بقلم: د.محمد طة
نشرت المصري اليوم في عددها الصادر يوم الاثنين2011/4/4, وعلي صفحة الرأي التي كان يطالعنا فيها أسبوعيا مقال للدكتور/ يحيي الجمل, مقالين ينهالان علي الرجل ذما وتجريحا, أحدهما للدكتور/ طارق الغزالي حرب, والثاني للأستاذ/ علاء الغطريفي.
فأما مقال الدكتور/ طارق, فيتهم الجمل بأنه جزء من مخطط إجهاض الثورة عن طريق اختيار شخصية يحسبها الناس من الشخصيات الوطنية المعارضة ووضعها في منصب نائب رئيس الوزراء, وأن للرجل اجندة محددة بدقة باعتباره جزءا من النظام الفاسد العفن الذي خرب البلد يقوم به متدثرا بثياب الأستاذ الجامعي والفقيه الدستوري والقومي والعروبي, مستدلا بسطور كان يكتبها لزوم الحفاظ علي الصورة. وأنه مفروض علي الدكتور/ عصام شرف, ليواصل المهمة التي جاء من أجلها, وأنه فتح الباب للأخوان المسلمين ليكونوا في مقدمة القوي التي يؤخذ رأيها في كل شيء ـ ليس حبا فيهم ولكن ليثبت مقولة الرئيس المخلوع أنا أو الطوفان لينتقل الكاتب بعد ذلك إلي الحوار الفاشل عديم المعني والجدوي الذي دعا إليه الرجل وسماه حوارا وطنيا, في حين قاطعته الغالبية العظمي من الشخصيات الوطنية المحترمة وشباب الثورة التي يحاول الجمل القفز علي منجزاتها, مختتما مقاله بدعوة الدكتور/ عصام شرف للانتباه لما يجري من محاولات مستميتة لإعادة عقارب الثورة للوراء والتي يقوم نائبه بدور رأس الرمح فيها.
وأنا لا أكتب هذه السطور دفاعا عن الدكتور/ يحيي الجمل, فتاريخه ونضاله معروفان ويشهدان له لا عليه, كما يشهد له الآلاف من رجال القانون في شتي المجالات ممن درسوا علي يديه ويدينون له بما يدين به الطالب للمعلم, وتشهد له مئات الدراسات التي أشرف عليها في مجال عمله والتي مثلت إضافات في مجال الفكر القانوني والدستوري, فيما يخص تأصيل وتوضيح معالم وأركان دولة القانون والديمقراطية والمؤسسات, وتشخيص مواطن الفساد والزلل في نظامنا السياسي والدستوري, وتشهد له أخيرا وليس آخرا مواقفه الشجاعة والواضحة ـ وكلها معلنة موثقة لا تنفك قنوات التليفزيون غير الحكومي تذكرنا بها من حين لآخر ـ في مواجهة النظام السابق قبل ثورة يناير2011 بسنوات, التي بشر بها وراهن عليها من خلال اعتقاده الراسخ في أن الشعب المصري لم يمت ولم يستسلم وأنه حتما سيتحرك لإنقاذ حاضره ومستقبله.
أما كونه مفروضا علي الدكتور/ عصام شرف, فقد حكي الرجل وعلنا ظروف عودته للوزارة, وهي رواية غير منكورة. وأما فتحه الباب للاخوان برغم عدم مشاطرتهم الاعتقاد, فليس الجمل وحده من يري أن الاخوان إحدي القوي السياسية الرئيسية, ومن ثم لا يجوز له ـ كرجل في موضع المسئولية ـ تجاهلهم أو حرمانهم من حقوقهم, مع أن مواقفه في مواجهة دعوة الدولة الدينية والتحذير من خطورتها معلنة منذ زمن بعيد, ولا ينفك يعلن عنها ويؤكدها من حين لآخر, وقد أدي به هذا أخيرا إلي اتهامه في عدة بلاغات جنائية حفظتها النيابة العامة.
ما يحتاج إلي الدفاع عنه والتأكيد عليه من وجهة نظري, هو التنبيه إلي أن الخطورة علي الثورة ومنجزاتها لا تأتي من وجود د.الجمل في الوزارة ولكنها تأتي من إذكاء روح الفتنة والوقيعة في صفوف قوي الثورة, وزرع بذور الشك في كل شخص وكل تصرف. فماذا يريد د.طارق الغزالي؟
إننا لا ننكر علي أحد حقه في النقد, ونعلم أن من يتعرض للعمل العام, ويمارس السياسة, خصوصا في ظل الظروف الثورية, يقبل مقدما أن تكون كل تصرفاته وآرائه في مرمي نيران النقد الحاد. ولكننا نطالب ببعض الموضوعية, وبشيء من الحرص علي الثورة ومستقبلها.
إن أبرز أسباب نجاح ثورة25 يناير في إسقاط النظام هو في نفس الوقت أخطر ما يهدد استمرارها, لقد قامت الثورة, وأفلحت في مسيرتها حتي هذه اللحظة, لأن قواها علي اختلافها أجمعت علي هدف واحد هو الإطاحة بالرئيس السابق ونظام حكمه( علي الرغم من الخلط الشديد في أذهان الكثيرين بين الدولة والنظام والحكومة والرئيس). وبسبب خصوصيتها تلك الممثلة في بساطة برنامجها, فقد جمعت قوي كثيرة متعددة لا يجمعها فكر سياسي ولا برنامج, وحشدت جمهورا قادما للعمل السياسي لأول مرة. والآن تقف قوي الثورة, في ميدان التحرير وفي الفضائيات, وفي قاعات البحث وفي المؤتمرات, في الصحف والمنشورات,لتنظر فيما يتعين إقامته في مكان هذا البناء الذي تجري إزالته. إن الاخفاق في إدارة الحوار والتشرذم الذي قد ينجم عن غياب الوعي وانعدام الخبرة السياسية مع الحماس وفقدان الصبر هو أخطر ما يهدد مسيرة الثورة. ومن طبيعي أن تختلف الآراء وتتباين, ومن اختلافها وصراعها واتفاقها ستتضح معالم النظام الجديد. وفي هذه العملية لا غني عن أهل العلم والخبرة من المخلصين للثورة, ومن عملوا من أجلها, وعلي كل راغب في المشاركة أن يدلي بدلوه, وأن يناقش آراء غيره بموضوعية, دون أن يسيء ـ دون بواعث ظاهرة ـ لتاريخ الناس ومواقفهم ودون إشاعة روح التشكك والعداء بالإيحاء بالمؤامرات المزعومة والغمز واللمز في حق الرموز التي لا يختلف اثنان علي وطنيتها وصدقها. أما مقال الأستاذ علاء الغطريفي المعنون الجمل ودولة العجائز فأنشودة سيئة في ذم الخبرة والمعرفة استخف صاحبها الطرب بصوته, وانتحاله لبعض الأساليب البلاغية من الموروث علي نحو يشي بموهبة أدبية ضلت طريقها, فمارس قسوة شاب غره شبابه, إلي حد التطاول الإنساني ـ لا السياسي ـ علي الشيوخ, وفي مجالات الفكر والسياسة لا ترتبط شيخوخة الفكر وشبابه بالسن, فهناك موتي في حياتهم وآخرون ببطن الأرض أحياء. ونحن لا نعرف شيئا عن تاريخ السيد علاء الغطريفي وفكره السياسي, ولكننا نعرف الكثير عن التاريخ السياسي الحي والفكر السياسي الشاب للدكتور يحيي الجمل. ومادام السيد الغطريفي يكتب في الصحف فمن المفترض أنه يقرأ علي الأقل الصفحة التي يكتب فيها, ولو كان ذلك فلا شك أنه قرأ مقالات الاثنين التي دأب الجمل علي كتابتها في تلك الصفحة والتي توضح مدي حيوية فكره واشتباكه المتصل مع قضايا مصر يوما بيوم, وهي علامة شباب واضحة. ولو كان السيد الغطريفي يعلم حجم الدراسات القانونية والدستورية التي أشرف عليها الجمل والموضوعات الحيوية المستحدثة والمتصلة بمشكلات مصر المعاصرة الدستورية والسياسية لوقف علي حجم عطاء هذا البستاني البارع واسهامه في جعل ألف زهرة تتفتح في بستان الوطن. لو كان الغطريفي يعلم أن مراحل البناء وإقامة النظام الدستوري والقانوني الجديد تحتاج إلي حكمة وخبرة الشيوخ بقدر ما يحتاج هدم النظام القديم إلي قوة وحماسة الشباب لما كتب ما كتب.
ونعرف أن المرحلة الثورية لابد أن تشهد بعض الفوضي في الشارع وفي الفكر, وأن المجتمع لابد أن يدفع بعض الخسائر غير الضرورية لكي يحق ما هو ضروري, ولكننا كذلك نعرف أن الحرية لا تعني انفلاتا من كل حدود, وأن تساوي الناس في الحق لا يعني تساويهم في المكانة.
المزيد من مقالات د.محمد طة<!-- AddThis Button BEGIN <a class="addthis_button" href="http://www.addthis.com/bookmark.php?v=250&pub=xa-4af2888604cdb915"> <img src="images/sharethis999.gif" width="125" height="16" alt="Bookmark and Share" style="border: 0" /></a> <script type="text/javascript" src="http://s7.addthis.com/js/250/addthis_widget.js#pub=xa-4af2888604cdb915"></script> AddThis Button END -->
ساحة النقاش