(... وذكرهم بأيام الله إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور)
بقلم: د. زغلول النجار
والمقصود هنا بتعبير( أيام الله) هو الأحداث الكبري في حياة الناس من النعم والنقم, ومن أعظم نعم الله- تعالي- علي أهل الأرض جميعا كانت بعثة الرسول الخاتم- صلي الله عليه وسلم.
-, الذي تلقي الوحي وبشر بالرسالة, وكان ذلك اليوم هو أعظم يوم من أيام الله, لأنه كان اليوم الذي استردت فيه البشرية صلتها بنور السماء بعد أن كانت قد فقدته بالكامل, فقد كان عرب الجزيرة قد انحرفوا عن التوحيد الذي دعا إليه كل من إبراهيم وولده إسماعيل- عليهما السلام- وجددوا عبادة الأصنام والأوثان التي كانوا قد ورثوها عن مشركي قوم نوح, ثم عن كل من البابليين, والفرس, والرومان, واليونان, كما عبدوا النجوم والكواكب. وبجوار هذه الوثنيات انتشرت المجوسية في بلاد فارس, كما انتشر كل من الزرادشتية, والمانوية, والمزدكية, والصابئة, والدهرية, وغيرها من العبادات الفاسدة.
وكان من وراء فارس شرقا شبه القارة الهندية, ومن ورائها دولة الصين وبقية دول جنوب آسيا, وقد سادتها من الوثنيات القديمة كل من الهندوسية, والبوذية, والشنتووية, والكنفوشية, والطاوية, وغيرها من الفلسفات والمعتقدات الموضوعة.
وكان إلي الغرب من بلاد فارس الإمبراطورية الرومانية الشرقية( البيزنطية), ومن ورائها نظيرتها الغربية وكانوا قد انقسموا إلي العديد من الفرق والمذاهب المتصارعة. ومن وراء الإمبراطورية الرومانية الغربية كانت بقية دول العالم تحيا حياة بدائية همجية, لا تعرف لها عقيدة محددة ولا فكرا واضحا, ولا فلسفة حياتية معينة, ولا أثرا حضاريا يذكر. وذلك باستثتاء مصر التي كانت منبعا للفكر الفرعوني الذي اختلط فيه الحق بالباطل, ثم الفكر اليوناني الهيليني, ثم الفكر الروماني الغربي والشرقي. وقد اكتوي المصريون بنيران هذا الاحتلال الغريب الذي عاث في أرضهم فسادا واستعبادا حتي أنقذهم جيش من جيوش خاتم الأنبياء والمرسلين.
فالهداية الربانية علمها ربنا- تبارك وتعالي- لأبينا آدم- عليه السلام- لحظة خلقه, وعاشت بها البشرية عشرة قرون كاملة قبل أن يتمكن الشيطان من فتنة نفر من قوم نوح بعبادة الأصنام والأوثان, فبعث الله- تعالي- إليهم عبده ونبيه نوحا- عليه السلام- ليردهم إلي توحيد الله من جديد فما آمن معه إلا أقل القليل ولذلك أغرقهم الله- تعالي- بالطوفان.
وبعد طوفان نوح ظلت البشرية تتردد بين الإيمان والكفر, وبين التوحيد والشرك, والله- تعالي- يرسل الرسول تلو الرسول, والنبي تلو النبي, وكان خاتمهم سيدنا محمد- صلي الله عليه وسلم, ولذلك قال له ربنا- تبارك وتعالي-:( إنا أرسلناك بالحق بشيرا ونذيرا وإن من أمة إلا خلا فيها نذير)( فاطر:24). فأعاد سيدنا محمدلأهل الأرض صلتهم بربهم وبهدايته لهم. من هنا كان ميلاده- صلي الله عليه وسلم- أعظم أيام الله, لأنه كان أعظم نعمة من الله- تعالي- بها علي أهل الأرض جميعا.
والذي يعلم ذلك لا بد له من الحرص الشديد علي مدارسة السيرة العطرة لهذا الرسول الخاتم- صلي الله عليه وسلم- حتي يري صورة للكمال البشري في أعلي درجاته فيحاول محاكاته قدر الاستطاعة, واتخاذه مثلا أعلي يحتذي, فقد لاقي سيدنا محمد- عليه أفضل الصلاة وأزكي التسليم- من صنوف الابتلاء ما لاقي وهو أحب خلق الله إلي الله, وكان أتقي الخلق لله, وأكثرهم وصلا به, وعبادة له- سبحانه وتعالي- وكان أزهد الناس في الدنيا, ما سئل شيئا قط فقال: لا, وما عاب طعاما قط قدم إليه, وكان راسخ الإيمان, جم التواضع, كريم الخلق, شجاعا مقداما, قوي العزم في السلم وفي الحرب, ثابت الشخصية في جميع المواقف, ملك قلوب صحابته, كما ملك إعجاب وتقدير أعدائه.
حوصر هو ومن آمن معه ثلاث سنوات كاملة في شعب بني هاشم فصبر واحتسب, وما لانت له قناة. حاربه كفار قريش وآذوه ومن معه, ثم لجأ إلي أهل الطائف فردوه ردا غير جميل فعاد إلي مكة في حماية أحد المشركين.
وقد عاش رسول الله- صلي الله عليه وسلم-(63) سنة, كان منها(40) سنة قبل البعثة الشريفة قضاها في عبادة فطرية واستقامة وطهر بإلهام من الله, وكان منها(23) سنة في النبوة والدعوة إلي دين الله, وفي عمل دؤوب حتي تمكن من إقامة دولة الإسلام علي الأرض. وقد تحمل- في سبيل تحقيق ذلك- الهجرة من مكة إلي المدينة. ومن المدينة خاض ثلاثين معركة, وستين سرية وبعثا. وواجه خلال ذلك من الحروب العسكرية والنفسية, والحصار الاجتماعي والاقتصادي ما واجه, وتعرض لمحاولات القتل, وإلي مختلف الاتهامات المفتراة. ولكن لم يفت كل ذلك في عضده, ولم يضعف من عزيمته حتي من الله- تعالي- عليه بفتح مكة الذي كان بابا لفتح بقية جزيرة العرب التي دان أهلها بالإسلام. وفاضت روحه الشريفة وهو يقول:ا مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين. اللهم اغفر لي وارحمني, والحقني بالرفيق الأعلي, اللهم الرفيق الأعلي( ثلاث مرات)ب.
ومن حسن الطالع أننا احتفلنا بذكري مولد رسول الله- صلي الله عليه وسلم- كأعظم أيام الله, ونحن نحتفل بانتصار ثورة شباب وشعب مصر الذين قاموا في2011/1/25 م( الموافق1432/2/21 هـ) من أجل إسقاط واحد من أسوأ النظم الشمولية الظالمة في المنطقة العربية, وصمدوا ثمانية عشر يوما حتي تم إسقاط هذا النظام في يوم الجمعة2011/2/11 م( الموافق1432/3/8 هـ), وعلي ذلك فإن يوم(2011/1/25 م) هو يوم من أيام الله الذي قدر فيه ربنا- تبارك وتعالي- خلاص شعب مصر من نظام جائر جثم علي صدور أبنائها ثلاثين عاما يحكمهم حكما بوليسيا مستبدا تحت مسمي اقانون الطوارئب.
وفي مساء الجمعة2011/2/11 م( الموافق1432/3/8 هـ) تم تنحي رئيس الجمهورية عن منصبه, وإن كانت ذيول النظام لا تزال موجودة إلا أن الشعب في مصر وفي جميع دول العالمين العربي والإسلامي تنفس الصعداء وسجد حمدا لله علي نعمائه علي الرغم من فداحة الخسائر المادية والبشرية والتي تجاوزت مليارات الدولارات وقرابة الألف شهيد وسبعة آلاف جريح.
وانطلاقا من ذلك فإن يوم2011/1/25 م( الموافق1432/2/21 هـ) سوف يبقي يوما من أيام الله المشهودة, وسوف يحتفل به المصريون ومعهم بقية العالمين العربي والإسلامي, وجميع الأحرار في العالم إلي قيام الساعة.
من هنا تتضح ومضة الإعجاز التربوي في الأمر الإلهي إلي خاتم الأنبياء والمرسلين- صلي الله عليه وسلم- أن يتذكر الأحداث الكبري في تاريخ الإنسانية, ومنها يوم آخر من أيام الله نجي فيه ربنا ذ تبارك وتعالي ذ عبده ونبيه موسي بن عمران والذين آمنوا معه من جور فرعون مصر وظلمه واضطهاده بعد أن صبروا علي إيذائه سنين طويلة, وما أشبه الليلة بالبارحة...!!
وعلي ذلك فإن الاحتفال بالأحداث المصيرية في حياة الناس هو أمر مشروع, علي أن يتم بالضوابط الإسلامية الصحيحة, ويوضح ذلك وجه الإعجاز التربوي في قوله ذ تعالي ذ لعبده ونبيه موسي بن عمران:(... وذكرهم بأيام الله...). والله يقول الحق, ويهدي إلي سواء السبيل, وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين, وصلي اللهم علي سيدنا محمد وعلي آله وصحبه ومن تبع هداه ودعا بدعوته إلي يوم الدين.
المزيد من مقالات د. زغلول النجار
ساحة النقاش