منذ حوالي الثلاثين عاما , كنت أسمع أن تعريف الأمية في بلد مثل اليابان هو الجهل بإستخدام الكمبيوتر!. وكان وقتها الكمبيوتر بالنسبة لنا جهازا ضخما معقدا جبارا, من سابع المستحيلات, ولم يخطر ببالي أنني في يوم من الأيام سأكون واضعه علي حجري, أحاوره, أتواصل عن طريقه معكم, وأكتب لكم به هذا المقال.
وبعد مضي ثلاثون عاما, مازالت الأمية تعرف في عصر وزمان المخلوع البائد بأنها الجهل بالقراءة والكتابة. وقد خطر في بالي أن أطلع علي ترتيب مصر بين الدول من حيث معدل معرفة القراءة والكتابة. ووجدت - حسب تقرير منظمة اليونسكو للعام ٢٠٠٩ - أن مصر, تحتل المركز أل ١٤٨ من ١٧٩ دولة هي دول العالم بنسبة ٦٦٫٤٪ !! . أي أن معدل الأمية في مصر يبلغ ٣٣٫٦ ٪. أي أن ثلث المصريين أميون!. أي أن حوالي ثلاثين مليونا ممن يحيون وسطنا ويتعاملون معنا من الجهلة!. يجهلون مباديء القراءة والكتابة ولا أقول مباديء الكمبيوتر!.
والطريف في الموضوع أنه بجانب الدول المتحضرة والتي من الطبيعي أن تسبقنا في معدل معرفة القراءة والكتابة, مثل بلدان العالم الأول ,هناك دول أخري لاتضاهينا حضارة ولاموارد ولاقوي بشرية أخجل من ذكرها هنا عندما أتذكر أنها تسبقنا!. وعلي سبيل المثال لا الحصر- وأرجو ألا يغمي علي أحدكم!- فإن بلدانا مثل جيبوتي والكونغو وأنجولا وزامبيا وكينيا وملاوي والجابون, وميانمار وسري لانكا وزيمبابوي, تسبقنا!!. ناهيك عن بلدان كنا نرسل اليهم معلمينا لنعلمهم, ومازلنا, مثل السعودية وقطر والإمارات والكويت ..الخ, تسبقنا!. حتي فلسطين المحتلة (بارك الله في أهلها ونصرهم), وبالرغم من قسوة الظروف المحيطة, تسبقنا! و تحتل الترتيب الثاني والثمانين في جدول معدل معرفة القراءة والكتابة!.1
والمدهش في هذا الجدول, أن بلدا فقير وبلا موارد مثل كوبا, يحتل المركز الثاني بنسبة معرفة للقراءة والكتابة تصل الي ٩٩٫٩٪. تماما مثل نسب انتخابات الرئاسة عندنا, ولكنها نسبة حقيقية!. فماذا ياصديقي فعلت كوبا حتي تصل لهذا المعدل العالي وحتي تعلو فوق بلدانا تبزها ثراء وحضارة وموارد وقوي بشرية؟.
أستولي فيدل كاسترو علي السلطة في كوبا في يناير ١٩٥٩. وكانت نسبة الأمية في كوبا وقتها تصل إلي ٧٦٪ ! . وقد رأي, وبناء علي توصيات رفيقه الثائر شي جيفارا, أن يتم القضاء علي الأمية تماما عند نهاية العام ١٩٦١ والذي أطلق عليه عام التعليم. وقد أستعد الكوبيون لهذا العام بتدريب المعلمين ووضع المناهج وإنشاء المراكز التعليمية والإمدادات من كتب- كتابين تحديدا, بعنوان سوف نقرأ وسوف ننتصر!- ومصابيح وبطاطين للمتطوعين ..الخ. والطريف أن إحدي الحملات كانت مكونة من مئه ألف تلميذا تتراوح أعمارهم مابين ١٠ - ١٩ عاما!. وقد تركوا الدراسة في هذا العام المقدس وتطوعوا لتعليم أهل وطنهم!. وقد عوضوا بمناهج في العام إلذي بعده لتعويض غيابهم عن الدراسة!.2
وقد تعرض المعلمين المتطوعين والفقراء المتلقين للتعليم, للإرهاب, والذي وصل لحد القتل والذي يقال انه كان مدبرا من قبل أمريكا لإفشال الحملة! ولكن الحملة نجحت!. وفي الثاني والعشرين من ديسمبر عام ١٩٦١ بإنتهاء العام, تجمع أكثر من مئه ألف من المعلمين المتطوعين عند قصر الحكم, يحملون أقلاما ضخمة رمزية وينشدون; فيدل, فيدل, قل لنا ماذا يمكننا فعله بعد؟. وبحلول العام الجديد ١٩٦٢, كانت نسبه معرفة القراءة والكتابة في كوبا تتعدي ٩٦٪ !.2 وقد تم إنشاء متحفا خصيصا لتخليد هذه التجربة ويحتوي علي خطابات الشكر التي أرسلت لكاسترو من اليونسكو, وبيانات ومعلومات وصور عن الحملة والمتطوعين...إلخ. ويقع هذا المتحف في غرب هافانا العاصمة.
أرأيتم ماذا يفعل القادة ياسادة؟ وكيف ينهض بعضهم ببلادهم عندما يرغبون؟. وبالطبع تعرفون كيف يذلها البعض الأخر ويخسفون بها في أسفل السافلين لتطأها الأقدام, عندما, أيضا يرغبون ويتعمدون!.
وبالرغم من فداحة وتفشي مشكلة الأمية في مصر, فإني لم أسمع من أي من المرشحين المحتملين للرئاسة طرحا للخروج من مصيبة مستنقع الأمية!. فمن واعد بالدولة المدنية وآخر بالدينية. ومن يعد بعدم السكن في قصور الرئاسة ومن يعد بفرض الحجاب علي نساء المسلمين.. إلخ. وأهمس في آذانهم قائلا; لانريدها مدنية ولادينية! نريدها تعليمية, تعليمية! وأنه لو عرض أحدكم حلا جذريا لهذه المصيبة فقط, لكفاه جسرا لتحقيق حلمه بالجلوس علي مقعد الرئاسة والذي سيكون تيفالا حتي لايلتصق بكم عندما ترغبون في الرحيل!. ولضمن أن نخرج له عندما يتم الخلاص من الأمية في مليونية لنهتف فيها بحياته ولنطالبه بأن يظل فترة رئاسية ثانية –بالكثير, وحتي لايظن أن الأمور سايبة! - حاملين لوحات المفاتيح "الكي بورد" بدلا من الأقلام, وحتي نتماشي مع روح العصر. هاتفين له قائلين, ياسعادة البيه نفسك في إيه أو يافلان يافلاني, عايز مننا إيه تاني...
روابط المراجع:
http://en.wikipedia.org/wiki/List_of_countries_by_literacy_rate .1
ساحة النقاش