حتمية الفصل بين الملكية والإدارة فى الثورة المصرية

  بقلم   على سالم    ٢٧/ ٢/ ٢٠١١

الفكر الثورى يهدف إلى إزالة الواقع تمهيدا لبناء واقع جديد ملامحه ليست واضحة، والفكر الإصلاحى يسعى لتغيير الواقع بتقوية أعمدته وإصلاح أساساته وذلك من أجل جعله أقرب ما يكون إلى الجمال والعدل وهما القيمتان اللتان تحتويان على كل القيم العليا. ولقد كتبت كثيرا عن الدولة ذات المؤسسات بوصفها الحامى الوحيد لحقوق الإنسان الفرد، وكل كتاباتى عن الدولة لم تكن لإقناع المواطن بأهميتها المطلقة، بل لإغراء رجال الدولة فى مصر ونسائها أن يؤمنوا بحتمية عدالتها وقوتها، غير أننى أقطع بأن أحدا منهم لم يقرأ لى أو لغيرى كلمة واحدة.

 لست أكتب هذه الكلمات للمفاضلة بين الفكر الثورى والفكر الإصلاحى فلا جدوى من ذلك الآن ولا فائدة، فبعد الثورة المصرية بلحظات كان واضحا للجميع أن الفكر الإصلاحى فى مصر أعلن فشله على كل الجبهات ليس لضعفه أو لانعدام أهميته بل لأن نظام الحكم ذاته كان مصابا بحساسية شديدة ضد الإصلاح وضد كل من يطلبه أو يستجديه. وكأن كل فرد فى النظام صغر أم كبر كانت توجد على رأسه بطحة يتحسسها عند ذكر أى إصلاح يتطلب علاجا أو ضمادات جديدة أو حتى مجرد الاستعانة بطبيب. فى اللحظات الأولى بعد تنحى الرئيس السابق محمد حسنى مبارك عن الحكم، ملأت الفرحة قلوب الجميع، ومنهم كاتب هذه السطور، شعرت بالارتياح الذى يشعر به الإنسان عادة عندما يستيقظ من كابوس ثقيل طويل.

الواقع أن الشبان الذين استخدموا ميدان التحرير منصة إطلاق لثورتهم حرصوا على عدم تقديم شخص أو أشخاص باعتبارهم مسؤولين عن الثورة، وبالتالى مسؤولين عن تبعاتها ونتائجها. لحسن الحظ وفى اللحظة المناسبة تولت المؤسسة العسكرية المصرية المسؤولية، مسؤولية إدارة شؤون البلاد إلى أن تصل بها إلى شاطئ الأمان الذى يبدو لى بعيدا جدا. ومما يجعله بعيدا أكثر عدم الفصل بين الملكية والإدارة فى مشروع الثورة، هذه الثورة فجرها الشباب بالنيابة عن الملاّك وهم الشعب المصرى، ثم تولت إدارتها المؤسسة العسكرية، وهو ما يحتم عدم التدخل فى عملهم وتعطيل أدائهم إلى أن يتموا ما بدأوه، غير أن بعض الثوار مازالوا يعملون على قاعدة أن الرئيس السابق مبارك مازال يحكم وأن عليهم مواصلة العمل لإزالته، هكذا نشأت ازدواجية أراها معطلة وخطرة. لعل أفضل ما يفعله الشباب المؤسسون الآن هو إنشاء حزب وجريدة ومساعدة المؤسسة العسكرية بكل الطرق على أداء مهمتها. لقد اكتسبوا مواقع مهمة فى قلوب الناس وعليهم عدم استخدام حب الناس لهم وتقديرهم لتضحياتهم لوضع العصى فى الدواليب،

 فالمشوار طويل جدا والطريق الموصل للحياة الطبيعية فى مصر ملىء بالمشاكل والمخاطر. إن الشبحية التى استخدمت فى الاعتصام والمظاهرات والتى أفزعت النظام وأفقدته قوته وتماسكه بفرض وجودهما، لم تعد فى صالح الثوار ولا فى صالح المصريين، لابد أن نعرف من أنتم، وما الإطار السياسى والاجتماعى الذى ستتعاملون به مع الشعب المصرى، لكى يمكن التحاور معكم وتفادى سوء الفهم أو التفاهم.

لقد شاهدت فيلم الثورة من قبل منذ حوالى ستين عاما وعشت كل مشاهده الممتعة والمؤلمة، ومن المفردات المتناثرة فى الفضائيات لبعض شباب الثورة تعود إلى ذهنى أسوأ مشاهد الثورة الأولى التى تطلبت نتائجها حدوث ثورة أخرى بعد ستين عاما. نعم.. ثورة ٢٥ يناير ٢٠١١ لم تعزل الرئيس السابق مبارك فقط بل أنهت ثورة يوليو١٩٥٢. كل ما كنا نعيشه فى مصر من حياة استثنائية ورثناه عن يوليو، وكان من الممكن بعد انتصار اكتوبر١٩٧٣ أن تفلت مصر من أسر الاستبداد الشرقى الشهير وتبدأ عهدا جديدا من الحرية والديمقراطية والإدارة الرشيدة، غير أن القدر تدخل فى صدفة سيئة وقتل السادات فعاد النظام إلى قواعد يوليو ليقيم عليها أكثر الأنظمة التى عرفها المصريون بلاهة ومراوغة وقمعاً وضعفاً ولصوصية.

من خلال الكلمات المتناثرة لبعض الشباب الذين فجّروا الثورة، ألمح حملة قادمة لاصطياد الساحرات، وهذا واضح من استخدام تعبير «الثورة المضادة»، وهو ما أعاد إلى ذهنى أشد الأوقات سوادا فى ثورة يوليو. فى ثورتنا الأولى كانت لدينا مناجم غنية بعناصر الثورة المضادة تمكنت الثورة من الفتك بهم جميعا، فهل سنمشى مجددا فى نفس الطريق؟ علينا أن نحدد المقاييس المطلوبة فى العمل، ليس من المعقول أن نطلب إبعاد شخص ما من وظيفته لأنه من «بتوع» مبارك، أو تم تعيينه فى عهد مبارك، هذا مقياس انتقامى لا يتسم بالحكمة، لا أحد على قدر كبير من الكفاءة والخبرة والنضج «بتاع حد»، أنا أعرف جيدا نشوة الانتصار غير أننى أحذر منها، وفى المقابل، ليس كل من كان ضد حكومة مبارك، كان مؤمنا بحقوق الإنسان أو بالحرية والديمقراطية، والاستعانة فى التشكيلات الجديدة بشخص لمجرد أنه كان ضد مبارك، خطأ سياسى.

 مع مبارك أو ضده ليست مقياسا صالحا للعمل، والدليل على ذلك ذلك العدد المهول من العاملين فى إعلام مبارك الذين لم يفعلوا شيئا فى حياتهم سوى الدفاع عن حكمته وشتيمة خصومه، فى لحظات تفرغوا لشتيمته ولعن أيامه. هل كانوا معه أم كانوا ضده فى حقيقة الأمر؟ هل كانوا «بتوعه» ثم أصبحوا بتوع الثورة؟ لا هذا ولا ذاك.. لا يوجد عندهم ما يسمى (حقيقة ألأمر)، الحكاية وما فيها أنهم عجزة لا يجيدون مهنتهم، والمديح هو الوجه الآخر للشتيمة. هؤلاء كانوا خطرين على النظام القديم كما هم أيضا خطرون على النظام الجديد وعلى أى نظام فى الدنيا، لأنهم عاجزون عن التفكير الصحيح ومعرفة الحقائق ثم نقلها للناس، أما الأخطر من ذلك كله فهو أنهم لا يؤمنون بشىء. هناك أيضا حديث عن ( قطع دابر) بعض الناس الذين كانوا يعملون فى النظام القديم، لست أعرف بالضبط كيف سنقطع دابرهم، أنا أفهم أن يتم تحويل أى عدد من البشر إلى النائب العام وتقديمهم إلى القضاء لمعاقبتهم عما اقترفوه، ولكن جملة قطع الدابر هذه تشعرنى بالقلق والخوف.

 يبدو أن النصر الكاسح المستحيل الذى تحقق بالرغم من استحالته، أشعر بعض الثوار بالخوف وملأهم بالهواجس إلى الدرجة التى بدأوا يشعرون فيها بأن خلف كل حجر ثعباناً. نظرية المؤامرة بدأت تنتعش بشكل يوحى بالخطر، إلى الدرجة التى تساءل فيها أحد الشبان: كيف تفسر تلك المظاهرات الفئوية التى حدثت فجأة فى كل مكان؟ لقد سُئلت فى عدد من الإذاعات الأجنبية: هل من الممكن أن يسرق هذه الثورة أحد من القوى الموجودة على الساحة؟

وكانت إجابتى: لا أحد فى مصر يستطيع ذلك.

والآن بعد أن أمَّ الشيخ القرضاوى جماهير الشباب فى ميدان التحرير، بدأت أفكر فى أن إجابتى كانت خاطئة.

نقلاً عن «الشرق الأوسط»

azazystudy

مع أطيب الأمنيات بالتوفيق الدكتورة/سلوى عزازي

  • Currently 15/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
5 تصويتات / 156 مشاهدة
نشرت فى 27 فبراير 2011 بواسطة azazystudy

ساحة النقاش

الدكتورة/سلوى محمد أحمد عزازي

azazystudy
دكتوراة مناهج وطرق تدريس لغة عربية محاضر بالأكاديمية المهنية للمعلمين، وعضوالجمعية المصرية للمعلمين حملة الماجستير والدكتوراة »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

4,646,713