الإسلام يرفض التسول بقلم: جمال عبد الناصر 114 في الظروف الراهنة التي تمر بها البلاد انتشرت ظاهرة التسول في ظل الانفلات الأمني وجدنا مصطنعي العاهات يملئون الشوارع، ما بين شباب يمدون أيديهم ونساء يتحججن بالظروف القاسية، من تدعي أنها تربي أيتامًا، ومَن تدعي أن أباها محجوز بأحد المستشفيات، وأخرى تزعم أنها بحاجة لشراء لبن لطفلها الرضيع، وبين هذا ذاك يضيع المسكين والفقير الحقيقي، ولقد وصف القرآن الكريم طائفة من المسلمين الفقراء بأنهم: {...يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُم بِسِيمَاهُمْ لاَ يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا...} [البقرة: 273]. وكذلك دعت السنة الغراء إلى نبذ التسول بشتى صوره فقد جاء شاب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأله الصدقة، "عن أنس بن مالك أن رجلا من الأنصار أتى النبي صلى الله عليه وسلم يسأله، فقال: أما في بيتك شيء؟ قال: بلى حِلْس نلبس بعضه ونبسط بعضه، وقُعْب نشرب فيه الماء، فقال: ائتني بهما، فأتاه بهما فأخذهما رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده، وقال: من يشتري هذين؟ قال رجل أنا آخذهما بدرهم، قال من يزيد على درهم مرتين أو ثلاثا؟ قال رجل أنا آخذهما بدرهمين، فأعطاهما إياه وأخذ الدرهمين وأعطاهما الأنصاري وقال اشْترِ بأحدهما طعامًا فانبذه إلى أهلك، واشتر بالأخر قدُومًا فأتني به فأتاه به فشد فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم عودًا بيده، ثم قال: له اذهب فاحتطب وبِعْ ولا أرينك خمسة عشر يومًا فذهب الرجل يحتطب ويبيع فجاء وقد أصاب عشرة دراهم فاشترى ببعضها ثوبًا وببعضها طعامًا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا خير لك من أن تجيء المسألة نكتة في وجهك يوم القيامة إن المسألة لا تصلح إلا لثلاثة: لذي فقر مدقع، ولذي غرم مفزع، ولذي دم موجع". وأيضا عن حكيم بن حزام قال سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعطاني ثم سألته فأعطاني ثم سألته فأعطاني ثم قال يا حكيم إن هذا المال خضرة حلوة فمن أخذه بسخاوة نفس بورك له فيه ومن أخذه بإشراف نفس لم يبارك له فيه كالذي يأكل ولا يشبع واليد العليا خير من اليد السفلى فقلت يا رسول الله والذي بعثك بالحق لا أرزأ أحدا بعدك شيئا حتى أفارق الدنيا فكان أبو بكر رضي الله عنه يدعو حكيما إلى العطاء فيأبى أن يقبله منه، ثم إن عمر بن الخطاب رضي الله عنه دعاه ليعطيه فأبى أن يقبل منه شيئا فقال عمر إني أشهدكم يا معشر المسلمين على حكيم بن حزام إني أعرض عليه حقه الذي قسم له من هذا الفيء فيأبى أن يأخذه، فلم يرزأ حكيم أحدا من الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا حتى توفي" [الطبراني: المعجم الكبير 3/179]، هكذا ربى النبي الكريم رجالا اعتدوا القناعة ورضوا بما قسم الله لهم. لقد سعى الإسلام منذ صدره الأول لتنشئة جيل مسلم يعتمد على نفسه ويأبى أن يذل وأن يهان؛ ومن هنا جاءت تعاليم القرآن الكريم داعية إلى التعفف والقناعة وناهية عن الطمع والجشع، مؤكدة أن المسلم الحق هو الذي يعتمد على الله تعالى ثم على نفسه، ولا يمد يده لهذا أو ذاك، وأيضا أكدت نصوص السنة الغراء رفضها للتسول؛ ومن هنا نشأت أنفس بشرية ممتلئة عزًّا وكرامة، وظهرت في الإسلام نماذج لم يعهد التاريخ مثلها في التعفف والشهامة، فهناك من وَجَد حُقًّا من ذهب في أثناء فتح المسلمين لبلاد فارس وجاء ووضعه بين يدي الفاروق عمر رضي الله عنه، ولم يُعرِّف الناس بنفسه؛ دلالة على مدى إخلاصه لله رب العالمين، فما ضعفت أمة الإسلام ووهنت إلا عندما مدت يدها لأخذ المعونات من هنا ومن هناك، تلك المعونات التي تعطى للأمة كي تكبلها بالأغلال وتنال من حريتها، وتحجب عنها حق اتخاذ قرارها من نفسها، المعونات الأمريكية والأوروبية تُعطى لمصر لتنفيذ برامج قذرة وخبيثة هدفها هو تغلل نفوذ الدول الدافعة لتلك المعونات في الدولة التي تدفعها إليها. المزيد من مقالات جمال عبد الناصر
azazystudy

مع أطيب الأمنيات بالتوفيق الدكتورة/سلوى عزازي

  • Currently 15/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
5 تصويتات / 104 مشاهدة
نشرت فى 22 أكتوبر 2011 بواسطة azazystudy

ساحة النقاش

الدكتورة/سلوى محمد أحمد عزازي

azazystudy
دكتوراة مناهج وطرق تدريس لغة عربية محاضر بالأكاديمية المهنية للمعلمين، وعضوالجمعية المصرية للمعلمين حملة الماجستير والدكتوراة »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

4,749,236