إهدار ٧٩ مليار جنيه فى مشروعات قومية لم تستفد منها الدولة

  كتب   أسامة خالد    ١٦/ ٢/ ٢٠١١

كشفت دراسة حديثة أعدها الدكتور صلاح جودة، مدير مركز الدراسات الاقتصادية، عن خسارة مصر ما يقرب من ٧٩ مليار جنيه فى مشروعات قومية لم تحقق أى استفادة حقيقية للبلاد، وأكدت الدراسة التى حملت عنوان «التكاليف الاقتصادية للقرارات الخاطئة فى ٣٠ عاما» أن هناك ١٤ مشروعاً قومياً وقراراً اقتصادياً خاطئاً أضاعت على الدولة كل هذه الأموال دون محاسبة لأى مسؤول.

وقال جودة: «منذ ٣ عقود اتخذ بعض المسؤولين قرارات مصيرية كانت فى مجملها خاطئة ولها تكاليف اقتصادية فادحة وكلفت الخزانة مليارات الجنيهات، والمهم فى ذلك أن هذه القرارات تم اتخاذها دون الرجوع للخبراء أو المختصين ولم تعرض على مجلس الشعب لكن العناد الحكومى وعدم الاكتراث بالشعب والأمان من عدم المحاسبة والتخبط فى اتخاذ القرارات والعشوائية فى التفكير كل هذا جعل المسؤولين بمعزل عن العقاب»، وأضاف: الكارثة أن هذه المشروعات بدأت باعتبارها مشروعات قومية، وتم الترويج لها بأنها ستحقق عائداً كبيراً للدولة.

وتبدأ الدراسة بمشروع نقل الوزارات إلى مدينة السادات، وهو المشروع الذى بدأ فى ١٩٧٨، وما بعدها، وكان ذلك فى عهد الوزير حسب الله الكفراوى، وزير الإسكان والتعمير فى ذلك الوقت، وتحمس الرئيس السادات كثيرا للمشروع، وبعد بناء مجمع المصالح الحكومية فى المدينة بتكلفة ٨٥ مليون جنيه، ما يعادل وقتها ١٢٢ مليون دولار، لايزال المبنى مهجوراً حتى الآن، ثم عادت الحكومة إلى تبنى المشروع مرة أخرى فى عهد الرئيس السابق حسنى مبارك، ليمثل رئة خاصة للقاهرة، وأهدرت فيه أكثر من ٦٩٠ مليون جنيه دون فائدة.

وانتقلت الدراسة إلى مشروع أرض الفيروز الذى تم طرحه بعد تحرير سيناء، وتم التبرع للمشروع من جهات كثيرة وأفراد فى مصر ولا أحد يعرف حتى الآن مصير المشروع أو التبرعات التى بلغت وقتها ٢٠٠ مليون جنيه، ما يعادل ٢٨٥ مليون دولار، فضلاً عن الأموال التى جمعت فى الفترة الأخيرة.

ويذهب الدكتور جودة إلى مشروع فوسفات أبوطرطور قائلا: هذا المشروع عجيب جداً، فعند طرحه على الرأى العام، أوضح المسؤولون أنه سيكون بمثابة وادٍ جديد لمصر وللصناعة المصرية، وتم الاتفاق مع شركات روسية وإنجليزية وعمل دراسات وبناء مدينة سكنية للعمال ومد خطوط السكك الحديدية، وتكلف المشروع منذ بدايته فى أواخر السبعينيات، وحتى الآن ما يقرب من ٧ مليارات جنيه وحتى الآن مازال مهجوراً، وتبرأ منه جميع الوزراء ورؤساء الوزراء السابقين، وحتى الآن لم يتم استكمال المشروع أو الاستفادة من الفوسفات وأسعاره العالية أو استخدامه فى إنتاج الأسمدة الآزوتية، ولا استخدمت المنطقة السكنية أو خط السكة الحديد، وهذا مثال آخر على إهدار المال العام ، وقيل حاليا إن قضبان السكك الحديد سرقت، وبالتالى سيضيع على الدولة مبلغ ٧ مليارات جنيه بأسعار السنوات السابقة أى ما يعادل حاليا ٢.٥ مليار دولار.

ومن فوسفات أبوطرطور إلى مشروع شرق التفريعة وتبنته وزارة الدكتور كمال الجنزورى، فى الفترة ١٩٩٦- ١٩٩٩، وتم توزيع الأراضى على المستثمرين وعمل ميناء وخطط للاستفادة من موقع المكان والاتفاق مع الدول الأوروبية للمساهمة فى المشروع ومد المرافق وحتى الآن لم يظهر المشروع للنور رغم افتتاح الجنزورى له، لكن مع استقالة وزارته فى ٥ أكتوبر ١٩٩٩ حاربت وزارة الدكتور عاطف عبيد، المشروع، وحتى الآن لم تتم الاستفادة منه أو مراجعة الأموال التى أهدرت فيه، وقيل بعد ذلك إن السبب فى عدم استكمال المشروع أنه غير ذى جدوى اقتصادية، وتكلف المشروع بنية أساسية بقيمة ٢ مليار جنيه أى ما يوازى وقتها ٦٠٠ مليون دولار ويقدر حاليا بـ ٣.٥ مليار جنيه مصرى، ولا أحد يعرف مصير هذا المشروع أو مصير الأموال التى تم سدادها.

ويضيف مدير مركز الدراسات الاقتصادية: مشروع خليج السويس أيضا كان ضمن مشروعات تبنتها وزارة الدكتور الجنزورى، وعند الإعلان عنه تم شرح فوائد وعوائد المشروع والاتفاق مع كبرى الشركات الصينية لتولى إدارته، ومع إقالة الوزارة أهدرت المبالغ التى أنفقت فيه، وكان من الممكن الاستفادة من فرص العمل المتاحة فيه، وتكلف المشروع حوالى ٨٠٠ مليون مصرى، ٢٤٠مليون دولار، ما يوازى حاليا ١.٤ مليار جنيه مصرى.

ويضيف: أما بالنسبة لمشروع حديد أسوان فتم التفكير فيه فى النصف الثانى من التسعينيات، حيث أعلنت الحكومة عن أن هناك مخزوناً من الحديد فى شرق أسوان وبالتحديد فى منطقة وادى العلاقى، وأعلنت الحكومة عن مناقصة عالمية للشركات للدخول فى هذا المشروع، وفازت شركة مصرية بالتعاون مع أكبر تجمع أوروبى لشركات الحديد فى العالم «ألمانى-فرنسى-إيطالى» بالمشروع، وتم دفع مبلغ يزيد على ١٢٠ مليون جنيه مصرى، وبعد استقالة الجنزورى، الذى كان يتبنى المشروع، تم حبس أصحاب المشروع، وإهدار ما يزيد على ١٢٠ مليون جنيه، بالإضافة إلى الخسائر التى بلغت ٣٥ مليون دولار، ما يوازى حاليا ٢٠٠ مليون جنيه، فضلا عن حوالى ٣٠٠٠ فرصة عمل لأهل الجنوب، ولا أحد يعرف حتى الآن مصير المشروع والأرض والمعدات أو مصير أصحابه.

أما مشروع الظهير الصحراوى فتبنته وزارة الدكتور أحمد نظيف فى ٢٠٠٤، وتبين أن الحكومة لم تضف أى ظهير صحراوى حتى الآن سوى ٣ أو ٤ قرى رغم أن المشروع كان يستهدف ١٥٠٠ قرية، لتوفير فرص عمل، وحماية الأراضى الزراعية وعدم الاعتداء عليها، وحتى الآن لم يستكمل المشروع رغم رصد مبالغ كبيرة من الميزانية له، بلغت ١.٥ مليار جنيه، وبدلا من إقامة قرى الظهير الصحراوى خرجت الوزارة بمشروع «المتخللات الزراعية» أى إقامة المبانى بين الأحوزة الزراعية وبدلا من أن يتم ضم هذه الأحوزة للأراضى الزراعية، أكدت الحكومة بناء هذه الأحوزة، وعدم البناء فى الظهير الصحراوى، ما يعنى تجريف الأراضى الزراعية أو الأراضى الصالحة للزراعة للبناء عليها.

وحول مشروع ترعة السلام تشير الدراسة إلى أنه تم طرحه أولا على الرأى العام ضمن المباحثات التى دارت بين الرئيس السادات، ومناحم بيجن، رئيس وزراء إسرائيل، فى أسوان فى ١٩٧٩، وقبل توقيع معاهدة السلام نهاية ١٩٧٩، وكان الهدف منها توصيل مياه النيل إلى سيناء لتعميرها من ناحية والاستفادة من الأراضى الزراعية الخصبة، وانتقال ما لا يقل عن ٥ ملايين مواطن من الوادى الضيق إلى أرض سيناء، ليكون هذا العدد بمثابة درع فى مواجهة الأعداء، وحتى لا تظل سيناء خاوية من التنمية والبشر،

 وتم رصد مبالغ كثيرة لترعة السلام شارك بها معظم الدول العربية ولم تكتمل ترعة السلام بل تم بناء نصف المشروع فقط، أهدرت مبالغ تزيد على ٢.٥ مليار دولار لم تتم الاستفادة منها، علما بأنه تم اتخاذ قرار بأن تكون الترعة فى المنطقة الخطأ كما قال جميع الخبراء والمتخصصين لأن وادى سهل الطينة منطقة شديدة الملوحة ووجود ترعة بها يعد إهدارا للمياه فى حين أن الطريق الصحيح المرسوم من النيل للترعة سيعمل على توفير حوالى ٢.٥ مليون فدان، وبفقدها خسرت الدولة حوالى ١٥ مليار جنيه مصرى.

وتأتى الدراسة إلى مشروع توشكى مؤكدة أنه المشروع الأخير الذى تبنته وزارة الجنزورى، وأطلقت حملة إعلانية وإعلامية كبيرة لبدء تدشينه، وروجت لأنه سيكون بمثابة وادٍ جديد سيضيف ما يقرب من ٥ ملايين فدان للرقعة الزراعية، فضلا عن انتقال من ٦ إلى ٨ ملايين مواطن للعمل فى هذا المشروع، وقالت الحكومة إن جميع المنتجات الزراعية سيتم تصديرها أولا بأول، وإن ملف استيراد القمح سيغلق نهائياً، لأن مصر ستكون دولة مصدرة للقمح، وحتى الآن تم إنفاق ما يقرب من ١٢ مليار جنيه على المشروع ولم يستصلح سوى ٣٠٠٠ فدان فقط، بل تم الهجوم على المشروع بعد استقالة الجنزورى، وقيل إنه تسبب فى إهدار أموال ضخمة من الميزانية.

وتصل الدراسة إلى مشروع ابنى بيتك وهو المشروع الذى أدرج فى برنامج الرئيس السابق، حسنى مبارك فى انتخابات ٢٠٠٥، وبعد فوزه بالرئاسة للمرة الخامسة، تم تشكيل وزارة جديدة، برئاسة الدكتـور أحمد نظيف، وجاء المهنـــدس أحمد المغربى، وزيرا للتعمير والإسكان، ونفذ البرنامج الانتخابى على أساس أن يكون هناك منزل لكل شاب، لكن الآليات التى اتخذت لاستكمال المشروع جعلت منه مغارة لضياع الأموال، إذ خصصت الحكومة ٢.٥ مليار جنيه للمشروع وبعد مرور ٤ سنوات تدخل الفساد والرشاوى،

وهناك قضية منظورة أمام القضاء حاليا اتهم فيها حوالى ٢١ شخصا من المسؤولين والعاملين بالمشروع بتلقى رشاوى بلغت ٥٠٠ مليون جنيه، كما أن الشباب لا يستطيع بناء مسكنه بنفسه، خاصة أن معظم الأراضى المخصصة للمشروع وضع بعض البلطجية والخارجين عن القانون يدهم عليها، ولم يحقق النتائج المرجوة منه.

وانتقلت الدراسة إلى المناطق الصناعية التى كلفت الدولة حوالى ١٨ مليار جنيه، وقال جودة: عندما شرعت الحكومات السابقة فى بناء مناطق صناعية على غرار منطقة العاشر من رمضان ومنطقة ٦ أكتوبر، كانت أولى المناطق التى تم إنشاؤها بعد ذلك مدينة السادات و ١٥ مايو ومدينة السلام ومدينة سوهاج الصناعية ومدينة أسيوط الصناعية والمنيا الصناعية وقفط الصناعية فى محافظة قنا، وقيل وقتها إن هذه المناطق ستجعل جميع المحافظات،

وخاصة محافظات الصعيد جاذبة للاستثمارات، وستعمل على توفير١/٢ مليون فرصة عمل أساسية وحوالى ١ مليون فرصة عمل موسمية، وستعمل على تغير الأنماط والسلوك العدوانى لمعظم أبناء الصعيد، ورصدت الحكومة ١٨ مليار جنيه منذ عام ١٩٩٣ وحتى الآن،

ولكن بالنظر إلى مشاكل هذه المناطق، وخاصة مناطق فى الصعيد سنجد أنها جميعها تعانى الإهمال، وعدم استكمال المرافق، مما جعلها تشكل عبئاً، يضاف إلى مشاكل المحافظات، وصدرت عدة قرارات أخرى تفيد بامتناع البنوك عن تمويل هذه المناطق بحجة وجود تعثر لبعض المستثمرين، وبالتالى توقف معظم مستثمرى هذه المناطق عن النشاط وكان الحبس فى السجون نتاج عدم استكمال البيئة الأساسية للمشروعات والمناطق، التى كلفت الدولة ١٨ مليار جنيه، لم تتم الاستفادة الكاملة منها نتيجة القرارات الخاطئة.

ويختم جودة دراسته بالحديث عن جراج رمسيس قائلا: خلال ٦ أشهر تم بناء جراج كبير فى ميدان رمسيس وقيل وقتها إن بناءه يأتى للاستفادة من أصول هيئة السكك الحديدة، وكان ذلك ضمن مشروعات وزارة نظيف، وبعد بنائه بتكلفة ٤٨ مليون جنيه تم هدمه مرة أخرى بتكلفة بلغت ٢٠ مليون جنيه، ولا أحد يدرى حتى الآن لماذا تم البناء ولماذا هدم بعد ذلك، وقيل فى ذلك إن مظهر الجراج يشوه التنسيق الحضارى للميدان.

ويضيف جودة: الحكومة تكلفت حوالى ٧٩ مليار جنيه خلال العقود الثلاثة الماضية نتيجة القرارات الخاطئة والعشوائية، والأهم من ذلك هو عدم محاسبة المسؤولين عن إهدار هذه الأموال، التى تحملها الشعب والخزانة والموازنة العامة للدولة.

أعد الدراسة

صلاح جودة

azazystudy

مع أطيب الأمنيات بالتوفيق الدكتورة/سلوى عزازي

  • Currently 15/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
5 تصويتات / 191 مشاهدة
نشرت فى 16 فبراير 2011 بواسطة azazystudy

ساحة النقاش

الدكتورة/سلوى محمد أحمد عزازي

azazystudy
دكتوراة مناهج وطرق تدريس لغة عربية محاضر بالأكاديمية المهنية للمعلمين، وعضوالجمعية المصرية للمعلمين حملة الماجستير والدكتوراة »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

4,793,404