الدروس المستفادة من ثورتي بولندا‏1989‏ ومصر‏2011
بقلم‏:‏ باتريسيا ساسنال‏:‏ 451 

لم يتم التفكير في المقارنة بين الفترة الانتقالية البولندية في‏1989‏ والثورة المصرية في‏2011,‏ فالمثالين أشبه بالفرق بين التفاح والبرتقال‏,‏ فهما مختلفان ولكن كلاهما من الفاكهة‏,‏ فكلاهما مجتمعان متدينان استطاعا تفكيك النظم القمعية بشكل سلمي‏.‏

 

ففي بولندا حدث هذا علي مائدة مستديرة في1989 حين جلست المعارضة مع ممثلين عن النظام للاتفاق علي انتخابات برلمانية نصف حرة, وفي مصر خلعت حركة شعبية شملت جميع أشكال القوي السياسية والاجتماعية الرئيس وخولت جميع طموحاتهم التي تقود إلي الديمقراطية للجيش.
وبالرغم من جميع الاختلافات, تتشابه الأسباب وراء هاتين الثورتين حيث كان العامل الداخلي الرئيسي للتغيير في بولندا هو الحالة الاقتصادية المأساوية; فكان شعار نريد الخبز والحرية هو شعار المتظاهرين في الثمانينات( تذكيرا بانتفاضة الخبز في مصر في السبعينات), حيث كانت المحال التجارية خاوية لكنها ظلت مفتوحة. ومن ثم, نما مستوي السخط الاجتماعي بشكل آخذ في الاستمرار. وحدث نفس الشيء بالضبط في مصر خلال العقد الماضي, فبالرغم من أن الاقتصاد المصري لا يتم التخطيط له بشكل مركزي وبالرغم من الإصلاحات الاقتصادية إلا أن مستوي الفقر والغضب الاجتماعي عادل المثال البولندي. كما مثل كل من, التدهور المستمر في وسائل المعيشة, والصعوبات الاقتصادية, والبطالة, والتفاوت ما بين السلطة والشعب, والفجوة بين الأجيال, والرقابة أزمات عصفت ببولندا في الثمانينات وعصفت بالعالم العربي في القرن الحادي والعشرين. فكان لدي المصريين مثل جميع البولنديين رغبة في استعادة كرامتهم. إن إمكانية نقل الدروس المستفادة من خبرات دولة, فيما يخص عملية الانتقال المنظم من حكم سلطوي لحكم ديمقراطي إلي دول أخري هو أمر غير واضح تماما. فالبعض يدعي أن القرن العشرين يمدنا بوافر من الخبرات عن عملية الانتقال.
والواقع يقول إن كل الدول غير الديمقراطية والتي تحولت إما عاجلا أو آجلا إلي نظم ديمقراطية يمكن أن تمثل إلي حد ما مثالا يحتذي به مثل ألمانيا الغربية, واليابان, وإيطاليا( بعد الحرب العالمية الثانية), والبرتغال, وأسبانيا, واليونان( في السبعينات) أو بعض الدول الأسيوية مثل كوريا الجنوبية. وتدور الشكوك في مدي إمكانية تناقل الخبرات من بلد إلي آخر حول الظروف الأولية والمختلفة في كل الأمثلة السابقة ومدي انطباقها في الحالات المستجدة مثل خصائص وظروف النظام الاقتصادي المختلفة وغياب الكيانات السياسية الملائمة أو تباين الخلفيات التاريخية والثقافية. أما في حالتي مصر وتونس, علي الرغم من مرور كل منهما بنقطة شديدة التناقض حيث تحتاج كل دولة إلي صناعة قرارات مرتبطة بواقعها فقط ولكن في ذات الوقت من المنطقي أن تحتاج كل منهما إلي النظر باهتمام إلي خبرات الدول الأخري فيما يخص عملية الانتقال.
السياسة الجديدة: غالبا ما ليست القوي السياسية الآخذة في الظهور علي الساحة مستعدة لحكم البلاد, حيث تميل هذه القوي إلي رؤية العالم في تصنيف ثنائي كلعبة محصلتها النهائية صفر, من خلال الاعتقاد أن الصراع الذي يجب عليهم تحمله هو الصراع من أجل زوال الطاغية, بينما هذا الصراع هو عملية اجتماعية طبيعية وجزء من الحياة السياسية والاجتماعية. وبهذا تصبح الثورة هي مجرد نقطة بداية لمرحلة جديدة حين يتم حل الصراعات الجوهرية بطريقة ديمقراطية غير سلطوية.
البطالة والاستياء: في أول سنتين من المرحلة الانتقالية, نمت البطالة بشكل سريع حيث ذهبت بولندا من نسبة صفر شكلية للبطالة( حيث كانت هناك بطالة مقنعة) إلي14%. فالبطالة في بولندا هيكلية وتتعلق بالاحتياجات المتغيرة للدولة والشركات المزدهرة من ناحية ومهارات سكان غير ذات صلة. وأثر ذلك بالأخص علي الشباب, وهو درس هام جدا بالنسبة لمصر وتونس. وفي ذات الوقت زادت أعداد الفقراء في التسعينات. وفي2002 زاد عدد من يعيشون تحت خط الفقر الوطني إلي15% من مجموع عدد السكان ولكن كان عدد الناس الذين يعيشون بأقل من دولارين في اليوم8.5% في1993 و11.3% في1996 من التعداد الكلي للسكان( من إحصائيات البنك الدولي). ومن المهم أيضا الإشارة إلي أن أعداد الفقراء في مصر وتونس في عام2005 وصلت إلي18.5% و7.4% علي الترتيب.
التحول يدفع الابتكار: في هذه الفترة سريعة التأثر يجاهد الأشخاص المبتكرين. وهذه المقولة صحيحة بمعناها الإيجابي والسلبي, فالمعني الإيجابي يظهر من خلال السوق الحرة والسياق الاجتماعي حيث تبرز الشركات بجميع أنواعها والمجتمع المدني المنظم; أما المعني السلبي فيتمثل في أن الابتكارات قد تقود إلي السلوك الفاسد المنحل مثل الفساد أو الجريمة.
ويبقي أن نحدد ما إذا كانت الخبرة البولندية في الفترة الانتقالية يمكن أن يتم تطبيقها في أي من مصر أو تونس بشكل واقعي.
فبعد كل الدروس التي يمكن أن نتعلمها والتي تتنوع بين دروس عامة جدا تميل إلي أن تكون الأهم والأصعب في التنفيذ, ودروس خاصة جدا تهدف إلي خلق برامج تعليمية بعينها وبناء المجتمع المدني والإصلاحات الإقليمية. ولا يمكن أن يتم نقل أي خبرات بولندية في أي مجال أو قضية; إلا إذا عبرت مصر وتونس عن رغبة في التعاون بشأن هذا المجال أو القضية, فمن الطبيعي أن ينظر كل من الأشخاص ذوي المراتب العليا في اتخاذ القرار علي مستوي الدولة بدقة لخبرة الدول الأخري بحثا عن القرائن. وهو ما حدث في بولندا أيضا دون شك إن ثمن الديمقراطية غالي ونادرا ما يدركه الناس في أوقات الثورات.

azazystudy

مع أطيب الأمنيات بالتوفيق الدكتورة/سلوى عزازي

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 94 مشاهدة
نشرت فى 30 سبتمبر 2011 بواسطة azazystudy

ساحة النقاش

الدكتورة/سلوى محمد أحمد عزازي

azazystudy
دكتوراة مناهج وطرق تدريس لغة عربية محاضر بالأكاديمية المهنية للمعلمين، وعضوالجمعية المصرية للمعلمين حملة الماجستير والدكتوراة »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

4,793,861