بقلم: السيد يسين 445
لا يستطيع الكاتب ـ أي كاتب ـ ألا يهتم بالتعليقات التي تنشر علي شبكة الإنترنت تعقيبا علي المقالات التي يكتبها, وقد سبق لي أن قلت إن الشبكة قد حولت النصوص الفردية الي نصوص جماعية!
علي سبيل المثال نشرت علي الشبكة ستة تعليقات مهمة علي مقالي الماضي الذي نشر يوم14 سبتمبر2011, بعنوان الاحتجاج الثوري والعنف الجماهيري.
وبعض هذه التعليقات منها تحليلات قيمة للمشهد الراهن قد تفوق ما توصلت إليه, وبعضها ينقد بعض آراء الكاتب نقدا موضوعيا, ولا يخلو الأمر من تعليقات تهاجم شخص الكاتب ذاته, وتندد ببعض مواقفه قبل الثورة بدون التحقق من صحة الوقائع!
وفي ضوء اهتمامي العميق بالقراءة الدقيقة لكل تعليق قررت ـ كما فعلت من قبل ـ أن أخصص هذه المقالة لعرض وجهات نظر القراء كما وردت علي الشبكة, وبغض النظر عن موافقتها أو معارضتها للآراء التي صغتها من قبل.
وقد لفت نظري ـ علي وجه الخصوص ـ تعليق مطول كتبه بشكل منهجي دقيق د. جمال عيسي, وأهميته ترد الي أنه حاول ـ بتوفيق كبير ـ تحليل الفجرة العميقة القائمة بين جيل شباب الثوار والأجيال السابقة عليهم, بل وتطرق الي أساليب النشأة الاجتماعية التي طبقت علي هؤلاء الشباب.
ويعدد أسباب هذه الفجوة وأولها علي الإطلاق ـ من وجهة نظره ـ أن جيل الشباب تربي في معظمه بعيدا عن الأم والأب نظرا لانشغالات الحياة, وهو حين وصل الي مراحل التعليم المختلفة, لم يجد سوي تعليما رديئا ومدارس تفتقر الي وجود القدوة الصالحة, بالإضافة الي أن عددا كبيرا من هذا الجيل لم يجد فرصة عمل داخل الوطن, ولم يستوعب ثقافة المجتمع وتقاليده, وانقطع التواصل بينه وبين الأجيال السابقة.
غير أن أهم أسباب الفجوة, هي أن الشباب لم يتعلم السياسة نظرا لضعف الحياة الحزبية, مع أن الأحزاب ـ كما يقول ـ هي مدارس السياسة.
ويشير المعلق الي سبب بالغ الأهمية, هو أن جيل الشباب لم تتوافر له الثقافة الفكرية الحقيقية القائمة علي القراءة, بحكم أنهم غرقوا في التفاعل مع شبكة الانترنت ساعات طويلة, منعتهم في الواقع من القراءة المنتجة.
وإذا كان الشباب بتأثير القيم السائدة بين شباب العالم يؤمنون بالحرية والكرامة فقد فاتهم أنه ليست هناك حرية مطلقة لأنها مقيدة بحقوق الآخرين, كما أنه ليست هناك كرامة مطلقة, لأنها لابد أن تراعي عدم انتهاك كرامة الآخرين.
وثورتهم ضد السلطة لا يجوز أن تمتد الي الأمن, لأنه هو الذي يضبط ايقاع المجتمع, كما أنهم يتصورون أنهم فقط أصحاب الثورة مع أن الملايين من جموع الشعب المصري, هي التي حولت انتفاضتهم الثورية من مجرد مظاهرة الي ثورة حقيقية.
واذا كنت أتفق مع معظم هذه الآراء, إلا أنني أريد فقط أن أشير الي أن مفهوم التعليم التقليدي قد اختفي وحل محله التعليم متعدد الوسائط, إن صح التعبير, وفي هذا المجال لا يمكن للشباب أن يتعلموا تعليما فعالا بغير التفاعل العميق والمتواصل مع شبكة الإنترنت الزاخرة بالمعلومات, غير أن المشكلة التي قد تفوتهم بل وتفوت الكثيرين من أعضاء الأجيال السابقة أن المعلومات لا تشكل بذاتها معرفة, فالمعرفة تحتاج في الواقع الي تراكم فكري وعقل نقدي في نفس الوقت.
وفي تصوري أن التعليم المصري في تركيزه علي تكوين العقل الاتباعي التقليدي, وعدم ترسيخه قواعد العقل النقدي, هو السبب وراء الهشاشة الفكرية لعديد من الشباب.
أما الكاتب اليمني عبدالعزيز يحيي فقد ركز تعليقه علي مقولة صحيحة, وهي أنه لا سياسة بلا أحزاب, وانتقد اغفالي دور الأحزاب السياسية المعارضة في نقد النظام واسهامها الفعال في عملية إسقاط النظام السلطوي.
ومن ناحية أخري, فإن الدكتور أحمد الجيوشي يخاطب الكاتب قائلا: لا تلم النتائج ولكن لم الأسباب! وخلاصة رأيه ـ وأنا أخفف في الواقع من حدة ألفاظه التي وصف بها بعض شباب الثوار ـ ان هؤلاء الذين يأخذون مصر الي أسفل سافلين لم يفعلوا ذلك إلا بسبب الرضوخ التام لمطالبهم الثورية المشروعة وغير المشروعة.
وقد أختلف مع المعلق في كون شعارات الثورة الأساسية وهي الحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة كلها مشروعة, وهي تعبر عن طموح الشعب المصري في أن يحيا حياة انسانية كريمة, ولكن الخطأ الحقيقي في نظري هو رفع مطالب متعددة لا تراعي الفروق الجوهرية بين المدي القصير والمدي المتوسط والمدي الطويل.
ولم يدرك الرجل أن تحقيق العدالة الاجتماعية يحتاج الي رؤية استراتيجية شاملة للمجتمع المصري, وخطط متعددة لإعادة صياغة أنساقه السياسية والاقتصادية والثقافية, وهي تحتاج لكي تحقق أهدافها الي سنوات طويلة من العمل الشاق, ولا تعدم التعليقات معلقا كريما مثل الأستاذ جمال القاضي يقرظ فيها المقال, ويدعو لمزيد من النقد لمن يحاولون تشويه وجه الثورة النبيل.
واذا كنت قد أفسحت المجال لقرائي الكرام, فقد آن الأوان لكي أركز علي عدد من النقاط الأساسية.
أول نقطة هي إسراف شباب الثورة في الدعوة الي المظاهرات والاعتصامات والمليونيات في ميدان التحرير وغيره من الميادين الثورية, مما أفقد هذه المظاهرات مصداقيتها, وجعلت جموع الشعب ممن لا يعملون بالسياسة في حالة إحباط حقيقي. وذلك لأنهم يرون ويشاهدون علي شاشات التليفزيون شباب الثوار الذين انقسموا الي أكثر من مائة ائتلاف ثوري, ويسمعون عن تشكيل عشرات الأحزاب الجديدة التي لا يعرفون عنها شيئا, ويرقبون بقلق الصراعات الكبري بين الليبراليين وأنصار التيارات الدينية.
وقد تولد لديهم إحساس بأن من صراعات سياسية أغلبها الغرض منها تحقيق مصالح ذاتية وأحيانا شخصية, لا تعبر تعبيرا حقيقيا عن مشكلاتهم الجسيمة التي يعانون منها, وفي مقدمتها الانفلات الأمني, والتضخم, ومواجهة المشكلات الكبري كالبطالة والسكن والعلاج.
من هنا اتسعت الفجوة بين النخب السياسية جميعها وجماهير الشعب, التي تفاءلت بثورة25 يناير, وشاركت بها مشاركة فعلية.
وقد يكون الحوار الجاد بين مختلف القوي السياسية للوصول الي توافق موضوعي حول الخطوات الأساسية التي ينبغي أن نقطعها حتي ندخل مرحلة الانتخابات البرلمانية ووضع الدستور وانتخاب رئيس جديد للجمهورية, هو الحل لسد الفجوة بين النخبة والجماهير التي تعاني من إحباط شعبي واسع المدي.
المزيد من مقالات السيد يسين<!-- AddThis Button BEGIN <a class="addthis_button" href="http://www.addthis.com/bookmark.php?v=250&pub=xa-4af2888604cdb915"> <img src="images/sharethis999.gif" width="125" height="16" alt="Bookmark and Share" style="border: 0" /></a> <script type="text/javascript" src="http://s7.addthis.com/js/250/addthis_widget.js#pub=xa-4af2888604cdb915"></script> AddThis Button END -->
ساحة النقاش