هوامش علي المأزق الدستوري الراهن
بقلم: صلاح عيسى


علي مشارف الاستفتاء علي التعديلات الدستورية‏,‏ وفي اعقاب اعلان نتيجته تواترت التصريحات التي تقول بان اقرارها لايعني عودة دستور‏1971‏ للعمل‏,‏ وان القوات المسلحة سوف تصدر ما وصف احيانا بانه اعلان دستوري.

 

وفي احيان اخري بانه دستور مؤقت وتواضع في رواية ثالثة الي انه مجرد بيان من سلسلة البيانات التي صدرت عن المجلس الاعلي للقوات المسلحة‏.‏
اخر هذه التصريحات هو الذي نسب للواء أ‏.‏ح ممدوح شاهين ـ عضو المجلس الاعلي للقوات المسلحة ومستشاره للشئون القانونية والدستورية ـ واكد فيه ان المجلس هو الذي اصدر قرار تعطيل دستور‏1971‏ وهو صاحب الحق الوحيد في اعادته للحياة وليس من حق رئيس الجمهورية القادم المنتخب ان يفعل ذلك وان الهدف من الاعلان الدستوري الذي سيصدر خلال ايام هو تنظيم العمل في الفترة القادمة‏,‏ ويشمل المقومات الاساسية ومنها حرية الانسان وسيادة القانون وتدعيم قيم المساواة والعدالة الاجتماعية وفضلا عن مواد الدستور المعدلة التي اقرها المواطنون في الاستفتاء فسوف يتضمن الاعلان موعد انتخاب مجلس الشعب والذي من المنتظر ان يكون في سبتمبر القادم ويتلو ذلك انتخابات الشوري واختيار لجنة المائة التي تصنع الدستور ثم انتخاب رئيس الجمهورية القادم‏.‏
والحقيقة ان التاريخ الدستوري المصري عرف الدساتير‏(1923‏ و‏1956‏ و‏1971)‏ والدساتير المؤقتة‏(1956‏ و‏1958‏ و‏1964)‏ وعرف الاعلان الدستوري مرة واحدة‏,‏ عندما اصدر الرئيس الراحل جمال عبد الناصر في‏72‏ سبتمبر‏1962‏ الإعلان الدستوري بشأن التنظيم السياسي لسلطات الدولة العليا وكان ـ كما ورد في المادة‏02‏ منه ـ بمثابة تعديل علي الدستور المؤقت الذي صدر في بداية عهد الوحدة المصرية السورية يعيد تنظيم السلطة التنفيذية بعد انفصال سوريا ومصر اما الذي لم يعرفه هذا التاريخ فهو البيان الدستوري‏,‏ وهو ما يفرض علي المجلس الاعلي للقوات المسلحة ان يبحث عن صيغة تضفي المشروعية الدستورية علي وضعيته بين سلطات الدولة وتحصن اجراءاته ضد الطعن عليها في المستقبل‏.‏
وعلي عكس ما يعتقد البعض فانه يصعب اعتبار بيان المجلس الاعلي للقوات المسلحة رقم‏5‏ وثيقة دستورية او حتي بيان دستوري ليس فقط لانه قد صدر في اعقاب تخلي الرئيس السابق عن رئاسة الجمهورية وتكليفه للمجلس الاعلي للقوات المسلحة بـ إدارة شئون البلاد وهما اجراءان غير دستوريين في ذاتهما لان نصوص دستور‏1971‏ تنظم حالات استقالة الرئيس وعجزه الدائم او المؤقت عن العمل وخلو منصبه ولاتشير الي حالة تخليه عن منصبه او تمنحه اي حق في تكليف اي جهة بـ ادارة شئون البلاد او لان البيان نفسه قد خلا ـ في عنوانه ونصوصه ـ من اية اشارات ذات طبيعة دستورية باستثناء حقه في استصدار قرارات لها قوة القانون وهي السلطة التي استند اليها المجلس في اصدار قرارات لها قوة القانون‏..‏ وهي السلطة التي استند اليها في اصدار قرارات بقوانين بتعطيل الدستور وحل مجلسي الشعب والشوري وتشكيل لجنة لاقتراح التعديلات الدستورية وتعديل حكومة احمد شفيق وتأليف حكومة عصام شرف ودعوة الناخبين للاستفتاء علي تعديل الدستور‏.‏
وعلي عكس ما ذهب اليه اللواء ممدوح شاهين نفسه في تصريحاته الاخيرة فان المادة‏180‏ من دستور‏1971‏ لاتضفي مشروعية دستورية علي ادارة القوات المسلحة لشئون البلاد ليس فقط لان هذه المادة تنص علي ان مهمة القوات المسلحة هي حماية البلاد وسلامة اراضيها وامنها وهو نص لايعني حقها في ادارة شئون البلاد ولكن ـ كذلك ـ لان قرار تعطيل الدستور‏,‏ لم يستثني هذه المادة من التعطيل‏..‏ وبالتالي فهي ليست قائمة ما يدعو إلي اضفاء شرعية دستورية علي دور المجلس الأعلي للقوات المسلحة ضمن سلطات الدولة‏,‏ هو أن السيناريو الزمني الدي طرحه اللواء شاهين للخطوات التالية‏,‏ والذي يبدأ في سبتمبر بانتخاب مجلس الشعب‏,‏ ثم انتخاب أعضاء مجلس الشوري‏,‏ ثم وضع الدستور والاستفتاء عليه‏,‏ ثم انتخاب الرئيس‏,‏ سوف يتجاوز مدة الشهور الستة‏,‏ التي حددها البيان رقم‏..5‏ والتي كان يفترض ان تنتهي في‏13‏ أغسطس القادم‏,‏ لفترة قد تمتد إلي ستة شهور اخري وربما عام آخر ينتهي في‏13‏ اغسطس‏2012,‏ وهي فترة ليست قصيرة لا يجوز ان يستمر المجلس الأعلي خلالها‏,‏ في ممارسة سلطاته المطلقة الحالية في اتخاذ مايراه من اجراءات من دون ضوابط دستورية تلزمه‏-‏ أمام الشعب‏-‏ بكفالة كل ضمانات الحقوق والحريات العامة للمصريين‏,‏ وتحدد سقفا زمنيا محددا لذلك‏.‏
ولو أن الذين يعنيهم امر التطور الديمقراطي في مصر‏-‏ داخل المجلس الأعلي وخارجه‏-‏ كانوا قد تنبهوا إلي هذه الحقيقة‏,‏ لما صدر اول قرار بتعطيل الدستور كله‏,‏ ولقصر التعطيل علي مواد معينة‏,‏ هي التي تتعلق بمواعيد الانتخابات التشريعية‏,‏ والرئاسية في اعقاب حل المجلسين علي ان يكون ذلك لفترة محدودة وهو ما حدث في الحالة الوحيدة التي عطل فيها الدستور المصري عام‏.8291‏ أثناء حكومة محمد محمود إذ اقتصر التعطيل علي اربع فقط من مواد دستور‏1923,‏ ولمدة ثلاث سنوات فقط اما تعطيل الدستور كله فهو بمثابة إلغاء له‏,‏ وهو مارفضته المحكمة الادارية العليا في حكم أصدرته يوم الاثنين الماضي ذهبت فيه الي ان هناك أحكاما بالدستور لايمكن أن يرد بشأنها وقف او تعطيل هي المتعلقة بالمقومات الأساسية للمجتمع وحقوق الأفراد والحريات التي تعلو وتسمو عن ان تكون محلا لتعطيل او اسقاط‏.‏
ولو أن ذلك قد حدث لما وجدنا أنفسنا في المأزق الدستوري الحالي الذي يتمثل في التناقض الظاهر والحاد بين إجراء استفتاء شعبي علي تعديل بعض مواد من دستور‏1971‏ بما يعني‏-‏ عمليا‏-‏ عودة هذا الدستور للحياة‏,‏ وتطبيق هذه المواد بالبدء فورا‏,‏ يإجراءات الانتخابات التشريعية والرئاسية وبين تصريح المستشار الدستوري للمجلس العسكري بأن الدستور سيظل معطلا وأنه ليس من حق أحد حتي الرئيس المنتخب أن يعيده للحياة‏.‏
وهو مايعني الغاءه عمليا وبين الاتجاه إلي اصدار اعلان دستوري يتضمن المواد التي جري الاستفتاء عليها مع مواد أخري تضمن الحريات والحقوق العامة‏,‏ وهو مايعني أن الاستفتاء علي التعديلات الدستورية لم يكن له مايبرره من الأصل‏,‏ اكتفاء بإصدار دستور مؤقت يتضمن المواد التي استفتي عليها‏,‏ أو أنه أجري لهدف آخر غير الهدف المعلن منه‏,‏ فبدا وكأنه استفتاء بين دعاة الدولة المدنية ودعاة الدولة الدينية‏.‏
ذلك هو المأزق الذي يتطلب أن يتروي المجلس الأعلي للقوات المسلحة في إصدار أي إعلانات دستورية أخري قبل أن يجري حوارا وطنيا يحسم الأسئلة التالية‏:‏ هل عطل دستور‏1971‏ ان ألغي؟‏..‏وفي الحال الأولي ماهي المواد التي عطلت منه وما المواد التي بقيت؟ وهل من بينها إلغاء النص علي عدم جواز إنشاء أحزاب أو ممارسة نشاط سياسي علي أساس ديني أو عرقي؟ وفي الحالتين ماهي السلطة التي سيمارسها مجلسا الشعب والشوري بعد انتخابهما إذا كان الدستور قد ألغي أو عطل؟ وعلي اي اساس دستوري سيمارس المجلس الأعلي للقوات المسلحة سلطاته التشريعية الآن وحتي أغسطس عام‏2012‏ ؟‏.‏

 

المزيد من مقالات صلاح عيسى<!-- AddThis Button BEGIN <a class="addthis_button" href="http://www.addthis.com/bookmark.php?v=250&pub=xa-4af2888604cdb915"> <img src="images/sharethis999.gif" width="125" height="16" alt="Bookmark and Share" style="border: 0" /></a> <script type="text/javascript" src="http://s7.addthis.com/js/250/addthis_widget.js#pub=xa-4af2888604cdb915"></script> AddThis Button END -->
azazystudy

مع أطيب الأمنيات بالتوفيق الدكتورة/سلوى عزازي

  • Currently 15/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
5 تصويتات / 139 مشاهدة
نشرت فى 24 مارس 2011 بواسطة azazystudy

ساحة النقاش

الدكتورة/سلوى محمد أحمد عزازي

azazystudy
دكتوراة مناهج وطرق تدريس لغة عربية محاضر بالأكاديمية المهنية للمعلمين، وعضوالجمعية المصرية للمعلمين حملة الماجستير والدكتوراة »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

4,793,127