إعادة تأهيل الإعلام المصري
بقلم:د‏.‏ محمد شومان


اختفت الشرطة في ثورة‏25‏ يناير وفشلت وسائل الإعلام الحكومية‏,‏ واصبحت المهمة الآن هي إعادة بناء وتأهيل الشرطة والإعلام علي أسس جديدة‏,‏ وإعادة التأهيل هنا تتماشي تماما مع المرحلة الانتقالية التي تعيشها مصر‏,‏ والتي اري أن ملامح هذه المرحلة ومدي النجاح فيها سيحدد ولاشك ملامح مستقبل مصر.

 

 كدولة ديمقراطية مدنية تقوم علي القانون واحترام حقوق الانسان والفصل بين السلطات مع تمكين الإعلام من حريته بحيث يصبح سلطة رابعة حقيقية ومستقلة‏.‏
وبالنسبة للإعلام اعتقد أن الخطوة الأولي هي الاعتذار عن التغطية الإعلامية المتحيزة ضد شباب الثورة‏,‏ والاذعان للتوجهات السياسية والدعائية لنظام مبارك وعدم احترام القواعد المهنية او حقوق المواطنين في معرفة الحقائق‏,‏ والاطلاع علي جميع وجهات النظر‏,‏ لقد دفعت أخطاء الإعلام الجمهور المصري اثناء الثورة إلي متابعة الاحداث من القنوات العربية والأجنبية‏,‏ فضلا عن زيادة الاعتماد علي وسائل الإعلام الجديد من مواقع اخبارية ومواقع التواصل الاجتماعي والتي لعبت دورا كبيرا في الاعداد للثورة وتفجيرها‏.‏ والاعتذار ليس ضعفا بل هو أولا نوع من المراجعة النقدية للاداء الإعلامي ووقفة جادة مع النفس للتعرف علي الاخطاء ومحاولة الاصلاح والتطوير‏,‏ والاعتذار ثانيا هو احترام مستحق للجمهور وتقدير لعقليته وقدراته علي التمييز بين الاداء الإعلامي الاحترافي والاداء الدعائي التابع للنظام السياسي‏,‏ واعتقد ثالثا أن الاعتذار في الأخير هو نوع من التفكير عن ذنب التقصير في اداء المهنة‏,‏ الأمر الذي يساعد بعض الاعلاميين الحكوميين علي تصحيح نظرتهم للذات وإعادة ثقتهم بذويهم‏,‏ وهنا أشير إلي كثير من الإعلاميين عملوا ضمن منظومة النظام السابق بدون اقتناع ولكن ضغوط لقمة العيش والتخويف دفعتهم للتخلي عن المهنية من أجل الترويج للنظام وسياساته الفاسدة‏.‏
اما الخطوة الثانية بعد الاعتذار‏,‏ فهي سرعة تغيير قيادات الإعلام الحكومي مع تغيير الصفحات والشاشات‏,‏ تغيير واسع يشمل أسلوب الاخراج والكتابة والمعدين وطريقة تقديم الاخبار والمعلومات‏,‏ والمذيعين وخريطة البرامج‏,‏ صحيح أنه حدث تحول ضخم في تغطية الإعلام الحكومي للاحداث‏,‏ فقد غير موقعه من رفض الثورة وتشويه الثوار‏,‏ إلي الدفاع عنها والدعوة لها‏,‏ والاشادة بالشهداء وبالشباب الذي فجر الثورة‏,‏ لكن هذا التحول المفاجيء غير مقنع ويثير الشفقة‏,‏ ويقضي علي ما تبقي للإعلام المصري من مصداقية واحترام بين الجمهور‏,‏ كما يشوه صورة الإعلاميين لدي الجمهور‏,‏ فنفس الوجوه والاقلام التي كانت تدافع باستماتة وحماس عن النظام السابق تحولت للدفاع عن الثورة بالحماس نفسه‏,‏ بل ان بعض الصحف تهاجم النظام السابق بدرجة تفوق هجوم صحف المعارضة‏!!‏ من هنا تتشكل لدي الجمهور صور سلبية عن الإعلام والإعلاميين‏,‏ فالإعلام تابع للسلطة ومنافق لها‏,‏ والإعلاميون منافقون ويعملون بدون مباديء أو اخلاق‏,‏ ومثل هذه الصورة غير صحيحة وتنطوي علي تعميم وتتعامل مع الإعلاميين ككتلة واحدة ولاتميز بين الصالح والطالح‏,‏ خاصة أن أي مهنة لاتخلو من الفاسدين أو المنافقين‏,‏ واذا كان هناك اعلاميون غير ملتزمين بقواعد العمل المهني واخلاقيات الإعلام فإنهم اقلية محدودة لكنها كانت تتصدر المشهد لان النظام السابق اتاح لها حرية النشر ومنحها أجورا ومكافآت ومزايا ضخمة‏,‏ بينما اغلبية الإعلاميين رفضوا بيع ضمائرهم وتمسكوا بشرف المهنة واخلاقياتها‏,‏ وقد عانوا من المطاردة والتضييق والحرمان من النشر أو الظهور علي الشاشة‏,‏ وكثير من هؤلاء الإعلاميين عارضوا النظام وشاركوا في ثورة‏25‏ يناير‏.‏
والخطوة الثالثة هي إطلاق الحريات وتحقيق العدالة في الاجور والمكافآت واحترام الكفاءة داخل مؤسسات الإعلام الحكومي‏,‏ في هذا الإطار لابد من إعادة النظر في اساليب اختياروتعيين الإعلاميين في المؤسسات الإعلامية الحكومية‏,‏ ومراجعة جميع نظم العمل والرقابة الداخلية والتوجيه‏,‏ بحيث تستبعد تماما الواسطة أو التعاون مع الأجهزة الأمنية أو مداهنة الرؤساء ونفاقهم عند التعيين‏,‏ وتعتمد الكفاءة المهنية والالتزام الاخلاقي والسلوكي معيارا لاختيار وتشغيل الإعلاميين الشباب وترقيتهم‏.‏
وتكفي الاشارة إلي تراجع المستوي المهني للإعلاميين في اغلب وسائل الإعلام الحكومي نتيجة فساد عملية اختيار وترقية الإعلاميين‏,‏ من جانب آخر هناك ضرورة ملحة لإشاعة مناخ من الحرية داخل انظمة العمل في وسائل الإعلام‏,‏ الحكومي‏,‏ بحيث تختفي انظمة الرقابة من الرؤساء وتتقلص مساحات الرقابة الذاتية التي تفرضها انظمة العمل داخل المؤسسات الإعلامية‏,‏ واخيرا لابد من مراجعة سريعة وحاسمة للاجور والمكافآت بهدف تجسير الفجوة بين الحد الادني والحد الأعلي في أجور ومكافآت العاملين من ابناء المهنة الواحدة داخل المؤسسة‏.‏
الخطوات الثلاث السابقة تشكل مهام رئيسية مطلوبة‏,‏ وعاجلة لإعادة تأهيل الإعلام الحكومي بحيث يطور من ادائه ويعيد ثقة الجمهور فيه‏,‏ وبحيث يكون قادرا علي تبني الدعوة لحوار مجتمعي عام بشأن مستقبل منظومة الإعلام المصري في ظل عملية التحول الديمقراطي‏,‏ واعتقد ان هذا الحوار سيشمل اصدار قوانين جديدة للصحافة والنشر وحق الإعلاميين في الحصول علي معلومات‏,‏ ولابد ان تتضمن هذه القوانين أفكارا جديدة وصيغا غير تقليدية في مقدمتها اطلاق حرية الإعلام بما في ذلك الإعلام الجديد كالصحافة الالكترونية‏,‏ وحرية تشكيل نقابات للعاملين في الاذاعة والتليفزيون العام والخاص‏,‏ والفصل بين ملكية الصحف ومجلس الشوري‏,‏ وتمليك الصحف الحكومية وقنوات الاذاعة والتليفزيون كأسهم للعاملين فيها وللمواطنين بنسب صغيرة بما يمنع من تركز الملكية والاحتكار‏,‏ واقرار حق العاملين في انتخاب رؤساء التحرير وقيادات الاذاعة والتليفزيون‏,‏ ومجالس أمناء من الشخصيات العامة غير الحزبية‏,‏ ووضع ضوابط لسيطرة الإعلان وهيمنة رأس المال علي وسائل الإعلام‏.‏

 

azazystudy

مع أطيب الأمنيات بالتوفيق الدكتورة/سلوى عزازي

  • Currently 30/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
10 تصويتات / 160 مشاهدة
نشرت فى 17 مارس 2011 بواسطة azazystudy

ساحة النقاش

الدكتورة/سلوى محمد أحمد عزازي

azazystudy
دكتوراة مناهج وطرق تدريس لغة عربية محاضر بالأكاديمية المهنية للمعلمين، وعضوالجمعية المصرية للمعلمين حملة الماجستير والدكتوراة »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

4,763,627