حوار: نبيل السجيني
عبد الرحمن يوسف أو شاعر الثورة كما يطلق عليه ثوار25 يناير, هو الشاعر الوحيد في مصر الذي نادي في شعره منذ سنوات طويلة برحيل الرئيس السابق وهو في اوج سلطته.
أاستطاع ان ينغمس في السياسة دون ان يغرق فيها. حد المشاركين الفاعلين في مفاوضات الشباب مع احمد شفيق وعمر سليمان وصاحب المقولة الشهيرة.. ان الثوار مثل الصبار في الصحراء القاحلة, يستطيعون البقاء علي قيد الحرية سنوات وسنوات, ويملكون من الأشواك ما يحميهم من هجمات اليأس, وغارات الخيول والجمال, ومطاوي البلطجية, ورصاص الأجهزة الأمنية, أقصي أمانيه في الحياة أن يجلس علي ترعة في الريف المصري ليكتب الشعر.
شاركت في ثورة25 منذ سنوات فأنت اول من قلت للرئيس السابق في اوج سلطته من خلال اشعارك ارحل؟
من فضل الله علي أن ألهمني الموقف الصحيح, وألهمني أن أقوله دون مواربة أو توازنات, وألهمني الصبر علي هذا الموقف سنوات حتي خلع مبارك.
ولولا فضل الله علي في هذا الأمر لكنت قد سقطت كما سقط الآخرون.
وهل سقط الآخرون ؟
هناك من أيد مبارك علانية, وأخذ منه الجوائز والأوسمة, وحضر مؤتمراته هو وزوجته, وهناك من أيده بالسكوت, وهناك من قدم التنازلات مقابل الاستمرار في موقعه في بعض مؤسسات الدولة, وهناك من لعق الأحذية من أجل بعض الفتات.
المشكلة أن أغلبية هؤلاء ينظـرون للثورة الآن, ويحاولون الظهور بمظهر الأدباء الأحرار المتمردين علي الظلم, وهم في حقيقة الأمر من حاشية السلطان!
وهذا الأمر ينطبق علي شعراء بلغوا الثمانين, وشعراء لم يبلغوا الثلاثين, الجميع يحاول أن يظهر بمظهر المقاوم للفرعون, والحقيقة أنهم قد( فرعنوه) بالتأييد, أو بالسكوت.
هل كنت تريد من الجميع أن يقف صراحة في وجه السلطان ؟ ليس كل الناس مؤهلا لذلك!
هذا صحيح, وأنا أعذر الجميع, ولكني لا أستطيع أن أبلع هذا الكذب!
إنه لأمر مضحك...!
ادعاء البطولة بأثر رجعي, لقد حكمنا مبارك ثلاثين عاما, وكانت فرصة التمرد متاحة للجميع, وبالتالي لا يجوز لمن سكت أن يزعم( كاذبا) أنه قد نطق, هذا أمر يضحكني ويؤلمني.
لقد نعم هؤلاء بجميع مزايا( الشيطان الأخرس), والآن يريدون التمتع بمميزات( البطولة).
هل تقول ذلك لكي تنفرد بصدارة المشهد ؟
بل أقول ذلك لأني قد دفعت الثمن!
ولأن هؤلاء الشعراء مؤهلون للنفاق مع أي رئيس آخر, ومع كل رئيس آخر, بل إنهم مؤهلون لتدبيج قصائد المديح في مبارك إذا عاد هو أو ابنه للسلطة!
لقد صدرت ديواني السياسي الذي صدر في2004 بكلمة مختصرة كان من ضمنها أنني اخترت نشر هذا الديوان الآن لأني لست المقاتل الذي يطلق النار بعد انتهاء المعركة!
ما معني هجاء مبارك الآن ؟
كل الشعراء تجرأوا بعد أن رحل, وأصبحت أسمع كلاما سخيفا عنه!
بطولات مزعومة, تأخرت ثلاثة عقود!
لقد كانت مصر في أشد الحاجة لهؤلاء الشعراء أثناء حكم الرجل, لا بعد خلعه!
لماذا لم ينطقوا بالحق ساعتها... ؟
لماذا ادعاء البطولة الآن... ؟
لقد أكلوا من الوليمة حتي امتلاء كروشهم, ثم هاهم يتفلون في الصحن بعد أن شبعوا!
هل يعيب الشاعر أن يحصل علي جائزة من الرئيس ؟
في بعض الأحيان يعيبه!
هناك نوع من الرؤساء لا يصح لأديب محترم أن يصافحه, أو أن يقبل منه جائزة, ومن ضمن هؤلاء مبارك!
إنه ديكتاتور, والكل يعلم ذلك, وغالبية من ألهوه يقولون عنه ذلك الآن!
هل حصلت أنت علي جوائز ؟
لا توجد جائزة تستحق شعري!
أنا أعلم كل الجوائز الموجودة علي الساحة, ولم أسمع عن جائزة محترمة حتي الآن( تقريبا), والاستثناءات في هذا الأمر ليست إلا شذوذا يثبت القاعدة.
يكفي أن تستعرض أسماء النقاد الموجودين في لجان تحكيم هذه الجوائز لتعرف عن أي نوع من اللجان نتحدث!
هل ستتقدم للحصول علي جائزة نزيهة لو وجدت ؟
هذا أيضا أمر صعب جدا, لأن فكرة الجائزة في حد ذاتها مهينة!
للأسف, الحياة الأدبية في الوطن العربي تحول الأدباء إلي صيادي جوائز, تحولهم إلي مرتزقة!
أعرف من الأدباء من لا يكتب إلا من أجل الجوائز...!
لذلك أنصح كل الأدباء الشباب بالابتعاد عن هذه الجوائز, وإذا اشتركوا فعليهم ألا يعتبروا نتائجها مقياسا حقيقيا لجودة النص الأدبي, أو لمكانة الأديب.
ولكن للجوائز دورها في تحميس الإدباء وتحفيزهم للإنتاج ؟
هناك ألف طريقة لتحميس الأدباء علي الإنتاج بدون إهانتهم, وبدون استغلال احتياجاتهم وهم في بداية الطريق, وبدون مداعبة غرائز حب الظهور, وبدون توظيف الأدباء الصغار في مواءمات سياسية مخزية, تظل تلاحقهم بقية حياتهم بسبب مواقف اتخذوها في بداية حياتهم الأدبية!
ألا تود الحصول علي أي جائزة ؟
الجائزة التي أريدها حصلت عليها, وهي حسن ظن الناس في, حين أذهب إلي أي مكان في الوطن العربي أجد القاعة ممتلئة!
منذ أيام حين أقيمت ندوتي في المسرح الكبير بدار الأوبرا, امتلأ المسرح عن آخره!
هذه جائزتي, ولا أظن أن هناك جائزة أكبر.
ماذا تقول عن رموز العهد السابق شعرا؟
قلت فيهم الكثير, من ضمن ذلك ما قلته في قصيدة( عبدالمأمور):
أنـا عبدالمأمور...
و أبي عبدالمأمور...
و كذلـك جـدي الأكبر كـان
كمـا يروي لي جـدي العاشـر
في الماضـي...
عبدالمأمور...!
أحيـا في مـنـطــقــة وسطـي
مـا بيـن الشـاكـر و المشكـور...
ما بيـن الآسـر والمـأسـور...
عملـي في لـجنـة تسويـق الماخـور...
أو تـنـظـيف الأوسـاخ لـتـصـبـح
كـالبـلـور...
أو دفـن بقـايـا أعـضاء الأسـد
المـنـحـور!
و إذا رقــيـت بـيـوم...
أمسـك بالساطـور...!
هل أنت متفائل بمستقبل مصر السياسي ؟
جدا جدا جد!
ما سبب تفاؤلك ؟
باختصار, أنا أثق في الناس, وقد راهنت علي الناس طيلة حياتي.
مصر ستتقدم بشعبها العظيم, ومن يعتقد أن التقدم مرهون بزعيم, وبجماعة, أو بحزب أو بكتلة... يخطئ في قراءته السياسية خطأ كبيرا!
ماهي علاقة الشعر بالسياسة؟
السياسة قد تسبب ألما ينتج شعرا.
وقد تسبب انشغالا ذهنيا يطرد الشعر.
علي الشاعر أن ينغمس في السياسة بقدر ما يعينه ذلك عن الكتابة.
وعليه كذلك أن يبتعد عن الغرق في عالم السياسة لكي لا تجف قريحته.
هل نجحت أنت في هذه المعادلة ؟
نجحت في أحيان, وأخفقت في أحيان أخري.
وأنا الآن في اختبار الخروج من دوامة السياسة, لكي أعود إلي كوكب الشعر.
البعض يراك زعيما سياسيا يلهم الشباب ؟
وأنا لا أري نفسي إلا شاعرا!
أمنياتي في الحياة أن أجلس علي ترعة في الريف المصري, لأكتب الشعر!
بهذا أكون سيد الزمان والمكان!
ألا تري أنه من الواجب عليك أن تعمل بالسياسة لكي ترشد هذه الثورة ؟
بالعكس, أنا أعتقد أنني قد خدمت هذه الثورة بكتاباتي أكثر بكثير مما خدمتها كناشط سياسي!
وما زلت معتقدا أن الكلمة سيكون لها دور أكبر في الفترة القادمة, فترة الجهاد الأكبر.
هل ستنشئ حزبا ؟ أو ستنضم لحزب ؟
بل سأحافظ علي حيادي واستقلالي لأكون شاعرا لكل المصريين, وللعرب جميعا إذا استطعت.
الشعر ينحت الحلم في السماء, والانتماء الحزبي يقلل من قدرة الشاعر علي التحليق!
إذن, انتهت مساهماتك في الثورة إلي هذا الحد ؟
الثورة فعل أكثر عمقا من هبة مدتها شهر أو شهران.
الثورة فعل البناء العاقل الحكيم, وبعض أهداف الثورة ستقتضي منا عملا دءوبا يمتد سنوات وسنوات, لذلك أقول لكل من لم يشترك في الثورة, إن فرصة المشاركة في الثورة مازالت متاحة, وستظل متاحة لمدة عشرين سنة قادمة!
سؤال أخير: ما رأيك في نتيجة استفتاء تعديلات الدستور ؟
ليس المهم نتيجة الاستفتاء, المهم بالنسبة لي أمران:
الأول: نسبة المشاركة. والحمدلله كانت مرتفعة
الثاني: نزاهة عملية التصويت. والتقارير التي أمامنا توضح أن المخالفات لم تكن جسيمة.
هل لديك نصيحة أو كلمة أخيرة ؟
كلمة أوجهها لنفسي ولكل العاملين بالسياسة خصوصا من الشباب, خلاصتها: العمل السياسي عمل طويل الأجل, لذلك لا تنظروا للبرلمان, بل انزلوا إلي المحليات, واخدموا الناس.
انتخابات المحليات هي الطريق السليم لإنقاذ وإصلاح مصر, صحيح أنه الطريق الأطول والأصعب, ولكنه الطريق الذي يخلق زعامات سياسية حقيقية تحمل هم الناس, وتمثلهم بالفعل
ساحة النقاش