بقلم: حامد عمار 155
اتخذت الوزارة الجنزورية شعار إنقاذ الوطن مما تعرض له من زلازل وبراكين, ما غاصت فيه قدماه من وحل, وما تعرض له من تصدع وطموحات أنانية وفئوية وقد تمثل ذلك العزم الوزاري في ذهاب أحد وزرائه الجدد إلي مكتبه في الساعة السابعة صباحا, ومع ما بدأ به غيره من الحركة الميدانية انطلاقا من الشارع والطرقات وزيارة المؤسسات إلي تأليف المجلس الاستشاري.
وشعرت بأن المجتمع بعد استكمال عملية الانتخابات, قد تولدت لديه حمي الانتصار, وامتدت هذه الحمي إلي مختلف مرافق المجتمع وسياسات الإنقاذ ومشروعات الإصلاح والتطوير. وخيل إلي أننا جميعا ونحن نسابق الزمن في غيبوبة عما خلفته عشرات السنين من عوائق وتناقضات ومفاسد, تجسد بعضها في عمليات ومواقف خيل إلي أننا قد تجاوزناها!!! ولاتزال عملية الوفاق والمصالحة ونقاء السريرة من أهم مقومات حب الوطن والإيمان به قبلة وملاذا للجميع.. ولم تتوقف أوجاع الوفاق الوطني مع ما تأكد من الدعم المالي لبعض الأحزاب والهيئات لكي تفرض رؤيتها العمياء, بل لتدعي أن الديمقراطية ذاتها حرام. هذا إلي جانب تلك المعونات المالية التي قدمت لبعض الجمعيات الأهلية لزعزعة الاستقرار والعمل في جنح الظلام. ثم أين الشباب في كل هذا بعد أن انقسموا بين شباب التحرير وشباب العباسية, وأين هم في نتائج الانتخابات؟ ثم إنه لا أحد منهم علي حد علمي عضو في المجلس الاستشاري؟. تلكم هي بعض المشاهد الأساسية الكامنة ظهورا أو مستترا في أوضاع المجتمع الحالي والتي يقلق ويحزن كل مواطن من أن تظل قائمة الشباب متناثرة هنا وهناك.
والحاصل أن تلك الظواهر قد تطورت وترسخت في مختلف أوضاع المجتمع وتحركاته. وكان الأمل معقودا بعد أن اختار الشعب مؤسسته التشريعية بأن يزداد الوعي الوطني, ودوافع الضرورة الملحة بأن يتصالح ويتقارب بل وأن يلتحم أفراده وجماعاته في بناء بقية مقوماته الديمقراطية من خلال تشكيل اللجنة المنوطة بصياغة دستوره وانتخاب رئيس جمهوريته, مؤمنين برسالة الحق تبارك وتعالي (واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا).
وأحسب أن ما اتخذته الوزارة الجنزورية من تحديد لأولوياتها, وما تستدعيه من سياسات وإجراءات, لتنفيذها سوف يكون خطوة إلي الأمام, مما يعتبر التمهيد السليم لعمليات الإنقاذ ولاستكمال المسيرة المؤدية إلي التوجه نحو القبلة الوطنية المنشودة.
وفي هذا الصدد أخشي أن تصيب حمي الوقت والعجلة في القرارات والمنجزات مقومات الرؤية والدراسة المتأنية والحكمة وسواء السبيل. ومما يقلقني ما أشارت إليه بعض الفئات المجتمعية بأن علينا أن ننتظر علي هذه الوزارة وقتا كافيا للحكم علي ما تنجزه. وحوفلت عجبا كما لو أن وزراءها سوبرمان!!! وقد تمثلت هذه العجلة التي تقطع الأنفاس في احتمال عمليات السلق دون الإنضاج.
كذلك قرأت في الصحف بأن وزير التعليم العالي صرح بأن عليكم أن تنتظروني بعد مائة يوم, وأن وزير التربية والتعليم سوف ينجز تطوير المناهج في ستة أشهر. إنها أمنيات طيبة تشيع في مجالات الإنقاذ: لكن بعضها أو معظمها يبدو حاليا من المستحيلات في تقديري حتي لا نواجه عجلة الندامة!!!
وتأتي قضية الموارد المالية, وأحسب أن وزيرين من وزراء المالية في الوزارتين السابقتين أعرف قدراتهما ـ علما وخبرة وبصيرة ـ قد أعيتهما الظروف والأجواء التي سادت من تحقيق طموحاتهما.ومنها الحسم في قضية القروض الدولية, ومن مسألة الضريبة التصاعدية, والضريبة العقارية, ومئات المطالبين والمضربين بزيادة الأجور, وغيرها من المعضلات المالية المترسبة من سنين. فهل من وسيلة لاقتحام ما لابد منه من مقترحات؟ هل من وسيلة لإسهامات المجتمع المدني بالإفادة من أموال الزكاة والبر, وإسهامات الحجاج والمعتمرين, ومن ضبط السخاء المفرط في رواتب المستشارين, مما يثار فعلا من مشكلات وعلاجات.
وأخيرا وليس آخرا أطرح ما أشرت إليه في عجالة في مقالي السابق حول قضية عدم التركيز في معظم برامج الأحزاب علي أولوية دور التعليم العلمي والبحث العملي فيما تتطلبه التنمية والنهضة الثقافية من تأسيس لمجتمع المعرفة. ثم إني لم أجد مبررا لعدم اختيار أي من علمائنا وباحثينا عضوا في المجلس الاستشاري المؤلف من ثلاثين من أقطاب السياسة والاقتصاد والمال وحقوق الإنسان والإعلام. ولم أر من بينهم مع حفظ الألقاب زويل (الفيمتو ومدينة العلم) وفاروق الباز (تغيير مجري النيل), وسعد نصار (الاقتصاد الزراعي) ومحمد السيد (نانوتكنولوجي) ونبيل علي (علوم الحاسوب واللغة) ومصطفي طلبه (عالم البدنة العالمي) وعطية عاشور (عالم الرياضيات) وأحمد شوقي (علم الهندسة الوراثية) وغيرهم عشرات من ملاك الذخيرة العلمية التي لابد من استثمار طاقاتها وقيادتها في تأسيس بيت المعرفة العلمية في مصر. إنه لا ديمقراطية راسخة بدون العلم وإشاعة التفكير العلمي في مدارسنا وجامعاتنا وثقافتنا.
وأحسب أن تعيين امرأة وزيرة للبحث العلمي مؤشر له دلالته في ذلك التوجه.
إن مصر تعيش اليوم في غمار عصر العلم الذي ولد النعجة من تجارب الهندسة الوراثية, وصعد بالإنسان عالم السماوات والكواكب, وها هو يكتشف بعد سنة إمكانية علاج بعض الأمراض بالخلايا الجزعية.
وأخيرا, يقودني تفكيري إدراكا وإيمانا ـ بأن تكون المعرفة العلمية من مقومات مجتمعنا الديمقراطي, تضاف إلي مقومات المجتمع المدني في نص الدستور, برغم ما قد يثار من اعتراض حيث لا سابقة له في صياغة الدساتير إننا نريد أن نواصل الثورة, والثورة تعني ضمن ما تعنيه التجديد بحيث لا يقتصر علي السطح فحسب بل إنه يحاول اقتحام الباطن. لم يعد هناك مجال للبعد الواحد المسطح, وكما قال الشاعر:
سيجيء زمان الصحو ياأبناء وحيد القرن!!!
المزيد من مقالات حامد عمار
ساحة النقاش