما يعادل6 مرات, واصبحت جورجيا أكثر أمنا من أي دولة أوروبية أخري. وبهدف إحداث تقارب بين المجتمع والشرطة تم إنشاء وحدة من الضباط اطلق عليها اسم شرطة الحي في عام2005 وهدفها الأساسي العمل بشكل يومي مع المجتمع وهو ما أدي إلي تحسن العلاقة بين المجتمع والشرطة بشكل ملحوظ.
وبات نحو87% من الجورجيين يثقون في شرطة بلادهم. واصبح العمل كشرطي من أكثر المهن احتراما بالنسبة لهم, وزادت الرغبة لدي الجورجيين في العمل كرجال شرطة بنحو30%. كما أن جرائم السطو المسلح انخفضت بنسبة80% ما بين الفترة من2006 إلي.2010
وتم تعويض خفض أعداد رجال الشرطة بتزويدهم بأحدث الاجهزة والمعدات والسيارات, ومضاعفة راتب الشرطي إلي عشرة أضعاف ما كان يتقاضاه الشرطي قبل الثورة, لأن القضاء علي الفساد أدي إلي زيادة موارد الدولة. فشرطي أمين أفضل من خمسة فاسدين. ومن هنا جاءت فكرة بناء مبني جديد لوزارة الداخلية عبارة عن مبني زجاجي شفاف يكشف للمواطنين كل ما يجري بداخله فهو بمثابة رمز للشفافية التي اتخذتها الوزارة شعارا لها. وتم افتتاح المبني عام2009 تتويجا لجهود إصلاح منظومة الشرطة بأكملها. وبحسب مؤشر منظمة الشفافية العالمية لعام2010 جاءت جورجيا في المرتبة الثانية بعد فنلندا من حيث انخفاض نسبة الفساد بين رجال الشرطة وذلك علي صعيد الدول الأوروبية.
ساحة النقاش