بقلم د. ياسمين فراج
شيء جميل أن يمنح الفرد حريته التي تمكنه من اختيار نمط الحياة الخاص به وأول خطوات الحرية هو تأسيس دولة مدنية قائمة علي المؤسسات الدستورية تحترم حقوق المواطن والحريات
وتفصل بين السلطات, ولعل هذه الاهداف كانت من أجمل مطالب شباب ثورة25 يناير.2011
نادي العديد من النخبة الفكرية والسياسية في مصر والوطن العربي بتحقيق أنظمة الدولة المدنية في بلداتهم بداية من القرن التاسع عشر وكان من أبرزهم رفاعة الطهطاوي, طه حسين, أحمد لطفي السيد, فرح انطون, عبد الرحمن الكواكبي..وغيرهم. ومن أهم القيم التي ترسخ لها الدول المدنية احترام الحريات بمعاييرها الايجابية وقد اجمع العديد من الفلاسفة وعلماء الاجتماع والمفكرين علي أن المفهوم المثالي للحرية هو ممارسة الحقوق الشخصية بما لايضير بمفهوم الانسانية التي تدعو للتعايش السلمي الآمن, وهذا ما أشار اليه إمانويل كانت في قوله لاأحد يستطيع إلزامي بطريقته ومايريده هو لأصبح سعيدا ومحظوظا فكل منا يمكنه البحث عن حظه وسعادته بطريقته التي يريدها والتي تبدو له أنها الطريق السليم لتحقيق ذلك شرط ألا ينسي حرية الآخرين وحقهم في الشيء ذاته وإلا لم هناك مجتمع.
لكن الانفلات المجتمعي الذي تبع ثورة25 يناير بات يهدد مفهوم الحرية بمعناه الايجابي, وفي نفس الوقت يتناقض مع مبدأ ثان من أسس قيام الدولة المدنية وهو احترام حقوق المواطن, فالتظاهرات والاعتصامات الفئوية التي تسببت في وقف سيرورة مؤسسات الدولة العامة والخاصة لم ينتبه افرادها بأنهم يسلبون فئة كبيرة من مواطني نفس الوطن الاحترام في أشياء أساسية مثل حقوقهم في العمل أو صرف مستحقاتهم او انتقالاتهم الآمنة الي أخره فحق التعبير عن الحرية يجب أن يضمن التعايش السلمي بين المواطنين وعدم التعدي علي بعضنا البعض بشتي الطرق وعلينا أن نعقد بيننا هدنة تسامح لتكون نقطة انطلاق لمستقبل افضل.
ان التحولات الجذرية في تاريخ الشعوب تحتاج الي ثورات يتبعها عمل, وقد بدأ المسئولون في تحقيق ما طالبت به ثورة25 يناير والمنتظر من أبناء الوطن العودة الي النظام واحترام اعمالنا بعزم أكبر كثيرا مما سبق ليس فقط لانقاذ مصر من الانهيار الكلي لكن لأن الولاء للمهنة يمنح الفرد الولاء للوطن ولذلك فإن التحدي الرئيسي للنظام القادم أن يضمن مهنة لكل مواطن في هذا الوطن.
إن مفهوم الحرية الذي يتطلع اليه الافراد كأساس من أسس الدولة المدنية يختلف من بلد الي آخر طبقا للمعتقدات الفكرية والسياسية والدينية المتنوعة وهذا مايوجد الصدام الدائم بين الحريات والانظمة الحكومية في جميع الدول ولذلك فان التحدي الآخر للنظام القادم هو تغيير المنظومة القيمية للفرد ليعي كيفية التعامل مع مفهوم الحرية الايجابي ولن يأتي ذلك الا بتغيير أنظمة التعليم الاساسي والجامعي والتوجه الاعلامي والثقافي للدولة.
من منطلق فكرة الرغبة في اسقاط النموذج السلطوي تظهر بعض اتهامات الإدانة لكل من يمثل نموذجا للسلطة دون الاستناد علي حقائق موثقة وفعلية وفتح الابواب لخلط اوراق الجرائم العامة بتصفية الحسابات الشخصية, مما يتسبب في تضليل الرأي العام والمواطن البسيط ويشيع أجواء من عدم المصداقية والثقة بين أبناء هذا الوطن وتسلط فكرة تحطيم النموذج السلطوي عند فئة من أبناء الشعب قد يدفع بالبلاد الي حافة الهاوية ويبقيها في حالة فوضي دائمة, والفوضي تولد شللا مؤسسيا, والشلل في مؤسسات الدولة يؤدي الي انهيارها بالكامل.
الفيصل الوحيد في ظل هذه الاجواء التي اصابتها الفوضي الي حد كبير هو تحكيم ضمائر الافراد ووضع مستقبل هذا الوطن نصب أعينهم قبل أي مصالح شخصية, وهذا مايجعلنا نستعيد كلمات جون ستيوات ميل بأن السبب الوحيد الذي يجعل الانسانية أو جزءا منها لتتدخل في حرية التصرف لأحد أو مجموعة من أعضائها هو حماية النفس فقط, وأن السبب الوحيد الذي يعطي الحق لمجتمع حضاري في التدخل في إرادة عضو من أعضائه هو حماية الآخرين من اضرار هذا التصرف, فعلينا أن نكون مصريين ولا نفكر بشكل حصري ولكن بشكل شمولي لتبقي مصرنا الغالية.
ساحة النقاش