|
تصوير: فؤاد الجرنوسى |
أطباء متدربون يتابعون عمليات فحص الأجنة فى الوحدة |
نساء كثيرات على اختلاف مستوياتهن الاقتصادية والاجتماعية، جلسن فى الدور الثانى من ذلك المبنى العريق، ينتظرن دورهن ليخضعن للكشف والفحص الطبى، على يد أطباء متخصصين، وباستخدام أحدث الأجهزة الطبية، لمتابعة الحمل وصحة الجنين، والذى قد يتطلب تدخلاً جراحياً دقيقاً، أثناء الحمل، كل ذلك مجاناً. عندما تتوافر هذه الشروط جميعاً اعلم أنك فى وحدة طب الجنين بمستشفى النساء والتوليد فى قصر العينى.
«صحتك اليوم» يلقى الضوء على الوحدة، التى تقدم خدماتها العلاجية والتدريبية والبحثية، لما يقرب من ١٥ ألف سيدة، و٥ آلاف طبيب سنوياً. وتوضح مجالات الاستفادة من طب الجنين، وسبل تشخيص وعلاج التشوهات الخلقية للأجنة، والتى يعد زواج الأقارب والتلوث والظروف الاقتصادية والاجتماعية أبرز أسبابها. ونستعرض مستقبل علاج تشوهات العمود الفقرى والقلب لدى الأجنة.
٤ حجرات للكشف، وطاقم كبير من الأساتذة والمساعدين وأطقم التمريض، وأحدث أجهزة الموجات فوق الصوتية، وعشرات الأطباء يتابعون شرح أطباء متخصصين، وخبير أجنبى يقدم أحدث الطرق العلاجية والجراحية المتعلقة بالأجنة، باستخدام الأجهزة الحديثة، هكذا كان المشهد فى وحدة طب الجنين، بمستشفى النساء والتوليد فى قصر العينى، والتى يعود تاريخ إنشائها إلى أبريل سنة ٢٠٠٧، كما يؤكد الدكتور محمد ممتاز، أستاذ النساء والتوليد فى كلية طب القصر العينى، ومدير الوحدة.
الدكتور ممتاز قدم عرضاً سريعاً لتطور طب الجنين قائلاً: كان هناك تخصص «الأم والجنين»، وهو جزء من طب الولادة، يختص بصحة الأم وصحة الجنين معاً، وفى الفترة الأخيرة حدث انقسام بين طب الأم والجنين فى أوروبا وأمريكا، وأصبح هناك طب خاص بالأم (طب الحالات الحرجة) وطب آخر يختص بالجنين.
وأضاف: يختص طب الجنين بمتابعة الأم، لأننا كنا نعتبر أن صحة المرأة ما دامت جيدة، فإن صحة الطفل جيدة أيضاً، وبمرور الوقت اكتشفنا أن هذا الأسلوب صحيح بنسبة ٩٠%، ولكن هناك ١٠% تؤكد أن الجنين قد يعانى من مشكلات أخرى حتى لو كانت الأم بصحة جيدة.
وأكد ممتاز أن بعض الأمراض التى تعانى منها الأم تؤثر بالفعل على صحة الجنين، مثل الضغط والسكر، ولكن فى حالات أخرى يكون الجنين بصحة غير جيدة فى الوقت الذى لا تشكو فيه الأم من أى مرض، ومن المهم جداً اكتشافها، ومن هنا جاء اختصاص «طب الجنين» الذى يسعى إلى فحص الجنين واكتشاف أى حالة غير طبيعية به.
ورصد ممتاز الحالات التى يعانى منها الجنين دون التأثير على الأم، ومنها العيوب الخلقية للجنين، وتتكون بشكل غير طبيعى، سواء كانت عيباً جسدياً أو جينياً أو «كروموزومى»، ويمكن تشخيصها عن طريق الموجات فوق الصوتية، مضيفاً أن استخدام الموجات فوق الصوتية كان منذ ٤٠ عاما، إلا أنها تطورت بشكل كبير فى السنوات العشر الأخيرة، وأصبح من الممكن الكشف عن ٩٠% من العيوب الخلقية بالأجنة.
ونصح ممتاز بتشخيص حالة الأم والجنين فى وقت مبكر من الحمل، محذراً من تأخر التشخيص، وهو ما يجعل أى مشكلة «غير قابلة للعلاج ولا يمكن تفاديها».
ومن أجل تشخيص أمراض الأجنة، أوضح ممتاز أنه يتم عن طريق الموجات فوق الصوتية أو بعض التحاليل. مشيراً إلى أن علاج الأجنة ينقسم إلى ٣ أجزاء، الأول هو العلاج الطبى أو الدوائى، ويشمل أخذ دواء معين يمنع حدوث ولادة مبكرة، والثانى خاص بانتظام ضربات القلب للجنين، والثالث هو العلاج التداخلى، باستخدام الموجات لإجراء بعض العمليات الخاصة بالأجنة، مثل تشخيص عيوب الكروموزمات، بأخذ عينة من دم الجنين لتحديد فصيلة الدم أو وجود أنيميا أو فقر فى الدم، والعلاج التداخلى الثانى يتم عن طريق نقل دم للجنين داخل الرحم قبل الولادة تجنباً لوفاته فى الشهور الأخيرة من الحمل.
وتابع: هناك علاج تداخلى آخر للعيوب الخلقية مثل انسداد مجرى البول، ونلجأ لتركيب قسطرة للجنين داخل الرحم، أثناء الحمل، لتحويل مجرى البول، وبعد الولادة نجرى العملية الجراحية المطلوبة.
يعد منظار الجنين، أحدث الوسائل المستخدمة فى تشخيص وعلاج الأجنة، وتمتلك وحدة طب الجنين واحداً من أحدث المناظير فى مصر والعالم العربى، ويتم استخدامه فى حالات معينة، كما يشير الدكتور ممتاز، ومن بين هذه الحالات، عندما يحدث اتصال فى «مشيمة» التوأم، بما يعنى أن هناك جنيناً سيعطى دماً لآخر، وبالتالى سيعانى الأول من نقص أو فقر فى الدورة الدموية، ويعانى الآخر من زيادة فى الدم، بما يضع احتمالات وفاة التوأم، ويمكن استخدام منظار الجنين فى فصل الجنينين، وتم إجراء ١٠ عمليات من هذا النوع فى الوحدة.
الوحدة تضم ٣ أساتذة و٥ أساتذة مساعدين و٤ مدرسين وعدداً كبيراً من الأطباء تحت التدريب، وتخدم حوالى ١٥ ألف امرأة فى السنة، سواء من خلال التشخيص بالموجات فوق الصوتية أثناء الحمل، أو علاج تداخلى، أو علاج جراحى. والخدمات المقدمة عبر الوحدة مجانية، حتى الحالات المحولة من المستشفيات الأخرى أو العيادات الخاصة أو المستشفيات التعليمية، وتعتمد الوحدة فى المقام الأول على التبرعات من بعض رجال الأعمال والبنوك، والمصدر الثانى لتمويلها هو الدورات التدريبية التى تعقدها على مدار العام.
كما تقدم الوحدة خدمات تدريبية للأطباء، على تقنيات طب الجنين والموجات فوق الصوتية، يصل عددها إلى ١٢ دورة تدريبية سنوياً، على الموجات فوق الصوتية، أساسية ومتقدمة ومتخصصة، يحضر كل دورة ما بين ٤٠ إلى ٥٠ طبيباً من جميع أنحاء مصر.
ولا تنقطع صلة الوحدة عن البحث العلمى، ومن خلال أعضاء الوحدة يتم عمل دراسات وأبحاث، ويتم نشرها فى دوريات بحثية محلية وعالمية، بلغ عدد الأبحاث التى تم نشرها فى الأعوام الأربعة الماضية ١٢ بحثاً، منها اثنان تم نشرهما فى دوريات عالمية، ومن أبرز هذه الأبحاث ما تم إعداده منذ عام عن مجموعة من السيدات الحوامل، كانت أجنتهن تعانى من تشوهات خلقية، والكشف عن علاقة الخلفيات الاجتماعية والاقتصادية لهن بهذه التشوهات.
توصلت الدراسة إلى مجموعة نتائج مهمة من خلال فحص وتحليل ٥٠٠ حالة، أهمها أن زواج الأقارب أبرز أسباب زيادة نسبة العيوب الخلقية فى مصر مؤخراً، وهو ما يتطلب فحص ودراسة الزوج والزوجة قبل الزواج إذا كانت بينهما صلة قرابة، خاصة أن نسبة زواج الأقارب فى مصر ما بين ٣٥ و٤٠%، كما يؤكد الدكتور ممتاز، وإذا كانت هناك عوامل وراثية للإصابة بأمراض معينة، واحتمالات كبيرة لإصابة الجنين لا يفضل إتمام الزواج.
ويعد التلوث ثانى أبرز أسباب زيادة العيوب الخلقية فى الأجنة بمصر، سواء بسبب تلوث مصادر المياه، أو العيش بالقرب من مصانع الأسمنت أو الحديد والصلب على سبيل المثال، أو العيش دون صرف صحى، وبالتالى فإن العوامل والظروف الاقتصادية والمعيشية تعد سبباً رئيسياً لإصابة الأجنة بالعيوب الخلقية.
فى المستقبل القريب سيعرف المصريون والعالم أخباراً سعيدة فى مجال علاج التشوهات والعيوب الخلقية، يوضحها الدكتور ممتاز قائلاً: سنحاول استخدام منظار الجنين فى علاج بعض العيوب الخلقية، وندرس حالياً محاولة علاج العيوب الخلقية فى العمود الفقرى للجنين داخل الرحم باستخدام المنظار، وإذا تم ذلك سيعد بمثابة ثورة، لأن مثل هذه الحالات كان لا يتم علاجها، بل كان ينصح الأم بإنهاء الحمل، وكذلك ندرس علاج بعض العيوب الخلقية فى وجه الجنين مثل «الشفة الأرنبية»، بل وندرس علاج العيوب الخلقية لقلب الجنين، وربما نشهد خلال ٥ سنوات تطبيقاً عملياً لها.
وأثناء وجوده فى الوحدة، وعلى هامش تقديمه برنامجاً تدريبياً للأطباء المصريين، التقى «صحتك اليوم» الدكتور نزار أمسو، رئيس قسم النساء والتوليد فى جامعة كاردف بالمملكة المتحدة، والمتخصص فى العقم وعلاج الأورام النسائية دون جراحة، وقال إن استخدام الموجات الصوتية فى تشخيص وعلاج الأجنة أمر مهم فى جميع مراحل الحمل، موضحاً أن التصوير التليفزيونى يختلف كثيراً عن الأشعة، وأنه مهم فى المرحلة الأولى للحمل لتشخيص وجود الطفل خارج أو داخل الرحم، كما يستخدم فى تحديد عدد الأجنة الموجودة داخل الرحم، وهل الحمل نتيجة تلقيح بويضة واحدة أو عدة بويضات.
وعن تشخيص الأورام الليفية عبر الموجات فوق الصوتية، قال أمسو: تستخدم الموجات فوق الصوتية لتشخيص التليفات، ويستعمل الرنين المغناطيسى لتثبيت حجم التليفات، ويتم العلاج عن طريق قسم الأشعة، وتستخدم الموجات فوق الصوتية المكثفة، بحيث تدخل عن طريق الجلد وتتركز داخل التليف.
وتابع نزار: «لا تزال هناك مجهودات خارجية لتطوير العلاج بالأسلوب الثانى، ومنها مركزان طبيان فى بريطانيا لدراسة أسلوب الموجات المكثفة لتطبيقها فى مختلف أنواع التليفات، وهل يعتبر هذا العلاج آمناً أم لا».
|
ساحة النقاش