القصة الكاملة لاقتراح تعديل المادة ٧٧ أثناء الحكم السابق التى لم يذكرها سرور بقلم محمد على خير ٢٨/ ٣/ ٢٠١١ |
حمل الحوار الذى نشرته أمس «المصرى اليوم» مع الدكتور فتحى سرور رئيس مجلس الشعب السابق وأجراه الزميل محمود مسلم كثيراً من الملاحظات ودرجة كبيرة من التساؤلات حيث بدا الرجل كمن كان يريد الإصلاح لكنهم «للأسف ويا حرام» كانوا يقفون له بالمرصاد.. دعك هناك من محاولات سرور الذكية و«المكشوفة» أيضاً فى الحوار لدفع كل الاتهامات السياسية عن نفسه، وكذلك المسؤولون بل محاولته الدؤوبة فى رسم صورة «النذير» لنفسه عندما حذر كبار قيادات الحزب والدولة من مغبة ما يجرى. فى الحوار قال الدكتور فتحى سرور إنه «اقترح تعديل المادة ٧٧ بأن تكون الرئاسة لمدتين فقط وأن الدكتور زكريا عزمى قد أيده فى ذلك، ومع المناقشة فى حضور الرئيس فقد انتهينا إلى أن تكون ٣ مدد بعد أن قاوموا فترة المدتين- ويكمل سرور- لكننى فوجئت بالتعديل يخالف ما اتفقنا عليه مع الرئيس.. انتهت إجابة الدكتور سرور. إجابات الدكتور سرور تعنى أنه اقترح التعديل وأنه جرى الاستقرار على ثلاث مدد لكن بقى الحال كما هو عليه.. وهى إجابة دعتنى إلى التحفظ عليه لأنه إذا قرر الدكتور سرور أن يتكلم فليقل الحقائق كاملة وليس أنصافها كما عليه أن يشرح للرأى العام كيف كانت تدار البلاد حتى نستفيد جميعاً من كيفية غلق أبواب الفساد ونحن نبنى نظاماً جديداً ونستعد لإعداد دستور جديد. ليسمح لى الدكتور سرور أن أذكره بتفاصيل هذا اليوم الذى تم فيه الاقتراح بتعديل المادة ٧٧ وربما يعرف من السطور القادمة ما كان يجرى إخفاؤه عنه مثلما قال فى ثنايا حواره، فتعديل المادة ٧٧ له قصة تستحق أن تروى للرأى العام حتى يعرف تفاصيل صراعات نفوذ فى تلك الفترة، وكيف كان يجرى الإعداد للتوريث مهما نفى رجال النظام السابق. البداية كانت قبيل انتهاء العام بأربعة أيام وتحديداً فى ٢٦ ديسمبر ٢٠٠٦ عندما طلب الرئيس مبارك من مجلس الشعب برئاسة الدكتور فتحى سرور تعديل ٢٤ مادة من مواد الدستور تنفيذاً لما قطعه على نفسه فى برنامجه الانتخابى لمنصب رئيس الجمهورية.. وبعد صدور التكليف الرئاسى جرى الإعداد والتجهيز لإجراء الاستفتاء وتحدد له ٢٦ مارس ٢٠٠٧ موعداً لتصويت المواطنين. مرت ثلاثة أشهر منذ إعلان الرئيس عن دعوته إلى التعديلات الدستورية وحتى التصويت عليها.. وقد اشتد خلالها الجدل السياسى لدى النخب والشعب والأحزاب حول المواد التى ينبغى تعديلها خاصة المادة ٧٦ التى تحدد طريقة انتخاب رئيس الجمهورية والمادة ٧٧ سيئة الذكر والتى تطلق مدة الحكم لرئيس الجمهورية دون تحديد. كان المستشارون يعرضون على الرئيس مبارك أفكارهم حول التعديلات الدستورية وكذلك ملاحظات القوى الوطنية حول المواد التى يودون تعديلها.. ومثلما ذكرت لى مصادر قريبة من صنع القرار فى تلك الفترة فإنهم لاحظوا اهتمام الرئيس بسماع ما يقال له على لسان عدد قليل جداً من كبار مستشاريه.. وقد لمس مبارك وجود رغبة عامة لدى الشعب ونخبة فى ضرورة تقييد مدة حكم رئيس الجمهورية وعدم إطلاقها. كان لمبارك- وقتها- وجهة نظر حول المادة ٧٧ مفادها أن لدى مصر خصوصية تتعلق بطبيعة نظامها وشعبها وحجم التحديات التى تواجهها فى المنطقة الصعبة التى تقع فيها من العالم مما يستدعى استقرار سلطة الحكم وعدم تحديد فترة بقائها. فى تلك الأثناء قبل أن تذهب التعديلات الدستورية فى صورتها النهائية إلى البرلمان لمناقشتها قبل طرحها على الشعب.. تصادف أن خرجت إحدى الصحف الحزبية بمانشيت يقول «مبارك رئيس مصر مدى الحياة والقادم بعده يحكم مدتين» فى إشارة واضحة إلى رغبة الجميع فى تعديل المادة ٧٧ وتطبيقها على الرئيس الذى سيخلف مبارك واستثنائه من تطبيق تلك المادة عليه، وأن يظل رئيساً لمصر مدى الحياة.. وبحسبة الأعمار- التى هى بيد الله- فإن مبارك لو خاض الانتخابات فترة قادمة وسادسة فالمؤكد أنها ستكون الأخيرة له. وفى اجتماع مصغر ضم عدداً من الحضور لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة، عرض أحدهم اقتراحاً بتعديل المادة ٧٧ وقد عرضه بأن التاريخ لن ينسى للرئيس مبارك هذا التعديل «التاريخى» وقد لمح المتحدث ميلاً للاستماع فقدم للرئيس نسخة من الصحيفة الحزبية.. كان الاجتماع هادئاً أتاح فيه الرئيس للمتحدث فرصة كاملة للحديث.. فاقترح أن يجرى تقييد مدة حكم الرئيس القادم بعد مبارك على ألا يجرى تقييدها على مبارك نفسه.. وكان هدف المتحدث هو ألا يعترض الرئيس وأن يتحقق إنجاز كبير فى الحياة السياسية. بعد أن انتهى المتحدث من عرض وجهة نظره.. صمت الحاضرون وأعينهم صوب الرئيس فى انتظار ما سيقوله بعد سماعه وجهة النظر المطالبة بتقييد مدة حكم رئيس الجمهورية.. وبعد صمت فاجأ الرئيس الحضور مُعلناً موافقته المبدئية على تعديل المادة ٧٧ على أن يجرى التعديل المقترح خلال ساعات قليلة ثم يعرض عليه فى المساء بالقصر الجمهورى. غادر الرئيس قاعة الاجتماع فى حدود الثانية عشرة ظهراً فى طريقه لمنزله ثم عكف الحضور بعد مغادرة الرئيس على وضع صياغة مقترحة للمادة ٧٧ وجرى عرضها على فقهاء القانون الدستورى من أهل الحكم.. وبعد صياغة المادة وارتياح الحضور لها.. قاموا بتهيئة أنفسهم للقاء الرئيس فى السابعة مساء مثلما حدد لهم. عندما ذهب الحضور السابق إلى لقاء الرئيس فقد كانت لديهم قناعة بإقرار الرئيس التعديلات التى جرت على المادة ٧٧.. ركب الجميع سياراتهم واتجهوا إلى قصر العروبة للقاء الرئيس.. ودخلوا إلى غرفة المكتب ثم حضر بعد قليل الرئيس مبارك فتقدم أحدهم وعرض عليه تعديل المادة ٧٧ وكان نصها بعد التعديل «مدة حكم رئيس الجمهورية ست سنوات بحد أقصى فترتين ويسرى تطبيق تلك المادة على الرئيس القادم بعد مبارك» أى أن مبارك سيظل رئيساً مدى حياته. قرأ الرئيس المادة ٧٧ بعد التعديل وانتظر الجميع سماع تعليقه وكان ظنهم بالموافقة لكنه قال جملة واحدة: كل شىء يبقى مكانه ولا تغيير للمادة ٧٧.. سكت الجميع بعد وقوع المفاجأة عليهم.. فلا تعقيب بعد تعقيب رئيس الجمهورية.. ما الذى جرى ودفع الرئيس إلى تغيير قراره مرة أخرى؟! لا أحد يعرف منهم.. ضربوا فى أذهانهم أخماساً فى أسداس. وقد حاولت سؤال بعض قيادات تلك المرحلة الذين كانوا قريبين من مطبخ صناعة القرار وقد قيل لى تفسيرين دفعا الرئيس السابق للتراجع عن تعديل المادة ٧٧، التفسير الأول: أنه ربما بعد عودة الرئيس لمنزله وحديثه إلى زوجته وابنه جمال ونقله لهما الاقتراح بتعديل المادة ٧٧ فربما رفضت الأسرة طلب التعديل فطالبوا مبارك بالرفض. التفسير الثانى: وهو المرجح وفق أكثر من مصدر مقرب من مطبخ القرار بأن يكون الرئيس قد أجرى اتصالاً بشخصية سياسية بارزة عملت فى منصب المستشار للرئيس السابق فترة طويلة وأن تلك الشخصية اقترحت على الرئيس تجميد تعديل المادة ٧٧. انتهت القصة. |
ساحة النقاش